مهداة إلى سارة بهنام
عندما اتأمل أحوال أمة الإسلام، اتساءل: ما هو الشيء الذي يلون جدران قلب هذا الأمة في هذه الأزمنة بألوان قوس قزح؟ لا شيء في الأفق المنظور يتجلى. ما من فتوحات عسكرية، وما من قفزات علمية، وما من طفرات اقتصادية تبعث على الفخر والاعتزاز، وتملأ القلب بالحبور والسعادة. لا شيء يدخل الفرح إلى قلوب المسلمين في زمن النكبات والإحباطات غير ما يعتري "الآخر" من احزان وآلام، وما يلحق به من كوارث وموت وخراب.
هناك أمثلة أكثر من أن تتسع لها ضلوع مقالة صغيرة، لكني دعني اذكرك بأشياء لم تزل طازجة، ولم تفقد حرارتها بعد. عندما سحقت حياة خمسة الآف تحت انقاض برجي نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، كبّر رجال الأمة المجيدة، وزغردت نساءها، ورقص صغارها. اعرف جيداً، فليس كل منا طار في الهواء من الفرحة، ولكن أكثرنا سرّ بموت الأبرياء، وبانكسار الكبرياء الأمريكي.
وعندما اجتاح اعصار تسونامي بلدان شرق آسيا، تداعى العالم كافة على تطبيب جراحات تلك البلاد المنكوبة، ما عدا أبناء خير أمة اخرجت للناس الذين لم يستطيعوا أن يكتموا ضحكاتهم، وهم يرون ذاك الإله الساخط ينشب مخالبه المائية في لحم تلك الشطآن ليغسلها من ذنوب عباده العاصين.
وعندما أصيبت اقتصاديات دول الغرب آخر العام المنصرم بهزات عنيفة، وما اعقبها من تبخر السيولة النقدية، وتوقف دوران الآلات، وتسريح العمالة، وتساقط الشركات، حتى غمرت الفرحة وجوه اتباع دين الحق. سعد الكثير بما حلّ باقتصاديات دول العالم دون أن يعي أنه لا عاصم له اليوم في زمن العولمة من هذا الطوفان. لكن لا بأس لديه أن يجرفه هذا الاعصار، مادام أنه سيبرهن لنفسه وللعالم بأسره أن الاقتصاد الإسلامي – تلك الخرافة – هو طوق النجاة بعد أنهيار النظام الرأسمالي.
ثم جاء وباء انفلونزا الخنازير ليثير موجات متتالية من الهلع، وليمنح قلب العالم المتعب أصلاً هماً جديداً. دول العالم وشعوبه تعمل على سد الطرقات في وجه هذا الوباء الزاحف، وتبحث بجد عن حل لتطويقه والقضاء عليه. أما نحن، فأكثرنا قد فرح بما انتكس العالم من بلاء، مادام أن المتسبب به هو الخنزير، هذا الحيوان المحرم علينا كمسلمين. فبعد أن بين الله للعالم مدى فظاعة النظام الرأسمالي من خلال تسليطه لتلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ها هو الآن يبين لهم السر من وراء تحريمه لحم الخنزير، لكنهم قوم يجهلون، والحمد لله على نعمة الإسلام.
ومؤخراً، سرقت يد الموت اسطورة البوب، مايكل جاكسون. فكيف تعامل المسلمون عامة، والسعوديون خاصة مع هذا الخبر؟ نظرة عابرة على المنتديات والمواقع الإخبارية والجرائد الإلكترونية تكشف بجلاء أننا لا نقيم وزناً لمصاب الغير، ولا نحفل بمشاعره المجروحة. فبينما كان المعجبون والمعجبات في دول العالم يهدون روح الفقيد الزهور، ويشعلون من أجل روحه الشموع، كان أكثرنا يمطر الراحل لعنات السماء، ويشيعه بدعوات الخلود في نار جهنم!
ادعوك لجولة خاطفة بين 636 تعليقاً تذيلت خبر وفاة ملك البوب في جريدة الرياض الإلكترونية في السادس والعشرين من شهر يونيو لترى أي انحطاطٍ قد وصلناه. الاستهزاء...اللامبالاة...والتشفي...هي أبرز العناوين العريضة. حتماً، كانت هناك ردود لم تعدم من انسانيتها، إلا أنها كانت أصوات مخنوقة ومرتعشة وضائعة وسط بحر هادر من الكراهية السوداء. هناك من قال: إلى جهنم وبئس المصير. وهناك من قال: الله لا يرحمه. وهناك من قال: إن كان قد أسلم فرحمة الله عليه وإن لم يسلم فلا رحمة الله عليه. وهناك من قال: هل يجوز أن نترحم على روح كافر؟ كم يثير شفقتي هذا الوهابي المهووس الذي ينتظر فتوى من شيخه المتعفن ليخبره ما إذا كان يتوجب عليه أن يفرح أو يحزن! ألا بعداً لهؤلاء الذين يستفتون شيوخهم في كل شيء حتى في أسلمة مشاعرهم وتلقائيتهم.
هؤلاء، وهم كثرة وليسوا بقلة، مازالوا يسخرون إلى اليوم من الكنيسة التي كانت تبيع صكوك الغفران على السذج في العصور الوسطى، فيما هم الآن يحتكرون توزيع صكوك الجنة والنار على البشر، لكنهم لا يعون أنهم يسيرون في الدرب ذاته. هؤلاء، وهم كثرة وليسوا بقلة، مازالو يرددون كالببغانات أن الإسلام دين الرحمة وأنه دين السلام، وهم لو دانت لهم أسباب القوة لما بقي على ظهر الأرض من لا يدين بدينهم، باستثناء السبايا من النساء طبعاً!
هذا التوحش الديني دفع بالكاتب رجا المطيري في اليوم التالي لكتابة مقال في نفس الجريدة تحت عنوان: "مايكل جاكسون...كافر!" ينتقد فيه بشدة اللغة الهابطة والفكر الظلامي الذي ميز تعليقات الجمهور. وفي رأيي المتواضع، هؤلاء الجماهير بردود أفعالهم العفوية وتعليقاتهم غير الرسمية إنما يمثلون الحقيقة العارية كما هي، والوجه الحقيقي للمسلمين بعيداً عن مجاملات مؤتمرات الحوار الديني والمحاولات اليائسة التي تبذلها الحكومات، خاصة السعودية في تلميع صورة الإسلام وأنسنته.
ختاماً، اقول لك وداعاً يا مايك. تأكد أن عبقريتك الفنية ستبقى مثار اعجاب الأجيال اللاحقة، وأن موسيقاك ستظل شعلتها متقدة في قلوب محبيك، وأن رسائل الحب والسلام التي حملتها أغانيك ستبقى تطوف العالم بلا توقف. لو كنت أنا إلهاً يا مايك فسوف امنحك في جنتي مكاناً. فأنت لم تقتل أحداً، ولم تؤذِ أحداً، ولم تُفتِ بقتل أحدٍ. لقد أسعدت الناس دوماً بموسيقاك ورقصاتك وكلمات أغانيك. لو كنت أنا إلهاً يا مايك فسأجعل منك عصفوراً ملوناً لا يتوقف عن التحليق والتغريد في جنتي، فمثلك خلق للطيران والغناء. أنت أجمل يا مايك من كل شيوخ الإرهاب وأمراء الجماعات وعبدة الأسلاف. أنت من يستحق الجنة وليس هؤلاء المرضى. وداعاً مايك... ولتنم روحك الطيبة في سلام.
affkar_hurra@yahoo.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط