بسام درويش
/
Apr 17, 2002
الخبر التالي وصلنا يوم أمس السادس عشر من إبريل، من أحد قراء "الناقد" في الخليج العربي، ننقله لقرائنا بنصّه وحرفه دون أي تعديل إلا ما قمنا بتنقيحه في مواضع الفواصل والنقاط والهمزات.
«أذاعت قناة الجزيرة خبراً عن ظهور إحدى علامات الساعة في فلسطين
الخبر: مقتل مستوطن إسرائيلي في ظروف غامضة. توقيت الخبر: نشرة أخبار الثانية ظهرا (توقيت الدوحة). المذيعة: إيمان بنوره. المراسلة: شيرين أبو عاقلة.
نص الخبر كما ذكر:
(إيمان بنوره): مازالت أنباء القصف الإسرائيلي على رام الله تتواصل ومازالت أرطال [أرتال] الدبابات تواصل مسيرها نحو مقر القيادة الفلسطينية، وفي هذه الأثناء تنضم إلينا مراسلتنا في رام الله شيرين أبو عاقلة لتوافينا بآخر المستجدات من هناك..
(شيرين ما آخر الأنباء المتوفرة لديك بعد القصف الذي شهدته رام الله صباح اليوم..)
(شيرين أبو عاقلة): نعم إيمان.. هناك أنباء عن توقف القصف الإسرائيلي على رام الله وذلك بعد مقتل مستوطن إسرائيلي في ظروف غامضة أثارت مخاوف الجنود الإسرائيليين وجعلتهم يتراجعون، بل إن بعضهم انسحب من موقعه وعاد إلى تل أبيب
(إيمان بنورة): كيف وقعت الحادثة أرجو منك التوضيح اكثر، يبدو أن الموضوع يحتاج إلى تفاصيل أدق شيرين..!
(شيرين أبو عاقلة ): نعم إيمان.. الموضوع متشعب جدا فهو ذا صلة دينية من ناحية ذو ا أبعاد سياسية من ناحية أخرى وذا تأثيرات جانبية على كافة الأصعدة.. ومن المستحسن أن أبدا بسرد القصة.
((عند حوالي الساعة الثامنة من صبيحة اليوم خرج ثلاثة شبان فلسطينيين في طريقهم إلى المستشفى المركزي الموجود في رام الله ليتفقدوا مصابا لهم كان قد أصيب في قصف جوي مساء البارحة.. إلا انهم حين وصلوا إلى منتصف الطريق، رأوا مستوطنا يهوديا يقف على أحد الأرصفة، فنظر الشبان إلى بعضهم وقرروا قتل المستوطن، فبدأوا يقتربون منه بهدوء شديد حتى لا يشعر بهم، لكن المستوطن كان يقظا ورآهم، وفر منهم قبل أن يصلوا إليه، وفي ظل خلو المنطقة من السكان بسبب حظر التجول المفروض على المنطقة وأيضا خلوها من المدرعات الإسرائيلية التي غالبا ما تتواجد في أماكن أخرى ذات أهمية عسكرية، راح الفلسطينيون يطاردون المستوطن وظلوا خلفه إلى أن ادخلوه أحد الشوارع المغلقة ليتمكنوا من محاصرته هناك وقتله ولكنهم حينما وصلوا إلى هناك لم يجدوا أحدا وكأن المستوطن لم يدخل إلى الشارع..! فظل الفلسطينيون يفتشون عنه حتى فشلوا في إيجاد أي اثر له وبينما هم عائدون سمعوا صوتا يناديهم فلما التفتوا إلى مصدر الصوت لم يجدوا أحدا فظنوا انهم يتخيلون وواصلوا مسيرهم عائدين إلا أن الصوت تكرر أكثر من مرة وفي المرة الأخيرة استطاعوا أن يحددوا مصدر الصوت وعرفوا انه يأتي من خلف أحد الأشجار القريبة فظنوا أن أحد المصابين من جراء القصف يستنجد بهم فذهبوا لإنقاذه إلا انهم حين وصلوا إلى مكان الشجرة سمعوا صوتا غامضا يأمرهم بالنظر خلف الشجرة لرؤية اليهودي وقتله.. فلما نظروا إلى خلف الشجرة وجدوا بالفعل المستوطن مختبأ [مختبئاً] هناك فحاصروه وعالجه أحد الشبان بعدة طعنات بسكين كان يحمله حتى فارق المستوطن الحياة، وفر الفلسطينيون من المكان حتى لا يثيروا أي شبهة أو يراهم أحد جنود الاحتلال.. وقرروا الذهاب إلى المستشفى وإخبار المسؤولين هناك بما حدث وما ان وصلوا حتى اخبروا من كان في المستشفى وفي غضون ساعات قليلة انتشر الخبر في أنحاء رام الله ووصل إلى مسامع اليهود الذين أربكهم الخبر كثيرا ولخبط أوراقهم..))
ما حدث اليوم موافقا لما أخبر عنه نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في أحد أحاديثه الشريفة.. ونص الحديث: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فأنه من شجرهم))»
************
اطلعت على الخبر وقررت نقله إلى قراء الناقد دون أي تعليق لولا أن لفت نظري في نهايته تعليق المذيعة شيرين أبو عاقلة حين استشهدت بالحديث "النبوي" مؤكّدة لمستمعيها بأن الحَدَث جاء "موافقاً لما أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه في أحد أحاديثه الشريفة.."
*********
حين تنقل مذيعةٌ خبراً على هذا المقدار من السخف ولا تقف عند حدّ نقله، بل تؤكّده لمستمعيها بقولها أنه قد حدث "موافقاً" لما أخبر عنه "نبّيّها الكريم"، فإنها في الحقيقة لا تؤكّد إلا أمراً واحداً هو سخافة الإعلام العربي بشكل عام.
المراسل الصحفي يتحدث، وهو ينقل الخبر، إلى ملايين المستمعين أو المشاهدين الذي يمثلون مختلف المستويات والاتجاهات الثقافية والفكرية والدينية، ولذلك، فإنه عندما يعلَق على الخبر مؤكّدا حدوثه بناء على معتقده الديني، وخاصة إذا كان على هذا المقدار من السخف، فإنه لا بدّ سيفقد مصداقيّته في نقل الخبر نفسه أو أي خبر آخر عند كل الذين لا يشاركونه الرأي أو المعتقد.
في أميركا، عندما يتحدث المذيع أو المراسل عن مدينة بيت لحم مثلاً، يقول عنها بأنها المدينة التي يعتقد المسيحيون بأن المسيح قد ولد فيها. كذلك هو الأمر بالنسبة لكنيسة القيامة أو جبل الزيتون أو أي مكان من الأمكنة الأخرى التي يقدسها المسيحيون أو اليهود ويعتقدون أنها شهدت أحداثاً تاريخية مهمة تتعلق بديانتهم.
هذه المذيعة هي في الحقيقة مثال على ما يعاني منه الإعلام العربي من سخف، وهي ليست الأولى من نوعها ولا الأخيرة.
أكتب هذا وأنا أهزّ برأسي يمنة وشمالاً مردداً بيني وبين نفسي: "يا حرام!.."
نعم، "يا حرام!.." يا حرام على أطفال هذا الشعب المسكين الذين يتعرّضون إلى عملية غسل الدماغ المستمرة هذه.
أي مستقبل يُؤمَل لهؤلاء الأطفال؟..
إننا لن نستغرب إذا استمر الصراع بين المسلمين والإسرائيليين أن ينشأ جيل عربي جديد لا يؤمن لا بالحرب ولا بالسلام. لن نستغرب إذا نشأ جيل جديد لا يهتم إلا بزراعة شجر الغرقد. ولن نستغرب إذا تحول المسلمون عن زرع النخيل وكروم العنب والبرتقال والبطيخ وغيرها إلى زراعة الملايين من أشجار الغردق!..
أعود فأقول: يا حرام!..
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط