بسام درويش
/
Jul 18, 2013
عندما يموت فرد من أفراد العائلة أو حتى أحد الأقرباء، فقد كانت العادة في البلاد العربية على ما أذكر، وفي كثير من البلاد الأخرى، أن يتوقف أهل البيت عن إدارة الراديو أو التلفزيون وعن سماع الأغاني وإحياء السهرات. وأذكر عندما كنت صغيراً، أنّه حتى الجيران القريبين من منزل المتوفي كانوا يتوقفون عن سماع الأغاني أو على الأقل يخفضون أصوات الراديو والتلفزيون تعاطفاً مع جيرانهم ومشاركةً لهم في حزنهم لمصابهم.
أدير الراديو في هذه الأيام وأقفز من محطة إلى أخرى أحاول أن أبحث عن نشرة أخبار أو عن برنامج حوار أو لقاء مع الناس الذين "يعيشون" ـ إن صحّ التعبير ـ تحت القصف ليل نهار، فلا أسمع إلا أم كلثوم أو عبد الوهاب أو عبد الحليم حافظ أو غيرهم من المطربين الذين لم أعد أستطيع التمييز بينهم لمضي عقود من الزمن على هجري للوطن، أو على تهجيري منه!
بماذا يحتفل هؤلاء؟
أبالدماء التي تسيل في كل مكان أو البيوت التي تُدَمَّر على ساكنيها، أو بروائح الجثث المتروكة على الأرصفة والطرقات أو سطوح المباني، أو الأمراض التي تتفشى بين الناس ولا من يعالج، أو الجوع الذي يحصد الصغار والكبار؟
على أنغام ماذا يرقصون؟
أعلى نحيب الأمهات أو أنين العجائز أو على صراخ الأطفال وهم يبحثون عن ذويهم أو يهربون من القصف أو يطالبون بكسرة خبز يسدون بها بعض جوعهم؟
الموسيقى تساعد الإنسان على نسيان بعض همومه أو التغلب على بعض أحزانه، لكن أن تصخب الإذاعات العربية، وخاصة المحلية منها حيث تدور الأحداث الدامية، بالطرب ليل نهار، فإنه لأمر لا يعتصر القلب حزناً فقط بل يثير الغثيان.
الأبرياء يموتون بالآلاف، وأنا لا أتحدث عن طرف واحد إنما عن كل الأطراف المتحاربة، ومع ذلك فالغناء والرقص لا ينقطعان!
كلّ طرف من الأطراف المتحاربة يتحدث عن المُثُل والأخلاق من منظاره الخاص.
دماء الضحايا تستصرخ فيكم هذه الأخلاق التي تتشدقون بها ـ إن كان حقاً لديكم ذرّةٌ منها ـ أن توقفوا هذا القتل وإن لم تستطيعوا فعلى الأقل أن تقلعوا عن الاستهتار بمشاعر الأحياء الذين يبكونهم. إنه زمن حزن لا فرح!
توقفوا عن هذا الهرجِ، واستبدلوه بموسيقى حزينة توحي للناس أنكم لا زلتم بشراً، فإنّ من يستمع إلى إذاعاتكم لا يراكم إلا فرحين تهزجون وترقصون لما يحدث.
أوقفوا هذا الهرج واحزنوا لضحاياكم وتعاطفوا مع الذين يبكونهم، وأسمعوا العالم عوضاً عن الغناء أخباراً حقيقية عما يجري وتحاليل نزيهة وحوارات بناءة بين عقلاء...إن كان لازال يعيش بينكم بعض عقلاء. توقفوا عن تجاهل الواقع المؤلم والتغطية عليه بهذا الصخب المزعج. توقفوا... إذ حتى الهمج لا يهزجون أو يرقصون حول جثث موتاهم!
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط