رالف بيترز
/ ترجمة بسام درويش
/
Mar 30, 2003
تعبّر شبكات التلفزيون العربية عن إعجابها في هذه الأيام وهي تنقل لمشاهديها صور الأسرى الأمريكيين الذين أعدمهم لصوص صدام حسين. هذه الشبكات، لا تفتأ تنشر كل كذبة عراقية كما وأنها تتضمن الحقيقة المطلقة، بينما في الوقت نفسه، تنقل بسخرية، أي خبر يتعلق بنجاح عمليات قوات التحالف. إنهم يَعِدونَ مشاهديهم بأنّ العراق سيكون المنتصر في هذه الحرب. لكنَّ هؤلاء، بعملهم هذا، لا يخدعون في الحقيقة إلا شعوبهم، وبذلك يعدّونهم لكارثة نفسية.
ردّنا على هذه الظاهرة المشبعة بالأكاذيب والتي تعم العالم العربي هو الغضب. إننا نعلن استياءنا لتمجيدهم البذيء لجرائم الحرب. يصعب علينا أن نفهم كيف يمكن لأيّ إنسان كانَ أن يصدق هذه الروايات الخيالية البشعة المعدّة لإقناع البالغين من الناس.
نصيحتي هي أن نتجاهل العرب. إنه لمضيعة للوقت أن نعير أي اهتمام لما تبثه محطاتهم التلفزيونية من أخبار كاذبة، أو أن نهتم لمظاهر الغضب في الشارع العربي. فنحن لا يمكننا إقناعهم، كما وليس بإمكاننا أن نجبرهم على التغيّر.
أفضل شيء نقوم به ـ حتى من أجل مصلحة العرب أنفسهم ـ هو أن نمضي قدماً ببرنامج التحرير الأمريكي.
إن أهمّ أمرٍ يجب على الأمريكيين أن يفهموه، هو أنه لا شأن لنا بهذا الغضب العقيم الذي يعم العالم العربي. فمردّ هذا الغضب، هو روح الشرّ التي يعانون منها في داخل نفوسهم.
السخافات التي تنشرها وسائل إعلامهم الإذاعية أو المطبوعة في كل مكان من العالم العربي، هي في الحقيقة دلائل واضحة على إفلاس معنوي لثقافة تمتعت بالعظمة في وقت ما من التاريخ، إضافة إلى أنها دليلٌ على شمولية الفشل العربي. لقد تحوّلت قصص ألف ليلة وليلة إلى أحلام رهيبة.
إن عجز العالم العربي عن منافسة الغرب في أي حقل من الحقول (والذي سيتمثل في النهاية بفشلهم حتى في حقل الإرهاب) قد أصبح عاملاً مدمراً للنفسية العربية إلى درجة يجعلهم يبحثون بيأسٍ عن أي طرف، ينحون عليه باللائمة لما جلبوه على مجتمعهم، هم وقادتهم غريبي الأطوار.
على العرب أن يقلعوا لبرهة عن اللجوء إلى الأعذار التي ينسبون بها الفساد السياسي للولايات المتحدة وطبعاً لإسرائيل، وأن يقوموا عوضاً عن ذلك بعملية فحص للذات، وأن يسألوا أنفسهم، "هل حقاً أننا قد أخفقنا هذا الإخفاق المريع؟"
إنهم يفضلون أن ينحوا باللائمة على غيرهم، وأن يسيروا نياماً عبر التاريخ، وأن يهللوا لطُغاتهم وللإرهابيين الذين "يثأرون" لهم.
العرب يعرفون تماماً أن صدام حسين وحشٌ غريب. يعرفون أنه قتل من العرب ما يفوق بكثير عدد الذين قتلتهم إسرائيل. إنَّ صدام هو أسوأ حاكم ابتليت به بلاد الرافدين منذ اليوم الذي دمّر فيه المغول مدينة بغداد. ولكن ما يشعر به العرب من إحباط وغيرة قد دفعهم إلى تضخيم صدام وجعله بطلاً. ليس لديهم غيره!
لنا أن نتصوّر مقدار ما وصل إليه العالم العربي من الانسحاق، وبالتالي مقدار ما أصبحوا بحاجة إليه من الرثاء، إذا كان "النصر" الذي يطمحون للاحتفال به في هذه الحرب، يتمثل بعملية إعدام الأسرى التي تمت ببرودة أعصاب كاملة، أو بمرأى بعض أسرى الحرب على شاشة التلفزيون.
سنكون حمقى لو نزلنا بأنفسنا إلى مستواهم وإلى هذا الشعور الدنيء. إن العالم لَيكونُ في وضع أفضل لو كان هناك حضارة عربية ناجحة. علينا جميعاً أن نصلّي كي يُقدَّرَ لهذا العالم العربي ذات يوم، أن يخضع لحكومات أكثر عدلاً، وأيضاً أن ينضمّ العرب إلى مسيرتنا على طريق التقدم الإنساني، عوضاً عن الهروب من الحاضر للعيش في أحلام الماضي.
لكن العوائق التي أقامها العرب أمام أنفسهم هي هائلة. دعونا نتأمل في الوضع العام للعالم العربي رغم مدخول البلدان العربية الغنية العظيم من أموال النفط:
· ليس هناك صناعة واحدة في العالم العربي تتميز بخاصّية كافية لكي تمنحها مكاناً في السوق العالمية.
· إنتاجية العرب هي الأكثر انخفاضاً في العالم.
· ليس في العالم العربي ولا حتى جامعة واحدة على مستوى الجامعات العالمية المرموقة.
· ما عُرفَ به العالم العربي من تشجيع للعلوم في فترة ما من تاريخه، انحطّ اليوم ليشمل بضعة أبحاث في حقول الأسلحة الكيماوية والجرثومية.
· ليس هناك دولة عربية ذات حكم ديموقراطي حقيقي.
· ليس هناك دولة عربية تحترم بصدق حقوق الإنسان.
· ليس هناك دولة عربية فيها وسائل إعلام مسؤولة.
· ليس هناك دولة عربية تحترم بشكل كامل حقوق المرأة والأقليات.
· ليست هناك حكومة عربية أعلنت ذات يوم عن اعترافها بمسؤوليتها عن أخطائها.
في عالمنا هذا، المساعدة يجب أن تنطلق من النفس قبل أن تأتي من الغير. نحن لا يمكننا أن نفرض على الدول العربية أن تحسّن نفسها، وإذا كان العرب يفضلون أن يحلموا بانتصارات خيالية بتورّطهم في هذه النوبات الهمجية، فإنهم لن يكونوا بالنتيجة إلا ضحايا أنفسهم.
هل هناك أي أمل؟ نعم: إنه العراق.
لكن، في حين يجب أن يكون بناء عراق الغد بيد العراقيين أنفسهم، سنكون حمقى إن لم نقدّم لهم كل مساعدة معقولة.
إن العراقيين، باحتياطاتهم النفطية، وبنسبة عدد المثقفين بين أوساطهم، وبما يتمتعون به من نظرة مستقبلية متطوّرة، (بالمقارنة مع غيرهم من العرب) هم في الحقيقة أفضل أملٍ تملكه شعوب المنطقة لبناء دولة صحّيةٍ وعصرية.
الأمر لن يكون سهلاً، بل سيتطلب سنوات وليس شهوراً. لكن العراقيين يملكون الفرصة للشروع في إعادة خلق حضارة عربية طال انتظارها.
أما عن هذا الصراخ والأيدي المرفوعة الملوّحة في العالم العربي، فلا مفرّ من مواجهة الحقيقة والقول بأن العرب يعيشون عقدة نقص. إنهم يخافون بأنهم لن يستطيعوا بناء دولة عصرية ناجحة، ناهيك عما ستحمله العصرنة معها من مجتمعٍ مبني على المعلومات والمعرفة.
إن العراق، حتى لو استطاع أن يكون دولة ديموقراطية مزدهرة إلى حد ما، ومحترمة لحقوق الإنسان، فإنه لا بدّ وأن يكون عامل إلهامٍ لبقية دول المنطقة القريبة أو البعيدة منها.
العالم العربي بحاجة ماسة إلى تجربة ناجحة. لذلك، دعونا نأمل، ولمصلحة مئات الملايين من أخوتنا في الإنسانية في الشرق الأوسط، أن يكون العراق هو المثل.
هذا العالم العربي سيتعرّض قريباً إلى هزّة، ووسائل الإعلام العربية، بتجاهلها المفضوح لجرائم صدام حسين وبما تطلقه من وعود بنصر عربي قريب، إنما تقدم للعرب جميعاً أسوأ خدمة.
تصوّروا الصدمة التي سيشعر بها العالم العربي بعد أن يموت صدام حسين ويبدأ الذين عانوا من ظلمه برواية قصص عذابهم في ظل حكمه. ماذا سيفعل العرب حين يسمعون أخوتهم العرب العراقيون يقولون لهم أن مجد صدام لم يكن إلا كذبة كبيرة؟
هذا هو ما أتوقعه: سيلتفتون إلى العراقيين ويتهمونهم بأنهم عملاء للولايات المتحدة.
لكن صبراً، فقد صدق من قال: "لا ينجح شيء كالنجاح نفسه."
لقد كانت بغداد مركزاً للثقافة العربية، وللعلوم والفنون، كما كانت منارة للتقدم الإنساني. وأملنا عظيمٌ في أن تلعب بغداد هذا الدور مرة أخرى.
=====================
نُشر المقال في مجلة نيويورك بوست 30 مارس 2003
رالف بيترز، ضابط متقاعد من الجيش الأمريكي، مؤلف كتاب، "القتال من أجل المستقبل: هل تنتصر أمريكا؟"
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط