لم يجد المسلمون بعد أن تعرض الرسول للإهانة والسخرية من قِبل صحيفة دانماركية يمينية التطرف سوى الانتفاض العارم على زبدة لوبارك ووضعها تحت بند المقاطعة الصارمة..
ربما لو كنتُ تاجراً وأملك أسهماً في إحدى البورصات المحلية أو العالمية لتفتقَ ذهني عن صفقة تجارية تدر عليّ أرباحاً خيالية عن طريق ابتكار زبدة جديدة أطلقُ عليها اسماً دينياً ولنقل مثلاً (زبدة البركة) نكايةً بزبدة لوبارك الدانماركية التي تعاني اليوم حصاراً شديداً ومقاطعة كاملة بناءً على الدعوات التي وجهتها التيارات الدينية لجمهور المسلمين عقاباً لها على تجنيها على الرسول وانتصاراً من ثمّ لشخص محمد الذي نال اهانة سيئة من صحيفة دانماركية..
الاستثمار في الدين من أفضل الاستثمارات في عالم التجارة فهو الطريق الأسرع نحو عالم المال الوفير وبناء الرساميل الضخمة وليس هناكَ استثماراً كبيراً كمثل الاستثمار بعواطف الناس الدينية والعزف على هذا الوتر الحساس ، وتسارع العقول المغيّبة من المسلمين لتلبية الدعوة لمثل هذه الاستثمارات الدينية اعتقاداً منها إنها بذلك تنفذ تعاليم الإسلام وتنتصر له..!!
تيارات التزمت الديني وجدت الآن فرصة ذهبية للفوز بصفقة تجارية هائلة عن طريق مقاطعة المنتجات الدانمركية للتسويق لمنتجاتهم المبتكرة والتسويق الإعلاني لها ويطلقون عليها عادةً أسماءً دينية طلباً للمزيد من مساندة جمهور المسلمين السذج الذين يجدون في مثل تلك الدعوات انتصاراً للدين وللرسول وللإسلام..
أتذكر قبل أعوام حينما انطلقت الدعوات المحمومة من قِبل الجهات الدينية لمقاطعة البضائع الأمريكية بسبب مواقفها (المخزية) من قضايا المسلمين كانَ أن غرقت أسواق المسلمين والعرب ببضائع تحمل أسماءً دينية كبديل للبضائع الأمريكية ومن أشهر البضائع التي تم الترويج لها والاستثمار دينياً فيها كانت المشروبات الغازية (بيبسيزمزم ) و (كولا مكة) وربما تصورت مجتمعاتنا الإسلامية إنها بالفعل قد قاطعت البضائع الأمريكية أو إن باستطاعتها الاستمرار بمقاطعة منتجات العالم الأول الصناعية والغذائية..!!
وعادةً ما يتم طرح مثل هذه المنتجات (المباركة) والترويج والتسويق دينياً لها عندما تنطلق الدعوات والاعلانات لمقاطعة المنتجات الأوروبية أو الأمريكية مستغلة عواطف وأحاسيس الناس الدينية..
والآن بعد أن وضعوا (زبدة لوبارك) تحت الحصار والمقاطعة سنتوقع أن يتم الترويج لزبدة محلية أو أية زبدة أخرى للاستثمار الجيد والمربح في قضايا الدين..
والأكثر دهشة أن تلك التيارات الدينية التي تنتفض اليوم على زبدة لوبارك ومن قبل قد انتفضت على البيبسي والكوكا كولا والماكدونالد لا نجدها تستثمر طاقاتها الكبيرة هذه في توجيه النقد للسلطة الحاكمة بأمر الله أو للمجتمع المغيّب عن الوعي ولا تتوجه بطاقاتها (الفذة) لنقد الأساليب الملتوية في استغلال الدين ولم يجدوا سوى طريق الثورة العارمة التي يجب أن تمر على جثث لوبارك والبيبسي والكوكا كولا وغيرها ..
ولعل الاعلان الديني الذي ستطلقه جماعات الاسلام السياسي ويجب أن يرافق مبدأ مقاطعة زبدة لوبارك تطلب من الفرد المسلم أن يقول وهو قد توقف عن أكل تلك الزبدة اللهم أني أتقرب إلى رسولك وانتصر له بمقاطعة تلك الزبدة (اللعينة)..!!
في كل الأحوال ما قامت به الصحيفة الدانماركية من السخرية بالرسول أمر مرفوض رفضاً تاماً ولن يقبل به أحد من المسلمين أو من غير المسلمين..
ولكن دعونا نكون واقعيين وصريحين ونبتعد عن الحديث العاطفي الذي يدغدغ حماسة الجمهور الدينية ونقول أن المسلمين لم يحترموا مقدسات الآخرين ولم يحترموا أديانهم فكيف بهم اليوم يطالبون الآخرين أن يحترموا مقدساتهم..
فإلى يومنا هذا لا زالت تنطلق الدعوات من مساجدنا ومن إعلامنا المرئي والمسموع ومن مواقع الأنترنت ومن الصحف بالدعاء على النصارى واليهود وغيرهم بالهلاك والدمار والموت..
ولا يخفى على أحد نبرة العداء المستحكمة لتلك الأديان والأقوام التي تنطلق من مساجدنا في الدعاء المشهور (اللهم عليك باليهود والنصارى، اللهم شتت شملهم ورمل نساءهم ويتم أطفالهم) وما يرافقه من حماسٍ منقطع النظير من قبل جمهور المصلين: آمين، آمين..!!
وليس انتهاءً بالأدبيات والمقولات الدينية المشبعة بالكراهية والبغضاء لبقية الأديان والتي يتم الترويج لها بكثافة في كل مكان..
لماذا لا نسأل أنفسنا عن السبب الذي يجعل من صحيفة دانماركية تسخر من الرسول وتنال من مقدساتنا إلا لأننا نحن الذين أظهرنا ولعقود طويلة وإلى الآن العداوة والكراهية للأديان الأخرى وفوق ذلك لا نزال نعتقد إننا أفضل الأمم على الاطلاق وكل ما يتعلق بتاريخنا ومعتقداتنا فوق النقد والمساءلة؟؟
ولماذا لا نريد أن نعترف أن ما يقوله عنا الآخرون والصورة التي تكونت عنا لديهم إنما بسبب تشويهنا للاسلام ومساندتنا لفرسان الأرهاب الديني أمثال بن لادن والزرقاوي والظواهري ومَن لف لفهم..
وقد تكون الفرصة اليوم مناسبة تماماً لحفنة من الكتاب وأصحاب المنابر الدينية لاستغلال هذه الحادثة لشحن عواطف الناس وشحذ همتهم لكراهية أي شيء يمت بصلة للغرب وعالم الأديان الأخرى وطبيعي أن يتم استغلال هذه المناسبة للمتاجرة المكشوفة بالشعارات وجملة الأقاويل الأخرى المعتادة واجترارها من جديد وبزخم أقوى..
لا نريد أن ننتصر للرسول من خلال دعوات المقاطعة الساذجة التي تدعوا لها تيارات الاسلام السياسي وتجد فيها متنسفاً جديداً لبث سمومها الشعاراتية والدينية تجاه كل مَن يختلف معنا وأيضاً وجدت في هذه الحادثة مناسبةً جيدة للاستثمار التجاري بالدين..
ليتنا ننتصر للرسول بطرق حضارية راقية تبيّن للعالم أخلاق الرسول بدلاً من هذه الدعوات الفارغة والساذجة التي تستخدم الدين للمتاجرة واللعب على العواطف والمشاعر الدينية..
tloo1@hotmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط