هل هناكَ بالفعل وجود لكائن واقعي اسمه (الشيطان) كما تروج له بعض الأديان وبعض الحكايات الشعبية وبعض الأساطير بأن هذا الشيطان يقف بالمرصاد للإنسان في كل خطوة وعند كل زاوية ويتعقبه في كل حركة..؟؟
وعلى الإنسان بالتالي أن يتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر لتفويت الفرصة على الشيطان ليتجنب الوقوع في حبائله ومكائده المستمرة..
وهل يتدخل الشيطان في حياتنا كقدرة خارجية هائلة قادرة على التأثير في خطواتنا وحركاتنا وأفعالنا إلى درجة أن نتخيله جاثماً أمامنا في كل خطوة ومتربصاً بنا حتى في شهيقنا وزفيرنا..
قد تكون بعض المفاهيم الدينية والكثير من الأساطير والحكايات التراثية محقة في الترويج لحكاية وجود (الشيطان) بسبب ارتكازها في الكثير من أدبياتها على هيمنة الخرافة وتغييب العقل..
وهل علينا أن نخلي مسئوليتنا عن القبح الذي ينتشر بيننا لأننا لسنا المعنيين به إنما الشيطان هو المسئول الأول والأخير عن انتشار القبح في سلوكياتنا على اعتبار أنه هو الذي يزيّن لنا أعمال الشر والقبح..
ولماذا حينما نتراجع مثلاً عن أمر سيء نقول أننا استطعنا أن ننتصر على الشيطان، ولا نقول إننا استطعنا أن نهزم نوازع السوء في نفوسنا، وكأن الشيطان طرف يتمتع بكامل الامكانيات الوجودية، المكانية والزمانية للدخول في دائرة الصراع مع الإنسان..
ولماذا لا نعترف بأن الشيطان ربما نحن الذين اخترعناه ولا وجود له، وهو بالتالي مجرد وهم لا أكثر، واختراعه أصبح ضرورة لكي نلقي عليه أخطاءنا ومساوءنا وآفاتنا وضعفنا وشرور أفعالنا ؟؟
ولو تفحصنا الكثير من الأقوال الرائجة في حكايات الناس وفي أدبيات بعض المفاهيم الدينية عن الشيطان، نجدها إنها في الأغلب تركز على أن الشيطان يزيّن للإنسان أفعال الشر ويجبره على الامتثال لها وعليهِ فإنّ الإنسان حينما يرتكب أمراً مشيناً وفعلاً سيئاً وجرماً ما، فإن ذلك بسبب وسوسة الشيطان له وهكذا يصبح الجرم الذي يرتكبه الفرد مسئولية الشيطان وليس قراره هو ونفسه الأمارة بالسوء..
وحسب هذا المفهوم الذي تروج له بعض الحكايات الشعبية وبعض الأفكار الدينية، فإنّ الإنسان في كثير من الأحيان يتحجج بأن الشيطان هو المسئول عن الأعمال الاجرامية التي يرتكبها وليس هو، وبالتالي فإنّ أي فعل غير أخلاقي هو بسبب تزيين الشيطان ولا يستحق عليه العقاب والمساءلة..
ونتساءل لماذا الشيطان حسب المفهوم السائد عند الناس الذي يتقصد الإنسان في كل خطوة ويرديه في شرور الأعمال وسيئات الأفعال يعيش حراً طليقاً متمادياً في العبث بسلوكيات وعقول الناس على مدى كل هذه السنوات المديدة، دون أن نعرف على وجه التحديد مَن هو هذا الشيطان الذي يتعقبنا حتى في أنفاسنا، ولا نستطيع القضاء عليه مرةً واحدة، وأصبح الاعتقاد بوجوده أمراً يجب التسليم الكامل به إلى درجة أن الذين يقومون برمي الشيطان بالجمرات في فريضة الحج أكثرهم يعتقدون أن هذا الشيطان (الحجري) الذي يرجمونه على مدى مئات السنين هو المقصود بمحاربته والقضاء عليه، بينما في حقيقة الأمر أن الشيطان الذي يجب أن ينال الرجم هو جانب الشر في نفوسهم والأفكار البالية والمعتقدات المتخلفة المقيدة للعقل هي التي تتمثل لهم على هيئة شيطان رجيم، وليس هذا التمثال الحجري الذي ينتصب أمامهم والذي في سبيل رميه بحفنة من الجمرات كان الموت سَحقاً تحت الأقدام مصيرهم المحتوم بينما بقيَ (الشيطان) منتصباً في مكانه شاهداً على هوسهم بالتدافع العنيف من أجل فكرة اقصائه من حياتهم والانتصار عليه إلى الأبد..
ولماذا يعتقد الحاج حينما يفرغ من رمي الجمرات أنه قد انتصر على الشيطان وإلى الأبد ولن يراوده مرة ثانية لأنه قد رماه بالجمرات وقضى عليه قضاءً مبرماً وأن الجنة قد فتحت له ذراعيها لاستقباله بما يليق به وليس مهماً بعد ذلك أن تتراقص في أعماقه آلاف الشياطين..
ولا ندري حقيقة أي الشياطين يجب أن يحذر منه الإنسان المسلم؟؟
هل هو الشيطان الحجري الذي يرجمونه في وقت الحج، أم شيطان من نوع آخر يتمثل في سياسة دولة وهو الذي أشارت إليه قوى الأصولية الدينية بأنه أمريكا الشيطان الأكبر وهناك ربما شياطين أصغر كبقية دول الغرب (الكافر) بينما الشياطين التي تعربد فساداً ودماراً وقتلاً واجراماً من المسلمين والعرب فإنهم ليسوا بشياطين..!!
وهكذا فالإنسان المسلم والعربي أصبح محاطاً بأكثر من شيطان يأتيه تارةً من جهة الأساطير والمعتقدات الخرافية وتارةً أخرى من جهة دول كأمريكا والغرب وكل مشاكله ومساوئه وأفعاله الاجرامية ليست إلا من أولئك الشياطين الذين يتربصون به ويتعمدون هلاكه ودماره..
وفي ذات مساء لا تحفُّ به شياطين الجن ولا شياطين الشعر بل كان يزدحم بشياطين الأنس من حولنا سألتُ صديقي (بو عبد الله) الذي أثق بوجهات نظره في بعض المسائل الشائكة عن هل أنه يعتقد بوجود الشيطان في حياته؟؟
وقبل أن يجيب ارتشف قهوته وتمتمَ أعوذ بالله من شيطانك يا (بو محمد) ثم قال: هناك ممن يعيشون بيننا يتفوقون على الشيطان ولديهم الاستعداد أن يمنحونه دورات مجانية في الاجرام والغش والنفاق والكذب وتزيين القبيح في عيون الآخرين أنهم شياطين بشرية فتاكة..
في الحقيقة لا أريد أن أفلسف هذا الموضوع أكثر مما ينبغي ولكني أقول بوضوح ومباشرة أن الشيطان نحن الذين اخترعناه وأسبغنا عليه هالات الحيلة والفتك والشرور لكي نلقي عليه مساوءنا وأفعالنا القبيحة ومقاصدنا السيئة، تماماً كما اخترعنا وبجدارة نظرية المؤامرة وآمنا بها كاليقين الذي يقطع الشك ومن ثمّ ألقينا عليها كل تخلفنا وانهزامنا وضعفنا..
محمود كرم، كاتب كويتي tloo1@hotmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط