جون نبيل / Dec 12, 2004

أبو أحمد رجل يعمل معي حاصل على شهادة الماجستير من الازهر "الشريف"، كلما نظرت الى هذا الرجل انتابني شعور بالشفقة لاني أرى في عينيه حقدا علي، وهذا الحقد يعبّر عنه بخباثة تقشعر لها  الابدان. لقد حاولت أن أفهم سبب هذا الحقد ولم اتوصل الا إلى نتيجة واحدة، وهي أنّ أبا أحمد مازال يعيش في عصر الخلافة الأولى ومازال يظن أنّ عمر بن الخطاب يحكم إلى الآن، وبموجب هذا الخيال الذي يعيشه أبو أحمد يتصرف.

 

لقد عز على نفس أبي أحمد أني أحفظ سوراً كثيرة من القرآن، واني كدارس للغة العربية كان علي ان ادرس القرآن على اعتبار ان اعجاز القرآن يكمن في لغته العربيّة المتينة الفصيحة مع انه لدي الكثير من التحفظات على هذا الادعاء الكاذب، ولكني لن أخوض في هذا الموضوع. وكانت دراستي للقران نابعة من منطلق لغوي فقط، امّا أبو أحمد فهو أيضاً متعمق في القرآن ولكن من منطلق ديني، وهذا هو الفرق بيني وبينه، فأنا إنسان أقرأ وأعي ما أقرأ فاناقش وأحلل وأتساءل، بينما أبو أحمد يقرأ دون ان يعي وهو بالتالي لا يناقش ولا يجادل.

وهكذا اصبحت أشكّل خطرا على أبي أحمد وامثاله لاني أفكّر، ولما كان أبو أحمد يتخذ الرسول "اسوة حسنة له" حقد علي، لاني أستخدم عقلي وافكر، فلو كان بمقدوره أن ينزع لساني لما فكّر مرتين.

يرى أبو أحمد أنّي أخالف الوثيقة العمريّة في عدّة بنود الأمر الذي يجعله يغتاظ ليس لأنّي مخالف وحسب بل  لانّه لا يستطيع أن يقوم ويهشّم وجهي ـ الله يرحم ايّام الفاروق ـ فلو كان عمر بن الخطاب موجوداً الآن  لقام أبو أحمد وضربني بالدّرة تمثلا بسيدّه عمر دون أن يحسب حسابا للقوانين المدنيّة في اسرائيل التي تمنع  العنف، لانّ قوانين عمر بن الخطاب الرحيم في الوثيقة العمريّة ستعطي أبا أحمد وأمثاله الحق في الدفاع عن الاسلام من الكفّار.

وأنا إنسان كافر أستحق الضرب، لقد وصلت وقاحتي الى حد لم يعد بمقدور أبو أحمد أن يحتمله فها أنا لا  أجزّ مقدم رأسي ولا أشدّ الزنار على وسطي، وأظهر شركا لاني أجاهر بعقيدتي المسيحيّة، ويا لهول  المصيبة التي أقوم بها فأنا أخالف ثلاثة بنود من بنود الوثيقة العمريّة التي تقول:

على نصارى اهل الشام ان:

1 ـ لا يُظهِروا شِركاً.

2 ـ وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم.

3 ـ أن يشدّوا الزنانير على أوساطهم.

والمصيبة الكبرى ليست هنا فقط، بل تكمن في أنّ علاقاتي مع  قسم من زملائي المسلمين علاقات قوية وصداقة متينة، وهؤلاء المسلمون بحاجة الى التوبة لانهم يخالفون اوامر الاسلام "الدين الحنيف" الذي يقول في القرآن:

"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولاَّهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين." (المائدة 51)

اذن انا اخالف الوثيقة العمريّة "الجزيلة الرحمة"، وبالوقت نفسه اسبب الكفر لاصدقائي المسلمين بسبب محبتي لهم ومحبتهم لي.

أبو أحمد هو حالة وبائية تخترق العالم، فهذا الرجل الذي تحول الى الة تسجيل لا يستطيع ان يتقبل حياته البائسة التعسة التي يحياها في ظل دولة قانون تحترم حق الاخر بالحياة.

ولماذا اقول ان ابا أحمد الة تسجيل؟؟! لانه وببساطة  شديدة اذا ما شاءت ظروفك السيئة ان تجلس في مكان يتواجد به "عميق التفكير" أبو أحمد وتبدأ الحديث عن اي موضوع كان في البيولوجيا اوالسياسة اوعلم النفس اوعلم الاجتماع او حتى النكت فانك لن تسمع منه الا ردود ذات قاعدة مشتركة، وهي قال فلان عن فلان حدثنا ان رسول..

لم يعد أبو أحمد قادرا على التفكير والتعبيرعن رأيه هو، كل ما لديه حديث منقول، واذا ما  قمت يوما باخباره عن حديث معين لم يعجبه منقول أيضاً عن فلان وفلان.. تراه يتقلّص ويتمدد ثم يثور كالثور الهائج ويقول انه حديث ضعيف او موضوع او انه من الاسرائيليات.

أبو أحمد اليوم يشكل جزءا كبيرا من المجتمعات الاسلاميّة وهذا الجزء آخذ بالتزايد على اكتاف الجهلة، وهنا يضيع المثقف بين سيطرة أبو أحمد على الخائفين من غضب وسخط الله، وبين عقله وضميره ومنطقه الانساني الذي يرفض، جملة وتفصيلا، سخافات أبي أحمد ومصادره الاسخف.

قبل عامين وكنت بعد حديث العهد في عملي جاء الشيخ "سعيد" وهو انسان طيب بجوهره ومتدين، لكنّه وعلى ما يبدو متأثر بالداعية "المودرن" عمرو خالد؛ اخرج من جيبه علبة سجائره وقذفها في سلة المهملات وقال الدخان حرام.

انا اعلم ان الدخان مكروه، ولكن "داعيتنا المنافق" عمرو خالد قال مرة في احد برامجه: "بقى خمسة مكروه في اليوم ما يعملوش حرام واحد".

بالفعل معادلة منطقيّة الخمسة تساوي واحد، واليورو الواحد يساوي خمسة شواقل اسرائليّة، اتمنى من الله ان يحاسبني على خطاياي بسعر الجنيه الاسترليني وليس بسعر الشيقل لان السبعة شواقل ونصف تساوي جنيه استرليني واحد فستخف خطاياي عند الله تعالى.

زميلي سامر متزوج وقرر يوما ان يستضيف ابا أحمد لوجبة غذاء في منزله، زوجة سامر انسانة ذات ذوق رفيع تحب ان تزين منزلها بالتحف الخشبية والبرونزيّة والصور الزيتيّة. قبل أبو أحمد الدعوة، بالطريق قبل ان يصل سامر الى منزله ارتبك وخاف، طلب مني ان يجري محادثة من هاتفي النقّال ودون ان ينتبه أبو أحمد اتصل بزوجته، طلب منها ان تخفي كل تحفة وصورة في منزلهم على هيئة او شكل الانسان، لم تفهم الزوجة مطلب سامر، وقد وصل صوتها الى مسامعي، وباستغراب شديد سألت:

ـ  لماذا؟ سيصبح المنزل بشعاً.

ـ ارجوك افعلي ما اقول لك وفورا، سأصل بعد ربع ساعة الى المنزل.

ـ حسنا.

 نفذت امره، وحلّت البركة في منزل سامر فقد زاره أبو أحمد حاملا معه بركاته الروحيّة القدسيّة.

بعد ان انصرف أبو أحمد سألت الزوجة سامر: "لماذا طلبت مني اخفاء التحف؟" اجابها أنه سمع من فم أبي أحمد المبارك ان التماثيل على شكل انسان حرام وهي بمثابة شرك بالله ـ والعياذ بالله من الشرك والمشركين.

سامرالمسكين يريد ارضاء أبي أحمد، كي لا يقول عنه انه مشرك.

لقد ذكرت ثلاثة نماذج للرجل المسلم في المجتمع الاسلامي، دعونا نمعن التأمل بهذه النماذج!

النموذج الاول: أبو أحمد حالة وبائية مؤمن ان الوثيقة العمريّة هي الحل الامثل لبناء مجتمع صالح، وعلينا نحن واقصد بنحن المعنيين بسلامة المجتمع وأبناءنا ان نقاوم هذا المرض والقضاء عليه.

النموذج الثاني: هو الشيخ سعيد وهو انسان طيب بجوهره ولكنه سريع التأثر بمحيطه علينا ان نحسن معاملته ونتقرّب منه كي يتأثر بالخير والمحبّة ولا يتأثر بالوثيقة العمريّة.

النموذج الثالث: سامر، هذا النموذج  يريد ان يكسب الاخره وان يعيش الدنيا فعلينا ان نوضح له ونعلّمه ان الدين هو يسر وان الله يحب البشر وعليه ان يتصالح مع الله من خلال ضميره واعماله الصالحة وحسن نيته ومحبته لقريبه، وليس من خلال أبو أحمد او الوثيقة العمريّة التي لا ذرة رحمة بها كما يدعي النصابون، بل هي وثيقة عنصرية تحطّ من قيمة الانسان غير المسلم.

النموذج الرابع والذي لم اخصصه بمقالي، هو ذلك الانسان العادي الذي لا يجعل الدين حاجزا بينه وبين الاخرين ولا يؤمنون بان الوثيقة العمريّة هي التي سوف تعيد لهم عزتهم بل ينظرون اليها ويتمتمون بسرهم ان هذه الوثيقة وضيعة البنود، عنصرية ومجحفة في حق الانسانيّة، ويجب اقامة معاهدة جديدة ترتكن على السلام والعيش المشترك، ومع انهم قلّة الا انهم موجودون وهم من التفّ عليهم واستطيع ان ابني علاقات معهم لانهم يستخدمون عقلهم ويعيشون انسانيهم ـ كثرالله امثالهم.

جون نبيل ـ حيفا

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط