تناقلت عدداً من الصحف اليومية قبل أيام خبراً يتعلق بالصومال مفاده: أن الشيخ عبدالله علي المؤسس للمجلس الإسلامي الأعلى في الصومال أعلن لدى تدشينه محكمة إسلامية جديدة في حي غوبتا الواقع جنوب مقديشو أن "كل شخص لا يؤدي الصلاة يعتبر كافراً وتأمر أحكام الشريعة بقتله" وأضاف، "أن الشريعة تأمر بقتل أي مسلم لا يؤدي الصلاة.."
ومن المعروف أن المحاكم الشرعية تسيطر على مقديشو وثلاث مناطق ونصف من أصل 18 منطقة في الصومال التي تشهد كما هو معروف أيضاً حرباً أهلية منذ العام 1991، وأعلنت المحاكم الشرعية إنها تريد فرض الشريعة على كامل الأراضي الصومالية..
لا أدري في الحقيقة ما الذي يدعو إلى الحيرة في هذا البلد المنكوب، الحرب الأهلية المدمرة والصراعات القبلية الفتاكة، أم دخول الصومال في عهد الأسلمة والشرعنة والأصولية المتزمتة..
هذه الفتوى التي يعمد المجلس الإسلامي الصومالي الأعلى على تنفيذها بداية لدخول الصومال نفق الأصولية المقيتة على النمط الطالباني الظلامي، وكأن الصومال تنقصها فقط أن تدخل النادي الأصولي بامتياز لتبرهن على إنها دولة متخلفة من النوع الذي لا تنفع معها كل أساليب الحياة العصرية الحديثة..
فهل يعقل أن بلداً في هذا العصر يصدر فتوى تأمر بقتل الشخص (المسلم) وتعلن عن كفره لمجرد أنه لا يؤدي الصلاة في انتهاكٍ صارخ للحرية الفردية وقداسة الذات الإنسانية..
وكيف يعقل في ظل انتشار حقوق الإنسان وثقافة المجتمع المدني في الدول التي تحترم اختيار الفرد وتحترم حريته، أن تقوم في المقابل محاكم التفتيش الدينية في دولة كالصومال للتدخل السافر الهمجي في نوايا الناس ومعرفة إن كانوا يؤدون الصلاة أم لا..!!
وفي ظل هذه الفتوى لا نعلم هل الصلاة التي يؤديها الفرد المسلم هي للناس، أم إنها للرب الذي يعتقد أنه الوحيد الذي يجب أن يتوجه له بالصلاة، وهل انتهت كل مشاكل الصومال لتتفرغ الآن لإصدار هذه الفتاوى العجيبة..
في بلد مثل الصومال حيث تعصف به شرور الصراعات القبلية على السلطة وتفتك به الأمراض والأوبئة والفقر، ويعاني من التشرذم وانتشار السلاح، ويُقتل فيه الإنسان لأسباب تافهة، وتنعدم فيه الحريات وحقوق الإنسان وثقافة المجتمع المدني، فهل ما ينقص هذا البلد فقط أن تعلن إنها بصدد قيام الدولة الإسلامية، وإصدار الفتاوى من هذه النوعية لتدخل تبعاً لذلك عهد الوصاية الدينية المقيتة على تصرفات الناس وميولهم ومعتقداتهم وحريتهم الفردية..
ولا أدري حقيقة، لماذا كلما كان المجتمع متخلفاً في كل النواحي ويسير نحو الهاوية يرجع إلى التمسك بالأصولية الدينية، ولا يحاول أن يعرف أن سبب بلائه وتأخره ومشاكله إنما بسبب تشبثه اللامعقول بالهوس الديني وتعلقه الشديد بالمظاهر الدينية الشكلية التي لن تحل له مشاكله أبداً، فضلا عن إنها لا تصنع له مستقبلاً مزدهراً..
ولا نعرف لماذا لا تعمل الجماعات الدينية في الصومال على إيجاد الحلول لظاهرة التقاتل القبلي والاحتراب العشائري الذي أخذ يفتك ببلدهم بدلاً من الانشغال بإصدار هذه الفتاوى التي لن تزيد الصومال إلا تخلفاً وانحداراً ورجوعاً لزمن المحاكم الدينية التفتيشية كالتي كانت شائعة في عصور الظلام الأوروبي..
متى سيفهم المسلمون أن علاقة الإنسان بربه شأن خاص به ولا يجوز لأحد التدخل في هذه العلاقة أياً كان ومها كان موقعه!
************
محمود كرم، كاتب كويتي tloo1@hotmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط