بسام درويش
/
Oct 03, 2002
المقالة التالية هي للسيد أسامة فوزي نشرها في صحيفته "عرب تايمز" تحت عنوان "شيوخ وقساوسة"، يليها التعليق:
شيوخ وقساوسة
أسامة فوزي
· شاهدت اللقاء الذي اجرته "باربرا والترز" مع وزير الخارجية السعودي وقرأت خلاله المذيعة نصا دينيا يدرس للطلبة في المدارس السعودية وهو الذي يتعلق بنهاية العالم حين ينطق الحجر وينادي على المسلم ان ورائي يهوديا تعال واقتله.
· اصيب الوزير السعودي بالدهشة وكأنه يسمع بهذا الامر لاول مرة في حياته ولم يترك "باربرا" دون ان يؤكد لها ان هذا "الزعم" غير صحيح دينيا وانه ورد في الكتب المدرسية عن طريق الخطأ.
· الاسبوع الماضي هاجم القس "جيري فاينز" التابع للكنيسة المعمدانية الجنوبية النبي محمد عليه السلام حيث عقد مقارنة بينه وبين السيد المسيح وقال ما معناه ان النبي محمد تزوج من تسع نساء اخرهن طفلة عمرها تسع سنوات. بعد ذلك بيومين ظهر"حسين ابيش"احد اهم المسئولين في المنظمة العربية لمحاربة التمييز العنصري في برنامج "كروس فاير" لينفي بشدة هذا الاتهام للنبي محمد عليه السلام وخاصة زواجه من طفلة في التاسعة من عمرها وكان بذلك يرد على قس اخر شارك في البرنامج واصر على احراج حسين ابيش بتوجيه السؤال مجددا اليه وهو: ألم يتزوج الرسول من تسع نساء بينهن طفلة عمرها تسع سنوات؟ ولما رد حسين ابيش بالنفي طلب منه القس ان يعود الى مذاكرة تاريخ المسلمين وديانتهم بل ودله على مواقع اسلامية على الانترنيت يمكن العودة اليها للتحقق من زوجات الرسول.
· وقبل الطبع اتصل بنا شخص من نيويورك - نحتفظ برقم هاتفه لدينا - محتجا على فتوى ظهرت في الصفحة الدينية نشرنا فيها اية من سورة البقرة تشترط اطلاق اللعن على من مات كافرا وجاء في الفتوى ان الرسول "لعن الواصلة والمستوصلة ولعن اكل الربا ولعن قبائل من العرب وهم رعل وذكوان ولعن اليهود والنصارى".. الاخ الذي اتصل - وهو مسيحي - كان غاضبا جدا.. وبعد أخذ ورد علمنا انه من فئة حصلت على الكرت الاخضر في امريكا بعد ان زعمت في طلب اللجؤ السياسي كاذبة انها تعرضت في بلدها الى الاضطهاد.. وأن نساء الطائفة يغتصبن في بلدهن لانهن نصارى.
· صحيح ان الجريمة التي ارتكبتها جماعة بن لادن والتي تتعارض مع جميع الاديان وعلى رأسها الدين الاسلامي هي المسئولة عن تبلور مثل هذه الحساسيات الدينية بين المسلمين والمسيحيين.. وخروجها من كتب التاريخ الى صفحات الجرائد.. لكن الصحيح ايضا ان جهات كثيرة بدأت تلعب على الوتر الديني الاسلامي والمسيحي لتحقيق مصالحها الشخصية والانية والسياسية.. والاخ الذي اتصل بنا ليعرب عن غضبه من نشرنا لهذه الفتوى هو مجرد نموذج صارخ لهذه النوعية الانتهازية من الناس.. بخاصة واننا نعلم ان مزاعمه ومزاعم الفئة التي ينتمي اليها حول اغتصاب نسائهم في بلدهم الاصلي هي مزاعم كاذبة يتم سوقها في محاكم الهجرة في امريكا للحصول على اقامات و "كروت خضراء".
· الوزير السعودي يعلم ان تلك المعلومة التي اشارت اليها باربرا والترز حول الحجر الذي سينطق ويبلغ عن اليهودي الذي يتستر خلفه هي معلومة صحيحة وهي جزء من معتقدات المسلمين.. فما الذي جعله ينكر هذه المعلومة بل ويسفهها.. غير مجاملة المذيعة والحرص على ان لا يصدم المشاهد الامريكي او اليهودي!!
· وحسين ابيش يعلم ان ما ذكره القس صحيح ايضا.. فالرسول خطب عائشة وهي في السادسة من عمرها.. وتزوجها وهي في التاسعة.. ونفي هذه المعلومة في لقاء تلفزيوني يشاهده الملايين لا يخدم القضية العربية ولا الاسلامية لان المشاهد ليس غبيا ومن المؤكد انه سيفسر هذا النفي بطريقة تعزز وتكرس ما ذهب اليه القس.
· أنا من المعجبين بشخصية حسين ابيش فهو من القلائل الذين يتصدون للقضايا العربية على شاشة التلفزيون الامريكي بشبكاته ومحطاته المختلفة تساعده لغته الممتازة وشخصيته الوقورة وقدرته على المحاورة والمناورة وضبط الاعصاب.. ولكنه في الحلقة الاخيرة خسر المعركة من أول جولة وكنت اتمنى لو انه لم يشارك فيها.. او لو انه اعد العدة للخوض في موضوع حساس كهذا.. بدل ان ينفي المعلومة الخاصة بزوجات الرسول على الاطلاق.. كما فعل.
· لو كنت في موقع حسين ابيش لقلت للقس السائل: كلامك صحيح فالنبي تزوج من عائشة وهي ابنة تسع سنوات وكان هو في الثالثة والخمسين من العمر.. ولو كان الرسول "نسونجيا" يحب الزواج من الصغيرات لما تزوج من ثاني زوجاته "سودة بنت زمعة العامرية" التي كانت في التاسعة والسبعين من عمرها عندما تزوجها الرسول وكانت سمينة جدا ومصابة بالعرج.. ولم تكن جميلة على الاطلاق.. كان بامكان حسين ابيش - ومنظمة كير الاسلامية التي اصدرت بيانات رنانة طنانة ضد القس جيري فاينز وطالبت الرئيس بوش ان يقصف عمره - ان يردوا على القس موضحين بعبارة وردت في كتاب المستشرق الشهير بودلي - وهو مسيحي - الذي زار الجزيرة العربية ودرس عادات القبائل فيها ووضع كتابا بعنوان "الرسول".. يقول المستشرق بولدي بالنص: "ولكن هذا الزواج - يقصد زواج النبي من عائشة - شغل بعض مؤرخين لمحمد.. نظروا اليه من وجهة نظر المجتمع العصري الذي يعيشون فيه فلم يقدروا ان زواجا مثل ذاك كان ولا يزال عادة اسيوية ولم يفكروا في ان هذه العادات لا زالت قائمة في شرق اوروبا وكانت طبيعية في اسبانيا والبرتغال الى سنين قليلة وانها ليست غير عادية اليوم في بعض المناطق الجبلية البعيدة بالولايات المتحدة".
· كنت اتمنى لو ان الوزير السعودي اعترف بورود النص المذكور حول الحجر واليهود وقدم شرحا للمشاهد الامريكي حول الظرف التاريخي والديني بدل ان يتهرب من الاجابة بانكار النص والواقعة لان الانكار على هذا النحو يظهر الوزير وكأنه يشعر بالخجل مما ورد في ديانته ومعتقداته فهرب من هذا الحرج بالانكار.
· وبعد.. كنت ولا ازال اطلب من "فقهاء" الديانتين الاسلامية والمسيحية شيوخا وقساوسة اما ان يثروا حياة البشر بالتركيز على ما هو ايجابي في الديانتين أو أن يعيرونا سكوتهم وهذا أضعف الايمان. (انتهى)
***************************
حسنٌ أن لا ينكر الإنسانُ الحقيقة خصوصاً عندما تكون أوضح من وضوحِ الشمسِ في منتصفِ نهارٍ صافٍ، لكن السيد فوزي، باتخاذه من سودة بنت زمعة دليلاً ينفي به صفة "النسونجية" عن محمد، قد وقع على ما يبدو في ما اتهم به السيد حسين عبيش ووزير الخارجيــة السعودي في تهربهما من مواجهة الحقيقة. وعلى كل حال، ونظراً لما يتمتع به السيد فوزي من خروج عن المألوف في صراحته المعروفة عنه، فإني لا أملك إلا أن أقول، بأن ما وقع فيه ربما كان عائداً إلى عدم اكتمال ما لديه من معلومات عن خلفيات زواج محمد من سودة.
يقول السيد فوزي: "لو كان الرسول ‘نسونجيا’ يحب الزواج من الصغيرات لما تزوج من ثاني زوجاته سودة بنت زمعة العامرية التي كانت في التاسعة والسبعين من عمرها عندما تزوجها الرسول وكانت سمينة جدا ومصابة بالعرج.. ولم تكن جميلة على الإطلاق.." وعند هذا الحدّ توقفت معلومات السيد فوزي، ولكنه لو تساءل كما تساءلنا نحن عما دفع محمداً إلى الزواج بعحوز بشعة سمينة ومصابة بالعرج، لكان بالتأكيد قد توصل إلى ما توصلنا إليه، والتاريخ لا يخفى على أحد، كما ألمح إلى ذلك هو نفسه في تقريعه لحسين عبيش، ولوزير الخارجية السعودي.
**********
قبل أن نسلط الضوء على خلفيات زواج محمد من سودة لا مفرّ من أن نقول بأن في كتب الحديث والسيرة من الروايات والأقوال عن شبق محمد الجنسي ما يغني عن الخوض في جدالٍ مع أي إنسان لإثبات ما هو ثابت، وهو لغزارته، يمكن أن يشكّل موسوعة خاصة بهذا الموضوع. تذكرُ هذه الكتب فيما تذكره مثلاً أن محمداً، "كان يدور على نسائه (أي يجامعهن) في الساعة الواحدة من النهار أو الليل وهن تسع أو إحدى عشرة." تقول هذه الكتب أيضاً، بأنه "أُوتي قوة أربعين رجلاً أو مائة رجل من رجال الجنّة"، كذلك، "أنه كان لمحمدٍ من القوة في الوطء (أي الجِماع) الزيـادة الظاهرة على الخَلْق." وإذا تساءل قارئ من القراء عن مبلغ القوة الجنسية لرجال أهل الجنة فإننا نجيبه بأنهم رجال لا تبرد لهم همّةٌ وقد جاء ذكرهم في حديث نبوي يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوّجه الله عز وجل اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل النار، ما منهن واحدة إلا ولها قِـبْـلٌ شهيٌّ، وله ذكَـرٌ لا ينثني!"
هنا، ندعو القارئ إلى التأمّل معنا: إذا كان لمحمد حقاً هذه القدرة العظيمة لدرجة أنه كان يستطيع مجامعة دزينة من النساء في ساعة واحدة من النهار أو الليل، فهل يكون وصفه بأنه "نسونجي" أمراً مهيناً له؟.. لنعطِ الرجلَ حقه في هذا الخصوص: إذا كان للرجلِ من أهل الجنة ذكرٌ لا ينثني، وإذا كان لمحمد قدرة مائة رجل من رجال أهل الجنة، فهذا يعني أن له ذكراً يشقّ الصخر.. فأين يذهب إنسان كهذا بهذه القدرة الجنسية العظيمة التي يمتلكها؟.. لقد كان محمد حقاً فريداً في هذه القدرة بين أبناء عصره وكان هو نفسه يعرف بأن الناس يتندرون بها، فكان يلجأ إلى دفع ألسنتهم عنه باستنزال الآيات الإلهية لكي يبرر بها تصرفاته، إلى درجة دفع زوجته عائشة نفسها لتقول له ذات يوم: "يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك!"، قالت له ذلك حين ادعى أن الله أوحى إليه بآيةٍ يحلل له فيها أن يقبل مضاجعة أية امرأة تهب نفسها له. وقد استنزل هذه الآية جواباً على تعليق آخر لعائشة نطقت به حين سمعت بأنه قبلَ عرضاً كهذا من امرأة، فقالت له: "ألا تخجل امرأة أن تعرض نفسها على رجل؟.." وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى وصف أبي سفيان له حين سمع بأنه قد نكح ابنته أم حبيبة بقوله عنه، "ذلك الفحل الذي لا يُقدع أنفه!"
أما الآن، فلنعد إلى موضوع زواج محمد من سودة.
يحاول رواة السيرة النبوية أن يُضفوا على زواج محمد من سودةَ هالةً البرِّ والرحمةِ، ويَظهرُ واضحاً أن هذا هو ما حاول السيد فوزي أيضاً أن يوحي به باتخاذه من هذا الزواج مثلاً، رغم أنه لم يأتِ على ذكــرِ البرِّ والرحمة بشكلٍ صريح. تقول الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها "نساء النبي" نقلاً عن مؤرخي حياة محمد، أن محمداً قد تزوج سودةَ جبراً لخاطرها وعزاءً لها عن زوجها الذي مات عنها مهاجراً في الغربة، وكذلك براً ورحمة بها. (بالمناسبة، يذكر بعض مؤرخي السيرة أن زوج سودة اعتنق المسيحية في الحبشة بعد الهجرة إليها حيث بقي حتى ساعة أجله.)
ترى هل كانت سودة بنت زمعة الأرملة الوحيدة بين عجائز المسلمين اللواتي كنّ بحاجة إلى البر والرحمة؟.. لنا أن نتصوّر ماذا كان يمكن أن يحلّ بمحمد لو أراد أن يجبر بخاطر كل أرملة عجوز دميمة، براً ورحمة؟.. ليس هناك أدنى شك بأن الرجل لو فعل ذلك حقاً لكان قد فقد كل قدرة جنسية له ولما عاش حتى يبلغ الثانية والستين من عمره. زواج محمد بسودة في الحقيقة كان أبعد ما يكون عن البر والرحمة. لقد كان في الحقيقة على العكس من ذلك زواجاً خالياً من البر والرحمة لأنّ الغاية منه كانت استخدام سودة مجّاناً، للإشراف على بيت محمد، والعناية بأولاده، إلى جانب العناية بالعروس الطفلة التي كان أهلها على وشك تزويجها "للرسول". لقد تزوج خادمة بكل ما للكلمة من معنى.
تقول بنت الشاطئ أن الصحابة، بعد موت خديجة، كانوا "يرقبون آثار الحزن على نبيهم فيشفقون عليه من تلك الوحدة ويودون لو تزوّج لعلّ في الزواج ما يؤنس وحشته بعد أم المؤمنين الراحلة، لكن واحداً منهم لم يجرؤ على التحدّث إلى الرسول إبّان حداده في موضوع الزواج.."
أخيراً بعد أن انتهت أيــام حداده، أقبلت خولة بنت حكيم السلمية: "تقترح عليه أن يتزوّج، فأطرق صامتاً ثم سألها: مَنْ.. بعدَ خديجة؟.. فردّت خولة على الفور، كأنما انتظرت هذا السؤال وأعدّت له الجواب: عائشة.. بنت أحب الناس إليك!.. وتفتّح قلب الرسول حين ذكر صاحبه: أول رجل صدقه وآمن به بعد ابن عمه علي، ومولاه زيد، ثم وقف إلى جانبه من اللحظة الأولى، باذلاً من ماله ونفسه أغلى ما يبذل أخ وصاحب وصديق." هنا، ليتأمل القارئ فيما تحاول الدكتورة بنت الشاطئ أن توحي إلينا به: محمد يبدأ بتبرير زواجه من عائشة فيجعل الغاية منه تكريماً لصاحبه أبي بكر الذي ساعده بأمواله وشخصه!
تتابع بنت الشاطئ فتقول: "وذَكَرَ الرسول مع أبي بكر ابنته عائشة، تلك الصبية اللطيفة الحلوة التي طالما آنسته بمرحها ولطفها واستثارت فيه أحلى مشاعر الأبوّة.."
هنا أيضاً، لنتأمل بهذه المشاعر الأبوية الكاذبة التي في طريقها إلى التبخّر حيث تبدأ المناورة في السرد: "ولم يستطع أن يقول لخولة: لا.. ولو حاول أن يقولها، لما طاوعه لسانه! أيرفض بنت أبي بكر؟.. تأبي عليه صحبة طويلة مخلصة ومكانةٌ لأبي بكر عند الرسول لم يظفر بها سواه.."
وكأن أحداً قد حاول حقاً فرضَ الصغيرة عليه حتى يمكن أن يُقالَ بأنّ قلبه لم يطاوعه برفضها!..
ويقول لخولة مناوراً: "لكنها ما تزال صغيرة يا خولة!.. وكان رد خولة حاضراً: تخطبها اليوم إلى أبيها ثم تنتظر حتى تنضج.."
وتتابع بنت الشاطئ السرد: "حتى تنضج؟.. لكن من للبيت يرعى شئونه ومن لبنات الرسول يخدمهنّ؟.. وهل جاءت خولة لتعرض زواجاً آجلاً لن يتم قبل سنتين أو ثلاث؟.. كلا، بل جاءت وفي خاطرها اثنتان، إحداهما بِكْرٌ وهي عائشة بنت أبي بَكر.. والأخرى ثيبٌ، هي سودة بنت زمعة بنت قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ العامريّة.."
إذن، لقد جاءت خولة وفي خاطرها اثنتان.. الأولى طفلة في السادسة من عمرها تفرفح بها قلب "النبي" وتعيد له شبابه، والثانية عجوز دميمة عرجاء سمينة ساذجة، الغاية منها، خدمة "النبي" وبناته والسهر فيما بعدُ على راحة عائشة كما تروي كتب الأحاديث.
وتقول بنت الشاطئ، "وأذن لها الرسول في خطبتهما.."
وتذكر بنت الشاطئ فيما تذكر أن سودة "أيقنت دون ريب أن حظها من الرسول بر ورحمة لا حبٌّ وتآلف وامتزاج.. لكن ذلك لم يرعها بل كان حسبها أن رفعها رسول الله إلى تلك المكانة، وان جعل منها - أرملة السكران بن عمرو - أماً للمؤمنين. وأرضاها كل الرضا أن تأخذ مكانها في بيت رسول الله وأن تخدم بناته.."
ولا تتردد بنت الشاطئ عن نقل ما ترويه كتب السيرة بأن سودة كانت سمينة إلى درجة كانت تثير ضحك محمد حين يراها تمشي. وكأني بهذه الدكتورة ترى الأمر لطيفاً جداً أن يسخر "النبي" من مشية زوجته!..
وهكذا إذن، فقد شرّف "الرسول" سودة بإعطائها لقب "أم المؤمنين" مقابل خدماتها!
ولكن "الرسول" الذي بيده أن يشرّف الناس متى شاء، بيده هو أيضاً أن يخلع عنهم هذا الشرف متى رأى أن مصلحته تقتضي ذلك، وهذا هو بالضبط ما حصل للمسكينة العجوز سودة.
*************
بعد زواجه من عائشة وسودة، أضاف محمد إلى بيت الزوجية امرأة جديدة هي حفصة بنت عمر ثم جاءت بعدها حسب ما تقول بنت الشاطئ: "زوجات أخريات حتى امتلأت بهنّ البيوت التسعة".
كانت فيهنّ زينب بنت جحش، التي كانت امرأة ابنه بالتبني، وأم سلمة بنت أبي أمية، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي اليهودية التي أمر محمد بقتل زوجها قبل أن يتخذها لنفسه، ومارية القبطية التي أهداها له المقوقس، وأم حبيبة بنت أبي سفيان زعيم مكة وقائد جيشها الذي وصف محمداً بأنه فحل! وغيرهنّ..
في ذات ليلة، جاء محمد إلى سودة ليعلن لها أن وقتها قد انتهى. أفضالُ سودة بنت زمعة على محمد التي تمثلت في خدمتها لبناته ولعائشة تبخّرت كلها.. البر والرحمة اللذان كانا وراء زواجه منها أصبحا في خبر كان.. الشرف الذي أسبغه عليها آن الأوان لاسترداده. سودة لم ترتكب ذنباً.. كل ما هنالك أن حاجة "الرسول" إليها قد انتهت. البنات كبرن. البيت امتلأ بالنساء، وسودة أصبحت حملاً على "الرسول" وآن لها أن ترحل.
بكت العجوز المسكينة، فالناس في بادية العرب سيضحكون عليها وعلى سذاجتها وسيتناولونها بتعليقاتهم اللاذعة. تقول بنت الشاطئ: "وسمعت النبأ ذاهلة وأحست كأن الجدران تطبق على صدرها فلا تدع لها متنفساً فرفعت وجهها إلى الرسول في ضراعة صامتة، ومدّت يدها مستنجدة فأمسك بها رسول الله حانياً مشفقاً (!) وبوده لو استطاع أن يُذهِب عنها الروع الذي كاد يقضي عليها.. وإذ ذاك آبت إليها سكينتها فهمست في ضراعة: أمسكني ووالله ما بي على الأزواج من حرص ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجاً لك.. .. وفجأة لاح لها خاطر سكنت له نفسها فرنت إلى الرسول في اعتزاز ثم قالت في هدوء: أبقني يا رسول الله وأهبُ ليلتي لعائشة وإني لا أريد ما تريد النساء!.. فاهتزّ محمد بهذه العاطفة الفياضة وذاك الحب السمح الكريم.." فقبل عرضها وأبقاها في بيته. (في رواية أخرى نقلها ابن حجر في "الإصابة" أن محمداً بعث إليها بطلاقها فقعدت على طريقه فناشدته أن يرجعها وجعلت يومها وليلتها لعائشة ففعل..)
***********
بعد هذا السرد التاريخي، يمكننا الآن أن نتفهم خجل حسين عبيش من قصة زواج عائشة مما دفعه إلى نكرانها، ولعلّنا أيضاً نكون قد قمنا بواجبنا بإطلاع السيد أسامة فوزي على ما سها أو ربما مال قلبه إلى السهو عنه.
**********
في مقالة السيد فوزي أمور أخرى بحاجة إلى الرد نكتفي ولضيق الوقت بالتعليق على ما جاء في نهايتها حيث قال: "وبعد.. كنت ولا أزال اطلب من ‘فقهاء’ الديانتين الإسلامية والمسيحية شيوخا وقساوسة أما أن يثروا حياة البشر بالتركيز على ما هو إيجابي في الديانتين أو أن يعيرونا سكوتهم وهذا أضعف الإيمان."
دعوة السيد فوزي هي دعوة شجاعة عظيمة تستحق الثناء والإعجاب لأنها تعني اعترافاً واضحاً منه بوجود سلبيات في تعاليم الإسلام. لكن، أن يلمح إلى وجود سلبيات في تعاليم المسيحية، فهذا قولٌ يحتاج منه إلى إثباتٍ نحن على ثقةٍ عظيمةٍ بأنه لَـعاجِزٌ هو وغيره كل العجز عن الإتيان به!..
=================
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط