بسام درويش
/
Apr 30, 1998
أذكر في حداثة عمري كيف كانت إذاعاتنا العربية تطلق على رئيسة وزراء إسرائيل الراحلة غولدا مائير مختلف الأسماء والصفات. منها، العجوز الشمطاء، الصهيونية العجوز، الصهيونية العاهرة، العجوز القبيحة.. وغير ذلك مما كانت تتفتَّق عنه مخيلة زعمائنا ورجال إعلامنا الواسعة.
لم تكن غولدا مائير بالطبع دون غيرها المحظوظة بهذا التشريف، بل كان هناك الأعور موشي دايان والجبان بن غوريون والمجرم بيغن والسفاح شارون وعلى هذا المقياس قس. إسرائيل كدولة، كان لها هي الأخرى أسماء وصفات. كان اسمها دويلة العدو، والدولة المسخ، وذنب الاستعمار، والدولة القزم والدولة المأجورة.. أما عن اليهود بشكل عام، فهم أحفاد القردة والخنازير. النجسون. المفسدون في الأرض. أعداء الله وأعداء الإنسانية.. وعشرات الصفات الأخرى.
ولطالما روت لنا إذاعاتنا القصص عن أخبار جنود دولة إسرائيل المسخ وعن جبنهم في ساحة الوغى، وعن هروبهم من أمام الجندي العربي المقاتل الشجاع. (تأملوا هنا بعبارة "ساحة الوغى" إذ أنها من العبارات المختارة والتي يُفترَض أن يثير استعمالها المشاعر الوطنية لدى المواطن أكثر من عبارة "جبهة القتال" أو "ساحة الحرب"!) الطائرات الإسرائيلية كانت تسقط بالعشرات أما طائراتنا فكانت تعود دائماً إلى قواعدها سالمة. المجنزرات الإسرائيلية كانت تتحطم "بالدزّينات" بينما مواقع نيراننا الأرضية كانت دائماً تبقى صامدة. خسائرهم بالأرواح ثلاثة وعشرون قتيلاً وواحد وأربعون جريحاً.. خسائرنا لا شيء!.. وطبعاً، لم يكن يجوز لأحد أن يشكّ أو أن يتساءل عن مدى قدرة استطلاعاتنا الحربية على معرفة تلك الإحصاءات الدقيقة!
صحفنا أيضاً كانت تزخر - ولا تزال - بالصور الكاريكاتورية التي تعبّر عن كبرياء الإنسان العربي وجبروته وعن جبن وحقارة اليهودي. من تلك الصور واحدةٌ أذكرها وكـأني أراها اليوم ماثلة أمام عينيّ. صورةٌ يظهر فيها جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح وهو يهرب من أمام وجه مواطن عربي مفتول العضلات بينما يلحق به هذا الأخير محاولاً قتله بنفّاضة الذباب.
وفي المقابل، كان الأقزام في الدولة المسخ يرجفون خوفاً من هذا السلاح الرهيب الذي برع العرب في استعماله. وإذْ هم لم يتمكنوا من إنتاج سلاح مشابه له يهيّئون به مجتمعهم ليوم المجابهة، فلم يكن لديهم من خيار، بانتظار أن يأتيهم الفرج، إلا أن يسموا كل دولة عربية باسمها، وكل زعيم عربي باسمه ولقبه ومنصبه الذي يشغله (طبعاً باستثناء بعض عشرات الألقاب والأوصاف المعدّة للاستهلاك المحلي فقط.) وبذلك أظهر اليهود عجزهم عن محاكاة العرب في سلاحهم الفتاك. فكان إذا ما تحدث أحد الوزراء الأقزام في مؤتمر صحفي، أو إذا قرأ مذيع صهيوني نشرة الأخبار، يضطر الواحد منهم أن يذكر كلاً باسمه فيقول: "السيد الرئيس جمال عبد الناصر، أو رئيس الوزراء السوري، أو المشير عبد الحكيم عامر أو العقيد القذافي وهلم جراً. حتى ياسر عرفات، الذي كانت إذاعة إسرائيل تطلق عليه لقب "رئيس المنظمة الإرهابية المعروفة باسم منظمة التحرير الفلسطينية"، فقد كانت رغم ذلك تحرص على ذكر لقب "السيد" قبل اسمه.
هذا السلاح العربي الذي أتينا على ذكره، يبدو أنه كان فعالاً جداً. فبواسطته تم تحرير جزء كبير من الأراضي العربية المحتلة. ولشدة فعاليته، حرص الجيل الجديد من الصحافيين والمناضلين على المحافظة على استمراريته بتطعيمه بإضافات جديدة مثل "النتن ياهو، وألبرايت الشمطاء أو العجوز المتصابية أو العجوز الكاثوليكية المتصهينة، والبوشت جورج بوش وبلاد لنفاق، وغير ذلك. ولا زال هناك أمل كبير بتحرير بقية الأراضي المحتلة وربما بمحو إسرائيل عن بكرة أبيها بمجرد الانتهاء من تصميم آخر الشتائم القاتلة التي يعمل على إنتاجها الدماغ العربي.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا السلاح العربي لم يُستعمل ضد الصهاينة المأجورين وأعداء أمتنا في الخارج فقط، بل كان سلاحاً ذا حدّين، نجح زعماؤنا في استعمال الحد الآخر على صعيدين آخرين. على الصعيد الأول، استعملوه لمحاربة معارضيهم في الداخل، فكان من هذا السلاح الفتاك: "المارقون، الخونة، أذناب الاستعمار، أذناب الصهيونية، الانتهازيون، العملاء، أصحاب النفوس المأجورة، النفوس المريضة، الكفار، وغيره الكثير مما امتلأت به تراسانات الحكام. أما على الصعيد الثاني، فقد استعمله الزعماء العرب الواحد منهم ضد الآخر. فكان هناك سلاح: "الحاكم الجلاد، السفاح ، الرئيس المهرج، العقيد المجنون، المعتوه، سارق الحرمين، الملك العميل، أمراء الدويلات النفطية، الملك الصغير، الملك الجحش (يوم سمى عبد الناصر الملك حسين بالجحش من خلال نكتة ألقاها على الشعب، ثم تناسى ذلك بعد أن تصالح معه بعد فترة قصيرة فقام يخاطبه بقوله: أخي جلالة الملك!!"
***************
لا هتك الله لكم ستراً يا عرب، حافظوا على تركيبة هذا السلاح العظيم، فإني لأخشى أن يقدم أحد الخونة على إيصال سره إلى أعداء الأمة فتتبخر بذلك قوتكم كما تبخرت قوة شمشون بعد أن قصت حبيبتُه الخائنة شعرَ رأسه.
==============
نشرت سابقاً في صحيفة بيروت تايمز 30 أبريل 1998
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط