بسام درويش / Feb 04, 2003

"لماذا بحق الجحيم تخطط أية أمة في العالم وتتكلف الأموال وتبذل الجهود لتدمير أسرة وأخلاق أمة أخرى؟"

سؤالٌ بعث لي به قارئ مع مقال نُشر على موقع "الجزيرة" يطلب رأيي فيه. فيما يلي نص المقال يليه الرد:

=========

نائب مغربي: الإدارة الأميركية تخطط لتدمير الأسرة العربية

الجزيرة. نت. 22 يناير 2003  

الدوحة: عبد الحكيم أحمين

قال المفكر الإسلامي والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية المغربي المقرئ أبو زيد الإدريسي إن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 منحت الإدارة الأميركية الفرصة للدفع بمخططاتها واختصار سنوات من العمل لتدمير البنية التقليدية للأسرة العربية والإسلامية واستبدال العلاقات المثلية بها وخلق أشكال جديدة للأسرة. جاء ذلك في اليوم الثاني وهو الأخير من فعاليات ندوة "مستقبل المشرق العربي في ضوء أحداث 11 سبتمبر وما تلاها" التي نظمها بالعاصمة القطرية الدوحة المركز العربي للدراسات والبحوث.

واعتبر الإدريسي أن الولايات المتحدة التي تخطط منذ مؤتمر مكسيكو 1975 للسكان مرورا ببكين 1995 إلى مؤتمر نيويورك 2000 لتدمير الأسرة العربية والإسلامية بمكوناتها الأساسية (الزوج والزوجة والأولاد)، دفعت بالأحداث إلى الأمام وخلقت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول من أجل الدفع بمخططاتها وتفعيلها أكثر واختصار سنوات العمل لفرض تصوراتها وزرع ثقافة "الجندر" أو النوع.

وأضاف أن مؤتمرات المرأة والطفولة العالمية تهدف إلى تدمير الأسرة العربية والإسلامية القائمة على علاقات مستمدة من التشريع الإسلامي، وإلى تشجيع بيع الأطفال والاتجار بهم جنسيا، وشدد على أن هذه المؤتمرات يقوم خلف ستارها الشواذ جنسيا لإخراج المرأة والرجل عن فطرتهم الطبيعية وتحويلهم إلى "فطرة بعيدة عن الإسلام تصل بهم إلى الحيوانية".

وذكر المفكر المغربي أن السياسات الغربية التي تستهدف الأسرة تركز على ضرورة إعادة تنشئة وتربية المجتمعات العربية والإسلامية على "ثقافة النوع التي تسمح للمرأة بالتصرف بحرية في جسدها وإعطائه لمن تحب وتشاء"، كما تسمح للرجل بالزواج من الرجل والمرأة بالمرأة. واتهم مبادرة وزير الخارجية الأميركي كولن باول بشأن تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط بأنها ترمي إلى تعزيز هذه الثقافة.

وقال إن الأمم المتحدة أصدرت بهذا الخصوص في مؤتمر بكين 1995 وثيقة أممية تلزم جميع الدول وخاصة الإسلامية بنشر ثقافة النوع بين شعوبها، وتشجيع منظمات المجتمع المدني ودعمها ماديا، وتشترط تقديم المساعدات بتسريب مفاهيم هذه الثقافة عبر وسائل الإعلام وفي التعليم وكل ميادين الحياة. وأبان الإدريسي أن هذه الوثيقة نزلت في جميع الدول العربية والإسلامية بأشكال مختلفة وبتعابير متباينة وبكميات متفاوتة على حسب كل بيئة وعقلية حكامها وشعوبها ومدى محافظتهم على تقاليدهم ودينهم.

وأوضح أن خطة "إدماج المرأة في التنمية" التي واجهها التيار الإسلامي المغربي بمسيرة مليونية قضي عليها إعلاميا وشعبيا، لكنه أكد أنه يتم تكريسها عن طريق برامج وزارات حكومية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة رفضت التوقيع على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز بحق المرأة "سيداو" في حين تدفع غيرها من الدول العربية والإسلامية إلى التوقيع عليها، وهي بذلك "تريد القضاء على كل شيء مستمد من الشرع".

وأشار إلى أن الإستراتيجية الأميركية في العالم قسمت دوله إلى ثلاث دوائر: دائرة التحجيم ودائرة الضبط ودائرة التدمير، وأن الدول التي ترفض تطبيق تصوراتها واتباع خططها إما تواجه بالقوة أو تحاصر لتحطم على بطء. واتهم العقل السياسي الرسمي الغربي بأنه أصبح قائما على إلغاء الآخر.

***********

إنّ نظرةً خاطفةً على ما جاء في حديث السيد الإدريسي لكافيةٌ بأن تؤكّد أنّ الرجلَ متعصّبٌ أعمى حتى العظم. وعندما تخرج الكلمات من فم إنسان متعصب أعمى، فإنه ليس ظلماً أن نقول بأن العقل لا يقف وراءها. فالتعصّب الأعمى يُفقد الإنسانَ القدرة على التفكير، ولذلك، فإن إطلاق لقب "المفكّر" على السيد الإدريسي، هو ظلمٌ لكلّ مفكّر وصاحبِ عقل.

 

تخيلات السيد الإدريسي جاءت في ختام ندوةٍ نظمها المركز العربي للدراسات والبحوث، في العاصمة القطرية تحت شعار، "مستقبل المَشرق العربي في ضوء أحداث 11 سبتمبر وما تلاها"! وهاكُمُ خلاصة لما يعتقد به السيد الإدريسي: 

·          الإدارة الأمريكية هي التي افتعلت الحادي عشر من أيلول.

·          الإدارة الأمريكية فقدت الصبر وهي تنتظر قيام المسلمين بعمل إرهابي يمكنها أن تستخدمه مبرراً لتنفيذ مخططاتها الجهنمية ضدّهم، فقامت بافتعال أحداث أيلول لغاية التعجيل بها واختصار سنوات العمل لتنفيذها!

·          غاية الإدارة الأمريكية من دعمها لمنظمات المرأة ومؤتمراتها، هي ضرب الأسرة العربية والإسلامية القائمة على علاقات مستمدة من التشريع الإسلامي، ناهيكمُ عن تشجيعها لبيع الأطفال والاتّجار بهم جنسياً!

·          المشرفون على تنفيذ هذه المخططات، من خلال المؤتمرات المذكورة، هم من الشاذين جنسياً، والغاية من اختيارهم هي نشر الشذوذ الجنسي في المجتمعات الإسلامية، وكذلك تشجيع المرأة على بيع جسدها لمن تحب. 

·          الإدارة الأمريكية لديها خطة شيطانية وهي "إدماج المرأة بالتنمية" وهي الخطة التي يفتخر السيد الإدريسي بقوله أن تياره الإسلامي المغربي، قد استطاع الوقوف في وجهها ليقضي عليها بمسيرة مليونية إعلاميا وشعبيا.

*********

قبل أن نتناول حديث هذا "المفكّر" بالتعليق لا نملك إلا نتساءل: أيُّ "مستقبلٍ مُشرِقٍ لهذا "المَشرقِ العربي" يمكن أن تتطلّع إليه شعوب المنطقة، إذا كان المشاركون في التخطيط له، أناسٌ على هذا المستوى "الفكري" الذي يتمتع به السيد الإدريسي!..

كيف يمكن لأناسٍ على هذا المستوى من التفكير الضحل السخيف، أن يكونوا طرفاً في التخطيط لبناء مستقبل افضل لأمتهم، إذا كانوا على هذا المقدار العظيم من التصميم على التعامي عن الحقيقة!

 

إنه لأمر يبعث على السخرية والشفقة في آن واحد أن نسمع أدعياء الفكر المسلمين يروّجون لدعاياتٍ تقول بأن الولايات المتحدة هي التي خططت لأحداث الحادي عشر من أيلول، وفي الوقت نفسه يهللون لابن لادن ويرون فيه البطل الذي حطّم كبرياءها في ذلك اليوم. هذا العالم الإسلامي سيبقى غارقاً في تخلفه وجهالته ما دام مصمماً على التعامي عن مواجهة الحقائق والاتعاظ بها، وهو بذلك لا يؤكّد فقط عجزه عن الوصول إلى سلامٍ مع بقية أمم العالم إنما عجزاً عن تحقيق السلام مع نفسه أيضاً.

 

"جحا"، شخصية أسطورية عربية، أبدعتها مخيلة العرب ـ ويا لعظيم ما قد أبدعوا وقدّموا لهذا العالم! ـ ثم أخذوا ينسجون حولها الحكايات والنكات التي تداولها ولا زال يتداولها صغارهم وكبارهم، ومثقفوهم وجهلاؤهم على السواء.

ومن الحكايات التي يرويها العرب عن جحا، أن رجلاً اقترب منه يسأله عما إذا كان يعرف السببَ وراء ركضِ بعض الناس في الطريق، فكذب عليه جحا قائلاً بأن هناك وليمةَ طعامٍ في بيت فلانٍ من الناس، وأنّ كل الناس مدعوون إليها ولذلك فإن الرجال كان يركضون حتى لا يفوتهم الطعام. أسرع هذا الأخير يلحق بالراكضين، وبعد قليل انتشر الخبر بين الناس فأخذوا يتراكضون باتجاه مكان الوليمة. وأخيراً أعمل جحا "تفكيره"  فأسرع هو الآخر وراء الناس مخاطباً نفسه قائلاً: لو لم يكن هناك وليمة حقاً لما تراكض كل هؤلاء الناس!..

 

هذا هو حال المسلمين والعرب اليوم، وما حجا هذا، في الحقيقةِ، إلا رمزاً صادقاً لواقعهم، ماضيه وحاضره.

منذ مطلع الإسلام أوهمَ محمد أتباعه ـ في خضم سعيه وراء القوة والسلطة ـ أن اليهود هم وراء كل علة ومشكلة، وحتى اليوم لا زال المسلمون يحذون حذوه. فكل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية هي من صنع اليهود، وهم على قناعة تامة بأن هذه المشاكل لن تُحلَّ، إلا عندما يزول اليهود من هذا العالم الذي أصبح كله في اعتقادهم لعبةً بيد اليهود.

 

ما على المسلمين إلا الانتظار!.. فطالما بقوا ينتظرون الساعة التي يدعوهم الحجر فيها لقتل آخر يهودي على وجه الأرض يختبئ وراءه، كما تعلمهم كتبهم، فلسوف يصحّ فيهم ما يقوله المثل العامي: "انتظر يا كديش حتى يطلع الحشيش!"

**********

تخرصات هذا "المفكّر" فيما يتعلّق بافتعال أمريكا لأحداث الحادي عشر من أيلول ليست في الحقيقة هي محور تعليقنا، وكذلك ادّعاءاته بأن غاية مؤتمرات المرأة والطفولة العالمية هي تدمير الأسرة العربية والإسلامية القائمة على علاقات مستمدة من الشريعة الإسلامية، لأنه من الواضح بأن الرجل لا يخشى على الأسرة العربية من أن تُدَمّر، إنما هو يخشى على الشريعة الإسلامية من الزوال، إذ بزوالها تزول قُوامتُه. إنه وبعبارة أخرى يخشى على الجهل من الزوال لأنه بالجهل وحده يستطيع أن يثبتَ أنه هو الأفضل. لذلك، لا عجب أن يفتخر هذا الرجل بتياره الإسلامي الذي استطاع أن يحرّك مليوناً أو أكثر من الجماهير المؤمنة للوقوف في وجه مخططات الإدارة الأمريكية الشيطانية الساعية إلى "إدماج المرأة بالتنمية". فحين تتمكن المرأة المسلمة من إثبات وجودها كعنصر مساوٍ للرجل تماماً في كل المسؤوليات، ستتبدد الخرافة التي تقول بأن الرجل هو القوام على المرأة لا لشيء إلا لكونه هو المعيل، وبتبدد هذه الخرافة سيتبدد معها الكتاب المحشو بأمثالها من الخرافات الأخرى.   

********

ما جاء على لسان هذا الجاهل لا يستحق في الحقيقة أي تعليق بل الاستهزاء، وهذا ما كان عليه الأمر حتى الآن، ولكنَّ أمراً واحداً وجدنا أنه يستحق التعليق، وهو حديثه عن مخططات العالم الغربي، وعلى رأسه أمريكا، لضرب أخلاق الأمة الإسلامية والعربية عن نشر الشذوذ الجنسي بين أهلها وتشجيع الاتجار بالأطفال. ولأنّنا لا نفتأ نسمع هذه التخرّصات بين الحين والآخر من "مفكّرين" آخرين، في الشرق أو حتى في الغرب الذي في أحضانه ينعمون، فإننا لا نملك إلا الوقوف عندها والتعليق عليها. 

*******

الاتّجار بالرقيق بما في ذلك الأطفال، تجارةٌ مارستها بشكل أو بآخر، كل أمة من أمم العالم في فترة ما من تاريخها، لكن، والحق يقال، أنّ أمريكا، رغم حداثة عمرها، قد سبقت أممَ العالمِ كلها في محاربة الرق وتحقيق العدالة للجميع وفي كل مجالات الحقوق الإنسانية. خلال أقل من مئة سنة بعد استقلالها، قام الرئيس أبراهام لينكولن عام 1862 بالإعلان عن وثيقته المشهورة والتي تنص على تحريم الرق. ذلك الإعلان فجّر حرباً أهلية بين الأمريكيين، ولكن الحرب انتهت بانتصار الحرية وببدء مسيرة الولايات نحو تحقيق العدالة والمساواة. تلك الوثيقة لم تؤدّ طبعاً، ولا القوانين التي صدرت من بعدها طوال مئة سنة أخرى، إلى نزع العنصرية تماماً من قلوب الناس، إذ لا مفرّ من الاعتراف بأن النزعة العنصرية لا زالت تجد لها مكاناً في قلوب فئات من الناس، ولسوف تبقى كذلك ما بقي هناك في العالم خيرٌ وشرّ. ولكن، يمكن القول، بأن ما حققته الولايات المتحدة في مجالات حقوق الإنسان، في هذه الفترة القصيرة من عمرها، أمرٌ يستحق الإعجاب والتقدير أكثر مما تستحقه أية أمة أخرى.

 

ورغم أن التجارة بالإنسان هي الآن جريمة يحاسب عليها القانون في كل الدول المتحضرة أو حتى المتخلفة منها، فإن دين الإسلام، الذي تعتبره كل الدول العربية والإسلامية ديناً رسمياً لها، لا زال تعاليمه دستوراً يقرّ الرق على خلاف كل الدساتير المتحضرة. لقد مارس محمد "نبي الإسلام" و "أسوتهم الحسنة" تجارةَ العبيد بما في ذلك الأطفال، وكُتُبُ الحديث تذكر كيف كان أطفال اليهود وغيرهم من الذين كانوا يقعون ضحية غزوات محمد، يباعون في أسواق النخاسة مع أمهاتهم أو دون أمهاتهم. مثال على ذلك ما فعله محمد بأطفال   ونساء بني قريظة من اليهود، الذين بعث بهم إلى نجدٍ فباعهم بيع العبيد واشترى بثمنهم خيلاً وسلاحاً لغاية توسيع ترسانته الحربية. (انظر السيرة النبوية لابن كثير جزء 3 ص 242 )

 

الاتجار بالإنسان لا زال أمراً تعاني منه البشرية في كل مكان. فخطف الأطفال من بلد ما لإجبارهم على العمل الرخيص أو لاستغلالهم جنسياً في بلد آخر، وشبكات الدعارة المنتشرة، سواء في الغرب أو في الشرق أو في البلاد الإسلامية نفسها، ليست إلا صوراً من صور تجارة الرقيق. ولكن، إذ تنص قوانين الغرب بوضوح على معاقبة الذين يمارسون هذه التجارة، فإنّ الشريعة الإسلامية لا زالت تنص على السماح بامتلاك الإماء وممارسة الجنس معهنّ: "وإن خِفتم ألاَّ تُقسِطوا في اليتامى فانكحوا مـا طاب لكم من النساء مثنى وثلاثَ ورباعَ فإن خفتم ألاَّ تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم (لا ضرورة للعدل بين الإماء إذ ليس لهنَّ من الحقوق ما للزوجات) ذلك أدنى ألاَّ تعولوا (أي ذلك أقرب إلى أن لا تجوروا)"  سورة النساء 4 : 3

 

لقد كان على للسيد الإدريسي أن ينظر إلى الخشبة الكبيرة التي في عينه، والتي تتمثل في شريعة القرآن، قبل أن يشير إلى القذى في عين الغرب، والتي لا تمثّل إلا أفراداً وعصاباتٍ وليس دستوراً أو نظاماً.

أما عن الشذوذ الجنسي، فإنه ليس هناك أمة في العالم، لا في الماضي ولا في الحاضر، يمكن أن تومئ بأصابعها إلى أمة أخرى، لتعيّرها بهذا المرض، أو تدّعي هي نفسها خلوّها منه. لذلك، فأن مجرّد إشارة السيد الإدريسي إلى هذا الموضوع تكفي لإثبات نفاقه وبلاهته.

 

لقد خرج الشـاذّون في الغرب من خزائنهم التي كانوا يختفون داخلها ـ حسب التعبير السائد استعماله في هذه الأيام ـ وذلك بفضل مناخ الحرية الذي يتمتع به الإنسان في ظل هذا النظام. إن هذا السلوك، رغم قباحته، هو سلوك شخصي لا يحق لإنسان أن يمنع إنساناً آخر من السير فيه، أو معاقبته عليه، إلا حين يمس حرية الآخرين أو يسيء إليها. إنه لمن الأفضل أن يخرج هؤلاء من خزائنهم ـ فيُعرَفون، ويُميَّزون عن غيرهم من الناس ـ من أن يبقوا في خزائنهم وقصورهم ودوائرهم الحكومية ومساجدهم، كما هو حالهم في البلاد الإسلامية، لا يُعرف الشاذ منهم من المستقيم. 

 

إن عبارة " الشذوذ الجنسي" في العالم الإسلامي لا تعبّر تماماً عن الحقيقة، لأن "الشذوذ الجنسي" في مجتمعاته ليس شذوذاً إنما سلوكاً طبيعياً ناتجاً عن الكبت المستمر الذي يعاني منه الشباب من الجنسين، ومن هذا المنطلق، يمكن أن نقول بأن المجتمعات الإسلامية تعاني من اللواط والسحاق أكثر مما يعاني منه أي مجتمع آخر.

 

لقد تطرّق القرآن إلى كل شاردة وواردة في حياة الناس، فنهى عن أمور وسمح بأخرى مفصّلاً كلّ التفصيل فيها، ولكنّه لم يعالج مضاجعة المثيل كمعالجته لأمور أخرى ذات أهمية أقل منه سوى فيما رواه عن قصة أهل لوط. وحدها كتب الحديث هي التي أتت على ذكر أقوال لمحمد ينهى فيها عن هذه العادة القبيحة، ولكن ناقلي الحديث لم يتفقوا على ما إذا كان محمداً قد فرض عقوبات على الذين يمارسونها.

 

ينقل ابن عباس عن محمد أنه قال: "ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غيّر تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن طريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط." وعن ابن عباس نفسه حديث آخر عن محمد قال فيه بأنه قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به." قال أبو عيسى، "وإنما يعرف هذا الحديث عن بن عباس عن محمد من هذا الوجه، وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال ملعون من عمل قوم لوط ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه ملعون من أتى بهيمة"، وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن محمد قال، "اقتلوا الفاعل والمفعول به"، قال أبو عيسى، "هذا حديث في إسناده مقالٌ ولا نعرف أحدا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه." واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم ـ أحصنَ أو لم يُحصِن ـ وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من فقهاء التابعين منهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم قالوا: حد اللوطي حد الزاني وهو قول الثوري وأهل الكوفة.

 

إذن، فلا القرآن وضع حداً لمضاجعي المثيل ولا المحدّثين اتفقوا على حديثٍ لمحمد بهذا الخصوص، وهنا يجدر الذكر بأن المحدّثين اختلفوا حتى فيما إذا كان مضاجعُ البهائم يستحق العقاب أم لا!

لقد كان اللواطُ أمراً معروفاً قبل محمد وكذلك في زمنه، ولكن عدم وجود رأي ثابت فيه في تعاليم الإسلام قد أعطى العذر للمسلمين في ممارسته، ولذلك لم يجد المسلمون عامتهم، وحكامهم، وخلفاؤهم، وفقهاؤهم، حرجاً في ممارسته، لا بل تغنى به بعضهم في شعرهم.

 

من فقهاء المسلمين المعروفين بولعهم في اللواط، يحيى ابن أكثم الأسيدي، "وكان متقدماً في الفقه وأدب القضاء حسن المعشر عذب اللسان، وافر الحظ من الجدّ، ولاّه المأمون قضاء القضاة وأمر بألاّ يحجب عنه ليلاً ولا نهاراً وأفضى إليه بأسراره وشاوره في مهماته. وكان يحيى ألوطَ من ثغرٍ ومن قوم لوطٍ وكان إذا رأى غلاماً يستشرطه وقعت عليه الرعدة وسال لعابه وبرق بصره. وكان لا يستخدم في داره إلا المرد الملاح ويقول: قد اكرم الله تعالى أهل جنته بأن أطاف عليهم الغلمان في حال رضاه عنهم لفضلهم على الجواري فما بالي لا أطلب هذه الزلفى والكرامة في دار الدنيا معهم!.. ويُقالُ أنه هو الذي زيّن للمأمون اللواط وحبب إليه الولدان وغرس في قلبه فضائلهم ومحاسنهم وخصائصهم وقال: إنهم بالليل عرائسُ وبالنهار فوارسُ وهم للفراشِ والهراشِ وللسفرِ والحضر، فصدر المأمون عن رأيه وجرى في طريقه، واقتدى به المعتصم حتى استهتر بهم وملكَ ثمانية آلاف منهم!.." (من كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي)

 

إذن، فالشذوذ الجنسي ليس حكراً على أمة دون أخرى، ولكن مع ذلك ليس ظلماً أبداً أن نقول بأن المجتمعات الإسلامية هي أكثر معاناة منه من غيرها من المجتمعات. فالإسلام كما رأينا، لا يتخذ موقفاً واضحاً صريحاً من المنحرفين جنسياً، لا بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك إذ يعد أتباعه بغلمان مخلدين في الحياة الآخرة، وبذلك يفسح لهم المجال لهم لتبرير ممارستهم لهذا الشذوذ كما مرّ ذكره عن لسان الفقيه القاضي يحيى ابن أكثم. من ناحية أخرى، فإن الإسلام بتعاليمه المتشددة تجاه العلاقات بين أبناء الجنسين، إنما يضع العوائق في وجه الطبيعة البشرية، فيدفع الشبيبة إلى الانحراف، حتى إلى درجة مضاجعة البهائم التي يتغاضى عنها مثبتاً بذلك أنه أبعد ما يكون عن الحكمة في تشريعاته.

***********

ليس هناك ما يخشاه السيد الإدريسي من الغربِ على شرقه المسلم، فالإسلام بحد ذاته هو المشكلة التي يعاني منها هذا الشرق، لا بل أصبح هو المشكلة التي يعاني منها العالم بأسره.

أمرٌ واحد يحق لهذا "المفكّر" أن يخشاه من الغرب، ألا وهو الفكر!

************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط