تحسين القنبزي وتحسين القنبري شخصان مختلفان لا تجمع بينهما صلةُ رحمٍ ولا صداقةٌ من أي نوع، لا بل إن أحدهما لم يرَ الأخر أو يسمع به في يوم من الأيام.
القنبزي تاجر محترم طيب السمعة ميسور الحال. غادر البلاد منذ ما يزيد على العشر سنوات إلى أوروبا هرباً من القيود الاقتصادية التي فرضتها حكومة البعث على الاستيراد والتصدير، وخلال غيبته لم يتفوَّه بكلمة ضد الحكومة ولم يأتِ على لسانه ذكرٌ لحافظ الأسد أو رفعت الأسد، لا سلباً ولا إيجاباً ولا من قريبٍ ولا من بعيد!
أما القنبري فكان صناعياً ماهراً وميكانيكياً محترفاً؛ عمل لفترةٍ طويلةٍ من عمره رئيس ورشةٍ في أحد المعامل التي استولت عليها الدولة تحت شعار التأميم، أي تحويل الملكية إلى الأمَّـة. وذات يوم قام القنبري بإصلاح آلةٍ من آلات المعمل بكلفةٍ زهيدة جداً بحدود ثلاثين ليرة سورية، فوفَّر بذلك على الدولة أو "على الأمَّـة"، بضعة آلاف من الدولارات ثمناً للقطعة المتعطلة التي كان رئيس المعمل قد قرر طلبها خصيصاً من ألمانيا (ألمانيا الشرقية طبعاً). وطبعاً فإن انتظار القطعة كان سيؤدي إلى توقف تلك الآلة عن الإنتاج ستة أشهر أو أكثر.
سمع الوزير بما قام به تحسين فشـرَّفه بكتاب ثناءٍ وتقديرٍ ومكافأةٍ ماليةٍ مقدارها خمس وعشرون ليرة سورية.
كتاب ثناء يحتاج تحسين في الحقيقة إلى عشرة منه لاستعماله بديلاً عن أوراق التواليت المفقودة، وخمسة وعشرون ليرة لا تغطي ما تكلَّف من جيبه الخاص لإصلاح تلك القطعة!
من يعلم!.. لعلَّ الإهانة كانت مقصودة حتى لا يتجرَّأ عامل آخر على التدخُّل فيما لا يعنيه أو يُقدِمَ على الابتكار والإبداع، فيفسد على مدير معملٍ أو وزيرٍ أو تاجر من تجار الدولة صفقة مربحة. في الواقع، لو تأمَّل تحسين في الأمر، لربما أدرك كم هو محظوظ إذ عوقب بكتاب ثناءٍ وخمسٍ وعشرين ليرة، وبذلك نجَّاه الله من الأعظم!
شعر القنبري بما يمكن للأيام أن تحمل له من مضايقات ومفاجآت، أو ربما لم يستطع ابتلاع الإهانة التي وجهت إليه، فقرر مغادرة البلاد للعمل في دولة من دول الخليج التي تبحث عن أمثاله من أصحاب الكفاءات والمواهب. وقبل أن يغادر البلاد، أخطأ خطيئة لا تغتفر؛ فقد صرَّح أمام بعض زملاء العمل أنَّ "حكومة سرّاقين" كهذه، لا تستحق عاملاً مثله. وإضافة إلى تلك الجريمة فقد ارتكب جريمة أخرى بمغادرته البلاد دون الحصول على موافقة المسؤولين على استقالته من العمل، وهو أمر يعاقب عليه القانون.
بين تحسين القنبزي وتحسين القنبري كان هناك أكثر من عامل مشترك. كلٌّ منهما قد هاجر الوطن من أجل حياةٍ أفضل. إضافةً إلى ذلك فإنَّ والديْ الاثنين كانـا يحملان اسم محمد. ولكن، هل تخلو عائلةٌ مسلمةٌ من فردٍ لا يحمل اسم محمد؟ إنَّ اسم محمد هو اسم يحمله كل مسلمٍ منذ الولادة بشكل "أوتوماتيكي" بالإضافة إلى أي اسم آخر يُعطى له!.. فليس هناك في الحقيقة ممدوح وكامل وثابت وصبحي وتيسير بل محمد ممدوح، ومحمد كامل، ومحمد ثابت ، ومحمد إلى آخره!.. حكومتنا الرشيدة تعرف ذلك. عناصر مخابراتنا أيضاً يعرفون ذلك، فهم ليسوا من مواليد باريس، ولكنهم اعتادوا أن ينظروا إلى أولئك الذين يشددون على ضرورة ذكر اسم محمد قبل أسمائهم المتعارف عليها على أنهم من الأخونجيين أعداء الثورة! لكن، ما شأننا وهذا الحديث! فلنترك السياسة لأصحابهـا ولنعد إلى صاحبينا تحسين وتحسين: القنبزي والقنبري.
عشر سنواتٍ مرَّت، قرر تحسين القنبزي بعدها أن يعود إلى الوطن لزيارة الأهل والأصدقاء. نصحه أحدهم بأن يعدل عن فكرة السفر قائلاً له: "ما لك ولهذه الزيارة يا أخ تحسين؟ إنَّ إنساناً بطباعك الكريمة ومكانتك المرموقة لن يتحمَّل جلسة سين وجيم في دائرة من دوائر المخابرات حتى لو كانت لخمس دقائق".
ويضحك تحسين. لماذا ســوف يتعرَّض للسين والجيم؟ إنَّ كلمةً واحدة عن الحكم أو الحكومة لم ينطق بها لسانه طوال فترة غيابه عن الوطن، وهو لم يسمع عن أي إنسان احتُجزت حريته دون سببٍ على الإطلاق. إنه لا يتدخَّل في أمور السياسة حتى لو جُرَّ إليها جراً وهو يقول لمحدثه في مثل هذه الحالات: "يا أخي السياسة لا تطعم خبزاً. دعنا نتحدث عن صفقة تطعمنا أكثر من الخبز". لكن تحسين كما يبدو لم يسمع بأن هناك شخصاً آخر يحمل اسمه الكامل ما عدا نقطة صغيرة واحدة! ولم يعرف أن ذلك الشخص قد نطق كفراً ذات يوم إذ قال قبل أن يغادر وطنه إن الحكومة لا تستحق عاملاً مثله، وكذلك لعن الحكومة مراراً من مكان عمله في الخليج، مما جعل إضبارته تمتلئ بالتقارير التي كتبها أولاد الحرام.
هبطت الطائرة بتحسين القنبزي في مطار دمشق الدولي، وما أن نزل منها حتى انحنى إلى الأرض يقبلها، فقد اشتاقت نفسه إلى نسيم الوطن وإلى أقربائه وأصحابه ومساجد مدينته ومقاهيها وأزقَّتها القديمة وإلى كل ما فيها. واتجه مع المسافرين إلى مبنى المطار، حيث وقف في صف طويل ينتظر دوره لختم جواز سفره بينما كانت عيونه تبحث بين الناس المحتشدين وراء الحاجز عن أهله وأصدقائه الذين كانوا يلوحون له بأياديهم مرحبين.
ظهرت علامات السرور على وجه تحسين حين أخذ منه رجل الأمن جواز سفره ثم أدخل اسمه في الكمبيوتر، فتمتم قائلاً: عظيم، عظيم، هذا هو التقدم. يبدو أن هناك فرصة ربح جيدة لي في الوطن بما أن الدولة بدأت باستيراد واستخدام التكنولوجيا الحديثة!
*********
هل قلتَ إنّه تقدمٌ يا تحسين...؟ إذاً انتظر قليلاً لترى بعينيك "الخازوق" الذي يعدّه لك هذا الكمبيوتر وهذا التقدم. الكمبيوتر ليس هو المجال الوحيد الذي تقدَّمت فيه بلادنا. لقد كانت وزارات الدولة تبعث في الماضي بالطلاب إلى أوروبا ليتلقوا العلم في جامعاتها ولكي يعودوا بمعارفهم وخبراتهم لإدارة شؤون البلد ومؤسساتها الإنتاجية، أما الآن فقد أضافت إلى هذه البعثات عناصر المخابرات، ترسلهم لكي يتعلموا على أحدث أساليب الاستنطاق والتعذيب في "معاهد" ألمانيا الشرقية وغيرها من الدول الراقية والمتقدمة في هذه الحقول. هذا اسمه تقدم يا أخ تحسين...!
وينقِّـلُ رجلُ الأمنِ نظرَهُ بين تحسين وبين شاشة الكمبيوتر عدة مرات. يختم له جواز السفر ويكتب إلى جانب الختم عبارة تقول: "يُرجى مراجعة فرع أمن الدولة في المطار فوراً". ويشعر تحسين بأن قلبه يكاد يسقط من مكانه وبالأرض تميد تحت قدميه. ينظر إلى الخلف وكأنه يتمنى لو يستطيع العودة بالطائرة التي حملته إلى الوطن، ولكنَّه يبذل جهداً عظيماً ليعيد البسمة إلى شفتيه ويسأل موظف الأمن قائلاً: "خير إن شاء الله؟.."
مجرَّد روتين! هناك نقطة صغيرة بحاجة إلى توضيح يا أخ. قال له موظف الأمن.
نقطة؟ ليس عليَّ نقطة واحدة في حياتي كلِّـها يا ســيِّد!
ويضحك رجل الأمن ويجيب قائلاً: يا أخ، أعني بذلك نقطة موجودة على أحد حروف اسمك وليس على سجلاَّتك. رجاءً، هذا ليس عملي، راجعِ الفرع.
ويستريح تحسين للتفسير إلى حدٍّ ما، ويتجه إلى ذويه الذين كانوا بانتظاره ويخبرهم بسرعةٍ بقصةِ النقطة ثم يتجه إلى فرع المخابرات وقد عاد القلق يسربله من رأسه إلى أخمص قدميه.
لم تكنِ المقابلةُ سيئةً كما توقَّعها أن تكون. موظف المخابرات كان لطيفاً جداً في استقباله واستنطاقه، وكان لا بدَّ لتحسين أن يعود ليعترف بينه وبين نفسه بحصول تقدّم في البلد.
سين: ما اسمك الكامل؟
جيم: تحسين القنبزي
سين: وما اسم والدك؟
جيم: محمَّـد
سين: هل سبق لك وأن عملت بالخليج قبل ســفرك إلى أوروبا؟
جيم: لا. أنا لم أعمل بالخليج أبداً، إنما قمت منذ بضع سنوات بزيارةٍ لأخي الذي يعمل هناك، أمّا أنا نفسي، فلم أعمل.
سين: هل اسمك الأخير "القنبزي" بحرف الزين أو الراء؟
ويؤكِّد تحسين لرجل المخابرات أن هذه النقطة يحملها منذ ولادته وأنَّ كل أخوته يحملونها، ويحاول أن يضفي جواً من المرح فيقول: سيدي، عائلتنا كلها موز أبو نقطة!..
يبتسم رجل المخابرات "بأدب" ويقول لتحسين الذي ظهرت على وجهه علامات الارتياح والإعجاب لهذه اللياقة: لا بأس. يبدو أنَّ الأمر لا يعدو كونه التباساً ولكن عليك مراجعة دائرة الاستخبارات العامة في دمشق غداً؛ ويعطيه قصاصة ورق دوّن عليها عنوان الفرع الذي يتوجب عليه مراجعته وموعد المراجعة ثم يصافحه ليشعره بانتهاء المقابلة مؤكداً له أن الأمر بسيط وأن ليس هناك داعٍ للقلق.
على الرغم من ذلك تسودُّ الدنيا أمام عيني تحسين بينما يحاول أهله وأصحابه وهم في طريقهم إلى البيت، أن يهوِّنوا عليه الألم، مؤكدين له أن الموضوع لا يعدو كونه التباساً بين اسمين وهو كثير الحدوث.
في صباح اليوم التالي وفي الوقت المحدد، كان تحسين يجلس في غرفة الانتظار في دائرة الاستخبارات العامة. ساعة طويلةٌ من الزمن تمرُّ يُدعى بعدها للدخول إلى غرفة لم يُكتب على بابها اسم من الأسماء أو لقب من الألقاب، مما أثار في نفسه قلقاً من نوع آخر وهو قلق الخوف من المجهول.
*******
ـ السلام عليكم!
يلقي تحسين التحية بأدبٍ ويقف في وسط الغرفة منتظراً الردَّ على تحيته أو على الأقل السماح له بالجلوس. وأثناء ذلك يتأمل في الرجل الذي كان مشغولاً وراء مكتبه الكبير بتقليب صفحات إضبارة لم يشك أبداً في كونها إضبارته. يتمنَّى لو أن بإمكانه أن يعرف رتبة هذا المحقق كي يهيّئَ نفسه لمخاطبته باللغة المناسبة؛ فتحسين، رغماً عن غيبته الطويلة، فهو ابن البلد ولم ينسَ بعد عقليـة هذه الفئة التي تسلَّطت على الحكم. إن المحقق إذا كـان من أصحاب الرتب الصغيـرة، فهو من النوع الذي يزداد غروراً عندما يُخاطب بكلمة "ســيدي"، والغرور يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه. أما إذا كان من أصحاب الرتب العالية ولم يُخاطب بكلمة "سَـيّدي" بالفصحى، مع ضرورة تشديد الياء، أو بكلمة "سيادتك"، فإنه حتماً سيعتبر ذلك إهانةً أو قلَّــة أدب صادرة عن ابن المدينة لغاية التحقير بابن الجبل. ولكنَّ تحسين لم يستطع أن يخمّن إلاَّ شيئاً واحداً وهو المنطقة التي أتى منها الأخ المحقق، وذلك عندما حرَّك هذا الأخير شـفتين يرتسم عليهما وقـارٌ مصطنع وهو يقول: "أهلاً. تفضّل قعود أي (تفضَّـل بالجلوس).
"لا، لا"، يخاطب تحسين نفسه. "قد أكون مخدوعاً أيضاً، إذ أنَّ كل موظفي الدولة أصبحوا يلفظون حرف القاف على هذه الطريقة، من حاجب الوزير إلى الوزير نفسه، وكأنَّ هذه القاف قد أصبحت من مستلزمات الحكم. ربما هذا المحقق ليس واحداً منهم!"
وتبدأ عملية السين والجيم التي تنبَّـأ له بها صديقه حين قرر العودة لزيارة الوطن:
سين: ما هي أخبار الخليج يا سـيِّد تحسين؟
جيم: أي خليج سيدي. والله أنا زرت أخي في الخليج مرة واحدة فقط منذ خمس سنوات ولم أبقَ هناك سوى خمسة أيام. هل يمكن أن أفهم قصة الخليج هذه يا سيدي؟
سين: نحن الذين نريد أن نفهم القصة. ما هو اسم أبيك؟
جيم: محمد. محمد القنبزي .
سين: إذن أنت تحسين ابن محمد؟
جيم: نعم، تحسين ابن محمد القنبزي.
سين: القنبزي أو القنبري؟
جيم: بحرف الزين سيدي وليس بحرف الراء. هل تكمن مشكلتي في هذه النقطة سيدي؟
سين: كيف جاءت هذه النقطة على اسمك يا سيد تحسين؟
جيم: سيدي، اسمي تحسين القنبزي بحرف الزين؛ والدي اسمه محمد ابن يحيى القنبزي؛ والدتي اسمها صفيَّة وهي ابنة عم أبي ومن بيت القنبزي أيضاً، أما أنا فكنت تاجراً في دمشق، سافرت إلى أوروبا منذ عشر سنوات تقريباً والآن عدت لزيارة الوطن والأهل والأصدقاء، وغداً سأعود إلى أوروبا لأنني لم أعد أرغب في هذه الزيارة.
قال تحسين ذلك وهو يحرك يديه بغضبٍ يحاولُ كتمَه كي لا يضرب على ذراعي الكرسي الذي كان يجلس عليه. وينظر المحقق إليه نظرة أشعرته بأنه قد تكلّم كثيراً وأنه قد تجاوز حدود اللياقة وتطاول على سيادته، ويقول له بهدوء متعالٍ: "نحن لسنا فقط نستطيع أن نقرر موعد مغادرتك، بل إنّ في يدنا أمر تقرير مجيئك إلى البلد، وأنا أدعوك لأن تتعاون معي بهدوء لمصلحتك أنت."
ويتحطم كبرياء تحسين على صخرة الخوف من المجهول وهو طالما قد سمع من قبل بأناسٍ دخلوا ولم يخرجوا ولم يعرف بمصيرهم أحد؛ وسرعان ما يقرر تبديل نبرة صوته ليقول: سيدي، الله يستر عرضك، أنا ليس لي في السياسة لا ناقة ولا جمل، ووجودي هنا في هذه الغرفـة "ظلمٌ في ظلم". دعني أذهب لأعود إليك بصحبة عشرين شخصاً يثبتون هويتي. ويبتسم المحقق بغرور وشماتة ويقول: "أفضّل أن أدعوك لقضاء هذه الليلة عندنا هنا ريثما تهدأ أعصابك فنتابع الحديث غداً". ثم ينادي أحد مسـاعديه قائلاً له: "الأستاذ ضيفٌ عندنا، خذه إلى - تحت - وعامله معاملة لائقة".
ويحتج تحسين بصوتٍ متهدج ضاعف غرور المحقق: "إلى أين يا سيدي؟ والله الموضوع كله غلط في غلط. إلى أين؟ أليس هناك حكومة؟ وهنا يعود المحقق ليشدد على مساعده بضرورة معاملة الضيف معاملة لائقة!
تحسين لم يمت في السـجن، ولم يبقَ فيه سـوى ستة أيام عرف خلالها أن عبارة "معاملة لائقة" تعني الضرب والإهانات دون اللجوء إلى التعذيب. صحيح أنه ضُرِبَ وأهينَ دون اقتلاع أظافر أو غسيل معدة أو إطفاء سجائر على مؤخرته أو بطنه. ولكن إحدى الصفعات القوية التي تلقَّـاها على صدغه، أصابت من أذنه مقتلاً إذْ أفقدته السمع. خرج بعد سـتة أيام ليستقلَّ الطائرة ويعود إلى وطنه الثاني، أو بكلمة أخرى إلى وطنه الوحيد.
لم يعد هناك لديه وطن أول أو وطن ثانٍ بل وطن واحد. عرف آنذاك أنَّ مقوّمات الوطن هي الكرامة والحرية ومصدر الرزق الشريف والبيت الآمن، وهو ليس له في مسقط رأسه شيء من هذا القبيل. ليس له إلاَّ ذكريات الطفولة الحلوة التي تبخَّرت وحلّت مكانها ذكـرى الأيام الستة، وكأن حكامنا بعد أن خسروا الحرب مع إسرائيل في ستة أيام لم يجدوا من "يفشـُّـوا خلقهم فيه" إلاَّ مواطننا تعيس الحظ القنبزي، فاحتجزوه وأهانوه وضربوه إلى أن انتصروا عليه بعد ستة أيام باحتلال طبلة أذنه.
********
ما أن يصل تحسين إلى وطنه الحقيقي، حتى يركع ويقبّل الأرض مراراً كما قبّل أرض مطار دمشق عند وصوله إليه منذ أسبوع. لم يشأ أن يجعل من قصته (قضيةً) فيشتكي على ضاربيه، إذ لا زال له في البلاد أهـلٌ وأخوةٌ لا يريد لأحد منهم أن يتعرَّض لأية إهانة أو مضايقات بسببه، إضافة إلى أنه يشكر ربّه الذي نجّاه من "الأعظم" ولا زال يذكر قول المحقق بأن "في يدهم قرار العودة به إلى البلاد أيضاً!"
ويسأله ذات يوم صديق له لم يسمع بمأساته: "كيف كانت رحلتك إلى البلاد يا أخ تحسين؟ "
ويجيبـه على الفور: "والله ماذا أقـول لك يا صديق! عندما وصلت إلى البلاد، بكيت لفرط سعادتي. وعندما غادرتها بكيت لفرط سعادتي أيضاً."
***********
*******