مصادرُ التربية الاسلامية
تتميّز شخصية المسلم ـ النموذجي ـ بصفات عامة مشتركة استمدتها من مصادر متعددة أهمها القرآن والسنة والتاريخ والتربية المنزلية والاجتماعية. وغالباً ماتكون التربية بنوعيها المنزليّ والاجتماعيّ خاضعة لما سبق ذكرُه من المصادر.
ولعلَّ أبرز هذه الصفات النفسية الشعور المتعاظم بالتفوق على أمم الأرض في كثير من مجالات الحياة وفي مقدمة هذه المجالات يأتي الدين الذي يعتبر بمنزلة النجم الذي يحدّد مسارَ شخصية المسلم النموذجي. وتؤكدُ الابحاث المنشورة على صفحات الناقد أنه المكوّنُ الأول لها.
ولايخفى ما لهذا الشعور المحتدم ـ شعورِ التفوق ـ من مخاطر على صعيد علاقة المسلم بغيره بحيث يمكن مقارنة هذه العلاقة بعلاقة العنصرية النازية بالشعوب الأخرى.
يتضمن شعورُ التفوق فضلاً عن الاستعلاء الفارغ وحبِّ الذات المريض: احتقارَ معتقدات الآخرين وازدراء ثقافتهم بما يؤدي إلى الكراهية والحقد اللذين سيمهدان للحروب.
ولسنا نجانبُ الصوابَ إنْ نحن أضفنا اليوم إلى مكونات شخصية المسلم النموذجي عنصراً ثقافياً آخر نعني به السيرَ الشعبية. ومن هذه السير (سيرةُ الأميرة ذات الهمة) التي تلقى إقبالاً من عامة الناس في مجالس السمر، وقد امتدّ الإقبال عليها إلى أوساط المثقفين مذ أن كشّر الارهابُ الاسلامي عن نواجذه وصحا العالمُ الاسلامي على قرع الطبول. (تحقيق ميداني في زيارتي الأخيرة للقاهرة) .
ويرجّح أن تكون فصولُها الاولى رُويت على ألسنة القصّاص (الحكواتية) في إثر الغزوة الفاشلة للعرب المسلمين بقيادة مسلمة بن عبد الملك للقسطنطينية حاضرة الروم البيزنطيين (انظر تاريخ اسماعيل سرهنك: حقائق الاخبار. الجزء الاول ص200) . ثم بلغتْ صورتها النهائية في زمن الحروب الصليبية (حلقات بحث للزميلة كلاوديا أوت تحت Der falsche Asket)
والغايةُ الحقيقية من السيرة الشعبية هي استنهاضُ همم المسلمين وحضّهم على الغزو والجهاد، بتصوير بطولاتهم الخارقة في ميادين القتال والتغني بانتصاراتهم المدوية التي تُعزى في كل مرة إلى قوة الاسلام وبهتان عقائد الآخرين، هذا البهتان الذي سيسوغ لهم تدنيس مقدساتهم بلا وازع. ففي نهاية الجزء الخامس يتمكّن المسلمون من تدمير قوة الروم فيتسلل امبراطورهم بثياب البطاركة الى معسكر المسلمين ليطلبَ بمذلة من الصحصاح أمير المسلمين وقفَ الحرب مبدياً استعداده لقبول شروط الصلح في صغار. ولأن المسلمين أصبحوا الآن القوة الغالبة فإنهم لن يتورعوا عن فرض شروط قاسية مهينة بالأسلوب الذي يرونه صحيحاً: تقول الرواية على لسان الصحصاح: [وبعد توحيد الملك العلام والصلاة والسلام على المظلل بالغمام ولابد من فتح هذه المدينة على رغم الكفرة اللئام ولو اننا اقمنا شهورا واعوام لانها اظرف من بلاد الشام لسعة مروجها وكثرة مياهها وأما قولك أيها الملك عن الصلح نعم الصلح خير ونحن نرعى حقّ وصولك الينا وانطراحك علينا احتراماً لشيبتك وإن كانت لا تحترم بل نظراً منا الى ما أنت عليه من العز والشيم ونحن كلنا بسيوف مجذوبة ودرق مكوكبة ولابد لنا من فتح البلد وننادي بتوحيد الفرد الصمد ونصلي على النبي محمد ونبني بها جامع أكون أنا الذي أرسمه وأقرره وندخل راكبين بيت المذبح والاذان فيه يوم الجمعة ونصلي فيه جماعة ونريد بعد ذلك جميع ما أنفقنا من المال على أنفسنا من تسع سنين الى تاريخ يومنا هذا كل واحد منا على قدر ما أنفق على نفسه ودوابه وغلمانه وبعد ذلك يضع الامير مسلمة نايب أمير المؤمنين بقدمه على عنقك اعزازا لدين الاسلام واذلالا للروم اللئام.
فلما ان سمع الملك لاوون ذلك المقال ضحك ثم قال: ايها الملك أجبناك الى ماتريد ونزيدك أوفى مزيد وأموال فوق أموال على ما اتفق عليه الحال إلا روث الدواب ببيت المذبح تعفونا منه فان الروم يرونه مذموم وما أقول انهم يجيئوني الى ذلك وأما وطئ عنقي ماجرت عادة الملوك الكرام ولكن اعفو عني من هذين الامرين وأنا أجيبك عن كل ما تريد فقال: أما وطئ عنقك فقد أعفيناك منه لانك جالستنا ونحن لانهين جليسنا وأما الدخول في بيت المذبح وروث الدواب فيه لابد منه].
وهكذا كان فبعد صلاة الاستغفار والدعاء في الجامع الذي شيّده المسلمون في قلب القسطنطينية بحيلة بارعة من الصحصاح، يخرج المسلمون مبتهجين بالنصر على الكفار، ويتجهون نحو المذبح المقدس (هو كنيسة الروم التي تحولت الى جامع فيما بعد). لينفذوا بنود الصلح [وخرجوا من الجامع ودخلوا إلى بيت المذبح ووقفوا بالدواب حتى راثت وبالت ثم خرجوا بعد ذلك وهم فرحين مستبشرين مهللين ومكبرين].
إن الانصاف يقتضي منا أن نذكر أنَّ الإسلامَ ليس النظامَ الأوحد الذي يمتلئُ تاريخُه بالفظائع وبتحقير الأديان الأخرى، ففي العصر الحديث نجد الشيوعية السوفيتية تخترق المقدسات الدينية أيضاً وتنتهك حرمة الكنائس الأرثوذكسية، ويلقى اليهود من النازيين حملات إبادة منظمة كتلك التي تعرض لها الأرمن والمسيحيون في تركيا، وتهبّ على التيبت البوذية محن وويلاتٌ من رياح الصين الشعبية المدمرة. ولكنَّ التشابهَ بين الاسلام وبين هذه الانظمة لايحولُ دون رؤية الفارق الكبير بين الإثنين، فاذا كان تاريخُ هذه الانظمة يتعرّضُ اليوم للإدانة والتشهير ـ والتجريم ـ، فإنّ تاريخَ الإسلام يلقى التقديس ويُفرض على المسلمين كخير منهج فيه الصلاحُ وحسنُ الإقتداء.
في التحقيق الخاص الذي أجريتهُ بمساعدة الصديق المحامي أمير. غ في أحياء القاهرة الشعبية ثم في الباجور في محافظة المنوفية حول سيرة الاميرة ذات الهمة أجاب بـ "نعم" 55 بالمئة من أولئك الذين طُرح عليهم السؤال التالي:
ـ "هل توافق على الشروط التي فرضها الصحصاح على لاوون ملك الروم؟"
وهي بلا شك نسبة عالية!
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط