مرت يوم 7 تموز/يوليو الجاري الذكرى الأولى لتفجيرات قطارات الأنفاق في لندن والتي قام بها أربعة من الشباب المسلمين وراح ضحيتها 52 قتيلاً ونحو 700 جريحاً. وقد أحيت المملكة المتحدة، شعباً وحكومة، هذه الذكرى الأليمة بمنتهى المهابة والاهتمام والتقدير وذلك لأسباب كثيرة، منها لتخليد ذكرى شهدائهم ومواساة ذوي الضحايا، واستخلاص الدروس والعبر من هذه الكارثة، وماذا كان تأثير هذه الأعمال الإجرامية التي يسمونها جهاداً على حياة الشعب البريطاني بصورة عامة، وماذا كسب الإسلام والمسلمون من الإرهاب؟ وهل أثر هذا الإرهاب على الناس في استخدام قطارات الأنفاق؟ وأخيراً، يطرح السؤال المهم التالي: لماذا أقدم هؤلاء الشباب المسلمون على قتل أنفسهم وقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء؟
طبعاً، لم يحقق هذا الإرهاب أي هدف من أهدافه، إذا كانت له أهداف ما عدا قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء. فالشعب البريطاني بعد أيام قليلة من الكارثة عاد إلى حياته الطبيعية وخاصة في استخدام قطارات الأنفاق. وسياسة الحكومة البريطانية، الداخلية والخارجية، لم تتغير، والاقتصاد البريطاني بقي قوياً. ومن ناحية السياحة فقد ازداد عدد السياح القادمين إلى بريطانيا بنسبة 7% عن العام السابق، ولم يتأثر الشعب البريطاني كثيراً في ممارسة حياته الطبيعية، بل ازداد عزيمة وإصراراً على مواجهة الإرهابيين بحزم. فخلال هذا العام ارتفعت يقظة الشعب والإعلام ورجال الأمن إزاء هذه المشكلة، حيث استطاع المختصون بالأمن إبطال أكثر من 40 محاولة إرهابية وتم إلقاء القبض على المتهمين بها وكشف المزيد من شبكات الإرهاب.
أما ماذا كسب الإسلام والمسلمون من جراء هذه الأعمال؟ فالنتائج كانت معكوسة على الذين خططوا لها، فقد ازدادت الشعوب الغربية حذراً وريبة من الجاليات الإسلامية في الغرب وصار السكان الأصليون يفضلون عدم مجاورة المسلمين في الأحياء السكنية، ويعتبرون الإسلام دين يدعو إلى العنف لفرض تقاليد وعادات المسلمين على المجتمعات الغربية عن طريق الإرهاب. ولكن السؤال المهم الذي خصصنا هذا المقال للإجابة عليه هو: لماذا ضحى هؤلاء الشباب بحياتهم في سبيل قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء؟
لقد بذل معارضو الحرب على العراق وأفغانستان أقصى جهودهم في سبيل ربط تفجيرات لندن بهاتين الحربين واعتبارها انتقاماً من الشعب البريطاني على مشاركة حكومته في هذه الحرب. ولكن لو تأملنا ما جرى من إرهاب ضد الدول الغربية الأخرى خلال العشر سنوات الأخيرة لوجدنا أن هذا الادعاء لا يمكن أن يصمد أمام أية مناقشة عقلانية رصينة وذلك كما يلي:
1 ـ بات من المؤكد أن معظم الإرهابيين الإسلاميين لهم علاقة بمنظمة القاعدة. وهذه المنظمة قامت بأعمال إرهابية ضد مصالح الغرب في مختلف مناطق العالم وبالأخص ضد أمريكا قبل قيام الأخيرة بشن الحرب التي أسقطت نظام حكم الطالبان في أفغانستان وحكم البعث في العراق. حيث قامت جماعة إسلامية وبتعليمات وتحريض من الشيخ عمر عبدالرحمن بتفجير مركز التجارة الدولي بنيويورك عام 1993. كما وقامت جماعة أخرى من القاعدة بضرب السفارة الأمريكية في كل من نايروبي ودار السلام عام 1998. كذلك كارثة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن والتي راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف من الأمريكيين ومختلف الجنسيات والتي كانت نقطة تحول في موقف أمريكا من الإرهاب والدول المارقة التي ترعى الإرهاب. والجدير بالذكر أن أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، أعلن مسؤوليته عن هذه العملية، متباهياً بقيام منظمته بهذه "الغزوة المباركة" وتحقيق النصر المبين على "الكفار". ومع ذلك يصر العرب المدمنون على نظرية المؤامرة على أن كارثة 11 سبتمبر كانت مؤامرة صهيونية قامت بها الموساد وبمشاركة السي آي أيه، أو على الأقل كان رجال الاستخبارات الأمريكية على علم بها ولكنهم سمحوا لها أن تحصل من أجل إلقاء اللوم على العرب وإيجاد الذريعة لأمريكا لشن "حرب صليبية" جديدة على الإسلام والمسلمين!! لقد أثبت الزمن بطلان هذه الادعاءات الخرافية التي هي نوع من المرض السياسي العربي العضال.
2 ـ هناك دول عديدة في العالم تعرضت للإرهاب مثل: فرنسا وروسيا، وحتى الإسلامية مثل: إندونيسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر والجزائر والمغرب، دون أن تؤيد هذه الدول الحرب على العراق ولم تشارك فيها بل وحتى عارضتها. ومع ذلك لن تسلم هذه الدول من الإرهاب.
3 ـ وقعت موجة من التفجيرات في قطارات الأنفاق في باريس في التسعينات من القرن الماضي من قبل الإرهابيين المسلمين، رغم محاولات الحكومة الفرنسية استرضاء المسلمين من سكانها ومواصلة علاقتها الحميمة مع الدول العربية والإسلامية ولكن دون جدوى.
ونستنتج من كل ما تقدم، أن جميع هذه الأعمال الإرهابية وقعت قبل الحرب على نظامي الطالبان والبعث وليست بعدها. وهذا الاستنتاج يفند ادعاءات معارضي الحرب على العراق وأفغانستان في ربط تفجيرات لندن بهذه الحرب. وكذلك نفهم أن قيام أمريكا وبريطانيا وحلفائهما بشن الحرب على أفغانستان والعراق وإسقاط النظامين المتخلفين الإجراميين فيهما كان نتيجة للإرهاب وليس السبب له. فالإرهاب على الغرب حصل أولاً وكان مقرراً مسبقاً وذلك كاستراتيجية ثابتة لمنظمة القاعدة الإرهابية وفق شعار تقسيم العالم إلى: (دار حرب ودار سلام!)
إذنْ لماذا قام هؤلاء الشباب بتفجير أنفسهم وقتل الآخرين؟
الجواب على ذلك يتطلب من الحريصين على الإسلام دراسة المشكلة دراسة موضوعية بعيداً عن العاطفة والتحيز، بعيداً عن مبدأ: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، بعيداً عن تهمة التكفير والتخوين وغيرها من التهم التي باتت مثيرة للسخرية وعفا عليها الزمن. فلا بد من وجود تعاليم ونصوص دينية مقدسة ينفرد بها الإسلام دون غيره تدعو إلى العنف، ويقوم أئمة المساجد بحشو عقول الشباب بها وإثارة حماسهم وغسل عقولهم ودفعهم لارتكاب الإرهاب واعتباره جهاداً وفرض عين على كل مسلم ومسلمة وأنه أقصر طريق لكسب مرضاة الله والدخول إلى الجنة. لقد أثبتت التحقيقات التي قامت بها المخابرات البريطانية أن ثلاثة من الأربعة الذين قاموا بتفجيرات لندن كانوا قد ذهبوا إلى باكستان والتحقوا بالمدارس الدينية هناك حيث تم إعدادهم للقيام بهذه الجريمة.
إن مروجي الإرهاب من أئمة الموت يعتمدون على نصوص من القرآن والسنة في إثارة الحقد والبغضاء والعداء ضد غير المسلمين "الكفار" بل وحتى ضد بعض المذاهب الإسلامية مثل الشيعة، واعتبار قتلهم واجب على المسلمين يحقق لهم الفوز بالجنة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نعيد هنا ذكر بعض الآيات وحديث نبوي واحد وتعليق واحد من مرجع ديني سلفي وهابي، لنثبت كيف ينجح هؤلاء في دفع الشباب إلى الموت.
أولاً، آيات القتال أو السيف:
تقول الآية بكل وضوح: "الدين عند الله الإسلام ومن يأتي بغير الإسلام ديناً لن يقبل منه." و"أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال" (الانفال:65). "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الانفال:60). "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم" (البقرة:216). "وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم" (البقرة: 244). "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم" (البقرة: 191). "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" (التوبة: 13). "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون بدين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة:28). "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا. والله اشد بأسا وأشد تنكيلا" (النساء:84). هذه وغيرها كثير من الآيات لا بد وأنها أنزلت استجابة لسياق تاريخ معين، ولكن فقهاء الإسلام يستخدمونها اليوم لتحريض الشباب وتجنيد منظمات الإرهاب. لذلك فالمطلوب من أهل الحل والعقد في الإسلام إعادة النظر في هذه الآيات وكيفية التعامل معها لا تطبيقها في هذا العصر وبشكل أعمى.
ثانيا، الحديث:
للإيجاز، اكتفي بنقل حديث واحد ولا شك أن هناك الكثير منه وبنفس المعنى وألفاظ أخرى. إذ ينقل عن الرسول (ص) قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (الجامع لأحكام القرآن، سورة التوبة، الآية 5)
ثالثاً، تعليق رجل دين:
كما وأكتفي أيضاً بنقل تعليق واحد من رجل الدين، الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء في السعودية وأكثرهم غزارة في التأليف)، وبالتأكيد هناك جيش عرمرم من أمثاله من التكفيريين والمحرضين على الإرهاب. فيؤكد الفوزان في كتابه بحق اليهود والنصارى والشيعة قائلاً:
1) إن اليهود والمسيحيين هم مشركون وكفار.
2) يجب قتال اليهود والمسيحيين حتى يسلموا.
3) دماء وأموال وأعراض اليهود والنصارى مباحة وأن يتخذوا عبيداً.
4) إن من لم يكفرهم فهو كافر، وينطبق عليه ما ينطبق عليهم.
إن فكر الفوزان هو من صميم الفكر السلفي الذي لم يسلم منه كتابي أو مسلم، فكل الناس ينقسموا إلى قسمين، ماعدا أصحاب "المذهب السلفي"، فاليهود والنصارى ليسوا أهل كتاب، بل كفار ومشركون ويجب قتالهم حتى يسلموا، وإن الجنة حرام عليهم، ودمهم ومالهم وأهلهم مباحون "لأهل التوحيد" وأن يتخذوهم عبيداً (ص93-95، عقيدة التوحيد). والقسم الآخر من المسلمين، هم كذلك مشركون ومبتدعة، ولكن ممن "يتظاهر" أو يشهد بأن لا إله إلا الله، وإن محمداً رسول الله. فهؤلاء مبتدعة، شيعة، روافض، قبوريون، جهمية، معتزلة الخ. فهؤلاء أيضاً يجب قتالهم وهم مشركون شرك أكبر ويحل مالهم ودمهم وأهلهم "لأهل التوحيد". (علي فردان، مكاشفات في فكر صالح الفوزان ، الحوار المتمدن)
هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتعليقات رجال الدين وغيرها كثير، هي السبب الأساسي في دفع الشباب إلى ارتكاب جرائم تفجيرات لندن وليس لأن بريطانيا شاركت في الحرب على الطالبان في أفغانستان والعراق. وهذا الإرهاب في قتل الأبرياء في العالم بشكل عشوائي أعمى يحصل الآن في معظم أنحاء العالم وتحت مختلف الذرائع. لذلك نعيد الدعوة مرة أخرى وفي المرات القادمة أيضاً، أنه على العقلاء من مشايخ المسلمين الحريصين على الإسلام وأمن العالم أن يعيدوا النظر في النصوص الدينية التي تدعو إلى العنف وإعادة تفسيرها بما ينسجم مع متطلبات العصر. ولا يكفي الصراخ على الكتاب الليبراليين وكل من يطالب بالإصلاح باتهامه بالكفر والخيانة والعمالة لـ"الصليبية والصهيونية الحاقدة" ودفن الرؤوس في الرمال. وإذا اكتفى هؤلاء المشايخ والمتأسلمين بإلقاء اللوم على غيرهم وتركوا الإصلاح، فإن مزيداً من الكوارث على الأبواب ولذلك يجب أن لا يلوموا إلا أنفسهم.
فهل من مجيب؟
(يتبع)
==============
http://www.sotaliraq.com/Dr-Abdulkhaliq-Hussein.html
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط