بسام درويش
/
Mar 14, 2012
بئسَ حريةٍ هي تلك التي يأمل الشعب السوري، أو أي شعب آخر من شعوب الشرق الأوسط، بأن تأتيه عن طريق السعوديين أو الخليجيين أو أية دولة أخرى ينصُّ دستورها على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر كل قانون.
قولي هذا لا يعني بأي شكلٍ من الأشكالِ أنني أقف مع النظام في سورية أو مع أي نظامٍ فردي آخر؛ فالكلُّ يعرف موقفي من الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة التي لا همّ لها إلا الإثراء على حساب الشعوب. أمّا إذا كان السوريون يعتقدون بأن السعوديين أو القطريين أو غيرهم من الخليجيين سيساعدونهم على نيل حريتهم فإنه ليصحُّ فيهم المثل العاميّ السوري القائل: يا طالب الدبس من طيز النّمس كفاك الله شرّ العسل!
الحرية لا يمكن أن تأتي من بلد يأمر ملكه بالقبض على شاب وإحالته إلى المحكمة ومن ثم ملاحقته من بلد إلى آخر إلى أن يتم اعتقاله، وجلّ ما ارتكبه من "ذنبٍ" هو أنه كتب مخاطباً "النبي" قائلاً له بأنه يحبه ويحترمه لكنه يفضل أن يقول له "يا صديقي" عوضاً عن "يا سيدي"؟
ترى ماذا يكون أمر هذا الشاب لو كان قد وصف هذا "النبي" حق وصفه ـ فقط ـ بناءً على ما ترويه عنه كتب الأحاديث والسيرة من أعمال ارتكبها لتثبيت سلطته وتأسيس دولته؟
الحرية لا تأتي من بلد يحكم بالسجن والجلد على معلّمٍ لأنه أُعجب بالشاعر نزار قباني فذكر اسمه وأتبعَ الذكر بقوله "صلى الله عليه وسلم"!
أيّ حرية تأتي من بلدٍ يُمنَعُ فيها غير المسلم من إقامة شعائره حتى في بيته، أو أن يحمل على صدره رمزاً من رموز دينه؟
أيّة حرية تأتي من بلد يطالب فيها عضو برلماني بمنع بناء أية كنيسة أخرى في بلده.
أيّة حرية تأتي من بلد يصادر رجال الجمارك فيه نسخاً من الإنجيل يحملها زوار مسيحيون وكأنهم يصادرون منهم أكياساً من المخدرات؟
أيّة حرية يأمل بها السوريون أو غيرهم من بلدٍ يقضي "علماؤها" الليالي وهم يحرقون فوسفور أدمغتهم يبحثون عن إشارة تحل محل إشارة "زائد" في الحساب" لأنها بنظرهم تشبه إشارة الصليب...؟
وأيّة حرية يمكن أن تأتي من بلدٍ لا زالت المرأة فيه تجاهد لنيل أبسط حقوقها الإنسانية!
حكام هذه الدول يتباكون على حرية الشعب السوري بينما لا زالت شعوبهم تفتقد إلى أبسط الحريات، من حرية اختيار المعتقد، إلى حرية التعبير بأية كلمة تمسّ العرش أو الدين أو التقاليد.
الدعم لنيل الحرية لا يأتي من هؤلاء إلا بثمن، وهذا الثمن باهظ جداً، لأنه سيستبدل دكتاتوراً يمكن محاورته والضغط عليه لإصلاح الأمور بدكتاتور لا يقبل النقد إطلاقاً ويكلف انتقاده الجلد في الشوارع أو قطع الرقبة.
إن نظرة سريعة على ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا ومصر وتونس لَتُظهرُ بكل وضوح أن هذه الحركات التي أطلق عليها اسم الربيع العربي، ما هي إلا خريفاً يعدّ لشتاءٍ مصحوبٍ بعواصف هائلة ستدمّر كل أمل بالحرية تتطلع إليه شعوب الشرق الأوسط. عواصف ستعيد شعوب هذه المنطقة أربعة عشر قرناً إلى الوراء.
ولأن الشعب السوري يختلف في تركيبته ووعيه ومستواه الثقافي عن كل شعوب المنطقة، فلا عجب إن لم تستطع الانتفاضة جمع كل فئات الشعب حولها. فحتى الآن لم يتفق المعارضون على خطة مستقبلية للسير بالبلد إلى مستوى البلدان المتقدمة التي تفصل بين الدين والدولة لتجعل منه بلداً للجميع وليس لفئة معينة.
لقد آن الأوان لشعوب الشرق الأوسط كلها أن تدركَ أن مستقبلها لن يكون إلا في إطار دولة علمانية يكون فيها الدين مفصولاً فصلاً تاماً عن دستور الدولة، وما عدا ذلك فإن هذه الانتفاضات كلها لا تعني إلا انتقالاً "من تحت الدلف إلى تحت المزراب."
فصلُ الدين عن الدولة لا يعني البتة بأنّ النظام العلماني سيكون حرباً على الدين أو على كل من يؤمن بدين. إنه على العكس من ذلك تماماً. النظام العلماني يوفر الحماية لكل دين ولأتباع أي دين، وأيضاً بالطبع، لكل من لا يؤمن بدين. أما النظام الذي يستمد دستوره من دين معين، فلن يكون إلا خادماً لهذا الدين نفسه على حساب كل معتقدٍ وأتباع كل معتقدٍ آخر.
***************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط