مالك مسلماني
/
Mar 13, 2011
يشهد العالم العربي تحركات شعبية استثنائية، إذ تنهض شعوب في أقطار مختلفة ضد حكامها، وإلى الآن أدت هذه العملية إلى تنحي رئيسي تونس ومصر. وما زالت حالة الغليان تعم أقطاراً أخرى.
التحركات الشعبية جاءت تعبيراً عن الغضب جراء تردي الوضع الاقتصادي وتفاقم الطغيان السياسي في العالم العربي، وقد جرى تجييش الرأي العام العربي لمساندة هذه التحركات؛ وأبدت نخب عربية حماسة عالية لما يجري، ولكن في خضم هذه النيران، فإن سؤالاً لم يُطرح:
ما مصير البلد بعد تنحي هذا الرئيس أو ذاك، وما هو المآل حتى لو تمكن الشعب من الإطاحة بكل الطبقة السياسية الحاكمة ودفع بنخب بديلة إلى سدة الحكم؟
إن ما يجري في ميادين الاحتجاج هو تحركات عفوية، فهذه الجموع المتألمة هبت غاضبةً على آلامها، وثارت على الفقر، هبت ضد الاستبداد السياسي وكل نتائجه، ولكن ليس لدى هذه الجماهير قيادة واعية لجذور التخلف، فما زالت المسائل الجوهرية بعيدة عن الدرس إذ ما زلنا لا نجد على جدول أعمال الشعوب الاهتمام بالمسائل التالية:
ـ العلاقة بين النمو الاقتصادي والقاعدة العلمية، فالقاعدة العلمية ليست شراء أحدث الآلات، بل هي نتاج إبداع. وكيف يمكن للعالم العربي أن يشهد إبداعاً، عندما نجد أن كل شيء فيه هو الماضي والتشبث بالماضي؟
ـ أين العالم العربي من المعرفة، وهل يمكن النهوض بالمعرفة بدون تجاوز المعيقات الدينية والقبلية والأعراف المحلية؟
ـ هل سيقبل المجتمع بحرية التفكير ويتمتع الفرد بقدرة الخروج من قوالب الموروث؟
ـ هل سيحوز الفرد على كيانه الخاص، فيؤمن بأي دين شاء أو لا يؤمن، أو يعتقد بأي فكر سياسي أحب؟ أم يجب عليه أن يبقى عبداً للجماعة الكبرى، لا سيما الدينية، فلا يكون له هوية فردية خاصة، لا يُسمح له بالتفكير خارج تعليمات جماعته الكبرى؟
إن الثورات الحقيقية ليست ضد الطاغية الفرد، وليست غضبة على الحاكم الفرد، بل الثورات الحقة هي ثورات المجتمع على قيوده الداخلية الممتدة أربعة عشر قرناً.
عندما يدرك كل فرد في العالم العربي أنه ليس وكيلاً للسماء وأن عليه أن يكف عن التصرف كعنصر في مخابرات السماء فيحاسب هذا وذاك. وعندما يرى الناس إن المستقبل هو عملية بناء جديدة، لا إعادة نصب هياكل الماضي، حينها فحسب تحدث الثورة الحقيقية.
أما إن كل هذه المسائل غائبة، فإن ما يجري هو مجرد تعبيرات لجماهير مأزومة، لن تنتج في نهاية المطاف إلا تغييراً في مظاهرة السلطة؛ ولهذا، فحتى لو نجح الشعب في الإطاحة بكل الطبقة السياسية، فإن الحالة العربية ستبقى كما هي، وستبقى كل الأمراض عصية على العلاج. وربما نحو الأسوء في حال انتقلت زمام السلطة السياسية إلى أيدي الحركات الإسلامية.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط