رشيد احمامي
/
Dec 09, 2006
سورة المسد هي عبارة عن خمس آيات مكية بالإجماع، وهي من أوائل السور التي أتى بها محمد، وقد اختلف المفسرون في أسباب نزولها اختلافات كثيرة، منهم من قال أن محمدا جمع أعمامه، وآخرون قالوا إنما جمع عشائر قريش، وآخرون قالوا إنما ذهب وفد إلى عمه أبو لهب يسألونه عنه... لكن كل هذه الروايات تجمع في الأخير على شيء واحد وهو أن أبا لهب قال كلمة " تبا" في صيغ مختلفة إما "تبا لك إلهذا جمعتنا"، أو قال: "تبا لهذا الدين يستوي فيه أنا وغيري"، أو قال: "تبا له (يقصد محمداً) وتعسا"! يخبرنا تيودور نولدكه أن ذكر اليد في هذه الآية أو ذكر الحطب لا يعني بالضرورة أن محمدا تعرض للأذى من عمه أو زوجة عمه كما تحاول بعض التفاسير أن توهمنا لأن هذا الأمر لم يرد إلا في الكتابات المتأخرة (البيضاوي والنسفي مثلا)، تجدر الإشارة إلى كون هذه السورة هي الوحيدة إلى جانب سورة الأحزاب الآية 37 هي التي يُذكَرُ فيها رجل معاصر لمحمد.
إن هذه السورة تشبه فن الهجاء في الشعر العربي فقد تعود العرب على رد هجاء بهجاء، وبما أن محمدا لم يكن بشاعر فإن الرد لن يكون إلا قرآنا "تبت يدا أبي لهب وتب" ويدل على استنتاجنا هذا ما قالته زوجة أبي لهب واسمها أم جميل أروى بنت حرب، حين سمعت سورة المسد حيث جاءت إلى أبي بكر متسائلة "ياأبا بكر إني أُخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها" وتخبرنا الروايات أنها ردت على ذلك بقولها: "مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا" يقول لنا المفسرون أن القرآن إنما ذكر أبو لهب بلقبه ولم يذكر إسمه الحقيقي (اسمه عبد العزى بن عبد المطلب) لأن اسمه فيه شرك، وبنفس الطريقة نجد زوجة أبي لهب لم تقل "محمدا قلينا" بل قالت "مذمما قلينا" وهو اسم مشتق من الذم نقيض اسم محمد المشتق من الحمد، وتخبرنا الروايات أيضا أن عبد العزى إنما قيل له "أبو لهب" لأنه كان وضيء الوجه، مما يوحي بوسامته ووجاهته إضافة إلى مكانته المرموقة بين أهل قبيلته، وغناه المادي المشار إليه بقول القرآن "ما أغنى عنه ماله وما كسب".
لم تكن هذه العداوة بين محمد وعمه وليدة الصدفة بل أكيد أن تاريخها يعود إلى ما قبل ذلك فمحمد اليتيم لم يتكفل به إلا عمه الفقير أبا طالب وهو عمه "شقيق أبيه" فعبد العزى لم يكن عمه شقيق أبيه بل كان أخ أبيه من الأب فقط، فأم عبد مناف (الذي هوأبو طالب) وعبد الله (الذي هو أبو محمد) هي فاطمة بنت عمرو المخزومية بينما أم عبد العزى (الذي هو أبو لهب) هي لبنى الخزاعية، إذن فأبا طالب أضاف محمدا إلى أبنائه وبناته وهم ستة فصار سابعهم رغم فقره الشديد، بينما عبد العزى ينعم في خيراته وله سبعة (أو ستة) هو الآخر (ثلاثة أبناء وأربع بنات)، وامرأته أم جميل غنية هي الأخرى لأنها بنت حرب وأخت أبي سفيان (صخر بن حرب) الذي كان أيضا تاجرا كبيرا وواحدا من ألذ أعداء محمد قبل أن يسلم عام الفتح استسلاما لا حبا في الإسلام وصار واحدا من المؤلفة قلوبهم الذين يرشيهم محمدا بالمال والإبل ليبقوا مسلمين، إذن فهذا الحقد الدفين الذي لازم محمدا منذ صغره قد عاد للحياة من جديد حين احتقره عمه قائلا "تبا لك"، غير أن محمدا قد تجاهل تلك العداوة في فترة معينة قبل أن يدعي النبوة، حين اغتنى بمال خديجة بحسب ما يخبرنا القرآن نفسه ( ووجدك عائلا فأغنى) حيث أنه زوج ابنتيه رقية وأم كلثوم لأبناء أبي لهب عتبة وعتيبة، لكن بمجرد أن ادعى محمد النبوة وعارضه عمه معارضة شديدة و رد عليه محمد بسورة المسد تم طلاق البنتين من طرف عتبة وعتيبة، حيث يخبرنا الطبري أن أبا لهب قال لكل واحد من ولديه على حدة (رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته) وهكذا صارت الهوة عميقة بين كل من محمد وأبي لهب إلى أن توفي أبو لهب في العام الذي كانت فيه معركة بدر، الجذير بالذكر ههنا هو أن ولا واحد من أعمام محمد التسعة قد آمن بمحمد إيمانا قلبيا لأنهم كانوا أعلم بحاله، فحتى أبو طالب الذي كان حاميا لمحمد وعاصما له من الناس لم يؤمن به رغم توسلات محمد له وهو على فراش الموت أن يقول الشهادة ولو بفمه فقط، لكن عزته وكرامته لم تسمح له بتلك الإهانة رغم حبه الشديد لابن أخيه، غير أن اثنين منهم وهما الحمزة والعباس قد صارا مسلمين ( ولم أقل آمنا بنبوة محمد) في ظروف خاصة تفسر لنا سبب هذا الإسلام، حيث نقرأ عن حمزة الذي كان في نفس سن محمد " ..كان سببُ إسلام حمزة أَنفةً وغضباً لِما نال أبو جهل عدوُّ الله من النبـي عليه السلام من السبِّ والأذى عند الصَّفا. أَخبرتْ حمزةَ بذلك مَولاةُ عبد الله بن جُدعان، وقد رجع من قَنصهِ مُتوشحاً قوسَهُ. وكان صاحبَ قَنْصٍ. ورفع قوسَه فضربه بها فشجَّهُ شجَّةً منكرةً. وقال: أتشتمُهُ فأنا على دينه أقولُ ما يقولُ، فرُدَّ ذلك عليَّ إن استطعتَ"، وعن العباس (الذي كان يكبر محمد بحوالي سنتين أو ثلاث) نقرأ "وأُسر العباس يوم بدرٍ ففدى نفْسَه وفَدى نَوفلاً وعَقيلاً ابنَي أخويه الحارث وأبـي طالب. والذي أسر العباسَ أبو اليَسَر كعبُ بن عَمروٍ السُّلميُّ من بني سَلِمةَ بن الخزرج".. "إذ ذكر بعضُ من ألَّف في المغازي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُسرَ يومَ بدرٍ: يا رسولَ الله إني مُسلم، وإني أُخرجْتُ كَرْهاً. فقال: «اللَّهُ أعلمُ بإسلامِكَ، وأمَّا ظاهرُ أمرك فعلينا»"، وبالتالي فحمزة أسلم أنفة وغضبا، والعباس أسلم ضعفا واستسلاما، إذن فالقاعدة هي أن أعمام محمد في الحقيقة كانوا معارضين لهذه النبوة ومناهضين لصاحبها ولم يكن عبد العزى استثناء لهذه القاعدة، هنا نكون قد أتينا على فهم خلفية سورة المسد، الآن نأتي إلى بيت القصيد.
كانت هذه السورة ولازالت مثار تعجب ودليل نبوة عند علماء الإسلام، فقد أخبرنا ابن كثير في تفسيره عن هذا الأمر قائلا: "وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: "سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد" فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً، لا مسراً ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة" ليس ابن كثير هو الوحيد بل حتى في نوادي الأنترنت وجدت مثلا المثال التالي: "قبل 10 سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة في القرآن اسمها سورة المسد، هذه السورة تقرر أن أبا لهب سوف يذهب إلى النار، أي بمعنى آخر أن أبا لهب لن يدخل الإسلام . خلال عشر سنوات كل ما كان على أبي لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول "محمد يقول أني لن أسلم و سوف أدخل النار ولكني أعلن الآن أني أريد أن أد خل في الإسلام وأصبح مسلما!! الآن مارأيكم هل محمد صادق فيما يقول أم لا؟ هل الوحي الذي يأتيه وحي إلهي؟ . لكن أبا لهب لم يفعل ذلك تماما رغم أن كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه لم يخالفه في هذا الأمر" (هذا الكلام منسوب إلى شخص يقولون أنه دكتور كندي يدعى ملير قد أعلن إسلامه بسبب سورة المسد هذه)، فهل فعلا هذه السورة تعبر عن إعجاز غيبي خطير؟ وهل هناك بين طياتها ما يجعلها ترتقي إلى مستوى النبوة؟
وسأطرح بعض الأسئلة على علمائنا الكبار وعلى من يريد أن يستخدم عقله من المسلمين:
1 ـ هل بعد أن تم تبادل الهجاء بين محمد وأسرة أبي لهب وطلاق ابنتي محمد من ولدي أبي لهب، يمكن أن يتوقع محمد أن الأمور ستؤول إلى إيمان أبي لهب به؟ إن محمدا كان يعلم تمام العلم نتائج أفعاله فالهجاء في الثقافة العربية أخطر من الحرب، فالكلمات أقوى من السيوف في المخيلة العربية ولنا فقط أن نعرف أن كل من هجا محمد بالشعر من المعارضين قد تم قتله، لماذا إن لم يكن للكلمات خطورة تذكر؟ فبمجرد أن قال "ثبت يدا أبي لهب وتب" علم أن هذا هو الطلاق البين بينه وبين عمه إلى الأبد، والدارس للثقافة العربية يعلم علم اليقين أن هذا الأمر لا يحتاج إلى نبوة لتأكيده.
2 ـ بما أن سورة المسد من أوائل السور المكية فهي كانت جزءا من الدين منذ بداياته، وتتلى في الصلوات وفي التعبد سرا وجهرا، وبالتالي فإن القول بإعجازها هو تهكم على العقل البشري واستهزاء بالقراء، إذ كيف يعقل أن ينتظر محمد من عمه أن يصير مسلما بعد ذلك، هل يريدون أن يصير أبو لهب مسلما يصلي قائلا: "تبت يدي أنا أبي لهب وتب ما أغنى عني مالي وما كسبت سأصلى نارا ذات لهب وأنت امرأتي حمالة الحطب في جيدك حبل من مسد" ثم تقول امرأته وهي تصلي خلفه "آمين صدق الله العظيم"؟؟!! ياله من دين إذن! إذن كيف يتخيل أي إنسان أن هذا الشخص سيعتنق الإسلام ولو من باب إثبات خطأ محمد؟ هل هناك إنسان عاقل في الوجود كله يرضى أن يعتنق دينا معينا إن كان هذا الدين يسبه ويلعنه هو وعائلته؟
3 ـ ثم ألا يوجد في القرآن ما يسمى بالناسخ والمنسوخ؟ فحتى لو افترضنا أن عبد العزى أقدم على إشهار إسلامه فإنه بآية بسيطة يمكن نسخها حرفا وحكما من المصحف وتضيع للأبد كما حدث مع آيات مماثلة! أم أن هذا مستحيل الحدوث؟ ثم بعدها سيطلع لنا المفسرون بألف تفسير وألف رواية من مختلف الطرق والأسانيد، كلها تقول بطريقة أو بأخرى أنه: "كانت هناك سورة كنا نقرؤها فيما رفع من القرآن: "تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب.." وعن فلان ابن علان قال: سيصلى نارا ذات لهب (أي إذا استمر في كفره وتكذيبه لرسول الله)" لكن باب الرحمة واسع لقوله عز وجل (ورحمتي وسعت كل شيء) ووسعت حتى أبا لهب بعدما كان الشيطان قد أضله فأسلم وصلح إسلامه، فنسخ الله سورة المسد بقوله: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"! انتهى السيناريو! أليس هذا مما حدث في الإسلام فعلا في مواقف عديدة؟ فلماذا يريدون أن يجعلوا سورة المسد الإستثناء الوحيد؟!
4 ـ من قال للمسلمين أن أبا لهب سيلج النار؟ القرآن طبعا، فما قولهم في هذه الحادثة التي تقول العكس: قدمت درة بنت أبي لهب المدينة مهاجرة فنزلت في دار رافع بن المعلى فقال لها نسوة من بني زريق أنت ابنة أبي لهب الذي يقول الله له تبت يدا أبي لهب فما تغني عنك هجرتك فأتت درة النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال اجلسي ثم صلى بالناس الظهر وجلس على المنبر ساعة ثم قال أيها الناس ما لي أوذى في أهلي فو الله إن شفاعتي لتنال قرابتي حتى ان صداء وحكما وسلهبا لتنالها يوم القيامة، وفي رواية أخرى "أن سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الناس يصيحون بي ويقولون إني ابنة حطب النار فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب شديد الغضب فقال ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ألا ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" إذن فبالرغم من هذه السورة فإن شفاعة محمد سينالها كل أهله ورحمه بل حتى البعيدين من نسبه يدخلون في تلك الشفاعة يوم القيامة.
5 ـ الشيء الأخير الذي أود من القراء الأعزاء أن ينتبهوا له ـ المسلمين منهم خصوصا ـ هو أن "تبت يدا أبي لهب" تعني حرفيا "خسر أبو لهب وهلك" أو بالعامية المصرية "يخرب بيت أبو لهب" وهي عبارة عن لعنة تتلى في صلوات الإنسان المسلم يوميا، لعنة على إنسان مات منذ ما يزيد عن 1400 سنة، وفي قراءتها والتعبد بها تواب وأجر أيضا، وليتخيل معي القارئ كيف أن المسلم يحني رأسه متعبدا وخاشعا لله ثم يقول "يخرب بيت أبي لهب..." "يلعن أبو لهب ويلعن امراته كمان" وفي آخر السورة يقول آمين "استجب يارب" إنه فعلا موقف يدعو للحزن والشفقة، حين تصير اللعنة جزءا من العبادة وجزءا من الخشوع وبها نتقرب لله، وكيف لا وقائلها هو محمد اللعان الأكبر، الذي كانت آخر كلماته وهو على فراش الموت "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"!! إنه لفرق عظيم بين هذا الدين وبين من أوصى البشر قائلا: باركوا ولا تلعنوا!! فليبارككم الله وليحفظكم جميعا من دين اللعنة ونبي اللعنة!
----------------
رشيد احمامي، المغرب
hmamister@gmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط