قرأنا وسمعنا الكثير عما اصطلح عليه بـ (الإسلاموفوبيا) Islamophobia أي الخوف من الإسلام، والادعاء بأن الاستخبارات الغربية هي التي اخترعت هذا المصطلح لإثارة مخاوف شعوبها من الإسلام بعد زوال خطر الشيوعية بانتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في أوربا الشرقية. وتضيف الفرضية، أن الغرب دائماً يحتاج إلى عدو مشترك للحفاظ على تماسكه وتحالف حكوماته عن طريق إثارة مخاوف شعوبه بخطر داهم، وأن الخطر الشيوعي السوفيتي قد خدم هذا الغرض نحو نصف قرن من الزمان، أي منذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945 على النازية والفاشية إلى انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991.
ولكن يا ترى من أين جاء مصطلح الإسلاموفوبيا؟ ومن المستفيد منه؟ ومن يهدد من؟ وهل حقاً يخاف الغرب من الإسلام؟ وإذا كان حقاً هناك خوف في الغرب من الإسلام، فأي إسلام هذا الذي يخافه الغرب؟ هل هو الإسلام كدين أو الإسلام السياسي الذي أنتج الإرهابيين الذين يرتكبون جرائمهم البشعة بحق الإنسانية باسم الإسلام؟ ومن هو المتضرر أكثر من هذه الجرائم، أهو الغرب أم الشعوب والدول الإسلامية؟ ومن المستفيد أكثر من شن الحرب على الإرهاب الإسلامي، أليس العرب خاصة، والمسلمون عامة؟
من وراء الإسلاموفوبيا؟
وإذا كان الغربيون فعلاً يخافون من الإسلام، فمن المسبب لهذا الخوف؟ أليس المسلمون أنفسهم؟ نحن نعرف أن العرب مصابون بمرض عضال لا أمل في شفائه، يدعى بـ(نظرية المؤامرة). فالعرب يشعرون أنهم متخلفون جداً ويعادون الحضارة الحديثة، وليس عندهم ما يقدمونه للعالم سوى النفط والإرهاب والتخريب. والمشكلة أنهم رغم تخلفهم المريع، وجهلهم، حيث بلغت نسبة الأمية الأبجدية نحو 60% في صفوفهم، والأمية الثقافية ربما بحدود الـ 90%، ولكن مع ذلك فإنهم يعتقدون بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم أثقف الشعوب وأفضلها، وأن هذا الغرب بما عنده من علوم وتكنولوجيا وحداثة وفلسفة وحضارة وديمقراطية وحقوق الإنسان، كلها تعتبر جاهلية حسب نظرية سيد قطب والتي هي التعبير الواضح والصريح لما هو سائد عند المسلمين إزاء الغرب. لذلك فإذا قلت لهم أنهم متخلفون، سرعان ما يصرخون بوجهك قائلين أن الغرب هو سبب تخلفنا، إنه الإمبريالية الغربية والصهيونية والصليبية... الخ وهؤلاء جميعاً يصنفون في خانة واحدة وهي "ملة الكفر واحدة"، يريدون القضاء على الإسلام والمسلمين ونهب خيراتهم!! وهذه النظرية هي الأخرى ساهمت إلى حد كبير في شحن الشباب المسلم بالكراهية والعداء للغرب والانخراط في الإرهاب.
المشكلة أن هذه الدعوات لن نسمعها من دعاة الإسلام السياسي فحسب، بل وحتى من قبل كتاب محسوبين على التيار الديمقراطي والعلماني، بل وحتى الليبرالي. وعلى سيبل المثال لا الحصر، قرأت للكاتب الليبرالي السيد ولد أباه، مقالة في الشرق الأوسط، بعنوان (الإسلاموفوبيا الجديدة في الغرب.. واليسار المحافظ الجديد) يلقي اللوم في الإسلاموفوبيا على الغرب وليس على الإسلام السياسي الذي صنع الإرهاب، فيقول: ".. وما نريد أن نبينه هو أن هذه الصورة النمطية السلبية أطرتها ثلاثة مكونات هي: اتجاه المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والتيار الأدبي الانكليزي الذي أطلق عليه ضياء الدين سردار عبارة ـ المحافظين الأدبيين البريطانيين blitconsـ، والمفكرين اليساريين الفرنسيين المنحدرين من مجموعة «الفلاسفة الجدد» الذين تحولوا في الآونة الأخيرة الى الموقع المحافظ ودعموا الرئيس اليميني الجديد ساركوزي." (الشرق الأوسط، 20/7/2007). ويؤاخذ الكاتب هذه الجهات الثلاث على: "اعتبار الإسلام الخطر الأكبر الذي يتهدد الحضارة الغربية كما هو بارز من رواية سلمان رشدي الأخيرة «تشاليمار» ببطلها الإرهابي المسلم الذي لا هم له سوى ارغام الناس على بناء المساجد وإخفاء النساء تحت البراقع، وكما هو واضح في رواية آميس «الأيام الأخيرة لمحمد عطا» التي يفسر فيها الخلفية الإرهابية لبطله (أحد الانتحاريين الذين اشتركوا في تفجيرات أبراج نيويورك) بكرهه للنساء الذي استقاه بزعمه الكاذب من القرآن الكريم وسيرة نبي الإسلام." (نفس المصدر)
ولكن السؤال هو: هل هذه الأقوال التي اقتبسها الكاتب من الروايات المذكورة، حقيقة يمارسها المسلمون، أم افتراء على الإسلام؟ أليس المسلمون هم الذين يطالبون بحجاب المرأة ويقولون أنها ناقصة عقل ودين ويحطون من قدرها؟ ألا يستشهد المسلمون بأحاديث ينسبونها إلى النبي محمد (ص) مثل قوله: ["لا يفعلن أحدكم أمراً حتى يستشير، فإن لم يجد من يشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها، فإن في خلافها البركة" وقوله: "شاوروهن وخالفوهن"، و"عوّدوا النساء – لا-، فإنها ضعيفة، إن أطعتها أهلكتك" و"طاعة النساء ندامة" و"هلكت الرجال حين أطاعت النساء".] هذا فيما يخص موقف الإسلام من المرأة. أما موقف الإسلام من غير المسلمين فيستند فقهاء الإرهاب على الحديث التالي: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم). وعليه، أليس الإسلام السياسي هو الذي يحرض الشباب على قتل الأبرياء من غير المسلمين بل وحتى من المسلمين الذين لا يوافقونهم على آرائهم؟ أليس رجال الدين المسلمين هم الذين استخدموا النصوص الدينية من القرآن والسنة بتحويل حتى بعض الأطباء إلى إرهابيين في الغرب؟ إذا كان هذا هو الوضع، فلماذا تلقون اللوم على الغربيين في الإسلاموفوبيا؟
هل حقاً يخاف الغرب من الإسلام؟
لو كان الغرب حقاً يخاف من الإسلام كدين، لما سمحت الحكومات الغربية للجاليات الإسلامية وقدمت لهم الدعم المالي في بناء مساجدهم وجلب أئمتهم من الخارج؟ ولما وجد المسلمون، بمن فيهم دعاة الإسلام السياسي، في هذا الغرب الملاذ الآمن لهم فجاءوا بالملايين، بل ويغامرون بحياتهم من الغرق في البحار من أجل الوصول إلى هذا الغرب "الكافر" للعيش فيه بأمان وسلام. كذلك نجد نسبة المساجد إلى عدد السكان المسلمين في الغرب تفوق النسبة ذاتها في الدول الإسلامية. ففي بريطانيا وحدها يوجد أكثر من ألف مسجد بينما عدد المسلمين فيها أقل من مليونين نسمة. بينما ممنوع على المسيحيين الأقباط في مصر بناء كنائس جديدة لهم إلا بموافقة رئيس الجمهورية وبشروط تعجيزية، كما وممنوع على المسيحي الزائر إلى المملكة العربية السعودية حتى أن يجلب معه الكتاب المقدس فيصادر من المطار.
الحقيقة لا يمكن حجبها بالغربال، كما يقولون، فالمسلمون بجميع مذاهبهم يتمتعون بالحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية في الغرب أكثر مما في البلدان الإسلامية. إن حرية ممارسة الشعائر الدينية في أية دولة إسلامية مسموح بها فقط لمذهب السلطة، وهناك اضطهاد علني تمارسه السلطة في البلدان الإسلامية ضد أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، ناهيك عن أصحاب الديانات الأخرى. فهذا هو الوضع في السعودية الوهابية ضد الشيعة، والوضع ذاته في إيران الشيعية ضد السنة. والجدير بالذكر أنه لم تحصل تفجيرات ضد دور العبادة في الغرب، بل ارتكبت هذه الجرائم في البلاد الإسلامية. وهذا دليل على بطلان الادعاء بوجود الإسلاموفوبيا في الغرب. ولو كان هناك إسلاموفوبيا في الغرب، وخاصة في أمريكا، لما قام الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بزيارات متكررة لمساجد ومعاهد المسلمين في المناسبات الدينية الإسلامية وهو يبدي كل الاحترام لهم ولمعتقداتهم، وحتى يخلع حذاءه عند باب المسجد احتراماً للتقاليد الإسلامية. فهل هذا دليل الإسلاموفوبيا؟
من المستفيد من كذبة الإسلاموفوبيا؟
إن أتباع الإسلام السياسي هم من صنع واخترع مصطلح الإسلاموفوبيا وهم المستفيدون منه ويعملون على ترويجه، والغرض منه هو لوضع الجاليات الإسلامية في الغرب في حالة صراع ومواجهة مع شعوب الدول المضيفة ومن أجل دفع المسلمين إلى التطرف الديني وبالتالي إلى تأجيج الصراع مع الغرب. وقد نجح هؤلاء إلى حد ما حتى في كسب بعض المعتدلين والديمقراطيين والليبراليين. إذ نرى هؤلاء ينتقدون الغرب ويعزفون على وتر الإسلاموفوبيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بوعي أو بدونه، وذلك بتطوعهم بدعم الإرهاب الإسلامي عن طريق إيجاد التبريرات والمعاذير له. وعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد محاولات تفجير سيارات في لندن وغلاسكو الفاشلة، نشرت جماعة عربية في بريطانيا بياناً رغم أنها أدانت فيه هذه العملية الإرهابية وبشيء من استحياء، إلا إنها في نفس الوقت لم تتردد في إيجاد العذر لها وذلك بإلقاء اللوم على سياسة بريطانية الخارجية.
وهذا بالطبع هراء في هراء. إذ ليس هناك أي مبرر للإرهاب، ناهيك عن كون الإرهابيين المتورطين بالعملية هم من الأطباء الذين خانوا شرفهم وشرف المهنة والقَسَمْ الطبي الذي أدوه عند تخرجهم بأن لا يلحقوا أذى بأي إنسان.
إنها الآيديولوجية الدينية التي نجحت بتحويل حتى الطبيب المسلم إلى إرهابي ونكران الجميل مقابل خيانة البلد الذي قدم له الملاذ الآمن والعيش بكرامة. وإذا كان الأمر كذلك، أليس من حق الغربيين أن يتخوفوا منه؟ لا ننسى أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في منظمة القاعدة الإرهابية هو طبيب وابن طبيب.
ملاحظة أخرى جديرة بالذكر وهي أن عيَّنت السلطات البريطانية عدداً من رجال الدين المسلمين في تثقيف السجناء المسلمين وفق التعاليم الإسلامية السمحاء، من أجل إصلاحهم وتحويلهم إلى مواطنين صالحين لإعادتهم إلى الحياة الطبيعية بعد قضاء فترة محكوميتهم. ولكن تبين فيما بعد أن قام عدد من هؤلاء الوعاظ بغسل أدمغة بعض السجناء المسلمين وتجنيدهم في المنظمات الإرهابية. فهل السياسة الخارجية البريطانية هي المسؤولة عن هذا السلوك الإجرامي الغادر؟ أل يدل هذا على لا إخلاقية هؤلاء الوعاظ ونكرانهم للجميل وخيانتهم للبلد الذي آواهم ووثق بهم؟
في رأينا ينقسم الإرهابيون إلى ثلاث فئات: فئة رجال الدين من أئمة المساجد من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي وسلمان العودة وصالح الفوزان وغيرهم. وينحصر دور هؤلاء بالقيام بتحريض الشباب المسلم وتحويلهم إلى قنابل بشرية لقتل الأبرياء. والفئة الثانية هي التي تقوم بتنفيذ الإرهاب وهم مجانين تم غسل أدمغتهم من قبل الفئة الأولى. أما الفئة الثالثة، فهي تتألف من أناس يدعون الاعتدال والديمقراطية والحرص على الإسلام، وينحصر دورهم في إيجاد المبررات والمعاذير للإرهابيين بإلقاء اللوم على الغرب والإمبريالية والصهيونية وغياب العدالة الاجتماعية في العالم بسبب سياسات الغرب!! وهؤلاء يقومون في نفس الوقت بالإرهاب الفكري ضد كل من يخالفهم في الرأي ويعارضهم من الكتاب المتنورين الليبراليين الحقيقيين، ويتهمونهم بالعمالة للغرب والصهيونية والخيانة الوطنية...الخ
الخلاصة
نعم، الإسلام السياسي ومعه الإرهاب الإسلامي، يهدد العالم والحضارة الحديثة لأنهم يريدون فرض إرادتهم ودينهم على العالم بالقوة وعن طريق الإرهاب، ومن حق العالم وخاصة الغرب أن يتخوفوا من هذا السلوك المرعب. فمعظم الإرهابيين مسلمون تم غسل أدمغتهم، بشحنهم بالعداء ضد الغرب وقيمه الحضارية، وقد اعتمد المحرضون على النصوص الدينية في إقناعهم بارتكاب الإرهاب. ولذلك فالمطلوب من عقلاء المسلمين إنقاذ الإسلام من سفهاء القوم الذين اختطفوا الإسلام وجعلوه سلماً للوصول إلى السلطة وإعادة ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية التي لا يمكن تحقيقها إلا في عقولهم المريضة. وما لم يتم إعادة تفسير النصوص الإسلامية وخاصة تلك الآيات التي تسمى بآيات السيف والقتال بما يناسب العصر والتعايش السلمي مع البشرية بسلام، فإن الإسلام والمسلمين في حالة مواجهة غير متكافئة مع العالم المتحضر، والنتيجة كارثة على المسلمين أنفسهم. في الغرب لا يجد خوفاً من الإسلام كدين، بل هناك خوف من الإسلام السياسي الذي أنتج الإرهاب الإسلامي، والذي خطره على المسلمين أكثر منه على الغرب.
====================
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط