صدر في فرنسا مؤخرا كتاب بعنوان "مرتدات من الإسلام"
Converties de l’islam
قامت بجمع شهاداتهن السيدة "فاطمة أوجيبو" التي خصّت موقع "الناقد" بهذه الشهادة عن عبورها.
خمس سيّدات من جاراتي يتمشّين محجّبات في الشارع. ثلاث منهنّ يتغلّفن بالسواد على الطريقة الأفغانية، وواحدة فقط ترتدي حجابا وزيّا عصرّيا غربيّا. غالبا ما التقي بهنّ في طريق عودتي من المدرسة فأحيّيهن بمودة واحترام.
ولكن منذ ظهوري الأخير على التلفزيون وإعلاني عن اعتناقي للمسيحيّة، ينظرن إليّ كخائنة وكافرة وناكرة للإيمان الإسلامي وللهوية المغاربية.
قبل ذلك الوقت كنت عادة أخرج من بيتي وأمشي واتنزّه معهنّ، نتناقش حول مواضيع عديدة ونتبادل الآراء بحريّة تامة. والآن أودّ أن أقول لهنّ إن الربّ يحبهنّ، وقد أرسل إبنه الحبيب يسوع ليموت على الصليب من أجلهنّ، يسوع المسيح حمل الله الذي يغفر خطايا العالم، هذا الإله الذي يحترم كل شخص، رجلا كان أم إمرأة. فكل الناس يحظون بنفس التقدير في نظره.
لا همّ إن لم يفهمنني، أنا أدرك جيّدا وأعرف بمن أؤمن، ولا شيء في العالم يستطيع أن يدفعني للتخلّي عنه أو لنكرانه.
في طريقي إلى منزلي أمرّ إلى جانبهنّ، مرفوعة الرأس، مؤدّية التحية باحترام، دون البحث عن أي اعتراف أو تقدير إنساني أو إجتماعي.
في شهر آذار 2008 شاركت في تنظيم عرض فيلم في المقر الرئيسي لليونسكو في باريس، بعنوان "نجاة مريم المجدلية من القهر"، وذلك أمام جمهور حاشد من الدبلوماسيّين والشخصيات السياسية والفكرية قي العاصمة الفرنسية.
كشف هذا الفيلم عن تاريخ سيّدات التقينا بالمسيح بعد تعرضهنّ للقهر والظلم والاستعباد. وبعد العرض، قال لي أحد القساوسة: "حسنا فعلتِ، سيدفعك هذا العمل إلى الشهرة". غير أنه لم يعِ جيّدا أنّني حصلت على هذه "الشهرة" يوم التقيت السيّد المسيح، يوم شعرت بحبّ هذا المخلّص وعطفه وحنانه، ويوم أنقذني من الشعور بالقهر والدونية.
في ذلك اليوم، شعرت بأنّني إنسانة يراني الرب، يعرفني ويحبّني كإبنة له.
في ذلك اليوم، أدركت وجود الربّ في حياتي ومدى اهتمامه بي.
في ذلك اليوم،أي منذ ثمانية عشر عاما، قلت للربّ: نعم يا إلهي. يومها كنت قد بلغت العشرين من عمري، أي أجمل فترة من عمر الإنسان. وهذا ما حصل فعلا معي، أنا فاطمة، الولد الثامن والبنت السادسة في أسرة أبي "بان" وأمي "فَطمة".
رأيت نور هذه الحياة في الثالث من ديسمبر عام 1969، أي بعد مرور ثماني سنوات على استقلال الجزائر. كان أبي قد هاجر إلى فرنسا للعمل عام 1958، حيث عاش السنوات الأربع خلال حرب الجزائر، دون أن يحدّثنا إطلاقا كيف قضى تلك المرحلة وكم عانى أثناءها كجزائري يمثّل العدوّ. وقد أدركت لاحقا أن صمته كان أمرا طبيعيا يعود إلى طفولته الأليمة التي عاشها يتيما في الجزائر، حيث أضطر، وهو في سن ّالطفولة، إلى رعاية الماعز في الحقول كي يكسب عيشه. وفي مطلع شبابه، تزوّج وهاجر وحده إلى فرنسا كي يبني مستقبلا له ولأسرته.
إلتحقت أمي به عام 1960. وفي عام 1962 وأثناء إستقلال الجزائر، أنجبت والدتي إبنتها الأولى، أي ولدها الرابع، لأن الأولاد الثلاثة الأول داهمتهم المنية في الجزائر. عاش والداي خمس سنوات في كراج، قبل أن يشتري قطعة أرض للبناء، سرعان ما باعها، لتحوّل إلى حديقة عامّة جميلة في مدينة "تور"... أطلق عليها اسم "حديقة نابوليون"، ولكنها ما زالت بالنسبة لي "حديقة بان". وبفضل الفلوس التي جناها والدي من هذه الصفقة، تمكن من شراء منزل في حيّ سكنيّ بعد حصوله على قرض عقاري لمدة عشرين سنة.
بعد الإبنة الأولى، ياسمين، عام ،1962 أنجبت والدتي إبنة ثانية مليكة، عام 1963 ثم ، زهرة، عام 1964، ثم فريدة، عام 1965. بعدها أنجبت عام 1966، صبيّا حامد، قبل أن تولد الإبنة الخامسة، خيرة، عام 1967، وبعدها صبيّا، قادر، عام 1968. أما أنا فولدت عام 1969. وبعد مرور أربع سنوات أنجبت الأخ الأصغر، شريف، الذي سرق مكانتي في أعين أهلي وكذلك في محيطنا العائلي.
هكذا نشأت في وسط هذه العائلة الكبيرة التي لم تشكل ظاهرة عادية في ذلك الحيّ السكنيّ. ولكنني شعرت بأنني لست مثل باقي الأولاد في حديقة الأطفال، وتبيّن لي بأنني غريبة أو بالأحرى "مختلفة" عن الآخرين في نظر المعلّمات ورفاق المدرسة. وما زلت أذكر أنني هربت مرتين من المدرسة كما أعادتني الشرطة ثلاث مرّات بالسيّارة إلى البيت.
كنّا نقضي أوقاتنا غالبا خارج البيت، نلعب في الحديقة، حيث كنّا نشعر بالأمن والراحة، كما كان بإمكان الوالدة أن ترانا من نافذة المنزل وتدعونا لتناول وجبات الطعام حين تنتهي من إعداده.
كانت والدتي حاضرة دوما للسهر علينا وعلى تربيتنا وتحضير الحلويات اللذيذة لنا. أما والدي فكان يذهب كل صباح للعمل طيلة النهار، ولا يعود إلا مساء في وقت العشاء. كنت أنتظر عودته كي يطبع على جبيني قبلته الحارة وأتلمس شاربيه.
كان يعمل كل يوم من الصباح وحتى الخامسة بعد الظهر. في طريق عودته إلى البيت كان يعرّج على المقهى ليس لاحتساء الكحول التي لم يكن يمسّها، بل لقضاء بعض الوقت مع رفاق جزائريين من قريته، يتحدثون ويتذكّرون معا أيام الطفولة.
أما في العطل المدرسية الصيفية، فنادرا ما كنّا نذهب بعيدا عن البيت. كانت فرحتنا تكتمل في قضاء الوقت واللعب في حوض المياه الجارية في "حديقة نابوليون".
بعد نهاية السنة الأولى الإبتدائية في المدرسة عام 1975 عرف والدي بنجاحي وبترقيتي إلى الصفّ الثاني إبتدائي. فاشترى لي حالا علبة ملبّس، فكانت هديته الأولى والوحيدة لي.
أما السنوات المدرسيّة التالية فلم أعبرها بهدؤ وارتياح, فإخواني وأخواتي السبعة الذين سبقوني في المدرسة تراوحت مستوياتهم بين "الجيّد جدّا" و"الكسول الفاشل".
بعد الإبتدائية جاءت المدرسة الإعداديّة، وهنا شعرت بالفرق والتمييز مع الرفاق والرفيقات الآخرين. من الناحية الدينية شكّل معتقدي الإسلامي وتربيتي وشرف عائلتي حاجزا أعاقني من العيش والسلوك مثل الزملاء الفرنسيّين. وإذا ما انحرفت قليلا، فكان أخي يقف لي بالمرصاد ليردعني ويذكّرني بهويتي المغاربية.
وعندما بدأت بمعاشرة فتيات مهاجرات في حي شعبي لا يبعد كثيرا عن حيّنا، بدأت أفتخر بأصولي الجزائريّة وعدم الخجل من ديانتي الإسلاميّة.
في البيت، كنّا نتحدّث دائما عن الإسلام وعن الله وعن أهميّة الخوف من الله. فوالدتي كانت تشدّد كثيرا على يوم الدينونة وتتحثّناا على الصيام في رمضان وعلى الخوف من الله. أما والدي فكان متحفظا نسبيا حول هذا الأمر. لم يكن يرى في الدين إلا الإمتناع عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير. وكعادته كان قليل الكلام ولم أشعر بحبّه إلا نادرا. فالمهم بالنسبة له كان تأمين حياة هادئة والغذاء الكافي لكل أفراد الأسرة.
في العقد الخامس من عمره، بدأ هذا الوالد يهتمّ أكثر فأكثر بالأمور الدينيّة، ويشجعنا على الصوم في شهر رمضان، كما ازداد اهتمامه وحنينه إلى أصوله الجزائريّة. كنت آنذاك في السادسة عشرة من العمر، أي في السنّ الذي برزت لديّ صورة الحريّة التي يوفّرها لنا المجتمع الفرنسي الذي أعيش فيه.
في تلك الفترة أراد أخي أحد إخوتي طلب الجنسيّة الفرنسيّة، فاتّهم بالخيانة فأرسل حالا إلى الجزائر لتأدّية واجب الخدمة العسكريّة مدة سنتين في صحراء "بسكارا".
في تلك الفترة أيضا عادت مرّة أختي الكبرى التي أبدت رغبتها بالتحرّر من سلطة العائلة، متأخرة إلى البيت، حوالي الساعة العاشرة ليلا. فغضب والدي وأمرها بمغادرة البيت. أجابته فورا: "إذا كانت هذه رغبتك، فليكن!" غادرت حالا ولم يراها والداي إلا بعد مرور عشر سنوات.
على أثر ذلك بدأت تراودني أسئلة وجوديّة عديدة: "من أنا؟ ما الغاية من وجودي على الأرض؟ يا الله! هل أنت فعلا موجود؟ لماذا تحصل خلافات ونزاعات بين البشر؟ لماذا العنصرية؟ ما هو مبرر وجود الأديان؟ أين أنت يا الله؟ هل ينبغي عليّ ممارسة الأعمال الصالحة طوال حياتي كي ألقاك لربما يوما ما؟ لماذا الإنتظار؟ لماذا هذا الصمت؟ لماذا هذا الفراغ في قلبي؟ لماذا؟ لماذا؟ وماذا سيحصل إن لم يكن الإسلام الحلّ الصحيح، وبالتالي أين هي الحياة الحقيقيّة؟ هل هي في هذا العالم أو في عالم خارجي كما يصوّر لنا على شاشة التلفاز.
في المرحلة الثانوية بدأت بمعاشرة رفاق متهوّرين. فضعُف إهتمامي بواجباتي المدرسية، كما كنت ألجأ إلى الغشّ والاحتيا طمعا بالحصول على علامات جيّدة. وفي الوقت نفسه حاولت فهم هذا العالم المحظور عليّ بالرغم من ظاهره الجميل.
كنت أعيش تحت الرقابة المستمرة من قبل أخي الذي لاحظ تغييرا في معاشرتي. فمنعي من الخروج ليلا لم يحل دون تمكّني من القيام بمغامرات عديدة. ولكن لم يلبث أن اتّضح لي زيف الملاهي الليلية وتفاهة الأمور التي تحدث فيها. فبسبب تلك المغامرات والتحوّل السلبي في سلوكي وتصرفاتي فشلت في امتحان البكالوريا. فبدأ الانحدار نحو اليأس، إذ وجدت نفسي وكأنني في حفرة سوداء عميقة لا اعرف كيف أخرج منها. شعرت بتعاسة مؤلمة كما كنت أعاني من الوحدة بالرغم من تواجدي مع الآخرين.
في تلك الفترة، علمت أن أختي الكبيرة، ياسمين، أصبحت مسيحيّة، نعم مسيحيّة! كيف ولماذا؟ ما الذي دفع بها إلى هذه الخيانة. إتّهمناها حالا بأنها تريد أن "تتفرنس أكثر فأكثر". غير أنّها في الواقع، تأثّرت بسيّدة جزائريّة دفعت بها إلى الردّة. لم تفعل ذلك بسهولة إطلاقا، بل أخذت وقتها كي تشرح لنا سبب اعتناقها المسيحيّة. أولا، اكتشفت أن الله محبّة، وهذا ما لم نسمع به أبدا في السابق. ثم تابعت تخبرنا بان يسوع المسيح صُلب على الصليب من أجلنا ومن أجل خلاصنا.
فتساءلت: هل يبدو الأمر بمثل هذه البساطة!
كنت أشعر بأنني نجسة بنظر الله بسبب مواقفي وتصرفاتي وأفكاري السيئة تجاه الآخرين، وأن الله وحده كامل. غير أن الخلاص بدا لي سهلا بعد سماعي لكلامها. كان عليّ أن أقول وأعترف: "شكرا لك يا ربّي، أعترف أن يسوع المسيح مات لأجلي على الصليب، كي يطهّرني بدمه النقيّ، ويجعل منّي مؤمنة مسيحيّة صالحة."
وجدت هذا الاعتراف قريبا نسبيّا من الشهادة التي ينطق بها من أراد أن يصبح مسلما. وهذا ما جعلني أندهش من قلة الأشخاص الذين لا يقدمون على هذه الخطوة...بالرغم من ذلك، قلت في نفسي: "أنا جزائرية، مسلمة، وحتى إذا كنت لا أفهم أشياء كثيرة، سأواصل طريقي."
لم تمض فترة قصيرة حتى اكتشفت أن أختا ثانية من أخواتي وإثنتين من صديقاتها المغربيات، قد تحوّلن أيضا إلى المسيحية. فصدمت مرة أخرى، غير أنني اندهشت لرؤيتهنّ في حالة من الهدوء والارتياح النفسي، وأنّهنّ يتكلّمن باستمرار عن السيد المسيح، وأن حياتهنّ قد تغيّرت تماما.
في أحد الأيام كنت برفقتهن وكنّ في طريقهنّ إلى مركز العبادة. سألتني إحداهنّ إن كنت أرغب في مرافقتهنّ إلى ذلك المكان. فلم أرفض لأنني لن أخسر شيئا.
خلال الاحتفال سمعت أشخاصا يشهدون عن كيفيّة تحوّلهم إلى المسيحيّة، ومن بينهم "قوّاد" كان يعمل في سوق البغاء. عندها تساءلت في أعماق نفسي: "كيف يستطيع إله المسيحيين أن يغفر لمثل هؤلاء الأشرار واللصوص؟"
في النهاية، طلب القس من الذين يرغبون أن تتلى صلاة على نيتهم. فقلت في نفسي: سأضع إله المسيحيين على المحك. فتُليت صلاة على نيتي. ثم عدت إلى البيت دون أن يحدث لي شيء يذكر.
مرت أيام دون أن أعلم ما الذي دفعني إلى أن أتوسّل إلى الله كي ينوّر طريقي، فقلت له: "يا إلهي أرجوك أن تدلّني إلى من ينطق بالحقّ!" كنت أعرف سابقا أن الله واحد ولكن لم أكن أدري أي طريق أسلك. فقمت بقراءة الكتب المقدسة، القرآن والإنجيل وأخذت أبحث وأقارن بينهما.
قرأت هذين الكتابين عدة مرّات، ولكنني تأثرت كثيرا بكلام يسوع عندما يقول: "لم آت ‘إلى العالم من أجل الأصحاء، بل من أجل المرضى، أنا الطريق والحقّ والحياة، لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي."
غير أن عبارة أزعجتني: "من له الإبن له الحياة"، إذ كنت قد تعلّمت سابقا أن الله لا ولد له. ثم أدركت لاحقا أن المسيح هو إبن الله روحيا وليس جسديّا. فإذا كانت هذه العبارة قد استعملت، فذلك فقط لأنه جاء من قبل الله حسب إنجيل لوقا 1/36: "الروح القدس يحِلّ عليك، وقدرةُ العليّ تظلّلك. لذلك فالقدّوس الذي يولد منك يُدعى ابن الله."
ومن خلال مطالعتي للكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، وجدت النبوءات تقول إن المسيح سيأتي وسيقتل. – المزمور 22، إشعيا 53، وإنجيل يوحنا 12/23-28. لماذا؟ لأن ثمن خطاياي هو الموت، أي الإنفصال الروحيّ عن الله تعالى.
وهنا شعرت بوحي خارق فقبلت المسيح واعتنقت المسيحية. تأكدت أن الله يحبّني رغم كوني إمرأة، فانا ذات قيمة كبيرة في نظره. للمرة الأولى في حياتي شعرت بوجودي وبقربي منه. أدركت أنني أستطيع مخاطبته عبر الصلاة. آمنت بحضوره كخالق قريب جدا من خليقته، قبلني كما أنا، مع الحسنات والسيئات التي تتجسّد فيّ.
وهكذا أخذ الله يغيّر أشياء كثيرة في حياتي، علّمني خاصّة كيف أحبّ الآخرين.
كنت مثلا أكره سابقا المجموعات البشرية التي تعيش متنقلة من مكان إلى آخر (الرحّل)، رغم أنه لم يتسنّ لي معاشرة أفرادها. وعندما سمحت لي الظروف بالتعرف عليهم والاحتكاك بهم، اكتشفت كم هم أناس لطفاء وشرفاء وأسخياء. وفي الفترة التي سبقت كتابة هذه الشهادة بقليل، إعتدى ثلاثة من أفراد هذه المجموعة عاى أحد إخوتي. ومع ذلك لم أضمر أي حقد أو كراهية لهم. إن الرب يحبّ، ويصوّب خطانا ويعلّمنا كيف نغفر لمن أساء إلينا.
بالنسبة لوالدتي التي عاشت حياتها مسلمة صالحة، فكان لديها احترام عميق للمسيح الذي تحبّه. فعندما اعتنقتُ المسيحية لم تفاجأ، خاصة أنني كنت الثالثة بين بناتها اللواتي اتّبعن سيدنا يسوع المسيح. فقد اعتقدت أن الأولى ستدخل الحياة الرهبانية. لذلك لم تغضب لما فعلت بناتها الأخريات. المهم بنظرها أن تكون بناتها محافظات، طاهرات وذات سلوك رفيع ومتسام. وهذا يعني، كما تقول وتردد باستمرار أمام جاراتها: "شرف بناتي محفوظ وشرف العائلة محافظ عليه."
أما الوالد، فبقي صامتا كالعادة. فمرحلة عودته إلى الإسلام مرّت بسلام. أما الآن فيعيش إسلامه بشكل خاص وهادئ. لا همّ له إلا أن نعيش حياتنا كما نريد وأن لا نحدّثه عن تغيير معتقدنا، وهكذا يسير كل شيء على ما يرام.
ما زال أبي وأمي يراقبان حتى الآن تصرفاتنا وأعمالنا وأنشطتنا الروحية بهدوء، دون قلق واضطراب. أما رفيقاتي الجارات، فما زلنا ينظرن إليّ كـ"خائنة" وكافرة. لا أحكم عليهنّ بل أحاول فهم موقفهنّ لأنني كنت سابقا أفكر مثلهن.
أما اليوم، فبينما تعيش البنات اللواتي بلغن العشرين من العمر بسرعة مائة بالمائة في الحياة ومع تطوّر العصر، اخترت أنا العيش مائة بالمائة مع الرب يسوع فقط. لم أتحول إلى مخلوقة متعصّبة، ولكن الربّ احتلّ المكانة الأولى في حياتي. بدأت أرتاد باستمرار إلى الكنيسة رغم حاجتي إلى توضيح مسائل أخرى في حياتي.
لم أعرف حتى ذلك الحين كيف أتصور مستقبلي مع إيماني الجديد. ولكن لحسن الحظ كنت محاطة بعدد لا بأس به من الأشخاص، رجالا ونساء، عاشوا ذات الإختبار ومرّوا مثلي بمرحلة مشابهة. فمع تمسّكي الشديد بمسيحيّتي كنت أعتزّ بأصولي الجزائريّة وما زلت. فحالما شعرت بالحاجة إلى معرفة أفضل للنصوص المقدّسة، تسجّلت في كلية اللاهوت وتابعت الدروس المعمّقة فيها.
وعلى أثر ذلك، أخذت أفكر بمستقبلي في الحياة، فاستغثت بالرّب مبتهلة إليه:
"يا إلهي! لقد بلغت سنّ الزواج. آمل أن أتزوّج رجلا مغربيا، مسيحيّا، نشأ في فرنسا، ويحتلّ يسوع المسيح المكانة الأولى في حياته."
لماذا مغربيّ؟ لا أدري إطلاقا. ولكن الربّ سميع مجيب. بعد مرور سنة على ذلك، تعرّفت على شابّ يُدعى "سعيد"* من المغرب، وهو مسيحيّ يعشق الربّ يسوع. تزوّجنا بعد أن انتهيت من دراسة اللاهوت، وبعد حصوله على إجازة في علم التربية. وقد رزقنا الرب ولدين. ومنذ اعتناقي للمسيحية قبل ثمانية عشر سنة لم يخيّبني الربّ أبدا فأنا سعيدة بمحبته، كما أتمنّى نفس السعادة لكل من أراد السير برفقته.
*سعيد أوجيبو، أصبح قسيسا، وقد أسس في أوروبا "إتحاد مسيحيي إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط"، وقد انعقد أول مؤتمر أوروبيّ لهم في أيار عام 2009، كما سيعقد هذا المؤتمر كل سنتين.
ملاحظة: يضم كتاب "فاطمة أوجيبو" شهادات لخمسة عشر سيّدة كنّ مسلمات سابقا قبل أن يخترن الإيمان بالمسيح. وهنّ: أميرة، عزيزة، فاطمة، خيرة، يمينة، ميلاتيا، خليصة، أمينة، نظيرة، نايلة، فريدة، مينا، سميرة، فاطمة، وليلى.
من أراد الحصول على هذا الكتاب الشيّق يمكنه الكتابة مباشرة إلى الناشر:
Editions de Paris
13, rue st Honoré
78000 Versailles, France
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط