لا حوار مع الكفار في سوى التخيير بين الإسلام، والجزية، والقتال
محاورة معاذ بن جبل رضي الله عنه مع زعماء الروم في فتح بلاد الشام
محاورة أبي عبيدة رضي الله عنه مع رسول الروم
محاورة عبادة بن الصامت رضي الله عنه للمقوقس
مخاطر الحوار مع الكفار في غير الخصال الثلاث
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
عندما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم جزيرة العرب، ودخل كافة أهلها في دين الإسلام، وتشرفوا وعزوا وأكرموا بالانتساب إلى ملة خير الأنام، كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه إلى كافة ملوك الدنيا ورؤسائها المحيطين بالجزيرة في ذلك الوقت يدعوهم إلى الإسلام، فمنهم من أجاب، ومنهم من أذعن وهادن، ومنهم من استكبر واستنكف ومزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشقاهم كسرى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمزق ملكه، وأن تدك دولته، وأن يخسر آخرته، فكان ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد دُكت هذه الدولة المجوسية، ودخل أهل فارس في دين الإسلام كما دخل غيرهم عندما رُفعت راية الجهاد ـ جهاد الطلب ـ وخرج المسلمون فاتحين، ومبشرين، وناصحين للبشرية، في تبوك وما تلتها من الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين، ولم تزل هذه السنة الحميدة ماضية في المسلمين في عهد الدولتين الأموية والعباسية وما تلاهما، استجابة لأمر ربهم: "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله"، وطلباً للتجارة الرابحة، وحرصاً على السلعة الغالية: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم. وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين".
وهروباً من النفاق ومن الميتة الجاهلية، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق"، وفي رواية عن أبي أمامة: "من لم يغز، أويجهز غازياً، أويخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة".
هكذا كان حال المسلمين إلى أن أسقطت الدول العثمانية، بعد تكالب اليهود، والنصارى، والمنافقين عليها، وقسِّمت إلى دويلات فيما بينهم، وجثم الكفار على صدر الأمة، وعملوا على تغيير هويتها، وإذابة شخصيتها، والإخلال بعقيدتها، والتشكيك في مسلماتها، ولهذا استبدل البعض الذي هو أدنى بالذي هو خير، ورضوا بالدنية في دينهم، وطلبوا العز في غيره فأذلهم الله.
فقد استبدلوا الحوار مع الكفار، والتعايش السلمي معهم، والتشبه بهم، وموالاتهم، برفع راية الجهاد، والاعتداد بهذا الدين، والتبرؤ من الكفار، وعمل فيهم الإعلام الكافر والموجه عمله، فتغيرت الموازين، وتبدلت المفاهيم، فأضحى جهاد المدافعين عن أوطانهم ودينهم إرهاباً، واغتصاب الكفار لديار الإسلام وقتل الأبرياء والآمنين منهم عملاً مشروعاً، وسخروا عملاءهم في الداخل والخارج لتحقيق أهدافهم، ومنهم كثير من بني جلدتنا، ويتكلمون بلساننا، ويرفعون شعاراتنا، بعد أن فرقوا بين المسلمين، وزرعوا الشك وسوء الظن بينهم، وصدقت فيهم نبوءة رسولهم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها"، قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن غثاء كغثاء السيل".
ونسوا أوتناسوا أوجهلوا أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، وأن رضا الكفار لا ينال إلا بالانسلاخ من دين الإسلام، وأن موالاة الله ورسوله والمؤمنين لا تجتمع في قلب واحد مع موالاة وممالأة الكافرين.
الأدلة على أن الحوار مع الكفار لا يكون إلا في الاختيار بين أحد ثلاث خيارات، هي: الإسلام، أوالجزية، أوالقتال، من الكتاب، والسنة، وسيرة السلف الصالح كثيرة، نورد منها ما تيسر:
قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
وقوله: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في صحيح مسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ـ إلى قوله: فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
وبهذه الخصال خيَّر قواد المسلمين في الفتوحات الإسلامية الأولى أبو عبيدة، وعبادة بن الصامت، ومعاذ بن جبل، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وغيرهم الكفار، ولم يتعد حوارهم ذلك أبداً، وكان لهم ما أرادوا، وإليك نماذج من ذلك:
محاورة معاذ بن جبل رضي الله عنه مع زعماء الروم في فتح بلاد الشام
طلب زعماء الروم من أبي عبيدة أن يرسل إليهم رجلاً ليعرفوا حاجة المسلمين، فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل وكان ذلك في سنة 13 هـ، قبل معركة اليرموك.
قال معاذ لترجمانهم: افهم عني أن أول ما أنا ذاكر حمد الله الذي لا إله إلا هو، والصلاة على محمد نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن أول ما أدعوكم إليه أن تؤمنوا بالله وحده وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن تصلوا صلاتنا، وتستقبلوا قبلتنا، وأن تستنوا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وتكسروا الصليب، وتجتنبوا شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ثم أنتم منا ونحن منكم، وأنتم إخواننا في ديننا، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدوا الجزية إلينا في كل عام وأنتم صاغرون، ونكف عنكم، وإن أنتم أبيتم هاتين الخصلتين فليس شيء مما خلق الله عز وجل نحن قابلوه منكم، فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فهذا ما نأمركم به وندعوكم إليه.
فلما فرغ معاذ من خطابه قالوا: ما نرى بيننا وبينك إلا متباعداً، وهذه خصلة نحن نعرضها عليكم، فإن قبلتموها منا فهو خير لكم، وإن أبيتم فهو شر لكم، نعطيكم البلقاء وما إلى أرضكم من سواد الأرض، وتنحَّوا عن بقية أرضنا وعن مدائننا، ونكتب لكم كتاباً نسمي فيه خياركم وصلحاءكم.
فقال معاذ: هذا الذي عرضتم علينا وتعطونه كله في أيدينا، ولو أعطيتمونا جميع ما في أيديكم مما لم نظهر عليه ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاث التي وصفت لكم ما فعلنا.
فغضبوا عند ذلك، وقالوا: نتقرب إليك وتتباعد عنا؟ اذهب إلى أصحابك، إنا لنرجوا أن نفرقكم في الجبال غداً.
فقال معاذ: أما الجبال فلا، ولكن والله لتقتلننا عن آخرنا، أولنخرجنكم من أرضكم أذلة وأنتم صاغرون، فانصرف معاذ إلى أبي عبيدة فأخبره بما قالوا، وبما رد عليهم.
محاورة أبي عبيدة رضي الله عنه مع رسول الروم
ثم بعثوا إلى أبي عبيدة رجلاً يخبر به عنهم قالوا: إنك بعثت إلينا رجلاً لا يقبل النَّصَف، ولا يريد الصلح، ولا ندري أعن رأيك ذلك أم لا، وإنا نريد أن نبعث إليك رجلاً منا يعرض عليك النَّصَف. فقال لهم أبو عبيدة: ابعثوا من شئتم.
عندما وصل رسولهم قام أبو عبيدة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الله بعث فينا رسولاً نبياً، وأنزل علينا كتاباً حكيماً، وأمره أن يدعو الناس إلى عبادة ربهم، رحمة منه للعالمين.
إلى أن قال: وأمرنا رسولنا فقال: إذا أتيتم المشركين فادعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله، وبالإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل، فمن آمن وصدَّق فهو أخوكم في دينكم، له ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية حتى يؤدوها عن يد وهم صاغرون، فإن أبوا أن يؤمنوا أويؤدوا الجزية فاقتلوهم وقاتلوهم، فإن قتيلكم المحتسب بنفسه شهيد عند الله، وهو في جنات النعيم، وقتيل عدوكم في النار.
فإن قبلتم ما سمعتم مني فهو لكم، وإن أبيتم ذلك فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
محاورة عبادة بن الصامت رضي الله عنه للمقوقس
طلب المقوقس من عمرو بن العاص رضي الله عنه رسولاً يفاوضه، فأرسل إليه عبادة بن الصامت رضي الله عنه وآخرين، وكان عبادة أسود قصيراً، وأمره أن لا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الثلاث، وقال: إن أمير المؤمنين قد تقدم إليَّ في ذلك، وأمرني أن لا أقبل شيئاً إلا خصلة من هذه الثلاث خصال، وهي: الإسلام، أودفع الجزية، وإلا فالقتال؛ فالتزم عبادة بوصية أميره أبي عبيدة.
هذه هي الخصال التي ينبغي أن يحاور فيها المسلمون الكفار، ليختاروا ما يرونه، أما ما سوى ذلك فلا مجال للحوار.
هذا إن كان للمسلمين قوة ومنعة وعدة على ذلك، وإلا فعليهم أن يعدّوا لذلك العدة، وأن يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم، كما فعل أسلافهم في حرب التتار، وحرب الصليبيين، شيخُ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه، وصلاحُ الدين الأيوبي وأسلافه.
فهل يا ترى سيلتزم المحاورون الآن للكفار بهذه الخصال، وليس لهم قدرة عليها ولا شأن بها؟ أم أن الحوار يتركز على محاولة إيقاف جهاد الدفاع المشروع الذي يمارسه المستضعفون من المسلمين في كثير من بلاد الدنيا، وعلى كيفية التعايش السلمي بين المسلمين والكفار، وعلى تطبيع العلاقات وتحسينها بين الدول الإسلامية والكافرة؟! أم لدفع تهمة الإرهاب عن الإسلام، التي أشاعها الكفار عن المسلمين زوراً وبهتاناً؟ وكما قيل: رمتني بدائها وانسلت!!
مخاطر الحوار مع الكفار في غير الخصال الثلاث
1. إزالة ما تبقى من عقيدة الولاء والبراء التي هي أساس هذا الدين.
2. خذلان إخواننا المجاهدين عن دينهم وأرضهم وعرضهم في كل من فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، والفلبين، وغيرها من البلاد.
3. تنكيس راية الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب الذي هو أساس الجهاد، وجهاد الدفاع الذي هو الوسيلة الوحيدة لرد الحقوق إلى أهلها.
4 . تشجيع ظاهرة الغلو والتطرف لدى الشباب.
5. زعزعة الثقة أوانعدامها لدى طائفة كبيرة من الشباب في هؤلاء المحاورين، وفي ذلك خسارة كبيرة.
6. توسيع دائرة الخلاف في الأمة الإسلامية.
7. الاعتراف بالأديان المنسوخة والمبدلة كاليهودية والنصرانية، والتسوية بينها وبين الدين الناسخ للأديان، الإسلام.
8 . المستفيد الأول من هذه الدعوات التقريبية بين الأديان هم الكفار، والخاسرون هم المسلمون.
9. الدعوة إلى المساواة بين الأديان المبدلة والإسلام بأي صورة من الصور من الدعوات الإنسانية التي تسعى لتجميع الخلق على غير الدين، وهي دعوة كفرية.
10 . التشكيك في كفر اليهود والنصارى ناقض من نواقض الإسلام.
11. الغرض من هذه الحوارات أن يكف الكفار أذاهم عن المسلمين ويرضوا عنهم، وهذه غاية لا تنال بنص القرآن إلا بالانسلاخ عن الإسلام: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
وأخيراً أحب أن أذكر أننا لا نشك قط في نوايا الداعين والمشاركين في هذه المؤتمرات والحوارات، بأن هدفهم من ذلك رفع العناء والضغط عن المسلمين، ودفع الشبه التي يرفعها أعداء الإسلام ضد الإسلام والمسلمين، لكن كم من طالب أمر لم يصبه؟ وراج رجاء فأخطأه، وصدق النية وحده لا يكفي، فلا بد من موافقة ذلك لما جاء به الشارع الحكيم، ولهذا ننصح جميع إخواننا المسلمين بعدم الدعوة والمشاركة في هذه المؤتمرات والحوارات، لما فيها من الأضرار والمخالفات الشرعية.
والله أسأل أن يردنا وجميع إخواننا المسلمين إلى الحق رداً جميلاً، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين، ويهديهم سبل السلام، ويجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهيئ للأمة الإسلامية في كل زمان ومكان أمر رشد يعز به أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكرن، اللهم ارفع علم الجهاد، وأهلِك أهل الكفر، والفسق، والعناد، وانشر رحمتك وأمنك على العباد.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أتباعهم ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
بمناسبة مؤتمر "الإسلام والغرب في عالم متغير"
الذي عقد في الخرطوم السبت 19 شوال 1424هـ
http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha10.htm
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط