إبراهيم عرفات
/
Jul 08, 2002
نحذّر قراء الناقد أن هذه المقالات تحتوي على مواد وعبارات مقتبسة من كتب القرآن والحديث وتعتبر مخلّة بالحياء العام فيرجى أخذ العلم بذلك!
***********
يستمد المسلمون تعاليمهم الروحية وتشريعاتهم المدنية ومناهجهم التربوية من مجموعة مراجع دينية. على رأس هذه المراجع هو القرآن، والذي يعرف باسم مصحف عثمان، نسبة إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وقد أطلق عليه هذا الاسم تمييزاً له عن نسخ أخرى من القرآن جُمعت في عهد عثمان ولكن تم حرقها فيما بعد. أما المرجع الثاني فهو ما يُعرف بالحديث النبوي "الشريف". أهم موسوعة للحديث هي التي تعُرف باسم "صحيح البخاري" نسبة إلى جامعها الإمام أبي عبد الله البخاري الجعفي. هناك أيضاً مجموعات أخرى تحتوي على أحاديث "نبوية"، ورد أو لم يرد ذكرها في صحيح البخاري. كذلك هناك كتب أخرى تختص بالحديث عن تفاصيل حياة محمد، وأهمها "السيرة النبوية لابن هشام".
يؤمن المسلمون بأن القرآن هو الكتاب المقدس الذي لا يعلوه كتابٌ وبأنه نزل بشكل وحي مباشر من الله عن طريق ملاك يُدعى جبريل، قام بتلقينه لنبيهم محمد، كلمة كلمة وحرفاً حرفاً. كذلك يقولون بأن "الأحاديث النبوية" هي أيضاً وحي من الله لمحمد ولكنها تختلف في طريقة الإيحاء بها عن الطريقة التي نزلت بها آيات القرآن. فالقرآن نزل كما أسلفنا بحروفه وكلماته من الله، بينما جاءت الأحاديث على لسان محمد بوحي من الله لتوضيح ما أنزل في القرآن ولشرح مجمله، وفي ذلك يقول القرآن: "وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" (سورة الحشر 59 : 7 ) وهكذا، فقد دعا علماء المسلمين الأحاديث بالسنّة النبوية ووضعوها في المرتبة الثانية بعد القرآن، وأصبحت العناية بها عناية بالقرآن، لأنها مبينة لأمره وشارحة لمعناه ومخصصة لعامه ومقيدة لمطلقه وحافظة لأحكامه ومبناه وفي ذلك يقول القرآن، "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم." (النحل 16 : 44 ) (راجع مقدمة صحيح البخاري طبعة 1987 دار القلم، بيروت)
وكان محمد، حسب ما جاء في المقدمة الذي أتينا على ذكرها: "أفصح العرب لهجة وأبلغهم حجة وأعذبهم كلماً وأغزرهم حكماً واصدقهم حديثاً وأوجزهم عبادة وأعلمهم بلهجات قبائل العرب وأقدرهم على مخاطبة كل قبيلة بلغتها. فلا غرو يكون المأثور عنه من الحديث النبوي صفوة اللغة، وحلية البيان بعد كتاب الله القرآن. يقتبس الأديب من لفظه وينتفع البليغ بصوته ويستمد مفسّر القرآن من أثره ويستكمل الفقيه الأحكام من نصّه ويشيد اللغوي صرحاً للغة من كلمه ويستظهر الحكيم بحكمته، إذ كان صلوات الله عليه لا ينطق بلغوٍ." وفي ذلك قال القرآن عنه: "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" (سورة النجم 53 : 3 – 4 )
******
الحديث التالي هو من صحيح البخاري، باب المحاربين، وفيه تظهر فصاحة محمد، وعذبُ كلامه، وصفاءُ لغته، وحُلوَ بيانه، وأديب لفظه، وغزارة حكمته. يقول نص الحديث:
"حدّثني عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا وهب بن جرير، حدّثنا أبي قال سمعتُ يعلى بن حكيم عن عكرمةَ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال، لمّا أتى ماعز بن مالكٍ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال له: "لعلّك قبّلت أو غمزتَ أو نظرت؟"، قال لا يا رسول الله، قال: "أنِـكْـتَـهــا؟" لا يكنى. قال فعند ذلك أمرَ برجمه.
وقد ورد الحديث مفصّلاً في سنن أبي داود، باب الحدود، كما يلي:
حدثنا الحَسَن بن عليّ حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال اخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول جاء الأسلميّ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مراتٍ كلُّ ذلك يُعرِضُ عنه النبي صلى الله عليه وســلّم فاقبل في الخامسة فقال: "أنِـكْـتَـهــا؟" قال نعم. قال "حتى غابَ ذلك منك في ذلكَ منها؟". قال نعم. قال: "كما يغيبُ المِرْوَدُ في المكحلةِ والرِّشاءُ في البئرِ؟". قال نعم. قال "فهل تدري ما الزنا؟". قال نعم أتيتُ منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأتهِ حلالاً. قال "فما تريد بهذا القول؟". قال أريد أن تطهّرني. فأمر به فرُجِمَ فسَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعهُ نفسه حتى رُجِمَ رجم الكلبِ. فسكت عنهما ثم سار ساعةً حتى مرّ بجيفةِ حمارٍ شائلٍ برجله فقال: "أين فلانٌ وفلان؟" قالا نحن يا رسول الله. قال "انزلا فكُلا من جيفة هذا الحمار". فقالا يا نبي الله من يأكل من هذا، قال: "فما نلتما من عرضِ أخيكًمـا آنفاً أشدّ من أكلٍ منهُ، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهارِ الجنّة ينقمسُ فيها!".
******
كان بودّنا أن نخفف على القرّاء من وقع هذه العبارات النبويّة "الفصيحة البليغة العذبة الحلوة والصافية" بإسقاط بعض حروفها أو مقاطعها، لو لم تكن هذه العبارات بالذات هي بيت القصيد.
إن السؤال الأول الذي يخطر على فكر إي إنسان عند قراءة هذه الألفاظ هو التالي: أي أبٍ أو أم أو معلّم مهذِّبٍ يمكن له أن يقول بأنه لا يخجل من التفوّه بعبارات كهذه أمام أطفاله أو أنه يسمح لأطفاله بالتفوّه بها سراً أو علانية؟.. لا بل أي معلّم يسمح حتى لتلاميذه البالغين بالتفوّه بها!
هل صَعُب حقاً على محمد، وهو أفصح العرب لهجة وأبلغهم حجة وأعذبهم كلماً، أن يجدَ لفظاً آخر يستعيض به عن هذا اللفظ الذي لا يختلف اثنان على مبلغ قباحته؟..
لم يكتفِ محمد بردّ الأسلميّ بالإيجاب على سؤاله ذات العبارة السوقية القبيحة، بل أراد منه أن يوضح له ما فعل تماماً، وكأن لفظة "انكتهــا" لم تفِ بالغرض!.. لم يكتفِ بكلمة "نعم" أو "لا" بل عاد يلحُّ عليه مستفسراً عن تفاصيل ما فعل. لم يشعر محمد بالخجل حيث شعر الرجل فراح يسأله مفصّلاً بالنيابة عنه: "حتى غابَ ذلك منك في ذلكَ منها؟".. (!!) فقال له نعم. ولكن هذا الجواب أيضاً لم يكفِ محمداً فعاد يلحّ على تفاصيل أدقّ، فقال له متابعاً الاستجواب: "كما يغيبُ المِرْوَدُ في المكحلةِ والرِّشاءُ في البئرِ؟"..(!!!!)
******
لا نعرف ما في هذه الأحاديث من "نبوّة" أو من "شرفٍ" حتى تسمى بالنبوية أو الشريفة.
بصراحة، ليس مستغرباً أن تفرز مخيلة رجلٍ كمحمد هذه العبارات التصويرية، وهو بشهادة المسلمين الأوائل الذين خلّدوا سيرته، رجل لا يدانيه إنسان آخر في شبقه الجنسي؛ فقد ذكر البخاري ومسلم أن محمداً كان يدور على نسائه الاثنتي عشرة في ساعة واحدة من الليل أو النهار. وطبعاً، فقد كان ذلك بالإضافة إلى العدد الكبير من الإماء اللواتي كنّ بحوزته وكان يمارس الجنس معهنّ ساعة يشاء. لقد وصفته كتب الأحاديث بأنه كان يتمتع بقوة أربعين رجلاً أو حتى مائة رجل من رجال الجنة!.. لكنّ المستغرب، فهو أن يصدّق مسلمٌ بأنّ هذه العبارات التي يتفوّه بها محمد هي وحي من الله، وبالتالي أن يصدّق بقصة الوحي بكل أشكالها.
******
إذا كانت روائع ذاك الوحي الإلهي، الذي كان ينزل على محمد بفصاحته اللغوية وغزارة حكمه، صالحاً لكل زمان ومكان، فأين وكيف يقف المثقفون والمربّون من إمامِ مسجدٍ إنْ وقف وراء منبره، يلقي على مسامع المصلين رجالاً ونساءً وأطفالاً، خطبة صلاة الجمعة أو العيد، يستشهد فيها من أقوال "النبي" ما أتينا على ذكره؟..
يقول الشاعر: "إذا كان ربُّ البيتِ بالدفِّ مولعـاً، فشيمة أهلِ البيت كلّهمُ الرّقصُ!.."
لذلك لا غرابة أن يتعثر المتصفّح للكتب الإسلامية بهذا الأسلوب اللغوي المتميز يستخدمه صحابة محمد وأهله وخلفاؤه وأتباعه.
لا غرابة في أن يصبح هذا الأسلوب اللغوي أسلوب الخلفاء الأولين ومن تبعهم فيما بعد من قادة الأمة الإسلامية. فمحمد، هو الأسوة الحسنة (سورة الأحزاب 21 ) والاقتداء به من قبل المسلمين شرف لهم.
وهكذا، فإن الباحث في المراجع الإسلامية غالباً ما يتعثّر بآلاف العبارات المشابهة في السوقيّة، في مختلف الكتب الإسلامية، سواء كانت كتب حديث أو فقه أو سيرة أو تاريخ أو أدب أو شعر. في ما يلي مقتطفات سريعة مــا على الباحث الراغب بالاستزادة إلا أن يرجع إلى المصادر المذكورة وإلى عشرات غيرها:
ـ عثمان بن عفان جامع القرآن، يشتم عمار بن ياسر بقوله: "يا عاضّ أير أبيه"!.. (من "أنساب الأشراف" للبلاذري، و "طبقات بن سعد" و "المسعودي"
ـ قول أبي بكر الصديق، الخليفة الأول، لعروة بن مسعود حين وصف هذا الأخير جماعة محمد بأنهم أوباش لا تُعرف وجوههم ولا أنسابهم: "امصص بظر اللات!.." (السيرة النبوية لابن هشام، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، المغازي للواقدي، ومراجع أخرى)
ـ قول معاوية لزرعة بن خمرة الهلالي: "ما أنزلك بين هذين الجفّين؟ قال: إنّا لنا ولهم مثلاً يا أمير المؤمنين، نحن كالأير، أيرٌ شديد صادف اسكتين خوارتين، فقال معاوية: لا يلبثان حتى يمصّا ماءه ويلـيّنـا منه ما اشتدّ واسبطر."
ـ "قال أبو بكر رضي الله عنه لبديل بن ورقاء حين قال للنبي صلى اللهى عليه وسلّم: إن هؤلاء إن مسّهم حرّ السلاح أسلموك: "اعضض ببظر أمك أنحن نسلمه؟" (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي)
ـ قول حمزة بن المطّلب رضي الله عنه: وأنت يا بن مقطّعة البظور مِمَّن يكثّر علينا!" (الرسائل للجاحظ)
ـ "قول عليّ رضي الله عنه: من يطل أير أبيه يتنطّق به" (أساس البلاغة للزمخشري)
نكتفي بهذا القدر إذ بلغنا من الفصاحةِ وحلوِ الحديثِ حداً نخشى من القراء عليه ملامةً!
timothyinchrist@gmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط