زهير الشرفي / Nov 07, 2006

في كتاب بعنوان "أختاه الحجاب الحجاب"، يسعى الأصوليون إلى حمل الفتاة والمرأة المسلمتين على ارتداء الحجاب أو الحجابين: خمار عملا بآية (النور 31)، وجلباب تطبيقا للآية (الأحزاب 59). وتمهيدا للرد على الكتاب سابق الذكر سأبدأ بالتعرّض لبعض إشكاليات تفسير القرآن ثم إشكاليات العرض الأصولي للموضوع قبل الدخول في الحوار حول فهم آيتي الخمار والجلباب.

 

إشكاليات التفسير 

 

كان الخلاف حول فهم وتأويل النص القرآني قائما منذ وفاة النبي. فإنك تلاحظ بسهولة، عند الرجوع إلى تفسير القرآن للطبري، كيف كان الصحابة والمسلمون الأوائل مختلفين في تفسير آيات عديدة.

فهذا يقول أن الآية خاصة والآخر يقول بإطلاق معناها، هذا يقول بأن الآية منسوخة وذاك يقول بأنها غير منسوخة. ناهيك عن الإختلاف في رواية أسباب النزول. كان هؤلاء المسلمون الأوائل جنودا للدعوة بجانب النبي، لم يَبرز من بينهم لاهوتيون أو "علماء كلام" إلى أن بدأت البوادر الحضارية الجديدة باختلاط العرب بجيرانهم الفرس والرّوم والبيزنطيين. فتعدّدت النظريات لتفسير القرآن وتعددت المفاهيم والمعاني لكلماته وصيغت المفاهيم والكتابات العديدة لكي يتطابق فهم القرآن مع ما كان في المجتمع من سلطة ومن عادات ومن علاقات بين الناس.. هذا إن لم يكن النص القرآني ذاته قد تحمل تبعات التدخّل بالإضافة والحذف مثل ما تذهب إليه بعض الدراسات المعمّقة.

 

1 ـ تفسير القرآن ونظرية الخلق

عندما بدأت بوادر الحضارة الجديدة وبدأ العقل والحكمة في القيام بالمحاولات الأولى لفهم النص القرآني، ظهرت نظريات أهل العقل من المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن بمعنى أن النص القرآني مُحدَث. وإن كانت نظرية الخلق هذه قد أخذت رواجا إلى الحد الذي جعل الخليفة المأمون يعتمدها في قمّة السلطة، فإن غيابها اليوم عن اعتقادات المسلمين إنما يُعزى إلى الصّرامة والظّلم والعنف الذي وُوجهت به منذ تغلّبت المحافظة على الإبداع وتغلّب التقليد والنقل على التفكير والعقل.  وبتعبير آخر منذ تأكدت السيادة لأهل السنة. فأحرقت كتابات أهل العقل وغُمر تاريخهم بالكتمان وأحيطت أفكارهم بالتشويه.(1)

أن تكون ألفاظ القرآن محدثة فهذا يعني أنها خُلقت، في ظرف خاص للإجابة على حوادث خاصة.

نستنتج من هذه المعاني أن ألفاظ القرآن حول الخمار أو الجلباب تخص وضع المسلمين القائمين أمام النبي في الظروف الخاصة  بالدعوة والمجتمع الأبوي والعبودي لسكان الجزيرة العربية آنذاك. هل الإسلام أمر ب"ضرب الخمار على الجيوب" سعيا لإذلال المرأة واستنقاص حريتها أم استجابة لمتطلبات الوضع ومتطلبات الدعوة؟ إن احترام التراث واحترام النبي يقتضيان اكتشاف المقاصد الحقيقية والبراهين الواضحة والخصوصيات التي جعلته يأمر بسلوك ثِيابِيِ دون غيره. إن حكمة وعدل دعوة الإسلام لا تكمن في إيتائه بالحل الأزلي لمعضلة خيالية تخرج عن الزمان والمكان؛ وإنما قد تكون في قوله بالجواب المناسب للإشكال المحدد في الزمان والمكان. أليست كلمةُ "عدل"، التي وردت كصفة لله ذاته ومادة لأمره، تعني فعل الشيء المناسب في المكان المناسب؟

                                                                                     

2 ـ تفسير القرآن ونظرية ابن رشد

ثم جاء اجتهاد الإمام الفقيه والفيلسوف ابن رشد لكي يفسّر الآية: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا..." حيث قال: "فالوحي هو وقوع ذلك المعني في نفس الموحى إليه بدون واسطة لفظ يخلقه...". كيف يكون الوحي؟ ما هو كلام الله إذا؟ يعطي ابن رشد تصورا للإجابة: "... وقد يكون من كلام الله ما يلقيه الله إلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء بواسطة البراهين...". كلام ابن رشد، الذي يرفع منزلة القرآن من مرتبة الرواية والنقل إلى مرتبة البراهين والعقل، قد يُغنينا أيضا عن البحث في المعاني الظاهرة لألفاظ القرآن التي تتحدث عن الخمار والجلباب... بتعبير آخر أقول أن النبي إنما ترجم وحيا بواسطة ما كان يوجد في عصره ومحيطه من ألفاظ لغوية ومن أمثلة الثياب وأمثلة السلوك البشري وأمثلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قد يبدو اجتهاد ابن رشد صعبا على الفهم لأننا تعوّدنا على تكرار وقبول أقوال أهل السنّة والتقليد من أمثال الأشعري والغزالي.. لكن الحكمة لابد أن تحملنا إلى التساؤل من جديد وإلى الاستغناء عن المعنى المباشر لألفاظ القرآن حين يلزم الأمر، فالمعنى الظاهر لا يُعقل في العديد من الحالات: فهل يجوز الأخذ بمعاني التجسيد لذات الله: له يدٌ وعين وعرش..؟

هل يُعقل أن يسبّ الله مخلوقاته: "تبّت يدا أبي لهب وتبّ".."قالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم"..؟                                                                                                             

هل يُعقل أن يُقسِم الله بما هو دُونه وبما هو مخلوق وزائل: "والنجم إذا هوى".." ألا أقسم بهذا البلد".."فلا أقسم برب المشرق والمغرب إنا لقادرون"؟...

                 

3 ـ محمود طه والنص القرآني

يعتمد دعاة حمل الخمار على آيتين هما الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب، وهما سورتان مدنيّتان. من المعروف لدى الجميع أن القرآن ظهر، بعد جزئه الأول المكّي، في جزء ثان هو مديني. ويميز الشيخ الشهيد محمود طه(2) بين مكانة الآيات المكية والمدنية. فقد جاء في كتاب محمد الشرفي "الإسلام والحرية " (ص 144) ما يلي: "...ويلاحظ محمود طه أن لهجة السور المكية عامة هي لهجة الدعوة إلى دين سلام وأخوّة وحب وحرية – ومنها الحرية الدينية - ومساواة بين البشر وخاصة المساواة بين الرجال والنساء، ويجد المرء في هذه السور من رائع الكلام مثل قوله "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". وأما السور المدنية فتحتوي على آيات ذات اتجاه تشريعي وآيات أخرى تساند مجهودات النبي وزمرة المسلمين حوله للدفاع عن أنفسهم ونزاعهم للوثنيين. ويستنتج محمود طه من هذا التصنيف أن جوهر الرسالة الإسلامية هو في السور المكية التي تقدم رسالة دينية أخلاقية للإنسانية قاطبة دون اعتبار للزمان ولا المكان، فهي الرسالة الخالدة.. ويستنتج محمود طه أن السور المدنية قامت بدورها وأتمّت مهمتها وأن السور المكية هي وحدها التي تهم المسلمين والبشرية قاطبة في القرن العشرين. وهو يعتمد كذلك حججا أخرى أكثر اتصالا بالنص وذات صبغة تقنية أبلغ.

لقد سبق أن تناولنا قضية نسخ بعض الآيات بالأخرى وقد حل علماء الدين دائما إشكال التعارض بين آيتين باعتبار أن الآيات المتأخرة تنسخ الآيات السابقة كما هو الشأن في التشريع إذ يلغي القانون اللاحق القانون السابق؛ لكن محمود طه يعارض هذا التأويل فليس للخطابين في نظره نفس الوزن ولذا فلا يكون للخطاب المدني من تأثير سوى تعليق مفعول الخطاب المكي.."

نزلت الآيتان بالمدينة فهما بالتالي تخصّان ذلك الوضع. والأمر الإلهي الوارد بواسطة ألفاظ الآيتين يريد حماية العلاقات البشرية الخاصة في المدينة، هذا هو مقصد الخير أو مقصد الوحي. وكانت آية الخمار وسيلة لذلك تتماشى مع إمكانيات العصر وطبيعة العلاقات البشرية / الاجتماعية.

 


 

قد يعترض الأصوليون على هذا الفهم متعللين بتواصل حمل الخمار بعد انتهاء الهجرة. لكن  تواصل ذلك السلوك الثيابي لا يُفهم إلا  بتواصل الظروف المشابهة في المجتمع الإسلامي الأول وبتأكّد وتصلّب سلطة الرجال في التاريخ اللاحق . تلك الظروف سنحاول اكتشاف البعض منها عند التعرض لمحتوى الآيتين، لعل القارئ يتأكد من عدم وجود نفس الظروف في أيامنا ومن خطأ التأويل الأصولي في آخر التحليل.

                                             

الطرح الأصولي للموضوع

 

إنه في إطار الطمس والتشويه لهاته النظريات، وفي إطار الشّحن المستمر، لعقول مواطنينا بما أنتجه اللاهوت الديني لأهل السنّة والتقليد بصفة خاصة، تبرز كتابات من مثل "أختاه الحجاب، الحجاب". فما هي الحجج؟ وما هي التعلات؟

جاء في قول صاحبنا الأصولي ما يلي: "أولا وقبل كل شيء لا بد من الإشارة إلى أمر هام جدا هو أن الله سبحانه وتعالى ما جعل شيئا إلا وجعل له سببا فمثلا سبب خلقنا واضح في آيتين كريمتين الأولى يقول فيها الله عز وجل "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" والأخرى يقول عز وجل "أحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون" صدق الله العظيم. آيتان صريحتان تبينان أن الهدف الأساسي من وراء وجودنا على هذه الكرة الأرضية هي عبادة الله فمن استجاب لأمر الله فله القبول وحسن الدور في الجنان مع الحور...".

هكذا يبدأ الأصولي حديثه حول الخمار. يبدو، من نظرة أولى، الخلط بين السبب والغاية من خلق الإنسان. فعبارة "سبب خلقنا" الواردة بأول الفقرة تصير "الهدف الأساسي من وراء وجودنا على هذه الكرة الأرضية...". وعملية خلق الإنسان التي حدثت في الجنة بإرادة إلهية خالصة، حسب النص القرآني، تُدمج مع  قضية  إنزاله إلى الأرض التي حدثت  بسبب خطيئة العصيان. قد تدعو، ملاحظتي هذه، القارئ الكريم إلى اعتبار أن كلام صديقنا الأصولي هو كلام أطفال أو مجرد هُواة لا يُتقنون الكتابة والكلام وأنه بالتالي ليس من فائدة في أن يواصل معنا البحث في الموضوع. لكن صديقنا الأصولي يقدم لنا أمّهات "الحجج" لكل الفكر الأصولي والسّلفي الإسلامي. فكل الأصوليين يعتمدون على ظاهر النص القرآني في دعايتهم. كلهم يعتمدون على ألفاظ آية الخلق "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني"، لكي ينجحوا في تغليب ظاهر النص على مصالح الناس، وعلى كل قيم الحرية والمساواة. كل القيم وكل المصالح لا وزن لها أمام الطاعة التي يُظهرونها بمقام العبادة. وكل الحكمة والعقلانية والبحث في البراهين والمقاصد، إن لم تكن من الكفر فهي ليست من العبادة!

 

1 ـ حول تفسير آية الخلق

نعود إلى آية الخلق كما لو كنا في القرن الأول أو الثاني للهجرة، ونحاول أن نتجاهل كل آراء المعتزلة وأهل العقل وكل الفكر الفلسفي لأكثر من عشرة قرون، ونكتفي بالتعرض إلى طريقة فهم المسلمين الأوائل للآية. جاء في تفسير الطبري ما يلي: "اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم لمعصيتي... وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما خلقت الجن والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودة.. حدثني علي، قال: ثنى أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون): إلا ليقرّوا بالعبودة طوعا وكرها.". اختلف المسلمون إذا، منذ العصور الأولى، في فهم ألفاظ الآية. لماذا هذا الاختلاف في الفهم؟ السبب واضح. لأن العبادة، بما هي غاية الله من خلق الجن والإنس، كان لا بد أن تتحقق حالاّ وفي لحظة الخلق ("إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" (يس82).)، لكنها في واقع الأمر حاضرة عند البعض وغائبة عند آخرين.

يبدو أن الفريقين أخطآ الفهم. فالفريق الأول أدخل الثنائي سعداء/ أشقياء بشكل غريب على الآية وزائد على محتوى ألفاظها؛ والطبري أيضا استبعد هذا التفسير وأعلن انضمامه لقول الفريق الثاني؛ فهو يواصل بالقول" وأوْلى القولين في ذلك بالصّواب القولُ الذي ذَكَرنا عن ابن العباس ...".

 

يبدأ الطبري هنا، بتأويل غامض لقول ابن العباس لكي يصل إلى فهم ثالث لنص الآية. ابن العباس فصل بين لحظة الخلق وسلوك المخلوق. فالعبادة أو العبودة، حسب نظره، لم تتحقق في لحظة الخلق بحيث لا يمكن  للمخلوق أن يمتنع عن سلوك العبادة، وإنما هي تتحقق عبر الزمان والعصور "طوعا أو كرها" وعبر الفتوحات الإسلامية  الكبيرة القائمة آنذاك.

بعد وقت وبمرور الزمن تبيّن أن غياب العبادة متواصل بكل أصقاع الدنيا التي كان يجهلها ابن العباس، والمسلمون أنفسهم أصبحوا فرقا دينية متعددة يكفّر بعضُها البعض وتتقاتل بدمويّة لا تُعقل، وفكرة ابن العباس، حول "الإقرار بالعبودة طوعا أو كرها"، ازدادت بالتالي غموضا،  فبرزت الحاجة إلى تفسير آخر. فكان أن قدّم لنا الطبري فهمه الثالث حيث قال: " فإن قال قائل : فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لأن قضاءه جار عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم ...".

 

يظهر بوضوح المعنى الجديد لكلمة "ليعبدون"، وهو أن الله خلق الجن والإنس ليكونوا ويبقوا تحت حكم قضائه وقدره. وإن كان يبدو هذا المعنى أسلم وأقرب إلى المعقول، فإن الأصوليين لم يقبلوه.

وعند الطبرسي نجد فهما آخر ورابعا للآية: "...والمراد أن الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادة فصار كأنه سبحانه خلقهم للعبادة ثم انه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ويكون كمن هيأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه فحضروا ولم يأكله بعضهم فإنه لا ينسب إلى السفه ويصح غرضه فإن الأكل موقوف على اختيار الغير ..."

غاب عن الطبرسي أن الكائن البشري البسيط عندما يهيّئ طعاما لقوم إنما يهيئ كمّية بحساب العدد المتوقَّع للقادمين، فهو لا يعبث وإنما يعجز عن معرفة الغيب: من سيأتي للأكل ومن سيغيب... ولا يمكن أن نأخذ كلام الطبرسي مأخذ الجد بما أن الله لا يعبث ولا يعجز على معرفة الغيب.

وغاب أيضا عن الطبرسي الفرقُ بين "الخلق للعبادة" و "الخلق لتعريضهم للثواب". فالفرق واضح بين أن تكون إرادة الله هي عبادة أو عبودة الإنسان له وبين أن تكون إرادته هي ترك حرية الاختيار. الآية قالت "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ولم تقل (وما خلقت الجن والإنس إلا لأعرضهم على ثوابي، ليختاروا بين الطاعة والمعصية). هذا مثال من أمثلة الاجتهاد والتأويل للنص الديني التي تدفعنا إلى التساؤل: هل يفسّرون النص القرآني أم يغيّرونه؟ هل يفهمون معنى ومقصد النص أم يصنعون دينا آخر بمعان ومقاصد مختلفة؟ وهذا التساؤل يُطرح علينا رغم ما يستحقه الطبرسي، من بين مفسري القرآن، من احترام وتقدير.

يظهر مما تقدم من تفسيرات لآية الخلق أن التسرع لا يُجدي، وأن تقليد المفسرين القُدامى، مهما كانت جدّيتهم، قد يضعنا في موقع التجاهل لمشيئة الله وقدرته وانتفاء العبث عن أفعاله.(3)

 

بعدما اتسع سلطان أهل السنة والتقليد عبر مواجهتهم لكل إبداعات الفكر الإسلامي، وانتشرت مذاهب  الأشعري  والغزالي  وسائر الجَبْريين  وعمّ الانحطاط بين المسلمين، ظهر الفيلسوف "سبينوزا" الذي كان منارة الحرية التي فتحت الطريق للحداثة. كان بالإمكان وقتذاك أن يلتحم الفكر الإسلامي بقضية الحرية. كان بالإمكان مواصلة قول الطبري بالشكل التالي: خلق الإنسان ليكون تحت قضاء الله وقدره المتمثلين بحدود الناموس الطبيعي. فالإنسان بالفعل لا يستطيع تجاوز قوانين الطبيعة. والإنسان حين يستنير بقانون الطبيعة يكسب كل المجال الطبيعي ويكسب الحرية الطبيعية الممكنة. ذاك هو ما كان يعنيه فيلسوف الحرية حين كان يقول بأن الله هو الطبيعة، وبأن الحرية هي وعي الضرورة...

ضاعت الفرصة حين لم يكن لأوروبا السبق الاقتصادي ولا التقني، أما اليوم، فزيادة على التخلف الاقتصادي والعلمي والتقني  يوجد  لدينا أناس  يقولون: لا تهمنا الحرية، لا تعنينا قضية الإنسان ما دمنا قد خُلقنا للعبادة..: "عسى أن يغير الله حالنا من ظلمات الحضارة إلى نور الإيمان"! (من مقدمة الناشر لكتاب "غرائب وعجائب الجن"- دار بوسلامة للطباعة والنشر).

يعتمد الأصوليون طبعا على النص القرآني لكي يجعلوا من حمل الخمار فريضة دينية في عصرنا هذا وفي ظروفنا الحالية. لأجل ذلك يبحثون عن أمر إلهي صريح وواضح عبر اللفظ القرآني، ويجتهدون لاكتشاف التأويل الموصل لغايتهم حين يغيب النص الصريح. وقبل البدء في معالجة "حُججهم" أحيل نظر القارئ إلى قضية الأمر والمشيئة الإلهيين.

 

2 ـ الأمر والمشيئة

تعرض المفكر صادق جلال العظم في كتابه "نقد الفكر الديني" إلى العلاقة ما بين الأمر الإلهي والمشيئة. فتوصل إلى القول بثنائية الاتجاه الإلهي. يوجّه الله لمخلوقه أمريْن: أمرا لتحقيق مشيئته وأمرا ثانيا لابتلاء مخلوقه. هكذا أمر إبليس بالسجود لآدم ابتلاءا له وأمره بالعصيان تحقيقا للإرادة الإلهية التي لا مرد لها. وأمر آدم بأن لا يأكل من شجرة التفاح ابتلاءا له في حين كانت إرادته تتمثل في ما تحقق وهو المعصية.

 

جاء في الكتاب سابق الذكر ما يلي: "... تبدو قصة إبليس، كما وردت في هذه الآيات، بسيطة في ظاهرها، لقد أمره الله أن يقع ساجدا لآدم فرفض وكان ما كان من شأنه، غير أنه لو أردنا أن نتجاوز هذه النظرة السطحية إلى مشكلة إبليس لرجعنا إلى فكرة هامة قال بها بعض العلماء المسلمين وهي التمييز بين الأمر الإلهي وبين المشيئة أو الإرادة الإلهية، فالأمر بطبيعة الحال إما أن يطاع وينفذ وإما أن يُعصى، وللمأمور الخيار في ذلك. أما المشيئة الإلهية فلا تنطبق عليها مثل هذه الاعتبارات لأنها بطبيعتها لا تُرد، وكل ما تتعلق به المشيئة الإلهية واقع بالضرورة. لقد شاء الله وجود أشياء كثيرة غير أنه أمر عباده بالابتعاد عنها..." (ص60- طبعة بيروت 1982).                  الأوامر المستوحاة من النص القرآني بالتالي لا تعدو أن تكون أوامر ابتلاء. مشيئة الله وغايته شيء آخر لا مرد له ولا اختيار ولا دخل للمخلوق فيه.

ينتج عن هذا أن الأمر الإلهي بشأن الخمار،  إنما هو أمر ابتلاء ولا يمثل مشيئة الله التي تحققت بأنْ حملتْه المرأة المعاصرة للنبي كما حملتْه المرأة الجاهلية، وتحققت أيضا في امتناع  المرأة عن حمله في غالب أصقاع العالم اليوم؟

إنه عندما يعتقد المرء أن مشيئة الله هي الخير سيجتهد لكي يتطابق سلوكه معها. لكن الأصولي لا يعنيه شيء من هذا، كل ما يطلبه ويأمر به هو أن يُطابق السلوك البشري ما جاء به  "أمر الابتلاء الإلهي المتمثل باللفظ القرآني"، ولا يعنيه ما قد يكون وراء اللفظ من أصول ومبادئ تقصد الخير والبرهان؛ وهو يرفض ربط اللفظ بخصوصية الوضع والحدث؛ و لن ينجح، كما سنرى لاحقا، في التزام الأمانة مع اللفظ القرآني ذاته؟

 

التأويل الأصولي

وردت في الآية 31 (النور) عبارة الخمار ووردت عبارة الجلباب في الآية 59(الأحزاب).

يتحدث صاحب الكتاب عن الحجاب بالقول: "...ولكن هناك عبادة ضلت غائبة أو لا يعتبرها البعض عبادة لأنها جرت مجرى "العادة" ولا حول ولا قوة إلا بالله، أصبح التخلي عنها أمرا سهلا كالتخلي عن أي شيء نمل منه أو يصبح مألوفا عندنا وهو "الحجاب" وما أدراك ما هو...". هكذا الحجاب.. بما في الكلمة من معاني الحجْب والإخفاء. فالمرأة شيء للإخفاء كما تُخفى الأشياء المملوكة كي لا تُفتك وكما تُخفى الأشياء القبيحة كي لا تكون مصدرا للعار أو السُّخرية ومثلما كان  أثرياء العرب يُُخفون بناتهم أحياء في بطن الأرض. أليس في الحجب تواصلا بشكل ما مع العادة الجاهلية؟ حجب المُمتلَكات والعورة سلوك بشري دفاعي حين كانت المرأة مِلكا وعورة في العِقد الخُلقي والاجتماعي القديم، لكنه صار عند الأصوليين عبادة وقانونا إجباريا لكل العصور والظروف.

                                                                    

الآية31 من سورة النور:

تقول الآية 31 من سورة النور: " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا  لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ".

 

ويبدأ التأويل كما يلي: "وجاء تفسير هذه الآية حسب الشيخ محمد صالح بن عثمنيين إذ قال "أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال."

 

"الوصول والاتصال".. هل هو جريمة أم هو أسمى أشكال التحابُب والاشتراك بين الجنسين؟ كان الطواف بالجواري حقا مشروعا لكل من ملكت يمينه منهن، ولم نسمع بأي منع أو تحريم للوصول والإتصال بهن (أنظر الآيات الأولى من سورة التحريم). الوصول والاتصال هما غاية من غايات هذه الحياة. كل ما في الأمر أن الناس كانوا ولا يزالون يخشون مما قد ينتج عن الاتصال بين  الجنسين من إشكالات مثل فقدان نسب المولود والنزاعات الناتجة عن أحاسيس الغيرة... لذلك سعت الأخلاق والدين والقانون، كل بطريقته، للحد مما قد ينتج من مشاكل في المجموعة عن الوصول والاتصال بين الجنسين. أليس الإنسان كائنا حيّا، يسعى إلى الارتقاء في معارفه وفي أخلاقه كما في أشكال تمتعه بحياته؟ لم يطلب النبي الترهب أو التعفف من المؤمنين ولا من الصحابة ولا من الأئمة. وحيثيات زواجه من ابنة عمته زينب توحي بعكس ذلك تماما، (أنظر الآية 37 من سورة الأحزاب).  فلم يعارض القرآن نية النبي في الوصول والاتصال بزينب بعدما رآها وأعجبته، وإنما حكم لصالح ذلك الاتصال رغم كون زينب متزوجة من ابن النبي زيد ابن حارثة. لست أناقش هنا حقوق الإبن بالتبني ولا حقوق المرأة المتزوجة ولا حقوق العبد الذي عُتق، وإنما هذا المثال لتوضيح موقف الإسلام والنبي من نزعات الرهبنة والتعفف التي يوحي بها الخطاب الأصولي المعاصر عند حديثه حول الوصول والاتصال.

 

 

"والتلذذ بذلك" .. الرجل يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة، يا للجريمة النكراء، حتى لو لاحظ الجمال وقال: سبحان الله.. هبني، يا رب ما وهبتها؟!... والمرأة لابد أنها تأتي جريمة أيضا حين تنظر إلى وجه الرجل لأنها ستتلذذ بذلك؟! هل نحجب وجه الرجل أيضا أو نجزم بأن المرأة ليس لها نفس الأحاسيس التي عند الرجل ولا تتلذذ برؤية وجهه وجماله، أو نبحث عن  الوسيلة المستحيلة لمنع نظرات المرأة من الوقوع على وجه الرجل؟

 

"والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه" .. هكذا، حسب هذا المنطق، الغاية لا تبرر الوسيلة فقط، وإنما الوسيلة صار لها نفس مرتبة الغاية. حفظ الفرج أمر إلهي والوسيلة إليه أمر أيضا. وبما أن منع المرأة من الخروج من البيت وسيلة أخرى فلماذا لا نمنعها من الخروج؟ وبما أن الضرب قد يكون وسيلة فلِمَ لا نشرّعه؟ وبما أن قتل البنت والزوجة قد يكون وسيلة فلِم لا نشرِّعه؟! ثم أقول: بما أن الآية 30 من نفس السورة تأمر الرجال بحفظ فروجهم "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.." لماذا لا نبحث في الوسائل إلى ذلك أيضا؟ ألا تكون نفس الوسائل المأمور بها للمرأة صالحة أيضا لحفظ فرج الرجل؟   حفظ الفرج في العالم اليوم يحصل بوسائل أخرى منها القانون ومنها الأخلاق. لقد صار الحب واللطف والاحترام في ميثاق الأخلاق الجديدة  شرطا يسبق الوصول والاتصال. لم يعد لدينا حريم وجواري نفعل بها ما نشاء ومتى نشاء وكيفما نشاء. نحن بأخلاقنا المعاصرة نحقق شيئا جديدا: فكل وصول واتصال  في غياب أحاسيس الحب والاحترام نعتبره في عصرنا الحاضر شكلا من أشكال الإغتصاب الذي يعتبر جريمة حسب المعروف الإنساني في عصرنا الحاضر؛ هذا وإن بقيت ليلة الزفاف إلى اليوم تمثل في بعض الأحيان ليلة اغتصاب للعروس المسكينة التي زوّجها أبوها غصبا عنها، وقَبَض مَهرها، والتي لم تعْرف عن عريسها سوى ما رُوي لها وما لَه من حقّّ عليها بالطاعة والخدمة والتزيّن والإنجاب... إنه لو سألنا مائة امرأة من فرنسا مثلا، حيث النساء السافرات الراقصات..، عن لحظات الوصول والاتصال في حياتهن، وفعلنا نفس الشّيء مع نفس العدد من النساء من إيران أو موريطانيا أو السعودية، لو سألنا الجميع عن معنى الوصول والاتصال وعن كيْفِه وغايته، لتبيّنت لنا مواطن الأرقام القياسية في الاغتصاب والزّنا: موريطانيا أم فرنسا؟..اليوم يقع نظر المرأة الفرنسية على نظر الرجل،  فيبتسم لها قائلا: أنتِ جميلة، وتجيبه قائلة أحسنت ثم يمر كل منهما في طريقه وقد استنشق رائحة  جمال الحياة والأخلاق. أليس الاعتراف، بأن لديهم وسائل لحفظ الفرج تسمو عن الوسائل القديمة، أنْصفا للحقيقة وأجْلب للخير؟

 

"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن". صحيح أن الإكثار والتكرار للنظر قد ينتج عنه إحراج للمتلقّي، رجلا كان أو امرأة. و من المعروف اليوم أن الرجل هو الذي يُحرج المرأة أكثر. والعين الواحدة،  المتبقية مكشوفة للمرأة في عالم الأصوليين، تكفي لتلقّي كل إحراج الرجال. هذا الإكثار مُدان في الأخلاق والعرف الكونيين. أما نظرة المرأة  التي تبحث عن شريك لحياتها تلحظ فيه جمالا أو ثروة أو  حكمة أو خُلقا وسماحة، فهي حقها وقد تكون سلاحها الوحيد حين تُجبر على الاحتجاب داخل أغلفة السواد. إنه في إطار التفوّق الاجتماعي للرجل  تكون نظرات الرجل للمرأة إحراجا حقيقيا. فهي نظرات القويّ في الجماعة الذي يستطيع تحقيق إرادته. أمّا نظرات المرأة فهي نظرات الضّعيف المتوسّل الذي لا يَقدر على تحقيق طموحه  فكيف له أن يُحدث إحراجا أو ضررا؟ لأجل هذا قد لا يصلح أن يُفهم قول الآية "وقل للمؤمنات  يغضضن من أبصارهن" إلاّ بما كان يتعرّض له النبي وأصحابه، وهم في المدينة في قمّة الشّهرة والنّفوذ، من نظرات البنات والنساء ومكاشفتهن لما لديهن من جمال المنظر والزّينة إلى حد الإحراج، هن طامعات في الثراء والعزة، وهم في غير حاجة للمزيد من النساء والنكاح.

 

"وليضربن بخمرهن على جيوبهن":

كيف لا يقع اعتبار ما كان لوضع المهاجرات في المدينة من سِمة الغُربة والبُعد عن الأهل (ولعل ثيابهن كانت أقل حفظا لهن مقارنة بثياب النساء أصيلات المدينة) وما قد ينتج عن ذلك من المضايقة لهن؟ كيف لا نعتبر هذه الخصوصية عند محاولة فهم الآية؟ يحصل هذا طبعا عندما يكون المفسر للنص الديني رجلا وعندما يُمنع التفسير عن الجنس الآخر.

بعد هذا لا بد من الكلام في معاني الخمار وجيوب المرأة. فالخمار ليس، حسب ما جاء في الآية، أكثر من لباس موجود عند المرأة قبل نزول الآية، لعله كان غطاء للرأس ولعله كان رداء أكبر حجما، كما لا يمكننا أن ننفي أن المعنيّ بعبارة "خمار" قد يكون أطراف ثياب المرأة وليس ثوبا بحدّ ذاته وأخيرا قد يكون المعنيّ بعبارة "خُمرهن" هو مجمل ثيابهن.

يلاحظ القارئ الكريم أنني لم أعتمد على معنى كلمة "خمار" الموجود في مراجع اللغة العربية من "لسان العرب" وغيره، فذلك لأن هاته المراجع لاحقة على القرآن الأصلي ولأنها تقدّم المعاني التي اتّخذتها عبارة خمار في القرون اللاحقة بعد ظهوره.

لابد أن نلاحظ أيضا أنه في الآية المعنيّة لا يتعلق الأمر الإلهي بحمل الخمار أو عدمه وإنما  بضربه على جيوب المرأة. يتمثل الأمر الظاهر مباشرة من ألفاظ القرآن إذا في إخفاء الفرج بإدناء ما كان لدى المرأة من الثوب على جيوبها. لا تأمر الآية بحمل خمار أو لباس معين وإنما بإخفاء الفرج والزينة بواسطة الثياب الموجودة والمحمولة مُسْبقا.

تقول الآية "يضربن بخمرهن على جيوبهن"، فما هي الجيوب؟ هي، حسب رأيي، الفرج أو هي كل ما كان يمثل  مَنْفذا، عبر ثياب المرأة، للإعتداء عليها جنسيا أو لسرقة متاع زينتها. ولا بد لكي نقترب من تخيّل ما كانت عليه تلك الجيوب من الأخذ بعين الاعتبار بما كانت عليه حال الثياب في تلك العصور. فلم تكن هناك سراويل (culottes)، وكانت الخياطة في ثوب المرأة قليلة ونادرة بحيث كانت الجيوب فاضحة. وكل ذلك كان في مجتمع قبَلي ورُجولي يُعتبر فيه الاعتداء على المرأة نوعا من أنواع الصّيد والكسْب المشروع. المقصود إذا من ألفاظ الآية هو إخفاء الفرج. هذا الإخفاء، الذي يحصل اليوم بسروال صغير الحجم (culotte)، لم تكن نساء القرن السابع ينجحن فيه رغم كل ما كُنّ  يحملن من أنواع الرّداء والأغلفة. وبتعبير آخر أقول أنه لم يكن للقرآن أن يقول مثلا: قل للمرأة أن تحمل سروالا أو رافعة الثديين، وإنما خاطب الناس بما يفهمون.

إذا كان من الطبيعي جدا أن تخفي المرأة ما تحمله من ذهب أو فضه في رقبتها أو في معصمها خوفا من المعتدي الجاهز لكي يثب عليها حسب عبارة ابن كثير في تفسير الآية، فإنه يبدو أن هذا المسعى لإخفاء الزينة قد تحول، مع مرور الزمن ومع اشتداد سلطة الرجل على حريمه، إلى فريضة تقتضي إخفاء موقع الزينة. هكذا تمدد مفهوم العورة لكي يشمل كل جسم الأنثى من الرقبة إلى المعصم وأسفل الساق حيث تحمل المرأة زينتها. فصار من واجب المرأة التي لا تحمل زينة أيضا أن تخفي تلك المواقع من جسمها.

 

الآية59 من سورة الأحزاب:

أما الآية 59 من سورة الأحزاب فتقول: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين وكان الله غفورا رحيما".

 

هذه الآية كسابقتها لا تأمر بحمل جلباب لم يكن محمولا. هي فقط تطلب إدناء الجلباب المحمول مُسبقا.. إنه لمن عجائب الأمور أن يُصبح حمل الخمار والجلباب غاية أزلية ومقدسة رغم  كونه نتاجا جاهليا لمجتمع "اجتمعت فيه كل شرور الدنيا"! أليست الجاهلية، التي وصلت في الحط من شأن الأنثى إلى حد وأد الأثرياء لبناتهم أحياء، هي التي صنعت أو ورثت وأورثت الخمار والجلباب وكل الألبسة والثياب من أغلفة لضعاف الحال ومن عمائم للكبار والأقطاب؟

جاء القرآن والجلباب لباسٌ موجود أو هو تسمية للثوب الخارجي الذي كان عادة في شكل رداء. فما كان للناس إلا أن يستعملوا ما لديهم من اللباس من أجل تحقيق المقاصد. والمقصد لا يتحقق إلا بالوسائل المتطابقة مع الوضع ومع الواقع المادي والفكري والاجتماعي.

تعرّض الأستاذ عبد المجيد الشرفي في هامش الصفحة 108 من كتابه "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" إلى تفسير الآية فقال أنها "تتعلق فقط بإدناء النساء جلابيبهن حتى لا يُعرفن فلا يؤذين عند الخروج ليلا لقضاء حاجتهن في ظروف المدينة الخاصة حيث لم تكن في مساكنها مراحيض" (طبعة أولى – دار الطليعة – بيروت2001).

وقال ابن كثير في تفسيره: "..كان ناس من فسّاق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيّقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفسّاق يبتغون ذلك منهن فإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمَة فوثبوا عليها"

وجاء في تفسير الطبري ما يلي: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، لا يتشبّهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهنّ حرائر بأذى من قول..."

وفي تفسير القرطبي: "وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة قد تقنّعت ضربها بالدرة، محافَظة على زيّ الحرائر".

أول سؤال يتبادر إلى الأذهان هو: هل كان الجلباب بحدّ ذاته قادرا على منع فسّاق المدينة من الاعتداء على الحرائر من النساء؟

الجواب بالنّفي واضح في كل الحالات، لكنه يبدو متسرعا أو غير كاف إذا لم نأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقات الاجتماعية في زمن الدعوة وبالتالي نوعية الجريمة عند الاعتداء على كل من الحرة والأمة.

ما الذي كان يحصل عند الاعتداء على امرأة حرة؟

 تمتلئ بطنها أولا. وكان الاعتداء  يفتح المجال إلى احتمالين:

أ ـ لا يقع علم الزوج بالحادثة، فيصير المولود ابناً له. وهذا يفترض إخفاء المرأة لمصدر الحمل بسبب مشاركتها في الخطيئة أو بسبب خوفها من عواقب انفضاح الأمر.

ب ـ ينفضح الأمر خاصة إذا صرخت المرأة أو استنجدت عند محاولة الاعتداء عليها. لم يكن الزوج ولا المجموعة يقبلان بنتيجة عمل كهذا. لذلك كانت الجريمة تكتسي طابع الحدة في جميع أطرافها. فالفاسق يلجأ إلى أشد أشكال العنف والمعتدى عليها ستكون شديدة المقاومة عند أي منفذ للمقاومة وشديدة الاستسلام في غياب أمل الخلاص والنجاة. لم يكن هناك كثير من الحلول: هل تُعتبر المرأة زانية؟ ما هو مصيرها؟ ما هو مصير ابنها؟ من سيقبل به ابناً؟...

الحل الذي كان يرتئيه الفقهاء (وهو حل يبقى منقوصا) والذي يتمثل في تخصيص المرأة الحرة بحمل الجلباب، كان يفتح المجال للفاسق لكي يلبي رغبته في الإماء وحدهن فيكف عن الاعتداء على الحرائر. هذا عن الاتجاه الفقهي، ولكن قد يكون هناك دافع آخر لمنع الإماء من حمل الجلباب. فالأمَة كان ينفعُها عرضُ جمالها، لعلها تقتنص زوجا من الأحرار والأثرياء. وسيّدُ الأمَة بالتالي قد يجد ثمنا رفيعا في بيعها أو قد تلد فيصير له كسب جديد: عبد أو أمة إضافية(4). هكذا كان كسب و"حكم سائر الحيوان" بعبارة الإمام النووي في تفسيره ل "صحيح مسلم"  ( باب بيع الحيوان بمثله)، وكل  هذه التأويلات كانت تنسجم مع علاقات العبودية وحدها فتحد من الإعتداء على الحرة بتوجيه طاقة الذكر واعتداءَه نحو الإماء.

لكن هذا الحل الذي يجد تبريرَه في علاقات العبودية القائمة آنذاك، والذي يقدّمه الأصوليون على أنه يمثل الحلّ لحماية المرأة الحرة، لم يكن يحميها من الاعتداء الجنسي، حين يحصل لها من طرف أحد الفسّاق، بل كانت تتحمل مظالم إضافية. فهي، عند حصول الكارثة، كان عليها أن تختار واحدة من الكوارث الإضافية الثلاثة: إمّا أن تقبل الاعتداء وتستبطنه فتتظاهر بأنها تنجب إبنا لزوجها، أو أنها تكشف الأمر لينتج عن ذلك طلاقها لتتزوج بمغتصبها أو اتهامها بالزنا، أو أنها  تلتجئ إلى التخلص من الجنين أو المولود رغم ما في هذا من أخطار على حياتها وحياة الجنين أو الطفل المولود.

                               

نعود إلى تفسير صاحبنا الأصولي للآية 59 من سورة الأحزاب؟:

1 ـ "وقد ورد تفسير هذه الآية أيضا في كتاب بن عثمنيين "رسالة الحجاب" الذي يقول: "قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة"."

هل حقا  بلغت التضحية بحرية المرأة هذا الحد في مقاصد الدعوة الإسلامية، أم أن العديد من الأحاديث والقصص كانت تُبتدع بلسان ابن عباس وغيره من الصحابة لكي تؤكد عبودية المرأة للناموس الرجالي؟                                                                      

إنه لو عدنا إلى النص القرآني، وتركنا جانبا كل ما سبق من التفسيرات للآية 59 من سورة الأحزاب قد يبدو لنا مقصد آخر مختلف تماما: هو الغاية لإخفاء هوية نساء النبي. فالآيتان السابقتان للآية 59 تتحدثان عن إيذاء النبي بالقول؛ "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا{57} والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا{58}"؛ وهما توحيان بأن الآية {59} اللاحقة ستأتي بالوسيلة التي ستوقف ذلك الإيذاء.

 

تحدث الطبري بالفعل ضمن تفسيره للآية 58 عن إيذاء النبي الذي حصل بالطعن عليه في نكاحه صفية بنت حيي، كما ورد كذلك  في القرآن، أكثر من مرة، الحديث عن  حالات الارتباك التي مرّ بها النبي بسبب أقاويل الناس التي تتعلق بنسائه ("وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" الأحزاب 38 – "فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض" التحريم 3)، كل ذلك يحمل على القول بأن المقصد من إدناء الجلباب إنما هو إخفاء هويّة نساء النبي وبناته لكي لا تتعرضن لبذيء القول المتعلق بالنبي وعائلته.

أما في الآية (59) ذاتها فقد يصلح فهم عبارة "إدناء الجلباب" بسحبه على الوجه لإخفاء الهوية أو بسحبه عن الوجه لكشفها. فإن كانت الآية نزلت باكرا قبل أن يَعظُم شأن النبي ونفوذُه فقد تكون لإخفاء الهوية، أما إذا كانت قد نزلت مؤخرا فقد تكون تأمر بكشف الهوية فلا أحد يجرؤ وقتها على إيذاءهن.

 

ما يعنينا أساسا في قضية الحال هو ما يتعلق بإخفاء هوية المرأة لأن المرأة تبقى امرأة داخل الجلباب أيضا وتبقى معرضة للمضايقة والإيذاء. فإن كان الذي حدث فعلا هو رغبة النبي في تخفّي نسائه وبناته ونساء المؤمنين  فإنما هذا لا يكون قد حصل إلا في الفترات المبكرة للدعوة و هو لا يمكن أن يكون سوى  سلوك  دفاعي. وهو مشروع  تماما  طالما بقي خاصا وحرّا، أمّا تعميمه وفرضه على الجميع، من هو في حاجة إليه كمن لا حاجة له به، فهذا ابتذال للأمور واعتداء على الناس.  وإن  كان الذي حدث هو رغبة النبي في إبراز هوية نسائه وبناته ونساء المؤمنين فإنما هذا لا يكون قد حصل إلا في الفترات المتأخرة للدعوة حيث صارت الحماية والأمن مضمونان لأفراد عائلة النبي بمجرد اتضاح الهوية. وهذه المعاني تقلب تماما ما ذهب إليه غالب أو كل المفسرين.

                                                                                               

2 ـ "والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة."

هل كان الجلباب حقا رداءا تلبسه النساء فوق الخمار؟ إنما هذا غلو في اصطناع اللامعقول. فكلمة خمار تعني كل ما كانت تحمله المرأة من الثوب الذي يمكن إدناءه على جيوبها كما رأينا سابقا؛ والجلباب يعني بدوره كل ما كانت تحمله المرأة من الثوب الذي يصلح لإخفاء الهوية. هل كان هناك حقا نوعان من الثياب يسمى أحدهما خمارا ويسمى الآخر جلبابا؟ لعلنا هنا أمام إشكال لغوي يستعصي علينا حله. لكن لو انتبهنا لكون الجلباب لا يخفي الهوية فقط وإنما قد يخفي الجيوب أيضا لتبيَّن لنا أنه يؤدّي المقصود من الآيتين معا فهو يؤدي دور الخمار أيضا. لماذا الثوبان إذا؟ ألا يكون نفس الثوب الخارجي للمرأة أطلق عليه اسم خمار في الآية الأولى وأطلق علية اسم جلباب في الثانية؟  كل المراجع اللغوية لاحقة على النص القرآني فلا أضنّها تصلح لإثبات أن الخمار هو ثوب مختلف عن الجلباب، أو تصلح لتعريفنا بما كانت عليه الثياب في زمن الدعوة.

3 ـ "أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون، وأكرمها على الله، وأعلاها أخلاقا وآدابا، وأكملها إيمانا، وأصلحها عملا فهم القدوة الذين رضي الله عنهم وعمّن اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: "والسّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم..."

هذه الآية تقارن السّابقين إلى تصديق النبي بمن تباطأوا في اللحاق به ولا علاقة لها بأي مقارنة بين سلوك الصحابة وسلوك أبناء العصور اللاحقة. فكيف تجوز المقارنة مثلا بين سلوك عمر ابن الخطاب الذي كانت نساءه محجّبات، وبين سلوك باستور الذي أنقذ أعدادا لا تحصى من المرضى والذي لم تكن زوجته محجّبة؟ بل إن في كامل تاريخ البشر أناسا أضافوا من المعارف والحكمة والخير ما قد يجعلهم يسبقون الصحابة إلى رضاء السماء والأرض معا.

ثم إن الجلباب لم يكن خاصا بنساء النبي والصحابة ولم يأت به الإسلام وإنما هو ما كان يُحمل من الثوب من قَبْل قيام الدعوة ويصلُح لإخفاء الهوية والزينة أو إظهارهما حسب الحاجة.  بهذه المعاني كانت نساء الأشراف مشخَّصة من بين سائر مُمتلكاتهم، فهي لا تُعرض للإشهار ولا للبيع في حين كانت جواريهم، مثل كل المتاع الآخر، تُعرض للإشهار ولكل الاستعمالات غصبا عنهنّ.

 

4 ـ "وعائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فهِما ما شهدت به نصوص الشريعة الكاملة من أن كل أمر يترتب عليه محذور فهو محظور."

لكن إيذاء المرأة بالقول أو الوصول والاتصال المُنكَر لا ينتج على عدم تحجّبها وإنما ينتج عن فساد خُلق المعتدِي. لهذا ينبغي السّعي إلى حظر الاعتداء على ضعاف الحال من النساء والإماء عوضا عن صنع اعتداء آخر بإجبارهن على حمل الخمار أو الجلباب. أليس من قواعد العدل ألاّ نُحمّل المظلوم مسؤولية جرائم ظالمه؟

 

الخاتمة

إذا كان طريق الله هو طريق الخير والعدل والصواب فإن معنى العبادة يتمثل بالأساس في  فعل الخير وقول الحقيقة؛ أما إدناء الخمار وكل الطقوس الدينية ذاتها فهي أشكال قُصد بها الخير أو نجاح الدعوة الدينية التي يقودها النبي. ويمثل حمل الخمار وكل الطقوس الدينية في أيامنا قناعة شخصية، بمعنى أن حاملة الخمار كمن يُقيم الصلاة إنما يُمارس قناعة خاصة به وفهما خاصا لأوامر الله  باتّباع "الصراط المستقيم". وإن كان له الحق، حسب المعروف الكوني الحالي، في إقامة ما يشاء من الطقوس وكيفما يشاء فإنه ليس له الحق  في إجبار الغير على إقامة نفس الطقوس أو حمل نفس الفهم للنص الديني.

وإن كان الأصوليون يقدمون آراءهم على أنها هي الإسلام بعينه فإن الجواب واضح وهو: أن الإسلام أخلاق أو لا يكون؛ وحين يعرضون رأيهم المنافي لقيم المحبة والمساواة بين الناس على أنه يحمي الأخلاق فالجواب واضح أيضا وهو: أن قيم الأخلاق الكبرى قائمة بذاتها ويكتشفها كل ضمير سليم بدون أن يحتاج إلى أي نص ديني أو لاهوتي وأنه مثلما قال الشهرستاني: "إذا استطاع طالب الحكمة الوصول إلى الغاية عبر الصدق كما عبر الكذب والمغالطة فإنه سيختار طريق الصدق لأن الكذب شر بذاته والصدق خير بذاته أيضا... من يجهلون الوحي لا يُخطئون التمييز بين الخير والشر حين يعتمدون على أنوار العقل وحدها"                 

ولا يسعني في الختام إلا أن أذكّر بأن طريق الحرية لكل الناس و المساواة بين الجميع  هو الكفيل بدفع العقول والضمائر لاكتشاف الحقيقة وطريق الحق.

==================                              

(1) انتهى الأمر بالخليفة القادر(420هجري) إلى إصدار مرسوم يقضي بتحريم نظرية المعتزلة وإباحة دم من يعتنقها أو يقول بها. وأحضر الشرفاء والقضاة وشهود العدل والفقهاء ليوقعوا عليه.(أنظر كتاب محمد أركون: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني. ص 11  طبعة أولى، دار الطليعة 2001)

 

(2) أُعدم محمود طه في مشهد مبكي ومخز. لقد حصلت بإعدامه  واحدة من أكبر نكبات المسلمين. هي أكبر من نكبة 1967 التي قتلت وحطمت ثم مضت كالإعصار؛ أما إطفاء أصوات الحق والمحبة والسلم والمساواة فهو جريمة حية: حين تقتل المفكر تولد الجهل والجريمة من جديد. توقف إعصار 1967 وها هو الإعصار الذي ذهب بروح الشهيد يفتك إلى اليوم بالآلاف والملايين في السودان وفي أفغانستان وفي الجزائر وفي جميع البلدان الإسلامية.                                                                     

 

(3) يدعو تفسيرا الطبري والطبرسي إلى التساؤل: هل نحن أمام رمزين للمعادلة جبري/ قدري يمثل الطبري فيها مذهب الجبرية القائل بأن الإنسان مُجبر ومسيَّر، ويمثل الطبرسي فيها مذهب القدرية القائل بقدرة الإنسان على اختيار أفعاله؟ الطبري هو من يُلقَّب بأب الأصولية، والطبرسي هو واحد من مفكري المذهب الشّيعي الذي ورث المعتزلة والقدرية . الطبري فسر الآية بأننا موجودون تحت قضاء الله وقدره منذ خُلقنا، والطبرسي فسّرها بأننا نقدر على الاختيار بين طريق الثواب وسبيل الخطيئة. لست جبْريّا البتّة لكن الأمانة للمنطق تجعلني أميل إلى تفسير الطبري للآية. يبدو أن الطبرسي كان يسعى للدفاع على قدرة الإنسان على الإختيار حين قدم تفسيره للآية، لعله كان يدافع على قضية الإنسان لكنه أضر بقضية المنطق في حين أن القضية واحدة لا تتجزأ. ويبدو تفسير الطبري، الأكثر أمانة للإنسجام المنطقي لألفاظ الآية، تقديما نظريا لمذهب الجبرية الذي حمل الشعوب الإسلامية إلى سلوك الخنوع والتواكل وإلى الانحطاط الحضاري. كسب الطبري قضية المنطق لكنه لم يسعى لكسب قضية الحرية، كان أصوليا لا تعنيه الحرية ولا قضية الإنسان وهذا أيضا لا يقلل من الاحترام الذي بستحقه الطبري من بين المؤرخين والمفسرين .                                             

 

(4) ما هو مصير الأبناء حين تكون الأم أمة؟ من المعروف لدى الجميع أن الأمة التي تُنجب من سيدها تصير زوجة له. لكن يبدو أنها تبقى "زوجة أمة" أو "زوجة معتوقة" لا تلد أحرارا وإنما تلد عبيدا. هذا ما يظهر مما جاء ضمن تفسير الطبري للآية 31 من سورة النور "... فقالت عائشة: يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية".

=============

زهير الشرفي ـ تونس

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط