رشيد احمامي
/
Mar 24, 2006
في المغرب الذي يعد أكثر البلدان الإسلامية والعربية انفتاحا، والذي حازت فيه حقوق الإنسان خصوصا حقوق المرأة تقدما مهما بالمقارنة مع غيره من دول المنطقة، في هذا البلد هناك أقلية مسيحية في طور التكوين بعد أن اندثرت المسيحية فيه منذ قرون بسبب الغزو الإسلامي الذي جعل سيفه يستأصل المسيحية من جذورها بحيث لم يتبقى إلا بعض الرموز والعادات التي تجدها في تقاليد الأمازيغ تشير إلى تأثير مسيحي قديم في هذه التقاليد، في هذا البلد الذي لازال يعاني من تبعات تاريخ أسود في القمع والاضطهاد كغيره من البلدان العربية، يتم السكوت عن أشياء خطيرة تحدث في حق هذه الآلية المسيحية، فبالرغم من أن المغرب ما فتئ يؤكد أنه بلد التسامح الديني فإنه لا يسمح بتاتا بتغيير الفرد لدينه واعتناق المسيحية، لا يعترف المغرب بالمسيحيين الذين تركوا الدين السائد (الإسلام) واعتنقوا المسيحية رغم أن عددهم يفوق الألف باعتراف العديد من الجهات بل بعض الجرائد قالت بأنهم يصلون إلى سبعة آلاف فرد، بل هناك عائلات بأكملها (تنصرت) وبعضها في الجيل الثالث، ومع ذلك هم مسلمون في عرف القانون المغربي غصبا عن أبيهم، بل حتى عقود زواجهم يكتب فيها (على سنة الله ورسوله) أبوا أم كرهوا! يجتمع هؤلاء المسيحيون سرا في البيوت كالكنيسة الأولى ويمارسون طقوسهم في غاية التكتم والسرية ويعبدون الله داخل الأبواب والنوافذ المغلقة وكأنهم يرتكبون جرما، لاحق لهم في العبادة سرا ولا علنا، وإذا ما تم ضبطهم فمن حق السلطات أن تعتقلهم بحسب القانون بتهمة التجمع دون ترخيص أو بتهمة الانتماء وممارسة نشاط داخل جمعية غير مرخص لها.. هذا طبعا إذا لم يلفقوا لهم أي تهم أخرى لا علاقة لها أصلا باجتماعاتهم، ناهيك عن أنهم يصومون رمضان غصبا عنهم لأنهم لو أفطروا علنا أو تبث ذلك في حقهم فإن القانون من حقه متابعتهم قضائيا بتهمة الإفطار العلني أما إذا تحدثوا عن إيمانهم لأي شخص آخر ولو دفاعا فإن القانون أيضا يمكنه محاكمتهم بتهمة "زعزعة عقيدة مسلم" الموجودة في الفصل 220 من القانون الجنائي. أما الكتاب المقدس (باللغة العربية) فإنه كتاب ممنوع في المغرب دون سند قانوني، هكذا بالعرف، بحيث أن وزارة الاتصال ترفض الترخيص بدخوله إلا في حالات استثنائية قليلة يمكن عدها. ولازالت الجمارك تصادر الكتب التبشيرية أو الكتب المقدسة إذا ما ضبطتها بحوزة أي مواطن أثناء عبوره إلى داخل المغرب، أما الاضطهاد بشتى أنواعه فحدث ولا حرج من متابعات سرية من الشرطة السرية واعتقالات واستنطاقات وحجز جوازات السفر وبطاقات التعريف بذريعة أو بأخرى... والمحاكمات والسجن، ففي سنة 2005 وحدها تمت محاكمتان إحداهما توجت بالحكم ب 15 سنة على أحد (المرتدين) بتهمة المس بالأمن العام، وآخر تم إطلاق سراحه وتمت تبرئته.. لكن ربما إلى حين (إن لم يخرس لسانه)، بالإضافة إلى الذين تم تهديدهم بالسجن أو بتلفيق التهم أو بالقتل في أحيان أخرى حتى أن بعضهم قد أمضى التزاما بألا يعود للمسيحية إطلاقا وبعضهم أرغم على نطق الشهادة أمام المحكمة كشرط لتخلية سبيله وهو شيء لا وجود له في القانون أساسا، أما المبشرون الأجانب والذين يبقى عملهم خجولا وغير مثمر أحيانا كثيرة ولايرقى إلى المستوى المسيحي الموصوف في الإنجيل فإنهم في غالب الأحيان يُمنعون بشتى الوسائل والطرق أن يمارسوا التبشير وهي المهمة التي لأجلها هم متواجدون في المغرب فيضطرون للذوبان والتأقلم مع الظروف الأمنية ويصيرون غير فعالين بالمرة بل وأحيانا كثيرة يصبحون عبئا على الحركة المسيحية الشابة عوضا عن الوقوف إلى جانبها، وإذا ما أرادوا تشجيع المسيحيين المغاربة فإنهم يطردون خارج البلد كما حدث مع الراعي الجنوب إفريقي الذي تم ترحيله في صيف سنة 2005. أما الكنائس الأجنبية المتواجدة داخل البلد للأجانب سواء منها الكاثوليكية أو البروتستانتية فإنها ممنوعة من استقبال المغاربة أو تعميدهم أو مدهم بالأناجيل، وذلك بسبب كل التعهدات التي أجبرتها الحكومة على إمضائها إذا ما أرادت البقاء في البلد، وهكذا تجد الرعاة العاملين فيها يردون المغاربة الذين يطلبون الإنجيل أو يطلبون المعمودية بعد أن اعتنقوا المسيحية.. يردونهم خائبين وهم يبلعون تلك الغصة الأليمة أن ترى شخصا يحتاج إلى مساعدتك لكنك لا تستطيع لأنك مقيد بقوانين جائرة وقد انتبهت السلطات إلى ظاهرة الارتداد هذه التي تفشت في أوساط الشباب في السنين الأخيرة واعتناق أغلبية المرتدين للمسيحية بسبب الدروس بالمراسلة والإذاعات الصوتية منها والمرئية والآن بسبب الأنترنت وتقنيات التواصل الحديثة.. فصارت تتبعها عن قرب وتوليها بالغ الأهمية وحسب بعض المصادر المطلعة فإن هناك مخططات لإقبار هذه الظاهرة في مهدها قبل أن تصير خارج سيطرة السلطات لذلك يبذلون قصارى جهدهم حتى يشتتوا كل القيادات الشابة التي تترأس هذه الحركة، والسلطات المغربية على علم تام بما يحصل الآن في الجزائر من اعتناق الآلاف للمسيحية في منطقة القبائل والتي هي منطقة أمازيغية، وللإشارة فأن أغلبية المناصرين للقضية الأمازيغية في المغرب يتعاطفون مع المسيحيين المغاربة بصفتهم أقلية وذلك لأنهم يعرفون معرفة تامة بأنهم هم أنفسهم كانوا ضحية الغزو الإسلامي الذي أراد طمس الهوية الأمازيغية ثقافة ودينا. على كل تبقى حال المغاربة المسيحيين اليوم رغم ما يحدث لهم من انتهاكات أحسن بكثير مما سيحدث لهم في المستقبل (لاسمح الله) إن استلم الحكم الإسلاميون الذين يتنبئون بأن سنة 2006 ستكون سنة الخلافة لهم (خصوصا جماعة العدل والإحسان التي تملك أكبر عدد من الأتباع عن باقي الجماعات والأحزاب الأخرى) وأنهم سيقيمون النظام الإسلامي في المغرب بعد إزاحتهم للأسرة المالكة (وهذه أمور يعبرون عنها في مجالسهم وحتى في رؤاهم التي يروونها على صفحات الجرائد والأنترنت). ترى لماذا يسكت العالم الغربي عن هذه الانتهاكات التي تحدث في حق المسيحيين في المغرب؟ لماذا يصمت المسيحيون عما يحدث لإخوانهم في المغرب وباقي البلدان الإسلامية الأخرى؟ تخيلوا معي لو حدث للمسلمين في أمريكا ما يحدث للمسيحيين في المغرب، لو منع المسلمون من ارتياد مساجدهم ومنعوا من ممارسة شعائرهم ومنعوا من التحدث إلى غير المسلمين أو دعوتهم إلى الإسلام لو منعوا من إدخال القرآن باللغة الإنجليزية إلى أمريكا، لو نزعت بطاقاتهم وجوازات سفرهم وقدموا للمحاكمة لو هددوا وأجبروا على الخضوع للمسيحية أو أي دين آخر لو كتب في أوراقهم الرسمية (غصبا عنهم) أنهم مسيحيون.. لو مورس عليهم كل ما يمارس ضد أي مسيحي مغربي ماذا كان سيحدث؟ مجرد رسوم كاريكاتورية ثار لها العالم الإسلامي أجمع، واعتبروها صراعا للحضارات وهم يرتكبون جرائمهم في الخفاء دون أن ينبس أي شخص بكلمة واحدة في حقهم.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط