د. كامل النجار
/
Apr 23, 2006
منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع أن العرب قد ابتكروا العلوم عندما كانت أوربا تسبح في ظلام الجهل والتخلف، وأن ابن سينا سبق بطبه البلدان الأوربية التي اعتمدت على كتابه لمئات السنين، وأن الإسلام نشر نور العلم في جميع أنحاء العالم. ومما لا شك فيه أن الإسلام قد سيطر على جزء كبير من العالم لفترة طالت في بعض الحالات وقصرت في أخرى، ومما لا شك فيه كذلك أنه قد أثر في تلك البلاد المعنية، ولكن ما هو نوع الأثر وما مداه؟
قبل أن يأتي الإسلام كان العرب العاربة من القحطانيين وحِمْير وقضاعة يسكنون جنوب الجزيرة العربية وكانوا يعرفون القراءة والكتابة التي سماها علماء الأنثروبولجي " المسند "، وكانت لهم حضارة متقدمة سمحت لهم بإقامة ممالك سبأ وحضرموت وغيرها، وبنوا سد مأرب وعبدوا الطرق. وكان جزء من العرب العاربة (بنو المنذر) قد سكنوا منطقة الحيرة. ومع أن منطقة الحيرة كانت تحت سيطرة الفرس، إلا أن المسيحية ومعها القراءة والكتابة وجدت طريقها إليها من الهلال الخصيب الذي كان قد أصبح جزءاً من إمبراطورية الروم المسيحية. ولكن منطقة الحجاز وتهامة سكنهما العرب المستعربة من البدو الذين لم يعرفوا حياة الاستقرار أو تعلم القراءة أو الكتابة. غير أن منطقة مكة والمدينة عرفت الاستقرار والقراءة والكتابة. ويقال أن أول من تعلم الكتابة من قريش سفيان بن أمية بن عبد شمس وأبو قيس بن منان، وتعلم منهم قيلان بن سلمة الثقفي. وعند دخول الإسلام كان في قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتبون، وكذلك بعض النساء مثل الشفاء بنت عبد الله العدوية، من رهط عمر بن الخطاب الذي طلب منها تعليم ابنته حفصة القراءة (البلاذري ص 527). وكانت لقريش قبل الإسلام أوزانها التي أقرها عليها الإسلام، فكان عندهم الرطل والأوقية، وكان الرطل اثنتي عشرة أوقية والأوقية أربعين درهماً. بل كانوا يعرفون الأوزان الدقيقة، فكان وزن الشعيرة يساوي واحد من الستين من وزن الدرهم (الجرام)، وهو نفس الوزن الإنكليزي الحديث. فما الذي حدث لهذه الحضارة الواعدة فجعلها تتقهقر إلى الوراء؟
يبدو أن الإسلام هو العامل الرئيسي الذي شغل قريشاً بالحرب أولاً ضد الإسلام ثم بالغزوات بعد الإسلام فأهملوا التجارة التي كان الإسلام قد قيدها بقيود صارمة منعت الربا وجميع أنواع شركات المرابحة التي كانت قريش قد ابتكرتها وأتقنت التعامل بها. ومع إهمال التجارة أهملت قريش القراءة والكتابة إذ كان الرسول نفسه أمياً (كما يقولون) وكانوا يحفظون القرآن في صدورهم. ومع بداية الجهاد الخارجي الذي أدى إلى فتح بلاد فارس والشام، كثر المال عند العرب فلم يعد هناك دافع للعمل والابتكار. وفي بداية الفتوحات والاحتلال الإسلامي، الذي كان احتلالاً استيطانياً، حاول المسلمون طمس ومحو كل الثقافات غير المسلمة حتى يستتب الأمر للإسلام. ويقال أنه لما فتح المسلمون أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرةً كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء. فإن يكن ما فيها هدى، فقد هدانا الله بأهدى منه؛ وان يكن ضلالاً فقد كفاناه الله. فطرحوها في الماء أو في النار (تاريخ ابن خلدون، ج1، ص 631). وكذلك عندما فتحوا الإسكندرية أحرق عمرو بن العاص مكتبتها. وبما أن الاحتلال الإسلامي كان استيطانياً، فقد أسكنوا العرب في الديار المستعمرة حتى يمحو هوية الشعوب المغلوبة، فقد أنزل معاوية بن أبي سفيان بني تميم في ديار مُضر وربيعة الذين كانوا نصارى (البلاذري ص 183) وكذلك كان المأمون يأمر بطرد من لم يكن على ملة الإسلام من ديارهم. وفرضوا اللغة العربية على البلاد المغلوبة فمحو اللغة القبطية في مصر كما محو لغة البربر (الأمازيقية) في شمال أفريقيا ولغة النوبة في جنوب مصر وشمال السودان، ولغة الأكراد وغيرها. ففي هذه الفترة من تاريخ جزيرة العرب لم يقدم العرب ولا الإسلام شيئاً لحضارات الشعوب المغلوبة، بل بالعكس دمروها ومحوها من الوجود. ولم يحاول العرب والمسلمون الاستفادة من هذه الحضارات بتعلم فنونهم، كفن المعمار، مثلاً. فقد ظل العرب يسكنون الخيام ويحملونها معهم في غزواتهم لنزول نسائهم بها. وعندما بدؤوا البناء في الكوفة وغيرها بنوا منازلهم ومساجدهم من القصب، مما أدى إلى حريق الكوفة في زمن الخليفة عمر بن الخطاب. وعندما استأذنه المسلمون في بناء بيوتهم من الطين، فرض عليهم ألا يتطاولوا في البنيان، فسكنوا بيوتاً من الآجر بينما كان جيرانهم في بلاد فارس والشام يسكنون القصور. وحتى فن القتال لم يحاولوا تعلمه من الفرس والروم الذين كانوا ينظمون جنودهم في شكل مربع، له مقدمة وميمنة وميسرة ومؤخرة، وهو نظام الحروب الذي استمر في كل الجيوش الحديثة حتى القرن التاسع عشر الميلادي. أما المسلمون فقد كانوا يصطفون صفاً واحداً له وسط وميمنة وميسرة، لأن القرآن قال لهم: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص (سورة الصف، 4). ولذلك كانت خسارتهم في المعارك كبيرة ولم ينفعهم غير الأعداد الغفيرة من المسلمين الذين فُرض عليهم الجهاد. وكانوا في أغلب الأحيان يلجأون إلى حصار أعدائهم شهوراً حتى ينزلوا على شروطهم. وكان جنود الفرس والروم يحفرون الخنادق لتمنع عنهم العدو، ولم يكن العرب على علم بذلك حتى نصح سلمان الفارسي الرسول بحفر الخندق حول المدينة في واقعة الخندق.
ثم جاءت الدولة العباسية "وكان المسلمون قد سمعوا بعلوم الإغريق وثشوقوا إلى الإطلاع على هذه العلوم الحكيمة، بما سمعوا من الأساقفة والأقسة المعاهدين بعض ذكر منها، وبما تسموا إليه أفكار الإنسان فيها. فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم ، أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمةً؛ فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات. فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها،وازدادوا حرصاً على الظفر بما بقي منها. وجاء المأمون بعد ذلك، وكانت له في العلم رغبة لما كان ينتحله، فانبعث لهذه العلوم حرصاً، وأوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتسخها بالخط العربي. وبعث المترجمين لذلك، فأوعى منه واستوعب. وعكف عليها النظار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها" (تاريخ ابن خلدون ج1،ص 632).
ومع انتشار الترجمة تعلم المسلمون علوم الفلسفة والكلام وظهر فيهم فلاسفة مثل ابن سينا والرازي والفارابي، وكان ثلاثتهم أطباء كذلك. وظهر كذلك فوارس العقل ( المعتزلة ). ولكن لأن العقل يُخضع الأشياء للمنطق ولا يؤمن بالغيبيات، تصدى فقهاء الإسلام لقتال الفلاسفة وساعدهم الإمام الغزالي بكتابه " تهافت الفلاسفة "، فانهزمت الفلسفة الإسلامية. ولكن هل قدمت الفلسفة الإسلامية قبل أن تموت، شيئاً زائداً على ما قدمه أبو الفلاسفة أرسطوطاليس؟ والجواب حتماً بالإثبات، ولكن ما قدموه كان تحسيناً في ما هو موجود. فابن سينا قد أخذ آراء أرسطو وحاول تفنيد بعضها، خاصة فيما يتعلق بإثبات وجود الإله بالبراهين العقلية، وقد نجح في دحض رأي أرسطو عن إمكانية إثبات وجود الله بالأدلة العلمية، لكنه لم يضف غير ذلك كثيراً. ويعقوب بن إسحق الكندي كذلك اختلف مع أرسطو في عدة مجالات وكان يعتقد أن الحقيقة واحدة والسبيل الوحيد إلى اكتشافها هم الفلاسفة، وليس الأنبياء. أما أبو بكر محمد بن زكريا الرازي فقد أنكر وجود الإله وقال إن المادة لا يمكن أن تأتي من مصدر روحي. وظهر مع الفلسفة علم الكلام ( المنطق) وأدى هذا إلى مناقشة الأديان، ويقال إن أول من تكلم في القدر وأنكره وقال إن الإنسان خالق أفعاله هو معبد الجهني الذي قتله الحجاج. وامتد علم الكلام إلى دائرة الوجود والماهيات التي كان قد طرقها أرسطو، فتعرضت المُسَلّمات الإسلامية إلى نقد المتكلمين من أمثال ابن الراوندي، الذي أنكر وجود الله، وأبي بكر الأصم، الذي أنكر وجود الروح. فانبرى الغزالي، الذي كان قد امتهن الفلسفة لفترة من الزمن، ثم نبذها واعتنق التصوف الذي سماه "المنقذ من الضلال"، للمتكلمين وألف كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" فتوقف علم الكلام. أما الإمام الشافعي فقد أصدر فتوى في المتكلمين قال فيها: "يُضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويُطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام." ( من قاموس التراث، هادي العلوي، ص 68). فمات علم الكلام وكان من الممكن أن يقدم المسلمون للعالم الكثير في هذا المضار.
أما في العلوم الطبيعية، فقد ظهر من المسلمين أطباء أمثال ابن سينا الذي نقل ترجمة كتاب جالينوس في الطب ولم يزد فيه كثيراً، غير أنه حفظ التراث الإغريقي من الضياع حتى اكتشف الأوربيون الترجمات العربية، وصار كتاب ابن سينا المرجع لهم في الطب لفترة طويلة. وكذلك ظهر الفارابي وابن زهر الذي أوصى بمعالجة التراكوما بالجراحة، وابن النصيح الذي اهتم بتشريح القلب. ولكن مشكلة الطب مع الإسلام أن الإسلام يُحرّم تشريح الجثث، والطب لا يتقدم إلا بالتشريح لمعرفة مكان وتركيب الأعضاء ومعرفة أسباب الوفاة حتى يتعلم الأطباء كيف يشخصون المرض الذي أودى بحياة المريض. ولذلك لم يقدم العرب أو الإسلام إكتشافات تذكر في الطب، حتى في عصرنا هذا.
ونبغ في الفلك علماء مثل ابن حزم ( 456 هجرية) الذي قال بكروية الأرض، فعارضه علماء الدين واتهموه بالكفر، ولذلك لم يتقدم علم الفلك كثيراً عما كان يعرفه اليونانيون، خاصة إذا عرفنا أن كروية الأرض قد عرفها أعضاء جمعية فيثاغورس في اليونان قبل حوالي مائتي عام قبل الميلاد. فالمسلمون كانوا يعتقدون بأن الأرض مسطحة وأن ذا القرنين قد سار حتى بلغ مغرب الشمس ووجدها تغرب في عين حمئة. ومن المتأخرين ظهر ياقوت الحموي (1228م) فألف كتاب "معجم البلدان" الذي يتكلم عن الجغرافيا وصورة الأرض وقال إنها كروية. ولكن كان الإغريق والرومان قد سبقوه في ذلك ورسموا خرائط دقيقة للعالم المعروف وقتها. وظهر كذلك البيروني (1049م) وابتكر طريقة جديدة لقياس محيط الأرض. وربما يكون أهم ما قدم المسلمون للحضارة هو علم النباتات واستخراج الأدوية منها، وكان ابن البيطار (646 هجرية ) من أوائل الذين نبغوا فيها وألف كتاب "الجامع لمفردات الأدوية" الذي وصف فيه 1400 نوع من أنواع النباتات والعقاقير.
وأما في علم الحساب فقد قدم جابر بن حيان علم الجبر، وأبو بكر الخوارزمي (847م) وضع أساس علم اللوغريثمات، وعمر الخيام (1121م) طور علم الجبر إلى درجة عالية وحل المعادلات من الدرجة الثالثة. ونصر الدين الطوسي (1273م) طور علم المثلثات الذي كان قد ابتدأه فيثاغورس اليوناني. أما ما يقوله المسلمون من أنهم اخترعوا الصفر الذي أدى إلى ثورة في علم الحساب، فقول ليس به من الصواب شيء. فالصفر قد اخترعه الهنود وظل مستعملاً عندهم لزمن طويل حتى دخل المسلمون الهند واكتشفوا الصفر فنقلوه إلى العربية، ومن ثم تعلمته أوربا من العرب، فطورت الأرقام الرومانية التي كان ينقصها الصفر.
وفي الأندلس حاول عباس بن فرناس الطيران، فغطى جسمه بالحرير الذي ألصق عليه كمية كبيرة من الريش وجعل لنفسه جناحين وألقى بنفسه من على جبل شاهق، فمات. ورغم موته فقد هاجمه علماء المسلمين لأنه حاول تقليد قدرة الله الذي جعل الطيران للطيور فقط.
ويلاحظ القارئ هنا أن كل الأسماء التي سبق ذكرها هي أسماء غير عربية، وأن أعظم المفكرين والعلماء من بلاد فارس، وهذا ما حدا بابن خلدون إلى أن يقول: "من الغريب الواقع أن حَمَلة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، وليس في العرب حملة علم، لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية، إلا في القليل النادر. وإن كان منهم العربي في نسبه، فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع أن الملة عربية، وصاحب شريعتها عربي. والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة؛ لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة؛ وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه، كان الرجال ينقلونها في صدورهم." وكلام ابن خلدون هذا ينطبق على البدو في الحجاز وتهامة لكنه لا ينطبق على العرب العاربة أصحاب الحضارة العريقة التي كبلها الإسلام بقيوده العديدة.
وواضح مما تقدم أن العرب لم يقدموا أي شئ يذكر للحضارة رغم بدايتهم المبشرة التي ظهرت بوادرها في قريش وفي جنوب الجزيرة. وربما يكون السبب راجعاً إلى الإسلام الذي لم يشجع العلوم وحرّم عليهم الفلسفة والمنطق لأنهما يتفكران في ذات الله وهذا غير مسموح به في الإسلام. وجعل علماء الإسلام من أنفسهم أوصياء على الجانب الروحي والجانب الحياتي للمسلم فقرروا ما يستطيع المسلم أن يتعلمه وما لا يُسمح له بتعلمه، وقال محمد بن الفضل البلخي في تعريف العلم: "العلوم ثلاثة: علم بالله وعلم من الله وعلم مع الله. فالعلم بالله معرفة صفاته ونعوته، والعلم من الله علم الظاهر والباطن والحلال والحرام والأمر والنهي والأحكام، والعلم مع الله هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق" (شذرات الذب للدمشقي ج2، ص 282). وقال الشيخ بن باز في تعريف العلم: "لا يكون طالب العلم من أهل العلم إلا بتدبر وتعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ من علماء السنة ، هذا هو طريق العلم" ( فتاوي بن باز، ج9، ص 166). ويقول ابن الجوزي في تعريفه لعبد السلام بن عبد الوهاب البغدادي: " قال ابن رجب: كان أديباً كيساً، مطبوعاً، عارفاً بالمنطق والفلسفة والتنجيم، وغير ذلك من العلوم الرديئة، وكان لم يفتأ غير ضابط للسانه، ولا مشكوراً في طريقته وسيرته ." (أحكام النساء،الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي، ص 36) ويقول الشخص الذي حقق كتاب ابن الجوزي، في صفحة 47: "إن علوم الشريعة هي من أشرف العلوم وأفضلها، وأن مراجعتها ذكر، والعمل بها عبادة." ويقول علماء المسلمين في دعائهم: "اللهم قِنا شر علمٍ لا ينفع". والعلم الذي لا ينفع هو العلوم الطبيعية. ورغم أن الحديث يقول: "تعلموا العلم ولو في الصين" فإن العلم المقصود هو علم الشريعة، ولذلك فشل الفلاسفة المسلمون وعلماء الهندسة والحساب، والفلك والطب، من غير العرب في البحث والتقصي في هذه العلوم التي ربما كانوا قد مارسوها في بلادهم قبل دخول الإسلام، وأصبح دورهم في الحضارة ترجمة التراث الإغريقي وحفظه من الضياع، ولهم الشكر على ذلك. ولكن رغم هذه القيود الإسلامية فقد نجح بعضهم مثل ابن البيطار في تقديم شئ للحضارة الإنسانية، ونجح كذلك علماء الحساب. ورغم أن الكلدانيين والآشوريين والسومريين وغيرهم من أهل ما بين النهرين كانوا قد بدؤوا مسيرة الحضارة وبنوا حدائق بابل المعلقة واخترعوا الكتابة، وأنجبوا حمورابي، إلا أن الاحتلال الإسلامي الاستيطاني قد أوقف عجلة التقدم، فلم تقدم تلك الأرض للعالم شيئاً. وحدث نفس الشئ للمصريين الذين عرفوا الطب وفن العمارة واختراع اللغة الهيروغلوفية وشق الترع وصناعة الشادوف وفن تحنيط الموتى قبل أن يدخل الإسلام مصر فيعرّبها ويمحو قوميتها ودينها وحضارتها ويعزل حفيدات حتشبسوت وكليوباترا عن المجتمع.
فهل يمكن للعرب والمسلمين أن يقدموا للحضارة شيئاً حتى في عصر الثورة المعلوماتية هذا؟ وأظن الجواب يكون بالنفي لأن شيوخ الإسلام ما زالوا يدرّسون الأطفال علوم السلف، ويحلمون بالرجوع إلى القرن السابع الميلادي، ويقضون جل وقتهم في نقاش الدورية الشهرية للنساء، التي أخذت من وقت الإمام أحمد بن حنبل تسعة سنوات ليؤلف كتابه عن الحيض. وما زال علماء الإسلام يشغلهم الجنس وتربية اللحى عن سواهما، ويقول ابن خلدون في تاريخه: "وفي المحدثين غلاة يسمون المشبهة، لتصريحهم بالتشبيه، حتى إنه يحكى عن بعضهم أنه قال: أعفوني من اللحية والفرج وسلوا عما بدا لكم من سواهما." وما زلنا في هذا القرن نجادل في هل يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف جسمها لطبيب ذكر؟ وفي "مجمع الأمثال" يقول حسن البصري: "خرج العلم من عندنا" ولكنه نسى أن يقول: "ولم يعد حتى الآن".
ولتكملة الصورة يجب أن نذكر أن الإسلام قد أثر أثراً سلبياً في تاريخ حضارة الأمم عندما احتل إسبانيا وتعلم منه الإسبانيون فن الاحتلال الاستيطاني وإبادة الشعوب وطبقوا هذا الفن بجدارة في أمريكا الجنوبية عندما أبادوا السكان الأصليين من الهنود الحمر وأحلوا مكانهم العوائل الإسبانية. وفعلوا كل هذا باسم المسيح والمسيحية. وكان الإسبانيون قد تعلموا من المسلمين كذلك أن الحروب الدينية هي التي تنجح ولذلك عندما بدأ الملك فردينانس حربه لتحرير إسبانيا لم يعلنها حرباً قومية لطرد المحتل، وإنما أعلنها حرباً كاثوليكية لطرد الإسلام وباركها البابا في روما، ونجح فردينانس في تحرير إسبانيا. وكذلك تعلم مسيحيو الغرب أن الحروب الدينية دائماً تحرز النصر للمؤمنين لأن الله يقاتل معهم في صفوفهم، ولذلك أعلنوا الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر لاسترداد القدس من أيادي المسلمين، ونجحوا في ذلك في وقتها.
*************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط