بسام درويش
/
Dec 09, 2004
مع تزايد الأحاديث عن اقتراب تغيير نظام الحكم في سورية ـ أو على الأقل، حدوث تغيّرٍ في أسلوبِ حكم النظام ـ يتساءل الكثير من السوريين، في سورية وخارجها بقلق:
ماذا لو جرت انتخابات حرة في البلد فأدّت إلى فوز الإسلاميين الأصوليين بالسلطة، أو حتى، إلى فوزهم بمقاعد كبيرة يمكن أن تؤثر على الحكم؟
قلقٌ ربما يكون له مبرر. ما حدث ويحدث في إيران أو الجزائر أو السودان أو افغانستان مثلاً، أو إلى حد ما، ما يحدث الآن في العراق، إضافة إلى أعمال العنف التي يقوم بها الأصوليون المسلمون في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم؛ وإلى جانب المئات من البرامج التلفزيونية التي لا تقدم للمشاهدين إلا الصور القاتمة التي تشير إلى تصاعد خطر الأصولية.. كلها أمور يمكن أن تبرر القلق.
لكن، هل حقاً يتمتع الأصوليون المسلمون في سورية بالذات، بقاعدة جماهيرية واسعة يمكن أن تصل بهم إلى الحكم عبر انتخابات حرة؟
بصراحة، رغم أن التقليل من خطر الأصوليين في سورية هو خطأ كبير، فإنّ إعطاءهم هذا الحيّز العظيم من الاهتمام هو خطأ أكبر، لأن ذلك هو بالضبط ما يريده النظام الذي، لا شكّ في أنه يساهم، عن طريق أعوانه، بتضخيمه خدمة لمصالحه ولإطالة فترة حكمه. وبصراحة أكبر، إنه لمن غير المستبعد أبداً أن يكون النظام هو نفسه الذي رتّب ـ عن طريق أعوانه ـ في شهر إبريل من العام الجاري عملية الهجوم الإرهابية المسلحة في منطقة المزة بدمشق كي يظهر للعالم أنه هو أيضاً ضحية الإرهابيين.
لكن، ومن جهة أخرى، فإن التركيز على خطر الأصوليين "المتربصين بالحكم" وتسليط الأضواء عليهم بشكل دائم، يضع فئة كبيرة أخرى ـ فئة المعارضين الديمواقراطيين ـ خارج دائرة هذه الأضواء، لا بل يجعلها تبدو وكأنها غير موجودة، وهذا يمنح النظام معادلة رابحة يتاجر بها:
{أصوليون يتربصون بالنظام للانقضاض عليه} + {عدم وجود معارضة ذات أهمية تذكر لتسلم الحكم بعد سقوطه} = التعامل مع النظام الحالي هو الحل الوحيد
ولكي تبقى هذه المعادلة الرابحة قائمة، يبذل النظام السوري جهده لإبقاء شبح الأصوليين مسيطراً، وفي الوقت نفسه يبذل جهوداً أكبر لتهميش المعارضة والتقليل من قيمتها. لكن، رغم جهود التهميش هذه، فإن المعارضة تنمو بسرعة، خصوصاً خارج البلاد، والنظام يعرف ذلك تماماً ويخشاها ويبذل ما بوسعه للخلاص منها قبل أن يستفحل أمرها. وربما يؤكّد ذلك ما جاءنا من أخبار طازجة جدا، تتحدث عن فرق خاصة، تم تدريبها وإرسالها إلى عدة مدن وعواصم غربية لتصفية بعض المعارضين.
*********
هاجس وصول الإسلاميين إلى الحكم في سوريا لا يجب أن يكون عائقاً أمام الجهود المبذولة لإعادة سورية إلى حظيرة المجتمع الدولي المتحضر.
شعب سوريا من بين أعرق الشعوب حضارة، وهو يتمتع بوعي عظيم وذكاء لامع وبراعة ما بعدها براعة في المحافظة على البقاء إبّان أشدّ المصاعب؛ ولقد اثبت ذلك على مر هذه السنين العجاف. هذا الشعب، لن يسمح بأي شكل من الأشكال لجهلة البخاري وأبي هريرة بالوصول إلى الحكم، لكن على العالم الحر أن يمد له يد العون، وعونٌ كهذا ليس إحساناً إنما رداً لمعروف. فالشعب السوري قد قدم للعالم شعلة حضارية لم تنطفئ نارها منذ آلاف السنين وهو يستحق اليوم فعل شكر وليس كلاماً فقط.
عودة سورية إلى حظيرة المجتمع الدولي لن تخدم الشعب السوري فقط، إنما المنطقة بأسرها وبالتالي العالم كله. هذه العودة، ستفجّر طاقات عظيمة خلاقة لشعب مبدع، يعرف تماماً كيف يقود المنطقة وبسرعة فائقة، على طريق الاستقرار والازدهار والتعاون مع العالم، لأجل مستقبل أفضل للإنسانية جمعاء.
عودة سورية إلى حظيرة المجتمع الدولي كدولة حرة علمانية ديموقراطية، لن تأتي بالأصوليين إلى السلطة، إنما على العكس تماماً، ستكون نكسة لكل الحركات الأصولية التي تسعى لعزل المنطقة عن العالم والعودة بشعوبها إلى الوراء. وإذا كان للعالم الحر أي أمل بوضعٍ مستقر للشرق الأوسط، فإن هذا الأمل لن يتحقق إلا عبر سورية.
***********
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط