بسام درويش / Mar 29, 2006

قال القاضي أنصار الله مولى فزادة الذي أوكلت إليه محاكمة الأفغاني عبد الرحمن بجرم اعتناق المسيحية: لقد  "أمرنا النبي محمد صلي الله عليه وسلم مرارا وتكرارا بقتل المرتد ما لم يعد إلى حظيرة الإسلام".

ثم أضاف إلى قوله ذاك بأنّ "الإسلام دين سلام وسماحة ورحمة وحق، ومن ثم قلنا له إنه إذا تاب عما فعله، فسنعفو عنه"!! (نقلاً عن بي بي سي نيوز)

***********

أن يقرّ القاضي بأن "النبيّ" قد أمر مراراً وتكراراً بقتل المرتد ما لم يعد إلى حظيرة الإسلام، فإنه لأمرٌ مفهوم جداً بالنظر إلى شخصية وعقلية وأطماع قائد مجرم كهذا "النبي"، له في القتل والتعذيب والنهب والإرهاب سجل حافل تقشعرّ له الأبدان.

لكنَّ ما يصعب فهمه، فهو أن يتابع هذا القاضي بعد هذا الاعتراف الصريح فيقول، بأنّ الإسلام هو: دين سلام ـ وسماحة ـ ورحمة ـ وحق!!!

********

اليوم، أصبح العالم المتحضر يتجه إلى رفض إعدام المجرم القاتل، حتى ذاك الذي يقرّ بارتكاب جريمته. هناك دول كثيرة لا تطبق حكم الإعدام بالمجرمين، وهناك ولايات أميركية أيضاً لا تقبل بتطبيقه بينما تؤخّر ولايات ثانية تطبيق الحكم لسنوات طويلة خوفاً من أن يكون هناك خطأ في الحكم. وإذا كان هذا الحال في العالم المتحضر، فإننا آنذاك لندرك عظم المسافة بين عالم المسلمين والحضارة؛ عالم لا زال يطبق حكم الإعدام بالناس لمجرد ممارستهم لأقدس حق من حقوقهم الإنسانية، ألا وهو حق الاختيار، أو حق تقرير المصير.

لقد أرادوا قتل إنسانٍ لا لشيء إلا لأنه أراد أن يعتنق مبدأ آخر غير ذلك المبدأ الذي وُلِد عليه فلم يكن له بذلك في اختياره أي قرار. ومع ذلك، يدّعون بأن هذا الدين الذي يأمرهم بقتله، هو دين سلام ـ وسماحة ـ ورحمة ـ وحق!!!

يحرقون معابد الآخرين، يقتلون المصلّين الذين يتعبدون آلهتهم في داخلها، يرتكبون المجازر، يقودون النساء إلى الملاعب الرياضية ويعدموهنّ أمام المشاهدين الذي يجتمعون للاستمتاع بقتلهنّ، يجلدون الناس في الشوارع، يقطعون أيادي الأطفال الجياع عقاباً لهم على سرقة رغيف، يفجرون المباني والمطاعم وحافلات النقل ومدارس الأطفال، ثم يقولون بأن هذا الدين هو دين سلام ـ وسماحة ـ ورحمة ـ وحق!!!

لا أعرف قاموساً من قواميس اللغة بما فيها قواميس العربية، يفسّر السلام والسماحة والرحمة والحق بالقتل والإرهاب والتعذيب والغزو وتحلّة أموال الغير. كتاب واحد فقط دون غيره من الكتب، يخلط بين الرحمة والسلام والحق والسماحة والقتل والإرهاب والتعذيب واللصوصية والخداع والمكر فيخلق منها إلهاً لا أرهبَ ولا أبشع: اسمه قرآن!

***********

ما هو مفهوم السلام والرحمة والحق والسماحة لدى هؤلاء الناس؟..

يريدون السلام مع عالمٍ يؤمن بما يؤمنون، يحلل ما حلله الههم ونبيهمم ويحرم ما حرمه إلههم ونبيهم، وإن لم يفعل، فعليهم قتاله حتى يخضع لهم ويدفع لهم ضريبة حياته مكرهاً وذليلاً!.. هكذا يفهمون السلام! (سورة التوبة: 29)

يريدون الحق الذي لا يتمثل إلا بدينهم، لأنه دين الحق الذي جاء ليبطل كل دين آخر. (سورة التوبة: 29)

"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق (أي الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام.. حسب تفسير الجلالين) من الذين أوتوا الكتاب (أي المسيحيين واليهود حسب المصدر نفسه) حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون."

يريدون رحمةً تتمثل بشريعتهم حيث السيف وقطع الرقاب والأعضاء وسمل العيون رمزٌ لها.

"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم." (سورة التوبة 5)

أما عن السماحة فحدّث!!

يريدون من العالم كله أن يكون متسامحاً معهم متقبلاً لهم، يسمح لهم بنشر دينهم على الرغم من كل ما يتضمنه من دعوة لإرهاب العالم، ويشجّع أتباعه على عدم الولاء للبلاد التي تمنحهم كل حقوق المواطنية. لكنهم في بلادهم يحرقون معابد غير المسلمين ويعتدون على مبانيهم ويستحلون أموالهم لكونهم كفاراً، ويعاقبونهم إذا ما تحدثوا علنا عن ديانتهم ويعتبرونهم نجاسة إذا وطئوا بعض مدنهم.

هذا هو ما يفهمه المسلمون من السماحة!

***********

يوم أمس، تناقلت وسائل الإعلام خبر إطلاق سراح عبد الرحمن. قال مسؤولون أفغان إنّ إطلاق سراحه قد جاء بعد أن رُفِضَت قضيته من قبل المحكمة لعدم كفاية الأدلة!!

ويقول المدّعي العام الأفغاني إن عبد الرحمن قد أطلق سراحه بعد أن قرر مسؤولون بأن حالته العقلية لا تسمح له بالمثول أمام القضاء وإنه قد بدا مختلاً عقلياً.         

لكنْ، وإذ يعني إطلاق سراح هذا الإنسان حلا لمشكلته، فإن الأسس التي بُني عليها القرار تعني أن المشكلة لا زالت قائمة.

ماذا يعنون بعدم توفّر الأدلّة؟..

لقد وقف الرجل في قاعة المحكمة يقر بشكل لا يدعو إلى الشك بإيمانه العميق بمعتقده المسيحي وبنبذه للإسلام. هناك من سمعه يدلي بشهادة اعتناقه للمسيحية ويشرح أسباب تحوله بأسلوب يزيل أي شكّ في كونه مختلاً عقلياً. وحتى لو كان الرجل مصابا بأي اهتزاز في الشخصية، فإن شهادته التي أدلى بها كانت وكأن قوة خارقة قد حلّت فيه لينطق بما لاينطق به أعقل العقلاء. المخبول قد يضعف أمام التهديد بالقتل. لقد رفض حتى قبول توكيل محامين للدفاع عنه. قال لهم إن الرب سيدافع عنه. وربما لهذا السبب اعتقد القضاة إنه مخبول عقلياً. لقد حدّثهم بما لا تستطيع عقولهم الصغيرة المتحجّرة أن تستوعبه على الإطلاق. هؤلاء القضاة كانوا أشبه بالشمبانزي الذين صوّرهم فيلم كوكب القرود  the planet of the apes   وهم يحاكمون الرجال الذين نزلوا بمركبتهم على الأرض بعد فترة ضياعٍ عنها ليجدوا آثار المدنية قد زالت وأن القرود قد حكموها.

 

islamic court

 

عبد الرحمن ليس الأفغاني الوحيد الذي نبذ الإسلام واعتنق المسيحية. هناك آخرون فعلوا ذلك وآخرون سيفعلون بكل تأكيد. تحرير أفغانستان شجّع الكثيرين على التفكير بالخلاص من ربقة هذا الدين، وهل يعقل أن لايكون بين ملايين الأفغان من يتمتع بالذكاء إلى حدّ إدراك خطر تعاليم الإسلام عليه كإنسان وعلى الإنسانية ككل؟.. ليس كل الأفغان أعمياء البصيرة، وليسوا كلهم عديمي الثقافة. سنسمع قريبا عن عبد الرحمن ثانٍ وثالث ورابع وخامس.. هل ستقوم قائمة الأنظمة والمجتمعات المتحضرة كل مرة عند بروز قضية أفغاني يريد "زبل" دينه واعتناق دين آخر؟.. هل سيكون قرار المحاكم الأفغانية في كل مرة: إطلاق سراح لعدم كفاية الأدلة أو بحجة الإصابة بخلل عقلي؟..

***************

قضية عبد الرحمن لم تنتهِ وعلى العالم المتحضر أن يهيّء نفسه للفصل الثاني. سيظهر عبد الرحمن آخر قريباً. هذه القضية كانت امتحاناً لفكرة تحرير دولة إسلامية واستحقاقها لنقطة دم واحدة من إنسان حر. امتحان مرت به "بالواسطة" هذه المرة وليس عن جدارة.

الدستور الأفغاني الذي صيغ في عام 2004 يتضمن نصين متناقضين فيما يتعلق بحقوق الإنسان. الأول مخالف لكل حق من حقوق الإنسان إذ يقول بأن "أن الدولة إسلامية ولا يمكن تشريع قانون يناقض الإسلام."، والثاني يؤكّد "الالتزام بالحرية الشخصية واحترام المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان"!..

وطالما بقي هذا التناقض الصارخ في دستور أفغانستان، سيبقى سيف الإرهاب الإسلامي يهدد رقبة كل "عبد رحمن" وسيشغل العالم الحر نفسه بين يوم وآخر، بـ "عبد رحمن" آخر!

******************

 

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط