رمضان: حيث يبلغ النفاق ذروته!

كعادتها كل عام، طالبت وزارة الداخلية السعودية الاجانب المقيمين فيها بالتقيد ب "المظهر السائد للصيام" خلال شهر رمضان، محذرة من عواقب الجهر بالافطار.

وجاء في بيان للوزارة اوردته وكالة الانباء السعودية يوم السبت "لما كان المظهر السائد للصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب نهارا لدى المسلمين فان مما يؤذي مشاعرهم الخروج على هذا المظهر حتى لو كان ذلك ممن لا يدين بالإسلام"

واضاف البيان "لذا فإنّ على المقيمين في هذه البلاد من غير المسلمين المحافظة على احترام مشاعر المسلمين بعدم المجاهرة بالأكل أو الشرب أو التدخين في المحلات العامة وفى الشوارع وأماكن العمل، وذلك تماشيا مع شعائر الدين الإسلامي ومراعاة لمشاعر المواطنين"، وشدد على ان "من لم يتقيد بذلك فان السلطات المسؤولة سوف تتخذ بحقه الإجراءات الرادعة من إنهاء العمل وإبعاده عن المملكة." ودعت الداخلية السعودية "المؤسسات والشركات والأفراد الى أن يفهموا نص هذا البيان ويشرحوه للعاملين معهم من موظفين وعمال ومستخدمين ويحذرونهم من مخالفته."

تناقل هذا الخبر عدد من مواقع الإنترنت.

***********

أفهم أن تُصدِرَ السلطات السعودية مختلف أنواع القرارات والأوامر المخالفة لأبسط حقوق الإنسان، فنظام آل سعود هو بحد ذاته مخالفة لحقوق الإنسان، لذلك فإن كل ما يصدر عنه لا بدّ وأن يعكس هذا الواقع.  لكنْ، ما أعجز عن فهمه، فهو تلك العبارة التي وردت في هذا البيان، والتي تتحدث عن ضرورة تحاشي إيذاء مشاعر المسلمين بالأكل أو الشرب أو التدخين أمام أعينهم وهم صائمون!

****

أن يقول أحدٌ ما لفتاةٍ أن أنفها طويل لا يتناسب مع وجهها الصغير، أو أن صوتها خشن كصوت الرجال، فهذا بالتأكيد تصرفٌ خبيث يؤذي مشاعرها.

وأن يُقال لتلميذِ مدرسة يتباهى بلوحةٍ رسمها، أو صورةٍ لوّنها، بأنها مثل "خرابيش الدجاج"، فهذا أيضاً يُعتبرُ أمراً مؤذياً لمشاعره.

وأن تطبخَ الزوجةُ "صينية معكرونة" ويقول لها الزوج "الله لا يعطيك العافية على هالطبخة المالحة" فهذا مثالٌ آخر عن إيذاء المشاعر.

لكن، أن يجوع أو يعطش أحد ما، فيقضم تفاحةً أو يشرب كأس ماءٍ أمام مسلمٍ اختار بنفسه أن يتوقف عن الطعام، ويقال أن عملاً كهذا يؤذي مشاعره، فإنه لقولٌ أعجز كل العجز عن فهمهِ!..

لماذا؟.. واين الأذيّة؟.. لعلّ هناك جواباً واحداً على هذا التساؤل، وهو أن هذا المسلمَ يصوم غصباً عنه ولذلك يؤذيه أن يرى غيره حراً من الأغلال التي تكبّله.    

****

حين كنت صغيرا كنت اصوم مع والدتي لفترة أربعين يوماً، من منتصف الليل إلى منتصف النهار عدا أيام الآحاد. إضافة إلى ذلك فقد كان طعامنا بين الظهر ومنتصف الليل يقتصر على الخضروات والأطعمة المطبوخة بالزيت. لا لحم ولا جبن ولا حليب ولا حلويات ولا أي شيء من هذا القبيل.. لا بل في الحقيقة كان صيامنا يبدأ بعد تناول طعام العشاء في وقته المعتاد نذهب بعده بفترة قصيرة إلى الفراش. واذكر أن جدّي كان يقول لي إن أفضل الصيام هو أن أرى الآخرين وهم يأكلون حتى أختبر مرارة الجوع وأعرف شعور الجائع. لقد تعلمت أنذاك أن الصيام رياضة روحية يُمارِسُ الصائم خلالها قهر الرغبات الجسدية ويدرّب نفسه على تحمّل الآخرين. 

كل أتباع الديانات تقريباً يمارسون نوعاً من الصيام. المسيحي يصوم. الهندوسي يصوم. البوذي يصوم. اليهودي يصوم. لكن لا أحد من هؤلاء يتوقع ان يصوم العالم كله معه إلا المسلم. ليس هناك أتباع دين من الأديان يعملون من صيامهم عرساً ويثيرون حوله هذا الضجيج إلا المسلمون.

****

لو اقتصر بيان السلطات السعودية على الطلب من غير المسلمين "احترام الجو السائد" او "التقاليد السائدة" لكان طلباً شبه معقول رغم سخفه. أما أن ينص البيان على تطبيق عقوبات بحق المخالفين لأن مخالفتهم تؤذي مشاعر المسلمين، فهذا أمر يصعب على أي إنسانٍ فهمه وتقبله.

أي إله هو هذا الذي يعبدونه، الذي يأمرهم بقطع رزق عامل مسكين وترحيله إلى بلده، لا لشيء إلا لأنه جاع فأكل أمام مسلم "صائم"؟!!

حتى ولو افترضنا أن إنساناً أكل أو شرب أو دخّن سيجارة أمام وجه صائمٍ قاصداً متعمداً إغاظته، فماذا يجب أن يُتَوقّع من هذا الصائم الذي يُفترض أنه يصوم تعبداً؟.. ألا يجدر به أن يقول له "سامحك الله يا أخي واشكرك على امتحانك لإيماني"، فيؤنبه بذلك بلطف ويريه عظيم إيمانه، أم أنه يسرعُ إلى التلفون ليدعو المطاوعين ليسلخوا جلده؟..

إذا كان الأكل أمام صائم مسلمٍ يؤذي مشاعره، فماذا إذن عن إيذاء مشاعر غير المسلمين الذين يُطلبُ منهم خلع صلبانهم من أعناقهم وكل رمز من رموزهم الدينية عند وصولهم إلى مطار سعودي؟.. ماذا عن مكبّرات الصوت المنصوبة على المآذن والمدارس الدينية والتي لا تنوقف عن وصف غير المسلمين بأنهم كفار وقردة وخنازير؟

بصراحة، إذا كان هناك من منظر يؤذي، فهو منظر الصائم بوجهه المكفهرّ وبخلقه الضيّق الذي ينعكس على تصرفاته وعلى علاقاته مع الآخرين.

****

رمضان لا يختلف عن أي شهر آخر من شهور السنة إلا في تغيير مواعيد وجبات الطعام. كل ماهناك أن النهار في رمضان يصبح ليلاً والليل نهاراً.

ففي كل أشهر السنة الأخرى، يأكل المسلمون ثلاث وجبات في النهار ويتوقفون عن الطعام وهم نيام. أما في رمضان، فيقضون الليل بأكمله يأكلون ليتوقفوا عن الطعام خلال النهار، هذا إن توقفوا!.. فنصفهم يتظاهر بالصيام ونصفهم الآخر يعود للنوم إما في بيته أو في مكان عمله. 

يملأون معداتهم بكل أصناف الطعام منذ الغروب وحتى منتصف الليل أو أكثر. ثم يستيقظون قبل الفجر ليحشوا كل فراغٍ فيها حشواً حتى حلوقهم. ثم يعودون للنوم، ثم يستيقظون، ويذهبون للعمل متأخرين لأن الدولة تؤخّر بدء الدوام خلال أيام هذا الشهر. بعد ذلك، ما أن تمضي ساعة من الزمن على استيقاظهم، حتى يبدأوا بالتبرّم والنقّ: "اللهم إني صائم"..

رمضان الشهر الفضيل؟.. لا بل شهر النفاق والتدجيل!.. وكل عام وأنتم بخير يا من أتعسكم حظكم بالعمل في السعودية!!!

*********

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط