بسام درويش
/
Aug 07, 2016
لم يكن كل أهل الحي وحدهم فقط يعرفون أبو عبدو وأم عبدو بل كان الكثير من السكان والباعة في المنطقة القريبة من الحي يعرفونهما أيضاً. كانا مثل عصفورين من عصافير الحب، يخرجان معاً كل صباح الى الفرن لشراء الخبز وأحياناً الى محل البقالة او اللحّام (القصّاب)، ثم يعودان ليخرجا في المساء للتمشّي ما بين منطقة القشلة وساحة باب توما في دمشق القديمة. كانا يمشيان دائماً شبه متلاصقين وكأنهما يخشيان من أن يفقد أحدهما الآخر؛ وفي بعض الأحيان، كان عبدو ابنهما الوحيد يخرج للتمشي معهما أيضاً.
كان عبدو يعيش مع أهله إذ لم يكن متزوجاً على الرغم من أنه قارب الثلاثين من العمر، وقيل إنه لم يتزوج لأنه كان يعاني من مرض في القلب. وذات يوم، صحا أهل الحي على أصوات عويلٍ من بيت "أبو عبدو" ليعرفوا أن عبدو قد رحل.
خرج كل أهل الحي في جنازة عبدو وكذلك الكثيرون من سكان المنطقة ليعودوا بعد الدفن الى بيت أهله لتعزيتهم ومواساتهم. لكن، هل للكلمات أن تخفّفَ من مصابٍ هكذا؟ لم يكن لأبو عبدو وأم عبدو في هذه الحياة إلا عبدو!
أصبح أبو عبدو يخرج وحده عند الصباح بخطوات ثقيلة الى الفرن أو محل البقالة ثم يعود إلى البيت ليبقى إلى جانب أم عبدو. أما في المساء، فلم يعدْ يرى سكان الحي أبو عبدو ولا أم عبدو يخرجان معاً إلاّ يوم الأحد وهما متشحان بالسواد في طريقهما إلى الكنيسة القريبة.
ستة أشهر بعد رحيل عبدو خرج أهل الحيّ مرة أخرى للسير في جنازة أم عبدو يتقدمهم أبو عبدو برقبةٍ محنيّةٍ وجسدٍ يتمايل يَمنةً ويَسرةً.
أم عبدو لم تتحمّل الحزن على وحيدها أكثر من ستة أشهر كانت خلالها تجد بعض العزاء برفيق دربها أبو عبدو الذي كان يواسيها ويخفف عنها. أما الآن، وبعد رحيل أم عبدو ومن قبلها عبدو، لم يعد للحياة من معنىً بالنسبة إلى أبو عبدو. لم يعد هناك في البيت من ينتظر عودته من الفرن أو محل البقالة. لم يعد هناك من يرافقه إلى الكنيسة يوم الأحد. وهكذا، فقد خرج أهل الحيّ مرة أخرى يمشون في جنازة أبو عبدو بضعة أيام بعد رحيل أم عبدو.
لا أذكر كم كان لي من العمر آنذاك، ولا أعرف لماذا لا زلت حتى اليوم أشعر بالحزن حين أعود بذاكرتي إلى الماضي وأستعيد صورة عصفوريْ الحب، أم عبدو وأبو عبدو. ربما لأنني مغرمٌ بقصص الحب، وقصة أبو عبدو وأم عبدو هي بالنسبة لي قصة حبٍّ أكثر مما هي قصة موت!
===============
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط