بسام درويش
/
Jan 27, 2005
المشهد: داخل محل بقالة عربية في كاليفورنيا.
كانت متسربلة بالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها، لا يظهر من وجهها سوى بعضُ خدّيها، أما عيناها فقد غطّتهما نظاراتٌ كبيرةٌ وإن أنتَ تجرّأتَ فوجّهتَ نظرك إليهما، فإنك لن ترى سوى صورة وجهك في عدستيهما الداكنتين.
كانت تنتظر دورها مع زبائن آخرين وهي تحمل كيسين مملوءين بالخضار والفواكه، بينما كان حَرَمُها منتصباً قربها بكرشه الكبير يحمل محفظته بيده استعداداً لدفع قيمة المشتريات.
التفتت إليها امرأة كانت أمامها لم تختلف في لباسها عنها كثيراً، ما عدا أن وجهها كان أكثر سفورا، وباشرتها بالكلام بقولها، "كيفك يا أختي". فأجابتها، "الحمد لله يا أختي.. الحمد لله على النعمة، وأنتِ كيفك؟.." وكان جواب الأخرى مشابها: "الحمد لله.. الحمد لله.. نحمده على كل حال!.."
************
عبارات كثيرة نسمعها خلال حياتنا لا تستفزّ تفكيرنا أبدا، لا بل إنها مع تكرارها الدائم، تصبح من لوازم لغتنا اليومية التي لا تحلو إلا إذا طَعَّمناها بها، تماماً كما نطَعّم مأكولاتنا بمختلف أنواع التوابل.
لكن، فجأةً، ودون سابق إنذار، يتوفّر المناخ المناسب لبعضها، فيصدمنا صدماً ـ سلباً أو إيجاباً ـ ليفرض علينا الوقوف عنده والتأمّل فيه.
من هذه العباراتِ عبارةُ "الحمد لله" التي ليست حكراً على شعب دون آخر، لكن يشتهر بها المسلمون والعرب أكثر من جميع الأمم.
هذه العبارة لا نسمعها في الغرب إلا على لسان من يؤمن بإلهٍ، أو على الأقل حين يتوجب قولها. أما على ألسنة العرب والمسلمين فهي ليست إلا مجرد عبارة يرددونها لسبب أو دون سبب!..
هذا اليوم، توفّر لهذه العبارة المناخ الملائم ليصدم فكري فيدفعني إلى التفكير دفعاً.. أو بالأحرى، إلى التفكير في حال قائلها!
**********
على ماذا تحمد هاتان الامرأتان المسلمتان إلههما؟..
تأملت بهما وبهذه الأكياس السوداء التي تتسربلان بها في هذا الجوّ الحار الخانق..
ورحتُ أفكّر في هذا الإله الذي تحمده كلّ واحدة منهما وبما قدّمه لها من معروفٍ يستوجب الشكر والحمد.
إله خصّها بعقلٍ أدنى مرتبةً من هذه المحفظة الجلدية المهترئة التي بين يدي هذا الرجل الواقف امامي. هذه المحفظةُ ـ رمزُ قوامتِه ـ التي خصّه بها هذا الإله على المرأة!
إله ربط حياتها العائلية كزوجة وكأم بكلمة واحدة تخرج من فم هذا الفحل، إن قالها ثلاثاً، قضى عليها بطردٍ لا يجوز له التراجع عنه حتى ولو ندم على ما قال!
إله لم يعدها حتى في الحياة الآخرة بوضع أفضل من وضعها في هذه الحياة الدنيا كمكافأة لها على تعاستها وتحملها للظلم. إنها متاع للرجل في هذه الحياة.. ومتاع له في الآخرة!
إله وضع في ذهنها، بأن هذا الوجه الجميل الذي تحمله هو عورة لا يحق لها إظهاره إلا لهذه المحفظة المهترئة القوامة عليها!
إله وضعها في مستوى واحد مع الخيل والجمال وكل مقتنيات الرجل الأخرى!
إله يعتبرها رجساً، إن لمسها الرجل بعد غسل يديه ـ حتى ولو كان اغتساله تيمماً برمال صحراء ممتزجة ببول الجمال ـ فإن عليه أن يعاود الاغتسال أو التيمم!!!
إله أمر بضربها لمجرّد الشكّ بأمانتها لمالكها الذي اشتراها بمبلغٍ مقدّمٍ ويمكنه أن يصرفها من الخدمة ببضعة قروشٍ جعلها مؤخّراً لها!!!
إله يعتبرها زانية عاهرة إذا ما تعطّرت فشمّ غريبٌ عطرها!!
إله يلعنها طوال الليل إذا ما رفضت لأي سببٍ من الأسباب تلبية رغبات صاحب هذه المحفظة!!
إله جعلها عاراً لا يستره إلا الزواج أو القبر!!.. .. ..
************
"الحمد لله على هذه النعمة"؟؟
"نحمده على كل حال"؟؟؟
ترى من هو الأجدر بحمد هذا "الله"؟..
الطرف الأجدر بأن يرفع له الشكر والحمد، هو الرجل المسلم، لا المرأة..
أفلمْ يُعطِهِ هذا اللهُ كل هذه الميّزات والامتيازات؟؟..
ألم يجعل له حلالاً وشرعاً أربعاً من المؤمنات المسلمات القانتات التائبات العابدات السائحات الثيبات والأبكار، يستبدل بعضهن أو كلهنّ بأربعٍ أخريات بكلمة واحدة تخرج من فمه ثلاثاً: "طالق.. طالق.. طالق!!" أو "أنتنّ طالقات طالقات طالقات!!!.." لا بل ربما لا يحتاج إلى تحميل نفسه عناء النطق بالكلمة مرات ثلاث، إذ يمكنه اختصارها إلى "أنتِ طالق بالثلاث!!.."
ألم يجعل له حلالاً زلالاً، أن تملك يمينُه ما شاء لها أن تملك من إماء، سواء كان ذلك شراءً من سوق نخاسةٍ أو سبياً في غزوة جهاد!!
ألم يعدهُ بحياة أعظمَ يُسراً في الحياة الأخرى، فيها جنات تجري من تحتها أنهار الخمرِ والعسل واللبن والماء العذب، وفيها الفواكه اللذيذة والغلمان، والحور العين اللواتي كلما دخل بهنّ عاد فوجدهنّ أبكاراً.. لا بل وعده بأن يبقي "ذَكَرَهُ" في الحياة الأخرى دائم الانتصاب دون حاجة إلى فياغرا أو ما يحزنون!!
لكن، ومن ناحية أخرى، هل حقاً يستحق هذا "الله" الحمد والشكر حتى من الرجل المسلم؟..
*********
نظرةٌ سريعة على واقع الإنسان العربي والمسلم، تكفي لتؤكّد لنا، إنّ هذا "الله" لم يقدّم لهذا الإنسان ـ أنثى كان أو ذكراً ـ أيّ معروف يستحق الشكر والحمد!
لقد جعله "الله" إنساناً كارهاً ومكروهاً بما زرعه في نفسه من تعاليم عدوانية تعزله عن بقية بني البشر قاطبةً. أمّا شرّ ما قدّمه له، فهو ما زرعه في مخيلته من وهمٍ بأنه حقاً، مع كل هذه العيوب التي تلبسه ويلبسها، إنساناً أفضل من كل بني الإنسان ينتمي إلى أمة هي خير الأمم قاطبةً!..
ونتيجة لهذا الوهم، تفرّغ الإنسان المسلم للبحث في ما خلّفه له ذلك "الله" من تراث "علميّ" مميّز، تاركاً البحث في كل الأمور "الأقل أهميةً" لأمم العالم الأخرى:
تفرّغ ولا زال متفرّغاً منذ ألف وأربعمئة سنة للبحث في جواز أو عدم جواز زواج المتعة، أو في حلال أو حرام رؤية الرجل لزوجته عارية وقت الجماع وما شابه ذلك. لا بل أضاف إلى مشاغله المهمّة في هذا العصر الحديث، البحثَ في كل اكتشافٍ أو اختراعٍ علمي تصل إليه الأمم الأخرى الأدنى قيمةً، فيرجعه إلى تراثه الإلهي ليؤكّك للعالم بأنّه ليس هناك من اكتشاف أو اختراع إلا وكان الإسلام سبّاقاً إليه!
يبدو أنّ هذا الإنسان المسلم قد اكتشف كل شيء وعرف بكل شيء إلا شيئاً واحداً، وهو أن ذلك "الله" قد مات بالسمّ وشبع موتاً منذ ألف وأربعمائة سنة... ولا زال أتباعه يسبحون بحمده ويشكرونه على كل ما خلفه لهم من جهل!
===========
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط