ـ 1 ـ
لو سألتَ أحد رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أمنيته في عيد الحب لقال لك على الأرجح: أن أصادر كل وردة حمراء، وكل دمية حمراء، وكل بطاقة معايدة حمراء.
العشاق في كل بقاع الأرض يتبادلون الورود والشوكولاته والهدايا، ونحن هما نتبادل فتاوى التحريم ورسائل التخويف والتهديد. كان الله في عون أصحاب محلات الزهور لما يتكبدونه من خسائر اقتصادية جراء المصادرات دون تعويض. وكان الله في عون العشاق المحكوم عليهم بممارسة الحب والغرام تحت جنح الظلام وخلف سرب العيون.
عندما يتخلى الأحمر يوماً في السنة عن ذاكرة العنف وروحه الدموية ليغدو رمزاً للحب وجسراً يتعانق فوقه قلبان متلهفان، تستشيط الهيئة غضباً ويتحول رجالها إلى ثيران اسبانية يستفزها اللون الأحمر. هل يكفي أن يكون الجذر الوثني لعيد الحب مبرراً لاقتلاعه ومحاربته بهذا الأسلوب الكاريكاتوري؟ ربما يكون هذا صحيحاً ولكني أميل إلى ما هو أبعد من المرجعية الوثنية لعيد الحب، وهو ما يتصل بمفهوم الحب نفسه. الحب بين اثنين كما يفهمه رجل الهيئة هو المعادل الموضوعي لتعبير "خلوة غير شرعية"، وهو باب الخطيئة الذي يقف عليه الشيطان، وهو علاوة على ذلك تحدي سافر لصرامة شروط الجهاز الوهابي الحريص على الفصل بين نار المرأة وزيت الرجل.
ـ 2 ـ
أحد الأسباب الكافية ـ كما تراها الهيئة ـ لإغلاق الباب في وجه "كيوبيد" الخليع الفاسق أن الاحتفال بعيد الحب تشبه بالكفار، ومن يتشبه بهم فهو منهم. كان بودي أن يستخدم رجال الهيئة رقاع الجلد بدلاً من الحاسبات الالكترونية المصنعة في بلاد الكفار في كتابة تحذيراتهم وتهديداتهم لمن تسول له نفسه بتقليد الكفار وصب لعناتهم على القديس "فالنتاين". كان بودي أن يداهم رجال الهيئة محلات الزهور وهم فوق ظهور الجياد بدلاً من ركوب السيارات المكيفة والمصنعة في بلاد فالنتاين. كان بودي أن يبث جهاز الهيئة "البصاصيين" بدلاً من استخدام اللاسلكي أو أجهزة النقال المصنعة في بلاد الكفار لتصبح جهوداتهم المباركة من ألفها إلى يائها إسلامية الصبغة لا شبهة فيها. إنها لمأساة حقاً عندما لا تتبين وجهك في المرآة، ولا تلمس الشرخ الغائر في عقلك، ولا تعترف أنك مصاب بمرض الفصام.
ـ 3 ـ
لم يعد قوس ونشاب كيوبيد المصدر الوحيد للقلق الموسمي فحتى الأعياد الدينية وخاصة عيد الفطر بدا في السنوات الأخيرة يخرج عن مساره الرتيب وهو ما يستدعي تحرك الهيئة لمنع أي مظاهر احتفالية تخرج من جلباب النص الباهت وتضخ الفرح في وجه العيد الشاحب. قبل سنوات قليلة كانت مدينة الرياض تتحول إلى أشبه ما تكون بالبيت المهجور من البشر والأضواء والبهجة، وهو ما يجعل رجل الهيئة ينام قرير العين ومرتاح البال. اليوم صارت هناك عروض مسرحية واستعراضات بهلوانية، وغداً سيكون هناك دور سينما وربما حفلات غنائية، وهي كافية لكي يخرج رجل الهيئة من جلده ويشق جيبه. هل تريدون أن تضحكوا؟ اخبرني أحد المسؤولين في أمانة بلدية الرياض أن جهاز الهيئة اعترض بشدة على استعراضات يقوم بأدائها الحيوانات بمصاحبة الموسيقى. حسب ما هو معروف فإن الحيوانات المدربة تتفاعل مع صوت الموسيقى في أداء وصلاتها الاستعراضية وبدونها لا تحرك ساكناً، لكن جهاز الهيئة يمقت الموسيقى ويحرمها لإنها تنبت النفاق في القلب وتصرف سامعها عن عبادة الله. المهم، أن الطرفين بعد أخذ ورد توصلا إلى حل توفيقي وهو السماح بالموسيقى ولكن بعد تخفيض الصوت! شخصياً، لن أتعجب لو اقترحت الهيئة في المرات القادمة أن تستقدم حيوانات ترقص على أناشيد الجهاد الإسلامية.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط