ناهض حتّر، شهيد آخر من شهداء الكلمة

ردة الفعل العربي والإسلامي على جريمة اغتيال الكاتب ناهض حتّر تراوحت بين صمتٍ على الصعيد الحكومي، وتأييدٍ علني متوقَّع من قبل بعض الإسلاميين، وتنديد خجول أو منافق من قبل معظم الكتّاب، وهو الأمر الأكثر توقعاً في عالمٍ يحتكرُ صحافيّوه صنعة الدجل والنفاق. 

أكثر هذه التعليقات نفاقاً كانت بقلم سمير البرغوثي في صحيفة الوطن القطرية حيث تساءل قائلاً: "كيف يمكن لمسلمٍ أن يأتي بمثل هذا الفعل...!"

ويا له من سؤالٍ محيّرٍ للألباب يقف العالم كله عاجزاً عن الإجابة عليه!

***********

إذا كان التاريخ الإسلامي الحافل بالاغتيالات الدينية السياسية بدءاً بتلك التي أمر بها محمد نفسه، كاغتيال معارضيه من زعماء اليهود وكل من انتقده بكلمة، رجلاً كان أو امرأة؛ والاغتيالات التي جرت من بعده واقتداءً به، بدءاً بسعد بن عبادة الذي كان مرشحاً لخلافة محمد، وبعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وأولاده، ومروراً على سبيل المثال لا الحصر، بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعمر بن عبد العزيز، ومعاوية بن يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، وإدريس بن عبد الله، والمتوكّل على الله – الذي أوصله توكله على الله إلى حتفه –، ومعن بن زائدة، والمقتدر بالله العباسي، والآمر بأحكام الله الفاطمي... وانتهاء بالتاريخ الإسلامي المعاصر الذي يزخر بالثورات والانقلابات الدموية، والتي شهدت تنفيذ أحكام القتل بالقادة السابقين دون محاكمة وبابشع الصور مثل سحل عبد الكريم قاسم...

وإذا كان كل ما يحدث اليوم في العراق وسورية من جرائم بشعة يرتكبها السنّة بحق الشيعة، والشيعة بحق السنة، والفئتان معاً بحق غيرهم من غير المسلمين..

وإذا كانت كل الاعتداءات الوحشية التي قام بها مسلمون ولا زالوا يقومون بها في أنحاء العالم، في أمريكا وفرانسا وبريطانيا وإسبانيا واندونيسيا والسودان وباكستان وأفغانستان وروسيا وليبيا ونيجيريا وغيرها...

إذا كان كل ذلك لا يكفي رداً على سؤال هذا الكاتب وأمثاله من المسلمين الذين يعتقدون - سذاجةً أو نفاقاً - بأن مسلماً لا يمكن أن يقوم بعمل كهذا، فإن قول القرآن "صمٌّ بكمُ عميً فهم لا يعقلون" هو قولٌ لا ينطبق إلا عليهم.  

**********

لو قام مسيحي أو بوذي على سبيل المثال باغتيال كاتب أو بقطع رأسِ غريمٍ له أو بأية جريمة مهما كانت صغيرة وقلنا "كيف لمسيحي أو بوذيّ أن يفعل هذا" فإنه قولٌ لن يكون عليه غبار إطلاقاً؛ أما أن نستغرب قيام مسلم بقطع رقبة أو أطراف إنسانٍ أو التمثيل بجثته بعد قتله والاستيلاء على ما في جيبه من مال، أو بسبي زوجته وبناته، فإن استغرابنا لن يكون إلا ضرباً من سذاجةٍ وجهلاً بتعاليم الإسلام قرآناً وسيرةً وسُنّةً.

************

ما يبعث على السخرية بهذا الكاتب هو وصفه للقاتل بأنه "يبدو في هيئته رجلاً مسلماً وهو في حقيقته (كما يقول الكاتب) إساءة أخرى للإسلام تُضاف إلى إساءات داعش التي تقتل من تضبط معه علبة سجائر أو من تدّعي أنه لا يحفظ جزءاً من القرآن."

(يبدو في هيئته رجلاً مسلماً!)

هذا الكاتب لا يكتفي بمحاولة تنزيه الإسلام والمسلمين عن القتل بوصفه القاتل بأنه "يبدو في هيئته رجلاً مسلماً" إنما أيضاً لا يجدُ بين جرائم داعش ما يستشهد به إلا قتلهم لأناسٍ "لا ذنب لهم إلا حيازة علبة سجائر أو تقصيراً في حفظ القرآن...!

حرقُ الناس أو إغراقهم أحياءً، ورميهم من فوق المباني، وقطع الرؤؤس أمام كاميرات التصوير، واستئصال قلوب القتلى وأكلها تشفياً، وقتل الأطفال أمام أعين ذويهم، واختطاف النساء والبنات واغتصابهن أو بيعهن في سوق النخاسة، ورجم الأمهات على أيدي أبنائهن المجاهدين، وتهديم الكنائس - لا بل والمساجد - وتحطيم الآثار القديمة، وغير ذلك من أعمال تقشعر لها الأبدان... كلُّ هذه الجرائم عجزت عن إيقاظ هذا الكاتب من غيبوبته، لكنه بقدرة قادرٍ يستفيق على جريمة اغتيال ناهض حتّر غير مصدّقٍ بأنَّ مسلماً يمكن أن يرتكبها..!    

************

هذا الكاتب لم يكن المنافق الوحيد في ردّة فعل الصحافة العربية على جريمة قتل ناهض حتّر، لكن ولوجه الحق أقول كان هناك قلَّةٌ ممن جرؤ على الاقتراب إلى حد ما من تسمية مصدر الشرّ باسمه كالكاتب قاسم حسين الذي ندد في صحيفة الوسط البحرينية بالجريمة بقوله إن "البيئة الفكرية المتخلفة" هي التي أفرزت قاتل حتّر وإن اغتياله "انتهى على أبواب قصر العدل، لكن التخطيط له بدأ في ستوديوهات قنوات الفتنة، التي دأبت على التحريض والتكفير والإقصاء واستباحة حرمات وكرامات ومعتقدات الآخرين. بدأ الاغتيال على يد شيوخ الفتنة الذي يكفّرون عامة المسلمين إلا من حذا حذوهم وسلك مسلكهم وسار على نهجهم".

أفهم تماماً لماذا خشي قاسم حسين من تسمية البيئة المتخلفة بـــ "الإسلامية" عوضاً عن "الفكرية"، فلو فعل ذلك لكان قد لحق بناهض حتّر بكل تأكيد ولكان سمير البرغوتي يعود مرة أخرى ليتساءل "كيف يمكن لمسلمٍ أن يأتي بمثل هذا العمل..!"  

============

======

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط