بقلم إغناطيوس الأنطاكي
عاشت سورية حرّة أبيّة مقالة كتبها سيادة المطران متى روهم نشرتها عدة صحف سورية، يعلق فيها نيافته على الأحداث المؤسفة الأخيرة التي عصفت بسورية. يورد المقال بشكل عام عدة نقاط جميلة تعبر عن روح المحبة المسيحية التي يجب أن ينادي بها كل رجل دين في هذا الوطن، فالمطران يتحدث عن دور السوريين على اختلاف أديانهم ببناء تاريخ وحضارة بلادهم، و يدعو للإخاء ولاستمرارية العيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
المقال لم يَخلُ كذلك من السلبيات ومن تكرار مواقف لسيدنا متّى تخالف مبادئ شريحة واسعة من أبناء رعيته، أخص بالذكر تنكره للقومية السريانية الآرامية (أو الآشورية سمها ما شئت)، ففي مطلع المقال يتحدث سيادته عن الغزو العربي الإسلامي لسورية واصفاً إياه "بالفتح" وأن العرب عند وصولهم اشتركوا مع أبناء سورية في طرد "المستعمرين الرومان" منها، بينما ما حدث في حقيقة الأمر في القرن السابع الميلادي هو ببساطة استبدال الاستعمار البيزنطي باستعمار أشد وأقوى وهو الاستعمار العربي الإسلامي.
فعندما وصل العرب لبلادنا كانت سوريا ساحة معركة تشهد كر وفر بين الجيش الرومي والجيش الفارسي، وقبل الغزو الإسلامي بعشرين سنة كانت فارس قد احتلت معظم المدن السورية حتى أورشليم، وقام البيزنطينيين بطردهم منها وهم لا يفطنون للخطر الذي يتربص بهم من صحراء العرب. فعندما وصلت جيوش الإسلام لسورية سلم حكام المدن السوريّة المفاتيح للمسلمين دون إقتتال وهم متوقعين أن جيوشهم المسيحية المنهكة من حروبها مع الإمبراطورية الفارسية ستعوض بجيوش أخرة ستأتي من القسطنطينية لتحررهم لاحقاً كما فعلت من قبل مع الفرس. مع الأسف لم يتحقق ذلك أبداً ولكن على اعتبار أن الشام فتحت سلماً بحسب المصطلح الإسلامي لم يُعمل السيف بأهلها حالاً، وتم تحويلهم تدريجيا بالترغيب والترهيب للأسلمة والتعريب. حدث ذات الأمر في مصر مع الأقباط أحفاد الفراعنة وقديسي المجامع الرسولية العظام، أما نهاية المسيحية في بلدان ما يعرف زوراً بالمغرب العربي فكانت مأساوية، فقد قوبلت مقاومة سكان البلاد الأصليين المسيحيين من أمازيغ ومن المستوطنين الرومان بالسيف والقتل حتى مُسحت المسيحية من المنطقة مسحاً لأنها أُخذت حرباً لا سلماً بحسب الشريعة الإسلامية، وينقل عن قائد الجيوش الإسلامية عقبة بن نافع قوله بعدما سيطر على المغرب ووصل للمحيط الأطلسي "يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك"، وهكذا خلت أرض مجمع قرطاج وأرض اللاهوتي الكبير أغسطينس من كل ذكر للمسيح.
ثم يكرر سيادة المطران في مقالته شتم السريان نازعاً عنهم هويتهم الحقيقية وواصفاً إياهم "بالعرب المسيحيين" جاهلاً أو متجاهلاً أنه في لغتنا السريانية الحبيبة كلمة عربي مشتقة من عِربو ومعناها الصحراء أو البادية فيكون معنى كلمة العربي بالسريانية الصحراوي أو البدوي، فكيف يهين لسيادته أن يصف أجدادنا بناة أول مدنية بالعالم وأول حضارة عرفها التاريخ ومخترعي أول أبجدية كتبت بها البشرية - كما يعترف هو - بأنهم صحراويين وبدو؟ قد نشترك مع العرب بأصولنا السامية ولكن هذا لا يعني أننا عرب أو أن العرب سرياناً آراميين، نحن أشقاء ولكن هذا لا يعني تزييف الحقيقية والتاريخ ليرضى علينا هذا و ذاك.
اليوم نحن لا نطلب من سيادة المطران متى أن يعتلي المنابر ليدين ويشجب الظلم الذي طال شعبنا خلال القرون الثلاثة عشر الماضية بسبب الإسلام والعروبة، ولكننا نطلب منه فقط أن يقول الحق أو أن يصمت فلا يليق بخليفة رسل المسيح الكذب وإهانة ملته وأبناء جلدته. جميعنا نحب سورية وسورية اليوم وطن الجميع، ولكن من حقنا ومن حق دماء أبائنا أن يتم الاعتراف بنا كما نحن فأرضنا واسعة حاضنة لكل أولادها من عرب وسريان وأرمن وأكراد وغيرهم على اختلاف أديانهم وأصولهم.
ولا ننسى ما قاله الراحل الكبير حافظ الأسد "ايها السريان، (يقصد السوريين الأصليين) سوريا بلدكم اينما كنتم وهذا حقكم، وعندما أقول ذلك لا أعطيكم ما ليس لكم"
فإذا كان سيد البلاد قد اعترف بهذه الحقيقة أمام كل العباد وهو يعي بالطبع مضمونها وأبعادها فلماذا تتنكرون نيافتكم لها؟
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط