ربيع يعقوب
/
Jul 17, 2007
في إطار سعيه لتكوين مجتمع متلائم مع الثورة الإسلامية، يكون أكثر طواعية بين أيدي أئمته تطبيقاً لمقولة فقهية إيرانية، تعتبر أن على أهل الثورة الإسلامية أن يكونوا بين أيدي أئمتهم تماماً كما يكون الميت بين يدي الغاسل، ويكون أقل قدرة على التفكير بآفاق منقشعة ومتسعة، تمهيداً لحصر تفكيره واختياره معاً بما يعدّه له حزب الله من أدوار.
في إطار هذا السعي وانطلاقاً من كون الأطفال صفحات بيضاء لا يُمحى أثر ما يُكتب عليها، خصوصاً في ظلّ تكرار الكتابة لا بل حفرها في النفوس، فقد عمل حزب الله على وضع برامج تنشئة تحول دون أن يسترعي تفكيرهم ما لا يدخل في إطار ثقافة الموت وتمجيدها، فينشأ الطفل على مفاهيم تنمي فيه روح الإنتقام والثورة، وتسلب منه كل أحاسيس الطفولة، فيصبح والحال هذه أقرب الى المسيّر منه الى المخير.
كشافة المهدي:
يبدو مما توفر لنا من وثائق وكتب، أن كشافة المهدي التي أسسها حزب الله عام 1985 (ترخيص رقم 563- 1992)، هي عماد برنامج حزب الله لضبط حركة الأطفال الفكرية والسيطرة عليها تمهيداً لحصرها ضمن الدائرة الجهادية الثورية الشيعية، الإستشهادية الإسلامية. هذه الكشافة تعلن على موقعها الإلكتروني أن من ضمن أهدافها بناء جيل إسلامي صالح على منهج ولاية الفقيه والإعداد لنصرة الإمام المهدي، كما تورد إحصاءات للعام 2005، تفيد أنها تضم 45901 فرد، مقسمين الى عناصر وقوّاد، يتوزعون على 5 مفوضيات، وتتراوح أعمارهم بين 6-16 سنة.
تعرّف الكشافة نفسها على أنها جمعية تربي الكشفيين على ثقافة المقاومة والفداء. والأهم في ما تورده إنها قدمت 120 شهيد من قادتها وعناصرها على رأسهم الإستشهاديين.
قراءة بسيطة لهذه المعطيات الكشفية تجعلنا نعتقد لا بل نتيقن أننا أمام جيش رافد لحزب الله مؤلّف من الأطفال والأولاد والمراهقين، فماذا يعني أن تقدم كشافة أغلبيتها الساحقة لم تبلغ سن الرشد 120 شهيداً؟ وأن يكون على رأسهم استشهاديين؟ ألا يعني هذا أن أولاداً ذهبوا الى القتال قبل أن يبلغوا السن التي تخولهم أن يحكموا الحكم المنطقي على خياراتهم؟ فليخبرنا أحدهم عن أي كشافة في العالم تقدم استشهاديين؟ وحدها الجيوش والميليشيات المسلحة هي التي تقدم المحاربين والإستشهاديين. لو اكتفت الكشافة بالإعلان عن تقديمها 120 شهيداً لكنا ظننا أنهم قتلوا جرّاء الإعتداءات الإسرائيلية، لكن استعمال عبارة الإستشهاديين هي دليل قاطع على إشراكهم في القتال.
يعزز هذا الرأي أي مشاركة الأطفال في المعارك التحقيق الذي أوردته مجلة روز اليوسف المصرية تحت عنوان "ميليشيات الأطفال في حزب الله" (18 آب 2006)، والذي نقلت فيه حديث أدلى به نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله الى إذاعة راديو كندا، يقول فيه " أنّ أمة تملك أولاداً مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل الله هي أمّة منتصرة". هذا الكلام إضافة الى أنه اعتراف كامل بمشاركة الأطفال في المعارك، يعني أن قاسم يعتبر تضحية الأولاد بأنفسهم هو نتيجة لاستعداد شخصي من قبلهم غافلاً عن باله أن المعاهدات والمواثيق الدولية تمنع الاطفال من المشاركة في الحروب وتعتبر إشراكهم فيها سلباً لحريتهم وانتقاصاً من حقهم بالإختيار والتمييز، لأن هذا الحق لا يكتمل إلا ّعند بلوغهم سن الرشد.
أن الأمة التي تعتمد على الأطفال لتحقيق انتصاراتها هي أمة مجرمة وليست منتصرة.
ويتضح من شعار كشافة المهدي، مدى ابتعادها عن المبادىء الكشفية واقترابها من المبادىء العسكرية، فالسيفين البارزين في الشعار يذكراننا بالشعارات العسكرية التي تضعها الألوية والوحدات العسكرية، إلا أن السيفين لهما وقع أكثر رهبة على النفوس من البنادق أو الدبابات التي ترسم على الشعارات العسكرية، نظراً لأن السيف يرمز الى القتال المتلاحم, مع كل ما يؤدي اليه من ذبح ودم. ولم نجد لدى اطّلاعنا على شعارات كشفية أخرى في دول متعددة ما يدل على تبني تلك الشعارات لكل ما هو عنفيّ او حربيّ.
وتُعتبر مشاركة أطفال كشافة المهدي بالعروض العسكرية الخاصة بحزب الله، تعبيراً عن التنشئة العسكرية لهؤلاء الأطفال. وبالرغم من أن الكشافة تعتبرها مشاركة رمزية تتماشى مع ثقافة المقاومة وتمجيد المقاومين، وتشديدها على أن المشاركة تتم إما ببنادق بلاستيكية أم بدون بنادق، إلا أننا نرى أن المشاركة في الإستعراض هي أكثر من رمزية، إنها ترجمة لما أوردناه نقلاً عن نعيم قاسم أعلاه، فلا يوجد أي جيش في العالم تشارك معه في الإستعراض العسكري فرق من الأطفال. (ثم إن حزب الله إذا فرّق نفسه عن الجيوش باعتباره مقاومة ويفعل ما لا تفعله الجيوش، إذاً فليخبرنا عن أي مقاومة في العالم تقوم بعروض عسكرية. فالمقاومات على حد علمنا هي حركات سرية لا علنية، ولذلك نميل الى اعتبار حزب الله جيش الثورة الإسلامية في لبنان). ثم إن الدلالة على رمزية مشاركة الأطفال بعدم وجود البنادق الحقيقية غير مقنع نظراً لأن رجال حزب الله في عروضهم العسكرية لا يحملون السلاح أيضاً. لذلك نجد أن مشاركة الأطفال في العرض العسكري ليست رمزية بل هي على قدم المساواة مع الرجال.
التربية:
استبدلت الكشافة الكتب التي ينشأ عليها الاطفال عادةً مثل الأميرة النائمة وبيضاء الثلج وسندريلا... بكتب تحدّ من وقع الطفولة لديهم، مثل فتية الجهاد، شارون الشرير، وسيرة سيد شهداء المقاومة الإسلامية وعاشق الشهادة...، بالإضافة الى ذلك تعمل على بثّ مبادىء الثورة الإسلامية في نفوس الأولاد بين 10- 16عام عبر ترجمتها لكتب فارسية كمثل كتاب "قائدي" الذي يعرّفهم على ولي الفقيه.
ولنشر هذه الكتب فإن كشافة المهدي أنشأت مكتبات متجولة تجول في المناطق الشيعية وتقوم بإعارة هذا النوع من الكتب حصراً، للأطفال والأولاد لكي لا يكون لديهم حرية إختيارللكتب أو حرية للتنويع فيها.
وإمعاناً في الأدلجة (من إيديولوجيا) فإن المسابقات الثقافية الموجهة للأولاد التي تُعنى بالمعلومات العامة تحولت الى مسابقات تتعلق بالمعارك والقتال، تطبيقاً لما تقول الكشافة على موقعها أنها تقوم به وهو "غرس ثقافة وروح المقاومة عبر التربية التي تنعكس على الفرد في كل حياته المستقبلية".
واضح من هذا الكلام أن هذه التربية تطمح للسيطرة على مستقبل هؤلاء الأطفال الذين ضُيِّق عليهم ولم يُمنحوا حق أن يُريدوا أو لا يُريدوا، ولا حتى حق أن يقرأوا هذا الكتاب وذاك الكتاب، ليفاضلوا بينهم. لذلك نعتبرهم أطفالاً مسلوبي الإرادة( دون أن يدركوا ذلك)، موجهين لنصرة الثورة الإسلامية. والغريب أن يقوم بعض المسيحيون باتهام تيار المستقبل بأسلمة البلد مع أنهم لا يملكون أي مؤسسات مشابهة لتلك التي لدى حزب الله، ولا يملكون توجهاً إسلامياً بل توجهاً مدنياً يبرز تماماً من خلال تلفزيون المستقبل وكشافة المستقبل وسائر المؤسسات متناسين أن حزب الله يتصرف بعقلية الدولة الإسلامية في كل تفاصيل المؤسسات التي أنشأها منها الظاهر كتلفزيون المنار، ومنها ما هو غير ظاهر وسنعمل على كشفه. لربما أن حزب الله بالنسبة لهم أصبح حزباً علمانياً يسعى لنشر مبادىء الثورة الفرنسية.
(منقولة عن موقع القوات اللبنانية بتصريح)
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط