بسام درويش
/
Jul 14, 2018
ليس هناك من حوارٍ يصحّ وصفه بحوار الطرشان أكثر من حوار الأديان الذي ما برِحنا نسمع رجالَ الدين من مسلمين ومسيحيين يدعون إليه. وكل مرة أسمع فيها عن دعوة لحوار كهذا، أقف متسائلاً عن القصد من الدعوة. هل القصد منها إيجاد تعايش بين أبناء الدينين، أم أنه سعيٌ لإيجاد تفاهمٍ وقاعدة مشتركة بين الدينين أنفسهما؟ أما السؤال الآخر فهو، لماذا تقتصر هذه الدعوة للحوار على المسلمين والمسيحيين فقط؟ هل مشكلة المسلمين أو الإسلام هي فقط مع المسيحيين، أم أنها مع أتباع كل الديانات في العالم، لا بل حتّى بين الطوائف الإسلامية نفسها أيضاً.
**********
إذا كان القصد من الدعوة إلى الحوار هو الوصول إلى اتفاق بين المتحاورين ينصّ على احترام حقوق مختلف أتباع الأديان وإلى إيجاد سبلِ تعايشٍ أفضل بينهم، فهناك ميثاقٌ دولي يُعرَفُ بــ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛" وهو يغني بشكل قاطعٍ عن كل هذه الدعوات السخيفة والاجتماعات البهلوانية. هذا الميثاق، يتضمن دعوةً إلى احترام جميع حقوق الإنسان، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تتخلّف معظم الدول العربية والإسلامية عن التوقيع عليه، أمّا تلك التي وقعت عليه من بينها، فلم يكن توقيعها إلا حبراً على ورق لأنها عجزت ولا زالت عاجزة عن التوفيق بين نصوصه الحضارية وتعاليم الإسلام المتصلبة المتخلفة.
تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن جميع الناس متساوون في الكرامة والحقوق، وأنهم قد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يُعاملَ بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
وهذا أمرٌ يفتقر إليه جميع الناس في الدول العربية والإسلامية بشكلٍ واضح، حيث لا تساوٍ في الكرامة أو الحقوق إطلاقاً، وحيث كُبِّلَ العقلُ وفسدَ الضمير، ناهيكم عن خرافة روح الإخاء التي لم يعرفها أبناء الدين الواحد فيما بينهم منذ تأسيسه وحتى اليوم، فكيف لهم أن يعرفوها أو يمارسوها مع مسيحيين أو يهود!
وتنصّ المادة الثانية من الإعلان على أنّ لكل إنسان حقّ التمتعِ بكافة الحقوق والحريات الواردة فيه، دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.
وهذه حقوق تفتقر إليها المجتمعات العربية والإسلامية، وهي حتى لو أقرّتها، فإنها لن تطبقها لأنها ستتناقض مع المصدر الرئيسي للتشريع فيها وهو دين الإسلام كما تنص عليه دساتيرها كلها. هذا الدين الذي يحلل اقتناء العبيد والإماء ويمتهن كرامة المرأة ويحرمها من كل حقوقها وينظر إليها على أنها ناقصة عقل ودين، ويحرم الإنسان بشكل عام من حقه في التعبير والنقد واختيار المعتقد، ويشجّع على كراهية كل من هو ليس بمسلم باعتباره عدواً للإسلام والمسلمين.
وتنص المادة الخامسة والتاسعة والحادية عشر من الإعلان على أنه لا يجوز تعريض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة بالكرامة؛ أو القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً؛ وعلى أنّ كل شخصٍ متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية.
وهذه أيضاً حقوق مفقودة في معظم الدول العربية والإسلامية حيث لا زالت حياة البشر تتوقف على رأي مفتي لا يعرف من القوانين إلا ما جاء بها القرآن أو كتبها البخاري، وحيث لا زالت جرائم الشرف تمر دون عقاب؛ وحيث يُقبض على الناس تعسفاً ويُدانون بأوامر من الحاكم قبل القضاة، أو يتعرضون لعقوبات وحشية على الملأ كبتر أطرافهم أو قطع رؤوسهم أو جلدهم أو رجمهم.
وتنص المادة السادسة عشر من الإعلان على أن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوّج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين، وأنه لا يجوز إبرام عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضىً كاملاً لا إكراه فيه.
وهذه أيضاً حقوق ترفضها المحاكم والمجتمعات الإسلامية حيث يُعتبرُ الحب بين إثنين من دينين مختلفين جريمة لا تُغتفر، وحيث يُزوَّج الأطفال قبل البلوغ وبرضى الأوصياء عليهم فقط.
*************
ما أتيت على ذكره لم يكن إلا نبذة صغيرة فقط عن تعارض القوانين والأعراف في الدول الإسلامية، وعلى رأسها السعودية، مع معظم - إن لم نقل كلَ - ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لكنّ هذه الدول، وبعد ما يزيد عن ثلاثين سنة من صدور الإعلان، وكي لا تظهر أمام العالم وكأنها لا تأبه أبداً لحقوق الإنسان، فقد دعت إلى عقد مؤتمر في القاهرة سنة 1990 عُرف بــــ "مؤتمر العالم الإسلامي" لتطلع من خلاله على العالم بإعلان خاص بها دعته "إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام" والذي جاء مشابهاً للإعلان العالمي في إخراجه ومخالفاً له في كلّ مضمونه، حيث قيّد المجتمعون كل حقوق الإنسان بالشريعة الإسلامية، وجعلوا كلّ ما خالفها مرفوضاً وباطلاً.
************
بناء على كل ما تقدّم، أعود لأتساءل عن جدّية هذه الدعوات والاجتماعات التي لا نفتأ نسمع عنها من مسؤولين دينيين مسلمين ومسيحيين لعقد حوار لا يحق وصفه بـــ "حوار الطرشان" فقط إنما أيضاً "حوار منافقين."
هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى، فإذا كان يُقصد من هذه الدعوة إجراء حوارٍ بين الأديان لإيجاد أرضية مشتركة بينها، فهي لعمري دعوةٌ أعظم سخفاً ونفاقاً، وهي دعوة سبق وأن جرّبها محمد مع المسيحيين واليهود حين دعاهم إلى "كلمة سواء" بينه وبينهم، وكانت دعوته أن يعودوا عن "كفرهم" ويؤمنوا بالله الذي يؤمن هو به، وأن إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً إنما حنيفاً مسلماً... أي، وبعبارة أخرى، كان يقصد بالحوار أن يتبعوه ويصبحوا مسلمين! (سورة آل عمران: 59 – 80).
إنّ الصورة الأولى التي تخطر بفكري عن جلسات حوارٍ كهذه، هي صورة غرفةٍ تتوسطها طاولة مستطيلة، يجلس على طرف منها المسيح وتلاميذه، يحمل كل منهم عرق زيتون وفوقهم علم تتوسطه حمامة، وعلى الطرف الآخر يجلس محمد وأصحابه يحمل كلٌّ منهم سيفاً وفوقهم راية تتوسطها عبارة "لقد جئتكم بالذبح."
===================
=============
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط