بسام درويش
/
Jul 08, 2003
بعد "الحادي عشر من أيلول" بأسبوعين فقط، دعيت من قبل صديق متدّين لحضور اجتماع أسبوعي يُعقد في كنيسته لدراسة الكتاب المقدس. بصراحة، توقعت أن يكون العمل الإرهابي محور الحديث، ولكني فوجئت بأنه لم يحظَ من المجتمعين إلا بإشارة واحدة تكررت مرتين. كانت الأولى في بداية الاجتماع حين افتتحه رئيس الحلقة بصلاة قصيرة قال خلالها:
"وأنت أيها السيد المخلص، يا من قال وهو على خشبة الصليب، إلهي اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون، أعطنا القدرة ونحن نمرّ في هذه الأوقات العصيبة، كي نقول ونفعل الشيء نفسه. باسمك يا رب ندعو لكي تفتح أعينهم وتجلبهم إليك. آمين"
وكانت الإشارة الثانية حين اختتم أحد الحضور الاجتماع بصلاة قصيرة أُخرى قال خلالها:
"يا رب، أعطهم نعمة الخلاص، وتقبل أرواح الذين ماتوا فداء لهم!"
********
انفضّ الاجتماع وتفرّق الأعضاء ليشكلوا حلقات صغيرة متقاربة يتبادلون فيها أحاديث خاصة أو عامة تتعلق أو لا تتعلق بالدين. دعاني أحدهم للانضمام إلى إحدى تلك الحلقات، وهناك لم أستطع أن أتمالك نفسي عن طرح سؤال كان يراود فكري طوال فترة الاجتماع. قلت: كيف يمكن لإنسان إن يتناسى اعتداءً وحشياً كهذا الاعتداء ويغفر لأصحابه ما فعلوه؟.. أنا لا أشك في إيمانكم بما تقولون، ولكن اسمحوا لي أن أقول بأنني أشك في أنه يمكن لإنسان تطبيق هذا التسامح عملياً.
جاءني الجواب من أحدهم سريعاً، بينما نظر إليّ الآخرون، وعلى شفاههم ابتسامات متشابهة تماماً وكأنهم يريدون أن يقولوا لي الشيء نفسه: وكيف لك أن تقول انك تؤمن بالمسيح إن لم تعِش تعاليمه؟..
********
فترة طويلة من الزمن مضت، أتاني بعدها صديق يحمل لي قصاصة من صحيفة مهجرية عربية، يسألني رأيي بما جاء فيها. كانت المقالة لصاحب الجريدة، يثني فيها على كتابٍ بعنوان "بهذا ألقى الله"، صَدَرَ لأحد أفراد الجالية الإسلامية في كاليفورنيا، وهو الدكتور حسان حتحوت. أما العبارة التي لفتت اهتمام صديقي فكانت تلك التي اقتطعها كاتب المقال من الكتاب، وتقول إنّ: "أفضل خدمة للإسلام في أميركا وفي غيرها من البلاد، مسلمة وغير مسلمة، هو أن يعيشه الإنسان بإخلاص ويحسن عرضه على الناس."
**********
تُرى كيف يعيش الإنسان دينه بإخلاص، وكيف يُحسنُ عرضه على الناس؟
لا شكّ في أننا لو طرحنا هذا السؤال على أي رجلِ دينٍ من أديان العالم، لما وجدنا جواب أحد منهم يختلف عن جواب الآخر: يعيش الإنسان دينه بإخلاص حين يطبّق تعاليمه، وحين يطبّق تعاليمه فإنه بالتأكيد يحسن عرضه على الآخرين!
وهنا نتساءل: هل في الإسلام من تعاليمَ يُمكنُ للمسلمِ إن عاشها، أن يُحسنَ عرضه كدينٍ على الآخرين؟
إنه لمن المتعارف عليه بأنّ الدين ليس كالحزب السياسي حيث يمكن لعضوٍ من أعضائه أن يقف في أحد اجتماعاته، ليطالب بتعديل بعض بنوده. قوانين وأهداف الأحزاب السياسية قابلة للمناقشة وللتعديل، وغالباً ما نسمع عن عضو في حزب من الأحزاب، كالحزب الجمهوري أو الديموقراطي في أمريكا مثلاً، يصوّت ضدّ حزبه، أو يمتنع عن التصويت تعبيراً عن معارضته؛ ومع ذلك، لا أحد يقول عن هذا العضو بأنه لم يعد جمهورياً أو ديموقراطياً. إنه يعيش حزبه بإخلاص ويسعى لتطبيق مبادئه والوصول به إلى أهدافه، ولكنه وفي الوقت نفسه، يرى أنّ قوانينه وأهدافه ليست إلهية، وهي قابلة للتعديل والتطوير حفاظاً على بقاء الحزب.
أمّا الدين، فهو مجموعة مبادئ، لا يملكُ إنسانٌ يدّعي الانتماء إليه أن يختار بعضاً منها ويرفض الأخرى. وكي يعيش الإنسان دينه بإخلاص، عليه أن يطبق مبادئ هذا الدين كلها بإخلاص؛ وخاصة تلك التي تتضمّن الأمر.
انطلاقاً من ذلك، وبناء على ما يزخر به الإسلام من تعاليم عدائية، يمكن أن نرى في دعوةِ الكاتب للمسلمين إلى حسنِ عرض الإسلام، تشجيعاً على الخداع، إذ أنها تعني دعوةً إلى عرضَ الإسلام بصورة مغايرة لواقع تعاليمه. هذا الخداع، على كل حال، لربما كان ناجحاً إلى حدٍّ ما قبل الحادي عشر من أيلول، أما من بعده، فقد أصبح واضحاً بأن المسلمين لم يعودوا بحاجة للسعي وراء أحد كي يعرضوا عليه الإسلام، إذ وعلى العكس تماماً، أصبح الناس يسعون وراء الإسلام، يبحثون في كتبه عن سرّ هذه التعاليم التي باتت تقضّ مضاجعهم.
أما عن الشقّ الأوّل من العبارة، والتي دعا فيها الكاتب المسلمين في أمريكا أن يعيشوا دينهم بإخلاص ـ وبناءً على ما نعرفه من سعة اطّلاعه الديني ـ فإنه لم يُبقِِ لنا مجالاً للشكّ في أن دعوته هي دعوة صريحة للمسلمين لإرهاب وتدمير هذا البلد.
************
تُرى كيف يمكن لمسلمٍ أن يعيش دينه بإخلاص إذا لم يطبّق ما يأمره به القرآن بأن لا يتخذ من اليهود أو المسيحيين صاحباً له، وأن لا يأمن لأحدٍ منهم: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولاَّهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين." (آية 51 سورة المائدة)
كيف يمكن لمسلمٍ أن يعيش دينه بإخلاص إن لم ينظر إلى كل من خالفه الرأي كعدوّ يجب قتاله حتى يؤمن بما آمن هو به أو أن يدفع الجزية وهو يشعر بالذل: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون" (آية 29 التوبة)
كيف يمكن للمسلم في أمريكا أن يعيش دينه بإخلاص وهو يخدم في صفوف قواتها المسلحة، أو في أحد أجهزتها الأمنية أو السياسية، أو حتى وهو يقطن منزلاً بجوار مسيحي أو يهودي؟..
لقد رأينا كيف عاش تسعة عشر مسلماً إسلامهم بإخلاص، يوم اختطفوا طائرات مدنية تمتلئ بالكفار ليفجّروها ويقتلوا بها بضعة آلاف آخرين من الكفار.
رأينا كيف عاش رجل المخابرات المسلم إسلامه بإخلاص، حين رفض أن ينصاع لأوامر إدارته بتسجيل حديث بين مسلمين يُشتبه بهم، وكان سبب رفضه هو أن المسلم لا يتجسس على مسلم!..
رأينا كيف عاش جندي أمريكي مسلمٌ إسلامَه بإخلاصٍ، عندما رمى القنابل على رفاقه في السلاح في معسكر لهم بالكويت، فقتل منهم من قتل وجرح من جرح. هذا الجندي لم يستطع أن يقاوم حتى النهاية تعاليم دينه التي لا تسمح له أن يقتل مسلماً لنصرة كافر.
رأينا كيف عاش المتأسلم خوسيه باديللا إسلامه بإخلاص تام، حين كافأ البلد الذي آواه وأطعمه ومنحه الجنسية، بالتخطيط لقتل سكانه بالأسلحة الجرثومية.
رأينا كيف عاش جوني ووكر إسلامه بإخلاص بعد أن ترك المسيحية، فتحوّل إلى إرهابي يعمل في صفوف أعداء أمته.
رأينا كيف عاش المتأسلم ريتشارد ريد إسلامه بإخلاص، حين كتب إلى أمه رسالة قال فيها، إنه في طريقه إلى إرهاب الأمريكيين كي يجبرهم على الخروج من أراضي المسلمين!.. حشا حذاءه بالمتفجرات وركب طائرة مدنية وانطلق برعاية إلهه ليقضي على ركابها الكفار.
في الحقيقة، إن كثيراً من المسلمين، في البلاد المسلمة وغير المسلمة، يعيشون إسلامهم بإخلاص، ولذلك فدعوة السيد حتحوت ليست موجهة لهم. فهاهُمُ في الجزائر يناضلون من أجل قيام دولة إسلامية، حيث ذهب حتى الآن ضحية نضالهم ما يزيد عن المئة ألف إنسان. هاهمُ في فلسطين وإسرائيل يعيشون إسلامهم بتفجير أنفسهم في الباصات وفي المقاهي ودور السينما والمطاعم. هاهم في باكستان وماليزيا وإندونيسيا يحرقون الكنائس والمستشفيات على رؤوس الكفار، وبذلك يعيشون إسلامهم بإخلاص ما بعده إخلاص، ويحسنون عرضه بأمانة ما بعدها أمانة!
دعوة السيد حتحوت ليست موجهة إلى هؤلاء، بل إلى الذين لا زالوا لا يعيشون إسلامهم بإخلاص كامل، وعلى وجه الخصوص إلى مسلمي أمريكا. ولنا أن نتصوّر وضع هذا البلد إذا استجاب كل مسلميه لهذه الدعوة بإخلاص وأحسنوا من ثمّ العرض!..
************
عدتُ بذاكرتي إلى ذلك الاجتماع الذي دعيتُ إليه في قاعة الكنيسة، ولكني لن أكتفي بالعودة إليه بذاكرتي فقط.
سأعود إليه وسأقف لأقول: عيشوا دينكم بإخلاص.. كذلك هم يفعلون. لكنْ، حين يأتي يوم يحسنون فيه عرض دينهم، لن يبقى من ذرّيتكم مَن يعيشُ ليحسنَ عرض دينه!..
************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط