بسام درويش
/
Oct 24, 2005
شهدت مدينة الإسكندرية خلال الأيام الماضية، مظاهرات غاضبة نظمها مسلمون، احتجاجا على مسرحية قيل انها تضمنت إساءات للإسلام. خلال المظاهرات جرى الاعتداء على راهبة بطعنها في ظهرها وكذلك طعن شخص سارع إلى إنقاذها، بينما هاجم عدد كبير من المسلمين الكنيسة التي يقال أن المسرحية قد عرضت فيها، محاولين اقتحامها بعد رميها بالحجارة مما أدّى إلى تحطيم نوافذها.
المسرحية المذكورة ليست جديدة إنما عُرضت في الكنيسة منذ عامين، ولم تثر ضجة آنذاك لأن أحداً لم يسمع بها. لكن الاحداث بدأت بعد أن قيل بأن المسرحية تُوَزّع في الأسواق على أقراص مدمّجة CDs مما اثار حنق المسلمين بشكل دفعهم كالعادة إلى اللجوء إلى العنف.
تروي المسرحية والتي تحمل عنوان "كنت أعمى ولكني الآن أبصر" قصة شاب مسيحي تحوّل إلى الإسلام ثم انضم إلى إحدى الجماعات الإسلامية، ولكنه قرر العودة إلى الكنيسة بعد أن تبين له خطأ فعله رافضاً تحريض الشيوخ له على قتل القساوسة المسيحيين وحرق كنائسهم.
********
الظالم يطالب المظلوم بالاعتذار
لم يكتفِ المسلمون بردة فعلهم التي اتسمت بالهمجية، إذ طالب منظمو الاحتجاجات أيضاً البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط بتقديم اعتذار عن المسرحية. لكن البابا أجاب بالرفض نافياً أن تكون المسرحية قد تضمنت أي إساءات "للمقدسات الدينية". وقال البابا في بيان أصدره، ان "بعض الجهات تسعى لاحداث فتنة والاضرار بالوحدة الوطنية في مصر". كما ذكر البيان إنّ "المسرحية المشار اليها عرضت منذ عامين لمدة يوم واحد داخل أسوار الكنيسة، ولم يرها مسلم واحد، وكانت تتحدث عن التطرف ولم تتحدث عن المقدسات الدينية، مشيرا الى أنها لم تثر شيئا حين عرضت، ومحاولة إثارتها الان يهدف الى تفتيت الوحدة الوطنية". وتساءل البيان، "هل نترك الصحف التى تثير الفتنة ويؤاخذ المسيحيون على مجرد الشائعات التى تروجها تلك الصحف بأنّ هناك اساءة للاسلام؟". كما أخذ البيان على المتظاهرين "احاطتهم للكنيسة والطرق على الابواب بعنف وترديد شعارات معادية، مما القى الرعب فى قلوب المصلين".
الأقباط كبش فداء في الانتخابات
ودعا مفتى مصر الشيخ على جمعة المصريين الى عدم الانسياق وراء الشائعات، نافياً وجود قرص مدمج يسيء للاسلام، مشيرا الى أن هناك من يحاول اثاره الفتنة والزعم بأن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر هشة لتحقيق مصالح شخصية أو دعاية انتخابية بعيدة عن مصالح الوطن.
وكان للأحداث تأثيرها بالفعل على مجريات الحملة الإنتخابية بالإسكندرية حيث حرص المرشحون المختلفون على التعليق عليها، وفي هذا السياق قال ماهر خلة ـ وهو مرشح مسيحي لانتخابات مجلس الشعب في حي محرم بك ـ لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "المتظاهرين أحرقوا نسخا من الإنجيل" واضاف بقوله إنّ "هذا غير مقبول على الاطلاق ولا يمكن حتى ان نقبل اعتذارا عن هذه الوقائع" مؤكدا انه قدم طلبا الى الحزب الوطني (الحاكم) الذي ينتمي اليه لسحب ترشيحه للانتخابات من اجل "تهدئة النفوس". واكد خلة ان المسرحية التي اثارت الاحتجاجات "لم تتضمن اي إساءة للاسلام".
وقال أحد القسس في مدينة الاسكندرية إن المسيحيين في شمال مصر أغلقوا متاجرهم ولزموا منازلهم ولم يجازفوا بالخروج لخوفهم بعد الاحتجاجات العنيفة التي جرت خارج الكنيسة. وقال القس يوحنا ناصيف لوكالة رويترز للأنباء إن المتظاهرين حطموا واجهات عدة محلات مملوكة لمسيحيين وأحرقوا سياراتهم وأيضا باب كنيسة صغيرة في حي محرم بك. وقال ان المسرحية التي تحمل عنوان "كنت أعمى ولكني اليوم ابصر" عرضها شبان منذ أكثر من عامين. وان "متطرفين" قاموا في الاونة الاخيرة بوضع نسخة مسجلة منها على الانترنت. ومضى يقول "كانت المسرحية تتحدث عن التطرف وهي ضد التشدد وقد اعتمدت على فيلم "الارهابي" الذي أنتج في التسعينيات ولعب بطولته النجم عادل امام.
مبررات الاعتداء معروفة
إذا كان حقا ما صوّرته المسرحية عن عودة الابن الضال إلى جماعته، بعد أن سمع ما سمع من تحريض رجال الدين المحمديين له على حرق الكنائس والاعتداء على رجال الدين المسيحيين، فقد اثبت المحمديون بردة فعلهم الهمجية هذه واقتحامهم للكنيسة واعتدائهم على الراهبة، أن ما جاء في هذه المسرحية لم يكن مجرد تصورات لشبابٍ هواةِ تمثيل إنما حقيقة تعكس تعاليمهم الكريهة.
في الواقع، لم يكن المسلمون بحاجة في يومٍ من الأيام إلى مسرحيةٍ كهذه أو أي عملٍ مشابه كي يعتدوا على المسيحيين أو كي يبرروا اعتداءهم عليهم. اعتداءاتهم جرت على مدى سنين، ولا زالت تجري على قدم وساق كجزءٍ من حملةٍ منظمة لتهجير كل المسيحيين من بلادهم. إنّ بال المسلمين لن يهدأ ما بقي هناك على أرض الأقباطِ قبطيُّ واحد. كل الاعتداءات التي قام المسلمون بها على الأقباط أو ما زالوا يقومون بها اليوم هي دون مبررات. المبرر الوحيد هو الكراهية التي تعتمر في قلوبهم والتي تعلمها كتبهم.
آن للعالم الحر أن يتدخل
هذه الاعتداءات على حياة المسيحيين في مصر وعلى كنائسهم ومحلاتهم، وخطف بناتهم، واضطهادهم، والتحرش الدائم بهم، وأعمال التمييز التي تحصل ضدّهم.. كلها أو بعضها، أمورٌ أصبحت جزءا من معاناتهم اليومية، ولقد آن للأمم المتحدة وللعالم الحر أن يضعا حداً لها.
يوم أمس، أعلنت السلطات المصرية إلقاء القبض على مئة شخص من المحرضين على أعمال الشغب أمام الكنيسة، لكن ماذا بعد ذلك؟.. سيتم إطلاق سراحهم، أو سيوقف بعضهم ليخرجوا بعد أشهر قليلة لمعاودة اعتداءاهم.
إلقاء السلطات القبض على عدد من المجرمين المسلمين لم يعد أمراً كافياً. النظام التعليمي كله يجب أن يُغيََر في مصر. عظات الشيوخ في المساجد التي يشحنون بها قلوب المسلمين ضد الأقباط يجب أن تصبح جريمة يعاقب عليها القانون. وما هو أهم من كل ذلك، يجب أن يُعامل الأقباط كمواطنين من درجة أولى، مثلهم مثل أي مواطن مصري آخر، وترفع عنهم كل القوانين المجحفة بحقهم. وإلى أن يتم كل ذلك، يجب أن تُحرَمَ السلطات المصرية من كل المعونات الدولية وأن تُقَدّم مليارات الدولارات التي تخرج من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين إلى الأقباط وليس إلى الحكومة المصرية؛ فالمظلوم هو الأحق بالمعونة وليس الظالم.
(تفاصيل الخبر منقولة بتصرّف عن موقع "العربية" وبي بي سي أونلاين.)
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط