هل هناك في المسيحية جهاد!؟
سؤال يتوارد على أذهان الكثيرين من الناس، فنجيبهم.. نعم هناك جهاد في المسيحية!! ولكنه ليس كالجهاد المعروف عنه حاليا ولا يحمل أي صفة من صفات ذلك الجهاد المتعلق بالقتل والعنف وعمل التفجيرات وقتل الأبرياء، فمفهوم الجهاد في المسيحية يختلف عن مفهومه في بقية الديانات وخاصة الاسلامية.. فكلمة جهاد لا تعني فقط القتل والانتحار والعمليات الارهابية وغيرها، إنما كلمة جهاد تعني أيضا جهاد في المحبة، جهاد في العطاء، جهاد في تحقيق العدل والمساواة، جهاد للوصول إلى أكبر وأسمى المراكز.. فكلمة جهاد أصلا مشتقة من كلمة جهد، وهي مقدار الطاقة المبذولة في تحقيق أمر معين، فكل إنسان يستطيع أن يرى الجهاد من خلال نظرته الخاصة لهذه الكلمة..
سيقول البعض أن الحروب الصليبية تعبر عن الجهاد وهي لا تختلف عن مفهومها في الاسلام، حسنا لا تحكم على الحروب الصليبية بأنها جهاد في سبيل الله، ولم يكن الصليب يوما شعارا للحروب الالهية، الحقيقة ان كل تلك الحروب التي حمل فيها الصليب لم يكن للرب يد فيها فكل تعاليم الرب ليس فيها امر واحد بتأسيس دولة او مملكة مسيحية على الأرض، لان مملكة الرب الحقيقية ليست من هذا العالم إنما هي مملكة روحية وهي من عالم آخر.. من عالم السماويات وليس عالم الأرضيات.
أيضا لا يهولنك ما يحدث اليوم في العراق مثل فضيحة سجن ابو غريب، فلو قسنا على احد أولئك الأشخاص من الجنود لوجدنا انهم ليسوا اكثر من مسيحيين اسميين اي انهم لا يتبعون السيد المسيح البتة ولا يطبقون وصايا ورسالة الكتاب المقدس كما هي، وليس لهم سوى شارة الصليب التي يعلقونها على صدورهم، ولا يوجد آية واحدة في العهد الجديد تحض على القتل أو العنف، فلو كانوا حقا مسيحيين لكان الاولى ان لا يفعلوا ذلك.. فلم يامر السيد المسيح بتعرية الناس والتمثيل بهم وضربهم، انما قال السيد المسيح من ضربك على خدك الأيمن فاعطه الأيسر.
وهناك أمثلة حية وصادقة من الكتاب المقدس عن الجهاد في المسيحية حيث ربط الجهاد بالإيمان وحياة القداسة والطهارة والحب لكل الناس حتى الأعداء. إن الجهاد في المسيحية معناه الجهاد ضد الخطيئة، الجهاد من أجل المحبة، الجهاد للوصول إلى أعلى درجات الإيمان، وليس القتل والانتحار، وذلك عكس القرآن الذي ربط الجهاد بالانتحار والقتل بإسم الله.
لا يوجد في المسيحية أي نوع آخر من الجهاد سوى الجهاد ضد الأثم وضد شهوات الجسد والكراهية والبغض والحقد والحسد والزنى والذم في الآخرين والقتل والأضطهاد. إنه الجهاد الذي يصل بالانسان إلى حياة الألتصاق بالله والحب والنقاء والصفاء والسلام الكامل الداخلي مع الله والناس. إنه الجهاد السامي الذي يرفع بصاحبه لأرفع المستويات.. لا تقول لي يا أخي القاريء إنك تبالغين كثيرا.. لست أبالغ وسوف أعطيك أمثلة صادقة من الكتاب المقدس وبإمكانك الرجوع إليها إن أردت ذلك.
لنرى معا ما هو تعليم المسيح عن الجهاد:
كما جاء في إنجيل لوقا 13: 24 «ابْذِلُوا الْجَهْدَ لِلدُّخُولِ مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَسْعَوْنَ إِلَى الدُّخُولِ، فَلاَ يَتَمَكَّنُونَ.»
إن باب الإيمان بالمسيح باب ضيق وقليلون هم اللذين يدخلون منه لأنه يتطلب الإيمان الكامل بالمسيح فادي البشرية ومخلص العالم، وهذا نوع من الجهاد والذي يصعب على الكثيرين قبوله.
اعمال المسيح تبين الجهاد الحقيقي:
في إنجيل يوحنا 18: 35-36 فَقَالَ بِيلاَطُسُ: « وَهَلْ أَنَا يَهُودِيٌّ؟ إِنَّ أُمَّتَكَ وَرُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ سَلَّمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَلَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ حُرَّاسِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. أَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا».
في هذه القصة عند حدوث القبض على المسيح لم يسأل المسيح أي من أتباعه وتلاميذه أن يستلوا السيف للمقاومة أو لقتل الجنود الرومان الذين أتوا للقبض عليه. لأن ملكوت المسيح ملكوت روحي والجهاد في هذا الملكوت جهاد روحي بحت، وليس جهاداً معنوياً أو مادياً.
تعاليم تلاميذ المسيح عن الجهاد:
في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 6: 12 «أَحْسِنِ الْجِهَادَ فِي مَعْرَكَةِ الإِيمَانِ الْجَمِيلَةِ. تَمَسَّكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي إِلَيْهَا قَدْ دُعِيتَ، وَقَدِ اعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ (بِالإِيمَانِ) أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ.»
ورسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 7 «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، قَدْ بَلَغْتُ نِهَايَةَ الشَّوْطِ، قَدْ حَافَظْتُ عَلَى الإِيمَانِ.»
وفي رسالة بطرس الثانية 3: 14 «فَبَيْنَمَا تَنْتَظِرُونَ إِتْمَامَ هَذَا الْوَعْدِ، أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، اجْتَهِدُوا أَنْ يَجِدَكُمُ الرَّبُّ فِي سَلاَمٍ، خَالِينَ مِنَ الدَّنَسِ وَالْعَيْبِ.»
وكذلك بطرس الثانية 1: 5-7 «فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، عَلَيْكُمْ أَنْ تَبْذُلُوا كُلَّ اجْتِهَادٍ وَنَشَاطٍ فِي مُمَارَسَةِ إِيمَانِكُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِكُمْ إِلَى الْفَضِيلَةِ. وَاقْرِنُوا الْفَضِيلَةَ بِالتَّقَدُّمِ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَالْمَعْرِفَةَ بِضَبْطِ النَّفْسِ، وَضَبْطَ النَّفْسِ بِالصَّبْرِ، وَالصَّبْرَ بِالتَّقْوَى، وَالتَّقْوَى بِالْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ، وَالْمَوَدَّةَ الأَخَوِيَّةَ بِالْمَحَبَّةِ.»
لم يشهد التأريخ عن أي من أتباع المسيح وتلاميذه أن رفع السيف دفاعاً عن إيمانه أو عن الله. إن الله قادر أن يدافع عن نفسه، فهو لا يحتاج للبشر للدفاع عنه، والله لا يستخدم السيف أو يرص الجنود للدفاع عنه، إنما الجهاد الحقيقي هو جهاد الحب والخير والسلام والكلمة.
ترى يا صديقي العزيز ماهو نوع الجهاد الذي أنت تجاهده الآن؟! هل هو جهاد المحبة، جهاد العطاء، والمساواة، وتحقيق العدل والأمن والسلام.. أم ماذا!؟
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط