بسام درويش
/
May 09, 2003
عندما يحب الإنسان أمراً فإنه يفتخر به ويوليه عنايته ويبذل كل ما بوسعه من أجل الحفاظ عليه.
وعندما يحب الإنسان إنساناً ـ أباً، أُمّـاً، أخاً، أختاً، ابناً، ابنةً، زوجةً، صديقاً أو صديقة ـ فإن أقلّ ما يمكن أن يعبّر به عن حبه لهذا الإنسان الآخر، هو الاحترام والعطف والتفهّم والصبر والرفق. أما أعلى درجات الحب فهي تلك التي يصل فيها الإنسان إلى مرحلة الاستعداد للتضحية بنفسه عن غيره.
**********
قال محمد: "أحَبُّ إليَّ من دنياكم النساءُ والطيبُ، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة!"
ليس هناك أدنى شكّ في أن أحبَّ ما في هذه الدنيا على قلب محمد هو النساء، ولكن ما لا يُشَكُّ فيه أبداً، هو أن هذا الحب الذي تحدث عنه، لا علاقة له بالحب الحقيقي، لأنه لا يتضمن أي معنىً من تلك المعاني الجميلة السامية التي أتينا على ذكرها.
محمد لم يرَ في المرأة إلا ذلك الجزء الواقع ما بين سرّتها وركبتيها، ومن ذلك الموقع فقط كان تعامله معها. وبصفته الأسوة الحسنة للمسلمين، (آية 21 من سورة الأحزاب) فقد تبعه في نهجه وأخلاقِه، أصحابُه وخلفاؤه وأبناءُ ملته من بعده.
نظرةُ محمد هذه، أفرزتْ للمرأة التي شاء لها حظها التعس أن تولد على دين الإسلام، وضعاً لا تُحسدُ عليه البتة!
***********
يقول القرآن: "زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب". (آية 14 سورة آل عمران)
يقول تفسير الجلالين في شرحه لهذه الآية: ("زُيِّنَ للناس حب الشهوات" {أي} ما تشتهيه النفس وتدعو إليه، زينها الله ابتلاءً أو الشيطان، "من النساء والبنين"، "والقناطير" ـ أي ـ الأموال الكثيرة، "المقنطرة" ـ أي ـ المجمعة، "من الذهب والفضة." "والخيل المسومة" ـ أي ـ الحسان، "والأنعام" ـ أي ـ الإبل والبقر والغنم، "والحرث" ـ أي ـ الزرع، "ذلك" ـ أي ـ المذكور، "متاع الحياة الدنيا" ـ أي ـ يُتَمتّع به فيها ثم يفنى، "والله عنده حسن المآب" ـ أي ـ المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره.)
تُرى من هم الناسُ الذين يتحدث عنهم القرآن في هذه الآية؟.. يظهر واضحاً أنَّ القرآن يعني بكلمة "الناس" الرجال فقط، إذ ليس من المعقول أن يعني بها النساء طالما أنه ذكر النساء دون الرجال في قائمة الشهوات التي زُيِّنَ للناس أن يولعوا بها. إذن، "الناس"، هم الرجال من خلق الله، أما "المرأة" فليست من الناس وعلى هذا الأساس كان تصنيفها مع كل الأشياء التي زُيِّن "للناس" أن يشتهوها!.. ورغم ما في هذا التصنيف من قباحة، فإن قباحته تكمن على وجه الخصوص في وضعه للمرأة على مستوى واحد مع الخيل والإبل والبقر والغنم والزرع وكل الأمور الأخرى التي يشتهي الرجل اقتناءها. لا بل أنه وضع البنين أيضاً على المستوى نفسه، ولربما وضعهم في هذه المرتبة إلى أن يكبروا، فيفصل آنذاك بينهم ويعيد للفحول منهم إنسانيتهم بينما يبقي الإناث مع الخيل والبقر.
لقد أكّد الإمام الرازي وضع المرأة والحيوانات على مستوىَ واحد وذلك في تفسيره للآية رقم 21 من سورة الروم، "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" أنَّ: " قوله (خلق لكم) دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض) ـ آية 29 سورة البقرة ـ وهذا يقتضي ألا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف، فنقول، خلق النساء من النعم علينا وخلقهن لنا، وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا، وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى، أما النقل فهذا وغيره، وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي، لكن الصبي لم يكلف فكان يناسب ألا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت لتتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد." (تفسير الرازي، بيروت، دار الفكر)
وأكّد ابن كثير سفاهة النساء في تفسيره للآية رقم 5 من سورة النساء، "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" بأنَّ "السفهاء هم النساء والأطفال" (الحافظ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، القاهرة، دار الشعب)
إننا نسمع بين الفينة والأخرى، أصحاب الدعاية الإسلامية وهم ينبرون للدفاع عن الإسلام بقولهم، أنه قد كرّم المرأة ومنحها من الحقوق ما لم تحصل عليه أختها المرأة في المجتمعات الغربية إلا في القرن الماضي، وإذا كان الأمر كذلك حقاً، فهل يعني أنّ على المرأة الغربية أن تنتظر ألفاً وأربعمائة سنة أخرى، قبل أن تحصل على الشرف العظيم بجلوسها في حظيرة واحدة مع الجمال والخيل والبقر؟
يا تُرى ما هي الحقوق الأخرى التي لم تحصل عليها المرأة الغربية بنظر أصحاب الدعاية الإسلامية؟.. ربما نجد الجواب على هذا التساؤل باستعراض بعض هذه الحقوق والامتيازات التي كرّم الإسلام المرأة بها.
***********
كرّمها بضربها لمجرد الشك!
"الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضَهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظاتٌ للغيب بما حفِظ الله، واللاتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجع واضربوهنَّ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً إنَّ الله كان علياً كبيراً." (آية 34 سورة النساء)
يزخر القرآن وكتب الفقه الإسلامية بالنصوص التي تنتقص من إنسانية المرأة، ولكن مما لا شكّ فيه أن هذا النص هو أصل متاعبها. لقد نصّب هذا النصّ الرجلَ بشكل لا جدال فيه، سيداً على المرأة ومسؤولاً عنها في كل أمورها. وهكذا، فإن عبارة "قوامون على النساء"، هي العبارة الأكثر شيوعاً في العالم الإسلامي، لأنها السلاح الرئيسي بيد الرجل المسلم حين تكون سلطته على المرأة موضوع نقاش.
تقول هذه الآية بأنَّ الرجلَ قد جُعلَ قواماً على المرأة لسببين: السبب الأول هو كونه أفضل من المرأة بقرار إلهي، (بما فضّل الله بعضهم على بعض) والسبب الثاني، كونه المعيل الذين ينفق عليها من ماله. (وبما أنفقوا من أموالهم)
السبب الأول، لا حاجة لتفنيده إذ أن إعارته أي اهتمامٍ لَيوحي بأننا نعطي مصداقيةً لنبوة محمد. إنّ هذا الرجل الذي ادّعى النبوة، لا يتورّع بالتأكيد عن أن ينسب لله الذي أنتجته مخيّلته، أي أمرٍ يلبّي طموحاته ويرضي شهواته أو يبرر أفعاله. مثال على ذلك استنزاله لآيةٍ يفرض بها على ابنة عمه زينب الزواج من ابنه بالتبني بقرار إلهي، ثم استنزاله بعد ذلك لآيةٍ أخرى، يسمح لنفسه أن يتزوج منها بعد طلاقها من ابنه. ومثال آخر، استنزاله لآيةٍ يحلل فيها لنفسه أن ينام مع أية امرأة تعرض نفسها عليه إلى درجة دفعت زوجته الصغيرة عائشة إلى السخرية منه بقولها: "يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك!"
أما السبب الثاني فلا يفنده الأمر الواقع في أيامنا هذه فقط، والذي يثبت أن المرأة مساوية للرجل في قدرتها على أن تكون المعيلة، بل تفنده حياة محمد نفسه الذي عاش على حساب خديجة زوجته الأولى، وهو لذلك السبب، لم يجرؤ أن يطلِعَ وهي علي قيد الحياة بهذه الترهات المهينة لإنسانية للمرأة.
ذاك كان ما تضمنه الشق الأول من الآية، أما الشق الثاني منها، فقد أنزل المرأة إلى درجة أدنى من درجة الإنسان، مؤكداً بذلك ما جاء في النص القرآني الآخر من سورة آل عمران الذي سبق الحديث عنه.
لقد أمرت هذه الآية الرجل أن يضرب المرأة لتأكيد سلطته عليها، ورغم أن هذا الأمر يعبر عن بشاعة الصورة التي ابتكرها محمد للذات الإلهية، فإن أبشع ما فيها هو أن الأمر بالضرب جاء ليس عقاباً على النشوز بل لمجرد الخوف من النشوز. وبعبارة أخرى، لقد أمر الله الرجل أن يضرب امرأته لمجرّد الشك!!
كلمة "النشوز" تعني "الاستعصاء" أي وبعبارة أبسط، إذا شكّ الرجل بأن امرأته قد تستعصي عليه، أي أنها لربما تحاول أن تمنعه من نفسها، فإنه وبناء على هذا الشك، يتوجب عليه أن يقوم بضربها. وهكذا، لا يكون هناك فرقٌ بين حمار الرجل المسلم وامرأته، فكما يستمر صاحب الحمار على ضرب حماره على مؤخرته ليذكره بأنه لا يجوز له التوقف دون إذنه، كذلك ينهال بسوطه على امرأته متى شاء، ليذكرها بأن لا تفكر أبداً بالاستعصاء عليه.
كرّمها فجعلها مخلوقاً بلا إحساس:
لم يبخل محمد على المرأة بأية صفة من الصفات التي تحط من كرامتها وتجردها من إنسانيتها، فهو لم يكتفِ فقط بإنزالها إلى مرتبة الحيوانات، بل جردها أيضاً من إحساسها حين شبهها بأرض الحراثة وشبه الرجل بالزارع الذي يحق له أن يأتيها بمحراثه ساعة شاء وكيفما شاء: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم.." (آية 223 سورة البقرة)
جاء في تفسير الجلالين شرح لهذه الآية يقول: "نساؤكم حرث لكم أي محل زرع الولد، فأتوا حرثكم أي محله وهو القبل، أنّى، أي كيف شئتم من قيامٍ وقعودٍ واضطجاعٍ وإقبالٍ وإدبار!!.."
وهكذا، فإنَّ المرأة برأي القرآن يجب أن تكون كأرض الفلاحة المنبطحة دائماً والمستعدة لاستقبال محراث الرجل الذي يحق له أن يأتيها من أين شاء ومتى شاء وكيفما شاء. وبعبارة أخرى، ليس للمرأة أن تقول "لا!" فهي مجرد حرث لا رأي ولا صوت ولا إحساس له. لا يمكن لها مثلاً أن تقول: "ليس في هذه الساعة!.. إني لا أشعر برغبة للجماع.." أو، "لا، أنا لا أفضّل أن تأتيني من دبري!.." أو، "رائحتك كرائحة البقر.. اذهب واغتسل ثم عد إليّ!.." فإنَّ أيَّ تصرّف من هذا النوع يعني نشوزاً، أي عصياناً، وعقابُ العصيان ـ لا بل حتى الخوف من العصيان ـ هو الضرب.
كرّمها فصبّ عليها اللعنات وزرع الرعب في قلبها:
إضافةً إلى ما مرّ ذكره، ولإحكام قبضة الرجل على المرأة من كل الجوانب، كان لا بدّ لمحمد من حملة إرهابية يخضعُ فيها المرأة لخوف دائم ممن هو أعظم من الرجل وسوطه. لقد سلّط عليها الله وملائكته وحتى شياطينه وأنذرها بأشد العقوبات إن خَطَرَ بفكرها أن تتحرر من سيطرة الرجل، وما يلي هو غيض من فيض مما تذكره المراجع الإسلامية:
- "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح." (صحيح البخاري)
- "والذي نفسي بيده ما من رجلٍ يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها." (حديث نبوي: المحلى لابن حزم)
- "لعن الله المسوّفات التي يدعوها زوجها إلى فراشه فتقول، سوف، حتى تغلبه عيناه!" (عن ابن عمر: كنز العمال للمتقي الهندي)
- "لعن الله المُفسلة التي إذا أراد زوجها قالت: أنا حائض." (عن ابي هريرة: كنز العمال للمتقي الهندي)
- "إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير أن لا تمنعه ومن حقه أن لا تعطي شيئاً من بيته إلا بإذنه، وإن فعلت ذلك كان وزراً عليها والأجر له، ومن حقه أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه وإن فعلت جاعت وعطشت ولم يُتقبّل منها، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب." (إحياء علوم الدين للغزالي)
وما يلي هو سردٌ لحلمٍ ادّعى محمدٌ بأنه رآه في نومه رواه علي بن أبي طالب، ابن عم محمد وزوج ابنته فاطمة، قال:
"دخلتُ على النبي أنا وفاطمة ووجدناه يبكي بكاء شديداً، فقلتُ له: فِداك أبي وأمي يا رسول الله، ما الذي أبكاك؟ قال: يا علي ليلة أسرى بي (الملاك) إلى السماء رأيت نساء من أمتي يُعَذَّبنَ بأنواع العذاب، فبكيت لما رأيتُ من شدة عذابهنَّ، ورأيتُ امرأة معلَّقةً بشعرها يغلي دماغها، ورأيت امرأة معلقةً بلسانها والحميم يصب في حلقها، ورأيتُ امرأة قد شُـدَّت رجلاها إلى ثدييها ويداها إلى ناصيتها، ورأيتُ امرأةً معلقةً بثدييها، ورأيتُ امرأةً رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألفُ ألفِ لونٍ من العذاب، ورأيتُ امرأة على صورة الكلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها والملائكة يضربون رأسها بمقامع من نار. فقالت فاطمة: يا حبيبي وقرَّة عيني ما كان أعمال هؤلاء حتى وُضعَ عليهنَّ العذاب؟ قال محمد: يا بنية، أما المعلَّقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال، وأما التي كانت معلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها، وأما المعلقة بثدييها فإنها كانت تفسد فراش زوجها، وأما التي تشد رجلاها إلى ثدييها ويداها إلى ناصيتها وقد سُلِّطَ عليها الحيَّـات والعقارب فإنها كانت لا تنظف بدنها من الجنابة والحيض وتستهزئ بالصلاة. وأما التي راسها راس خنزير وبدنها بدن حمار فإنها كانت نمامة كذابة. وأما التي على صورة الكلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها فإنها كانت منانة حسَّـادة."
كرّمها بفرض الإقامة الجبرية عليها:
يقول المسلمون أن الإسلام حرّم وأد البنات فخلّص الأنثى من عادة قبيحة كان يمارسها أهل الجاهلية. وقصة وأد البنات هذه ليست إلا قصة مبالغ فيها كل المبالغة، إذ لو كانت عادة شائعة على نطاق واسع لما بقي من البنات عدد يكفي لمحمد ولأتباعه، ولكان الله قد حسب حساباً للنقص في عدد البنات قبل أن يسمح بأربعة نساء لكل رجل. تركيز المسلمين على هذه القصة لا يُقصَد منه إلا الإتيان بأي شيء يدلّ على أن الإسلام قد أدّى للأنثى خدمة ما. لكن، حتى لو قبلنا جدلاً بأن الإسلام قد أنقذ الأنثى من هذه العادة الشنيعة، فإنه ليصح القول بأنه قد جاء عوضاً عنها بتعاليم تأمر بوأدها حية في بيتها طوال حياتها.
قال محمد: "أقرب ما تكون المرأة من وجه ربها إذا كانت في قعر بيتها وإن صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجد وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها. والمخدع بيت في بيت وذلك للستر." ولذلك قال أيضاً: "المرأة عورة فإن خرجت استشرفها الشيطان" (إحياء علوم الدين للغزالي)
ما قاله محمد عن قعود المرأة في بيتها وعدم مفارقتها له ليس مجرد اقتراح بل هو أمر إلهي وحكم القرآن فيه واضح لا جدال فيه إذ يقول: "وَقَرْنَ فِي بُيوتِكُنَّ ولا تَبرَّجنَ تَبرُّجَ الجاهليَّةِ الأُولَى.." (آية 33 الأحزاب) وصحيح أن هذا الخطاب كان موجهاً لنساء محمد، لكن الأحاديث "النبوية" تؤكّد بأن ما طولبت به نساء محمد يسري أيضاً على نساء المسلمين، وعن هذا يفتي الشيخ عبد الله الفقيه (إسلام أونلاين، مركز الفتوى) فيقول: "إن المرأة مأمورة شرعاً أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لحاجة، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ـ الأحزاب 33 ـ قال العلماء: والخطابُ وإن كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل فيه غيرهنَّ بالمعنى. وقال صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان. رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله، فما لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله. رواه البيهقي وأبو يعلى. وعلى هذا، فإن على المرأة ألا تخرج من البيت إلاَّ لحاجة، وإذا خرجت لحاجتها فيجب أن تلتزم بآداب الشرع في الخروج، بحيث لا تكون متبرجة أو متطيبة، وتكون الجهة التي خرجت إليها مأمونة، وإلا فيجب أن يخرج معها الأب أو الزوج أو الأخ أو الأم إذا كانت غير مأمونة، ولا حرج عليكم ولا ذنب إن كان الأمن حاصلاً؛ ولو خرجت البنت بمفردها، فالمنهي عنه هو أن تسافر المرأة بلا محرم. والله أعلم."
وفي فتوى أخرى للشيخ عبد الله الفقيه رداً على سؤال يقول: "سؤالي عن زوجتي، لقد خرجت مرتين دون إذني ولقد عفوت عنها، وفي المرة الأخيرة لما خرجت أخذت معها ابني وكل العفش فطلقتها، هل أنا ظالم أم إني أتبعت الشرع؟" يجيب الشيخ: "إن خروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه إذا كان لأمر يمكن الاستغناء عنه يعتبر نشوزا عند المالكية والحنابلة، والله تعالى قد بين حكم النشوز بقوله: واللاتي تخافونَ نُشوزَهنَّ فعِظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجعِ واضرِبوهنَّ (أية 34 النساء) فكان عليك أيها الزوج أن تطبق حكم الله تعالى في هذه الآية، وذلك بما يلي: ـ بوعظ الزوجة، وذلك يكون بتذكيرها بعقوبة الله تعالى المترتبة على مخالفة زوجها. ـ بهجرها في الفراش لا في الكلام أكثر من ثلاثة أيام. ـ بضربها ضرباً غير شديد قال ابن قدامة في المغني: روى عن الأمام أحمد: إذا عصت المرأة زوجها ضربها ضرباَ غير مبرح. انتهى.
ثم إذا لم يفد ذلك وساءت العلاقة بين الزوجين بوجود المخاصمة الدائمة مع سوء المعاشرة، وعجز أصحاب الصلاح والرأي السديد من أهل الزوجين عن الإصلاح بينهما، فيجوز في هذه الحالة الطلاق لزوال المفسدة الحاصلة. قال ابن قدامة في المغني: وربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضرراً مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكن وحبس المرأة، مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه. انتهى. وتكرر خروج هذه الزوجة بدون إذن زوجها مع علمها كراهيته لذلك دليل على إصرارها على مخالفته، الأمر الذي يدل على صعوبة الوفاق بينهما، أما خروج الزوجة لأمر لا بد لها منه، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه كعلاج مثلاً، فلا يعتبر نشوزا لحاجتها لذلك. والله أعلم."
وهكذا، فالمرأة المسلمة المؤمنة بدينها المخلصة لتعاليمه، هي التي ترضى بأن تقعد سجينة بيتها، لا تغادره إلا للضرورة القصوى، وإن أرادت الخروج فعليها أن تأخذ أذناً من زوجها، وأن يخضع خروجها لشروط معينة. من هذه الشروط، أن تتقيد باللباس الشرعي، وأن لا تتطيب ولا تتبرّج، ولا تصدر خلال مشيها صوتاً يلفت النظر إلى وجودها، كصوت خلخالها مثلاً، وأن تتحاشى النظر إلى الرجال الذين يصدف وجودهم في طريقها، فخروجها دون التقيد بهذه الشروط يؤدي إلى الفتنة، والفتنة تعني إثارة المؤمنين أصحاب الذكور دائمة الانتصاب مما قد يؤدي إلى وقوع ما لا يحمد عقباه!
أما إذا كانت فترة غياب المرأة عن بيتها لمدة نهار وليلة أو ما يزيد عن ذلك، فإنّ عليها قطعاً أن تكون بصحبة محرم. هذا المحرم يجب أن يكون أحد أقربائها الذين لا يحلّون لها، كالأب والابن أو الأخ مثلاً. والأصل في المرأة المسلمة كما يقول د. عبد الله الفقيه، "أن تقر في بيتها وتلزمه وألا تخرج منه إلا لحاجة ملحة، كما كان هدي نساء السلف رضي الله عنهم أجمعين. وكثرة خروج المرأة من المنزل هي سبب كل فساد على نفسها ومجتمعها، كما هو حاصل في ديار الكفر. فإن فساد الخلق وفساد الفطرة والقيم عندهم من أعظم أسبابه خروج النساء وتبرجهن وقيامهن بأعمال الرجال. بل إن فتنة النساء في تلك الديار من أعظم أسباب صدهم عن الصراط المستقيم، فهم مرضى القلوب، ومرض القلب ينقسم إلى قسمين: مرض شبهة، ومرض شهوة. وغالب الكفار في دارهم مرضهم من النوع الثاني أعني ـ مرض الشهوة ـ فقد انفتحت عليهم جميع أبواب الشهوات، ورأس هذه الشهوات شهوة النساء، ولأجل هذا المعنى أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى هذا في كتابه ’اقتضاء الصراط المستقيم‘، فقال: ’إنما فسدت الملل والملوك والدول عندما خرجت النساء‘"
============================
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط