إبراهيم عرفات
/
Jun 21, 2009
للناس أرواح البعض تألفه ويشدك شداً وفي أحيانٍ تشعر وكأنك مع توأم روحك، وللبعض الآخر روحٍ فتنفر منه استنفارًاً. هذه روح تجذبك إليها بما فيها من سلام ووداعة قلب، وهذه روح يغلب عليها الطابع البري الشرس المتسلط على الآخرين. أذكر طفولتي كمسلم وأنا أرى روح الوداعة في كثير من أقباط مصر وهدوء النفس وسكينة قلوبهم، وأذكر في الوقت ذاته طريقة الآذان لدينا كمسلمين والتي هي صرخة المعركة ونسمعها في اليوم الواحد خمس مرات فيها من التكرار ما يجعلك لا تجد أي سبيل للهروب فلا تسمع إلا ما ينفرض عليك. إنهم يتقدمون للمعركة وأصواتهم تعلو بـ صرخة الرعب "الله أكبر". إنها صرخة الرعب حقاً ونبي الإسلام وصف نفسه وصف دقيق فقال: "أعطيت خمسا لم يعطعهن أحدا من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة". صرخة الرعب هذه، الله أكبر، تأتينا مع مطلع كل نداء للصلاة وتذكرنا بأهوال عذاب النار والتي يفيض بها قرآن محمد وصارت هي النغمة الغالبة عليه.
إن أكثر سبب لبقاء المسلم على دين الإسلام هو إنه يخشى عذاب النار وبالتالي فالدافع على البقاء قطعاً سلبي لا إيجابي. خوفه من العذاب يحفزه على فعل ما هو مجبر على فعله لا أن يفعله كفعل حب كما هو الحال في المسيح والذي لم يهدد أو يتوعد من لم يؤمنوا به أو يستخدم أي وسائل للتحايل أو لوي الذراع معهم. ونعم الدين يؤخذ بمجمله بما في ذلك الإسلام حيث توجد استثناءات رابعة العدوية والحلاج ومن سلك دربهم الشخصيّ ولكن جلّ أيات القرآن تفيض بهذه "الروح الإسلامية" والتي أوحاها إله نرجسيّ لديه تضخم في الأنا ولذته الكبرى في أن يذل ويرعب ويجبر. ها هو يأمر المسلمين أن يقوموا بتدفيع المسيحيين الجزية عن يد "وهم صاغرون" سورة التوبة آية 29. متى يضطر إنسان ما لأن يصاغر إنساناً آخراً؟ وحده الصغير هو من يصاغر الآخرين لدونيّةٍ فيه في حين الكبير دائماً يرفع الجميع ويراهم كبارًا بل ويعلونه كذلك.
وفي حين ينتصر محمد بالرعب يأتي المسيح بخلاف الرعب وبسط النفوذ السياسي المحمديّ حيث "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفيء"(متى 20:12). جلّ تعاملات المسيح تأتي على مستوى افتدائيّ هدفها الإنسان نفسه/ نفسها. إن الروح الغالب على شخصية المسيح يجعل كل من يتعامل مع المسيحيين ينجذب للمسيح الساكن فيهم دون مقاومة؛ فالمسيح ينتصر في كيانهم بالصليب- لا بالرعب أو التخويف كمحمد- حيث قال: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" (مت29:11). من هنا جاء انجذابي لشخصية المسيح وأنا لم أزل بعد مسلم. هناك شيء ما في المسيحيين جعلني أفتش عن هذا المسيح الذي يمنحهم كل هدوء النفس وجمالها ورقيها على هذا النحو. عباداتهم لم تبدأ بشيء مثل صرخة الرعب "الله أكبر" بل إنجيلهم نفسه يحمل المضمون في الإسم حيث كلمة إنجيل تعني "بشرى سارة". وأين الرعب من البشرى السارة! الإنجيل وإنْ كان كتاباً نحبه ونقرأه بشغف ونلتهم ما فيه لغذائنا إلا أنه في واقع الأمر شخص المسيح ذاته في كل ما قال وجميع ما فعل شاملاً حياته من البدء إلى النهاية. إنَّ كل حياة المسيح إنجيل. كل حياة المسيح بشارةٍ سارةٍ ولا أدنى مجال للتخويف أو الرعب فيها. فمن جاء إلى المسيح فإنه يأتي بمحض إرادته الكاملة، ومن يرفضه يرفضه بمحض إرادته الكاملة دون أن يستخدم معه المسيح سلاح الترغيب والترهيب أو التهديد والوعيد وما يلازمهما من ناكر ونكير وعذاب القبر ومسلسلات الرعب هذه. بوسع الإنسان أن يقفل الباب في وجه المسيح الطارق على باب قلبنا لحظةٍ بلحظة. فإذا أغلقنا الباب فإنه لا يتهدد أو يتوعد أبداً بل يمضي لحال سبيله. حينما غضب بعض أحبار اليهود وحنقوا على المسيح "قاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل . أما هو فجاز في وسطهم ومضى"(لوقا الفصل الرابع آيات 28-30). عندها تتحسر النفس على اندفاعها وهي تسلك بهذه الهمجية إزاء مسيح الله والذي وصف نفسه قائلا إنه وديع ومتواضع القلب (مت29:11) وتتحسر على أنها قد فعلت هكذا بالعود الأخضر ولا يسعها سوى أن تقول بحسرة نفس: "فتحت لحبيبي لكن حبيبي تحول وعبر" (سفر نشيد الأناشيد الفصل الخامس وآية 6).
من يتشبع بروح المسيح لهو في مصالحة كونية مع الخليقة بأسرها ويحرص على أن لا يكون له خصوم حيث المصالحة ليست خيار بل هي إلزام حيث قال المسيح في إنجيل متى الفصل الخامس:
فإِذا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربانَكَ إِلى المَذبَح وذكَرتَ هُناكَ أَنَّ لأَخيكَ علَيكَ شيئاً، فدَعْ قُربانَكَ هُناكَ عِندَ المَذبح، واذهَبْ أَوَّلاً فصالِحْ أَخاك، ثُمَّ عُدْ فقَرِّبْ قُربانَك سارعْ إِلى إِرضاءِ خَصمِكَ ما دُمْتَ معَه في الطَّريق، لِئَلاَّ يُسلِمَكَ الخَصمُ إِلى القاضي والقاضي إِلى الشُّرطِيّ، فتُلْقى في السِّجْن. الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لن تَخرُجَ مِنه حتَّى تُؤدِّيَ آخِرَ فَلْس.سَمِعتُم أَنَّه قيل: العَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر. ومَن أَرادَ أَن يُحاكِمَكَ لِيَأخُذَ قَميصَكَ، فاترُكْ لَه رِداءَكَ أَيضاً. ومَن سَخَّرَكَ أَن تَسيرَ معه ميلاً واحِداً. فسِرْ معَه ميلَيْن. مَن سأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ استَقرَضَكَ فلا تُعرِضْ عنه. سَمِعتُم أَنَّه قِيل: ((أَحْبِبْ قَريبَك وأَبْغِضْ عَدُوَّك أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم : أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم، لِتَصيروا بني أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات، لأَنَّه يُطلِعُ شَمْسَه على الأَشرارِ والأَخيار، ويُنزِلُ المَطَرَ على الأَبرارِ والفُجَّار. فإِن أَحْبَبْتُم مَن يُحِبُّكُم، فأَيُّ أَجْرٍ لكم؟ أَوَلَيسَ الجُباةُ يفعَلونَ ذلك؟ وإِن سلَّمتُم على إِخواِنكم وَحدَهم، فأَيَّ زِيادةٍ فعَلتُم؟ أَوَلَيسَ الوَثَنِيُّونَ يَفعَلونَ ذلك؟ فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل.
بهذه الروح تشبع بها أباء الكنيسة الأولى وقديسيها وصارت إنجيلاً حياً فيهم. نسمع عن قديسين عايشوا الأسود في شراهتها وشراستها وكانت هناك ألفةٌ فانتصروا على ضراوة الأسود بطباع المسيح التي تطبّعوا بها. نذكر نشيد القديس فرنسيس الأسيزي وهو يخاطب أخته الشمس وأخيه القمر وأمه الأرض إذ قد أضحى الكون بأسره له عائلة ينعم هو فيها بالانسجام. القصيدة كاملة موجودة على الرابط التالي:
http://www.catholic.org/clife/prayers/prayer.php?p=183
بل حتى الحية دعاها أخته. بالمسيح الساكن فينا يتذلل لنا أعداؤنا ونجبرهم بالمسيح الكليّ الوداعة وصاحب السلطان بآنٍ- وهو الساكن فينا- للخضوع لروحه دون أن ننبس بكلمة لأن روح المسيح أقوى ويسيطر على هذه جميعها ويذللها حيث له تجثو كل ركبة. بالروح المسيحية يعيش المسيحي في وئام داخلي مع الجميع من البشر بمن فيهم من حيات وعقارب، ويعلم أنه بالمسيح الساكن فيه يعظم انتصاره/ انتصارها، ولا حاجة للانتصار بالرد على المعاملة السيئة بالمثل بل بوداعة المسيح وصليبه. هذا الوئام وذاك الائتلاف الداخلي أسماه القديس مكسميوس المعترف بالليتورجيا الكونية وأيضا أكد عليه جميع أباء الرهبنة وأربابها مثل مار اسحق السرياني ومار أفرام السرياني والقديس أنطونيوس بدون شك.
الروح المسيحية لا ترد على المسلم غضبه بغضب مماثل بل هناك أمر وإلزام بالصمت في بعض الأحيان حيث أنه للوقت كلام وللصمت كلام. يقول القديس بولس ناصحاً ابنه في الإيمان تيموثاوس في الرسالة الثانية: "أَمَّا المُجادَلاتُ السَّخيفةُ الخَرْقاء، فتَجَنَّبْها لأَنَّها تُوَلِّدُ المُشاجَراتِ كَما تَعلَم؛ فإِنَّ عَبْدَ الرَّبِّ يَجِبُ علَيه أَن لا يَكونَ مُشاجِرًا، بل لَطيفًا بِجَميعِ النَّاس، أهْلاً لِلتَّعْليم، صَبورًا.
إن أهم ما يميز المسيح في روحه المسيحية هو أنه رجل الذوقيات ولا يفرض نفسه على أحد أو يجبر أحد على الإيمان به ولو بأدنى ذرةٍ من التخويف. أصدق تصوير له هو ما نقرأه في مثل الابن الضال حيث لا نجد الأب يقف على الباب يسده كي ما يمنع ابنه من المضي لحال سبيله وطيشه وهو يعلم تمام العلم مسبقاً أنه قد أخذ حصته من الميراث ليبددها ولن يحسن استعمال الحرية. برغم كل ذلك لا نجده أبداً ديكتاتور على طريقتنا الشرقية فيسلب ابنه من حريته بل يحترم حريته لأن هذا الأب الذي يشير في مثل المسيح إلى الله هو ببساطة في شخصيته كان وسيظل دوماً "جنتلمان" ولا يسلب أي إنسان حريته ليختار أو حقه ليقول لا. وعليه لا يفوتنا أن أكثر صفة تميز الروح المسيحية هي احترام أحقية الآخرين أن يكونوا كيفما يريدون أن يكونوا دون النظر إليهم نظرة فوقية ولكنها روح مفعمة بالقبول الصادق والتقدير الصادق لما هو عليه الشخص. إذا، لماذا نؤمن؟ أليس لننجو من عذاب الجحيم؟ كلا ثم كلا. نحن نؤمن لأننا لا نقدر أن نعيش بدون الرب حيث لسان حالنا هو لسان حال بطرس القائل للمسيح بعبارة جميلة مؤثرة في نفوسنا: "يا رب إلى من نذهب.كلام الحياة الأبدية عندك" (إنجيل يوحنا 6 وآية 68). نأتي للمسيح لنتسلم منه الحياة الأبدية لنحيا بها الآن في حاضرنا وغدنا إلى مالا نهاية. نأتي للمسيح لننعم بالحياة الإلهية؛ وخطيئة الإنسان ليست هي السبب في تجسد الله ولكن السبب هو الحب الإلهي ذاته. السبب إيجابي لا سلبي. يقول القديس مار اسحق السرياني في ميامره في فصول العرفان Gnostic Chapters iv.78 الآتي: صار متجسداً لا ليفدينا من الخطايا أو لأي سبب آخر ليس إلا أنه أراد للعالم أن يعرف الحب الذي لدى الله للخليقة بأسرها". واليوم جريمة المسيحيين هي جريمة المسيح ذاته والتي حوكم لأجلها منذ ألفي عام والمتمثلة في صليبه؛ الأمر الذي يستنكره الدكتور محمد كامل حسين في كتابه "قرية ظالمة" بعبارات عذبة تخاطب الضمير الإنساني: "أتقتلون رجلاً أن يقول إن الله هو الحب، تلك كلمة لا يقولها مجرم. الله هو الحب!"
هناك أناس تشعر معهم بالارتياح وحضورهم معك في ذاته يشعرك بالطمأنينة والارتياح حيث الروح المصاحب لهم يبعث على الاطمئنان لأن نعمة الله تسكنهم والمسيح بوداعته يهيمن عليهم فلا عجب أن "شفتاك يا عروس يقطران شهداً"(نشيد 4: 11). الروح المسيحية هي روح الحرية والانطلاق حيث في حضورها لا نخشى أن نظهر على طبيعتنا بل نتحرر من الأقنعة ونصبح في يقين القبول على ما نحن عليه دون شعور بالعار (تكوين 25:2). فالله ما جاء ليكبّلنا بطوطمية الحلال والحرام وكأننا في مهد الطفولة البشرية بل حبه يدفعنا لنفعل كل شيء بمسئولية الحب وفي نقاء هو مُلهمه. في الحرية المسيحية لا أخشى أن أقول لك من أنا فأخشى قبولي منك. بالروح المسيحية ينطلق المسيحي داخلياً حراً طليقاً لأنه ابن أولأنها ابنة لآبٍ خالق الكون نعرفه على أنه الله. مع البنوة يقين ويذهب التردد والتخوف فالله لم يعطنا روح الخوف أبداً إزاء هذه الروح المسيحية بل روح البنوة المشبعة بالقوة والجسارة والمحبة والفطنة (رسالة تيموثاوس الثانية 1 وآية 7). من تملكته الروح الإسلامية يأتي إلى الله ويمثل أمامه كـ "عبد" من العبيد ويخرج كما دخل من حضرته "عبد". في الروح المسيحية الوضع مختلف لأننا نحن وإنْ عبدناه مع العابدين إلا أننا نعبده بثقة البنين الجسورين وقطعاً بدالة البنوّة ونحن نقترب من عرش نعمته في الصلاة (عبرانيين 4 وآية 16). إذا ما دعوناه ندعوه بجرأة البنين وما لهم من دالةٍ عند أبيهم السماوي صارخين "يا أبا الآب" (غلاطية 4: 3-7). جاء المسيح وألغى العبودية في علاقة الإنسان بربه ويأتي الإسلام وإذ به يرجع بنا للوراء خمسمائة قرن ويزكي روح العبودية وما فيها من خنوع. لقد المسيح جاء ليقضي على الخنوع وماله من انعكاسات سلبية على النفس البشرية حيث الله لم يعطنا روح الخنوع كما يقول القديس بولس لتلميذه تيموثاوس.
لكن ماذا عن إله الإسلام وأي روح يغرس في من التصقت أرواحهم بإلهم الإسلام؟ الله في المسيحية لا يكبل الإنسان بقيود من التحريمات والتابوهات كما هو الأمر في الإسلام حيث قائمة الحلال والحرام لا تنتهي. في الإسلام عقلية التابوه/ ذهنية التحريم قد شوهت العقل العربي ونزلت بروحانيته الإسلامية لتصبح أحطّ أنواع الروحانيات بين الأديان قاطبة. تراهم يسألونك: هل الشعر حلال أم حرام؟ هل الغناء حرام أم حلال؟ هل الرقص حلال أم حرام؟ هل نتف شعر الإبط حلال أم حرام؟ وهكذا دواليك. بل حتى أديان الهند الشرقية لم تهبط بالإنسان في روحانيتها بما هبط به الإسلام إليه لأنهم في بلاد آسيا يقدسون الإنسان والنفس الإنسانية. جاء الإسلام وعوضاً عن أن نكون أصحاب ذهن بريء كالأطفال صرنا نرى النجس في كل شيء وصارت هذه عورة وتلك عورات والمرأة ليست إلا جملة من العورات مما أدى إلى تشويه ثقافتنا العربية فصارت ليس إلا اعتوار في ضميرها. المسيح يأتي ليقول لنا إن ما ينجس الإنسان ليس ما يأكله ولكن ما يخرج من جوفه من حسد وأحقاد وضغائن. جاء المسيح ليرد لنا براءتنا المفقودة ويعيدها إلينا فنرى كل شيء في براءة الأطفال فنعود لفردوسيتنا الأولى كما كان آدم وحواء عريانين وهما لا يخجلان. يقول الإنجيل لنا: "كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِراً، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضاً وَضَمِيرُهُمْ. "(تيطس 1: 16). عندما تجد إنسان مشغول بالكلام عما إذا كان هذا نجس وهذا طاهر فاعلم دون ريب أنه إنسان صاحب ذهن نجس وضمير نجس. المسيح يقدم علاج لا مثيل له عندئذ فيقول: " إِن لم تَرجِعوا فتَصيروا مِثلَ الأَطفال، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّمَوات"(متى 18: 3). عندما ينظر الطفل لأمه عارية فنظرته بريئة؛ وهكذا ينبغي أن نكون نحن كذلك أمام كل أمور الحياة فننظر إليها نظرة بريئة نيّرة طاهرة لأن أذهاننا قد تطهرت بروح الله في الأساس. عندها تكون لنا "بساطة الحمامة" ورقاقة نفسها حيث قال المسيح: "كونوا بسطاء كالحمام"؛ وفي الترجمة اليسوعية: " فكونوا كالحَيَّاتِ حاذِقين وكالحَمامِ ساذِجين"(متى 10: 16). وكوننا حاذقين في الذهن لا يكفي بل المطلوب أيضا إلى جانب حذق الذهن أن تكون هناك في نفوسنا سذاجة الحمام؛ وعندها حقاً نتحلى بالروح المسيحية. الإنسان ليس عقلاً فقط حتى ما نكتفي بما يرتقي إليه في ذهنه من حذق وفطنة فنقف عند هذا ولكن لنا أيضا نفس ينشغل بأمرها المسيح ويريد لها أن تكون في سذاجة الحمام. خلاص النفس الإنسانية وتحريرها من عبوديتها لذاتها هو شغل المسيح الشاغل الذي قال: " فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً"(يوحنا 8: 36). نحتاج إلى أن نلبس المسيح ويتصوّر فينا يوماً تلو يوم. نعيش معه وله وبه ونأنس بصحبته ومعيّته معنا. إنه جاء لكي يعطينا ما لله لا أن يكبلنا بالفرائض والطقوس والأحكام. عندها يكون فينا قبسٌ من ألوهته ويأخذ ما لنا من ترابية فانية ونلبس المسيح وتسري نورايته فينا. نثبت فيه ونقيم فيه فيقيم هو فينا. هكذا يظهر جمال المسيح الآسر للقلب ويبصره من لا يعرفونه فيكون خير شاهد على جمال المسيحية وسموّ الروح المسيحية. أفضل شهادة للمسيح تكون بجعل الآخرين يبصرون جماله فينا لا بالحجج أو البراهين في أمر متعلق باستعلان الله عن ذاته لا بـ إله يخضع لبراهين البشر وحججهم العقلانية.
إن الروح الإسلامية هي روح الغل والمرارة؛ وأول من يزكي هذا الغلّ وتلك المرارة هو إله محمد، إله الإسلام ذاته والقائل في قرآنه "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ" (سورة التوبة آية 14). يجزون رأس هذا ويزهقون روح ذاك والله قائم على تلبية دمويتهم ويشفي غليلهم. في الروح المسيحية إله الإنجيل يقول لنا إنه غير مسموح لنا تحت أي ظرف من الظروف إزكاء روح المرارة أو الغل ولا مبرر يجيز ذلك. فإذا ما غضبنا وباغتنا روح الغل يأمرنا الإنجيل باقتلاعه فوراً لئلا تتوطد جذوره في نفوسنا وعندها تحدث نجاسة في القلب ما بعدها من نجاسة بل هي أشر النجاسات والرجاسات التي تنجسنا والآخرين معنا. يقول الإنجيل: "مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجاً، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ."(عبرانيين12:15).
وفي الوقت الذي يهتز قلبي فيه طرباً لسماع الترتيلة المارونية "يا يسوع الوديع والمتواضع القلب، اجعل قلبك مثل قلبنا" ونذكر المسيح الذي لم يسمع أحد صوته ولا يصيح ولا يجيب الخطأة بالغضب، فالروح الإسلامية هي روح الغضب وهذا ما لا ينتطح فيه عنزان من مشارق الأرض إلى مغاربها. يكفي أن تقول لأي شخص خارج البلاد العربية يشاهد المجتمع المسلم عن قرب وعن بعد عبارة "الروح الإسلامية" وأول ما تستجلب هاته العبارة لذهنه هو كلمة "الغضب" angry . ثم يسألونك بفضول دوماً: هل هم غاضبون دوماً؟ ولما هم غاضبون؟ ما سبب حالة الغضب التي يعيشون فيها باستمرار؟ الروح الإسلامية هي روح الغضب، روح الاحتداد، روح الاحتجاج. حتى قانون الإيمان الإسلامي يستهلنا بعبارة احتجاجية وهي "لا إله إلا.........إلخ". روح الإسلام هي روح الاحتجاج والاحتداد. كان من الأفضل لو بدأت الصيغة الإيمانية لقانون الإيمان الإسلامي المعروف بالشهادتين بعبارة تقريرية إيجابية من قبيل "نؤمن بإله واحد ولا آخر سواه وأن......". الكلام الإيجابي له تأثير يبعث على الراحة في النفس ويهديء من روعها لا أن يؤجج فيها مشاعر الاحتداد والغضب والحنق على كل ما هو مخالف. هذا يأتي بنا لعقلية الإسلام في التعاطي مع المخالف. إنه يريد تقويض هذا المخالف ولا رحمة تجاه المخالف وخاصة عند الجزية والمصاغرة. الله في الكتاب المقدس يأمر دوماً بالرحمة دون قيد أو شرط لمن هو خارج الشعب العبراني أو غير مسيحي ولنا في مثل السامري الصالح عبرة. لم يأت الإسلام مثلا لتقرير مفاد اعتقاداته بل أتى لينقض ويهدم ويرقص رقصة عزرائيل الموت على أشلاء الآخرين وعقائدهم من حيث هو دين حقاً لا يقوم بذاته وإنما يقوم على البطش بالآخرين المخالفين والذين يراهم يجب أن يرضخوا في إذعان لما يراه هو أنه "دين الحق" وحتى "لو كره الكافرون". قال لي صديق أميركي، البروفسور كينيث هونركامب، في جامعة جورجا، وهو أخ مسلم اعتنق الإسلام باختياره ويحمل نفس من أجمل النفوس، إن أكثر ما يشده للإسلام هو أنه لا خيار في الأمر وأنه "له أسلم من في السموات طوعاً وكرهاً". وعليه فهو يرى أن الإكراه وارد وبما أنه وارد فافعل المطلوب بالتي هي أحسن وإلا لأنك ستفعلها برغبتك أو بالإكراه في نهاية الأمر.
هذا هو أسمى ما تصل إليه الروحانية الإسلامية والتي قال عنها صديق مفكر مسلم شهير قد ترك الإسلام إنها "أحط أنواع الروحانيات" وما أصدقه كلما تدبرنا روحانية الإسلام وقارناها بروحانية البوذيين أو الهندوس أو من يعيشون مثلا بلا دين للعمل لأجل الخير والسلام وخدمة المجتمع البشري. لو شاهدنا التلفاز الآن ماذا نسمع من أخبار المجتمع الإسلامي سوى أخبار الغضب والاحتداد والحروب والاقتتال الطائفي؟ صارت هذه كلها ماركة مسجلة لمجتمعاتنا العربية ويزكيها الدين الإسلامي باقتدار. إنها روح إسلامية يزكيها إله يسمى بالـ"الله" لا هم له سوى أن يذل ويرعب. أفضل صور الطاعة الإسلامية لا تتم أبداً عن خيار بل لأنه لا مفر من الأمر وشاء الإنسان أم أبى فإنه سوف يطيعه "ورجله فوق رقبته". لو كان الخيار وارد فحشود غفيرة ترتد عن دين محمد مثلما حدث بمجرد وفاة محمد وحدث ما يسمونها بـ "حروب الردة" وهي في الحقيقة وبكل أسف "حروب مانعي الزكاة".
وماذا عن الفردوس المحمدي؟ إنه في أفضل صوره يأتي مصحوباً بالإكراه. جاء في الحديث النبوي عن محمد الآتي: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل". رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن أبي هريرة. وفي رواية للبخاري عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل، ورواه الطبراني عن أبي أمامة وأبو نعيم عن أبي هريرة بلفظ عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة بالسلاسل وهم كارهون. فمادمت بصدد الحديث عن الإسلام و"الروح الإسلامية" موضوع مقالنا هنا، فأنت حتماً أمام مفردات مثل "وهم كارهون" و"سلاسل" و"كرهاً". إنه إله يسمى بـ "الله" جالس على العرش وينزل المطر، له عن اليمين حدائق وعن اليسار حرائق، إله صمد جاف صلب يقيم في جمود ويطوقه صمت رهيب إلى درجة أنّه يسعنا أن نقول بأنّ اللّهَ في الإسلام يبقى صَمَداً إلى مدى الدهر، وكأن لا حياة فيه، ولا حركة؛ فيما هو في المسيحيّة «تجسّدٌ» وحياة وحركة. وهذا لا يعني انتقاصاً لنظرة الإسلام إلى اللّه، بمقدار ما يعني اختلافاً جوهريّاً في نظرة كلٍّ من المسيحيّة والإسلام إليه. إله الإنجيل ليس بـ صمد ولكنه إله ناطق بالكلمة، ونطقه هو المسيح الذي يعبر عنه خير تعبيرٍ ويجلوه خير جلاءٍ حيث هو أيقونة الله الغير منظور. الله في المسيحية يعلن عن نفسه في المقام الأول بـ "ذاته" هو أي بالنطق المباشر في الكلمة قبل أن يتم تسطير كل هذا في إنجيل مدوّن هو بشارة لنا بحياة المسيح. في هذا المسيح لنا كل ما نريد أن نعرفه عن الله "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً"(كولوسي 2: 9). إنّ إيمان المسلم لا يحتّم أيّة علاقةٍ للإنسان مع اللّه، ولا يُدخل الإنسانَ في حياة اللّه. اللّه، في الإسلام واحدٌ أحدٌ صَمَد، متعالٍ، لا يستطيع أن يكون على علاقة مع أيِّ إنسان. إزاء صمدية الله وجفاف شخصية الله في الإسلام يكون القول بمعية الله والإنسان كفر. الإنسان يدعو ربه في الإسلام ويتعشم في بصيص من رحمته وهو العبد. الرحمة في الإسلام تعني أن الله يرثي لحال الإنسان المزرية ولا تعني أبداً أحشاء الرحمة المقصودة في الكتاب المقدس والتي يتصف بها إلهنا ذاته حيث يقول "من أجل ذلك حنّت أحشائي إليه. رحمةً أرحمه، يقول الرب"(إرميا 31: 18- 20). هناك فارق كبير بين أحشاء الرحمة الإلهية في الكتاب المقدس وتذلل العبيد لـ الله في القرآن.
في الإسلام اللّهَ هو الذي يحتاج إلى إيمان الإنسان واعترافه، لا العكس. اللّه هو الذي يحتاج إلينا ﻟ «نجاهد» في سبيله، ونقاتل من أجله، ونثبِّت ملكه. اللّه هو الذي يحتاج إلينا لكي ندافع عنه، و«نكبِّره»، ونفرضه على الآخرين.
لذلك تركت إله الإسلام واخترت إله المسيحية.
إله الإسلام لا يستقطبني أبداً ولا أريد أن أعبده (فأساساً هو لم يعطني أحد فرصة للاختيار في البداية!) لأنه ، بادئ ذي بدء، اللّهُ الواحد الأحد، الفرد الصَّمَد. إنّه تعريف صحيح. يعني: أنّ اللّهَ واحدٌ في طبيعته، أَحَدٌ في ذاته وأقنوميّته، بعيدٌ متعالٍ لا يُطال، ممتلئ من ذاته، كاملٌ في صفاته، غنيٌّ عن غيره، مغلَقٌ على نفسه، منعزلٌ في سمائه، لا يرغب في شيء، ولا يستطيع أن يُحِبَّ سوى نفسه، لئلاّ يتغيّر ويتحرّك باتّجاه مَن يُحِبّ. إنه إله أناه متضخمةٌ، سيكوباتي مصاب بالنرجسية، ويصف نفسه في قرآن محمد بعبارات دقيقة مثل "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر"(سورة الحشر آية 23). لعمري هذا أقصى ما تصل إليه الروحانية الإسلامية والروح الإسلامية لإله يتجبر ويتكبر ويغرس هذا بسكناه في قلوب المؤمنين به! في مواطن كثيرة يتسربل إله الإسلام دوماً بالكبرياء لا التواضع حيث نقرأ في الحديث: عن أبي هريرة قال : قال رسول الله: ( قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار). وأين هذا من إله الإنجيل والذي نقرأ عنه في رسالة فيلبي 2 وآية 7: "أخلى ذاته متخذاً صورة العبد". ما للتسربل بالكبرياء والتعجرف بالتواضع والنزول وتخلية الذات! هذا هو الفارق الشاسع بين الروح المسيحية والروح الإسلامية.
أرفض إله الإسلام لأنه هو اللّه الصَّمَد، المغلَق على ذاته، ممتنع على الآخرين، لا يُدركُه إنسان. اللّه الصَّمَد متعالٍ جداً، قابعٌ وراء السماء السابعة، في عزلة إلهيّة مطبقة، لا يشعر بحاجة إلى أحد. إنّه يتفرّج على العالم من فوق، فيما العالم، من تحته، يتقاتل بسببه وفي سبيله ومن أجله.
في المقابل الله في المسيحية هو "أب" وكل من ينتمي إليه انتماء صادق يتمتع بأبوته ويعرف أنه مهمٌ بذاته كإنسان وغالي على قلب الله ومحبوب جداً من هذا الإله الذي كثيراً ما وصفه المسيح بعبارته المحببة "أبتاه". ويقدر المسيحي أن يخاطبه في دلال ودالة البنوة قائلاً له من القلب كذلك "أبتاه" أو "بابا السماوي". انتماء كهذا يأتي بثماره في النفس المسيحية حيث تشعر أنها محبوبة حب شديد. ألم تكن أزمة الإنسان الكبرى وكثير من أسقامه نابعة من انعدام هذا الحب الأبويّ؟ انعدام الحب الأبوي يؤدي لشرخ مؤلم في النفس البشرية وله أثار جراح النفس على مدى السنين. حب الله الأبوي يلعب دور عجيب في تماثلنا لما حرمنا منه وشفائنا داخلياً حيث ننظر إلى قلب يسوع الأقدس المضرج بالأشواك والدماء وينزف دماً في حبه الثمين والذي فيه نعلم أنه "ليس حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه" (يو 15: 13).
هذا «اللّه» الإسلامي إلهٌ صعب، صلب، جامد، ظالم، منتقم، مهيمن، جبّار. خلق الألم وابتعد عنه. أوجد المرض من دون أن يُصاب منه بأذى. لقد نصبَ الصليبَ على دروب البشر من دون أن يقترب منه. ملأ الدنيا عذاباتٍ وشقاواتٍ من دون أن يتعذّب هو أو يشقى. قهَرَ العالَمَ بالموت وراح هو يتسلّى برائحة الجثث ويستهزئ بالمائتين. أنزلَ البشر إلى الجحيم من دون أن يعرف شرور الجحيم وسعير نيرانها.
لا أعبد إله الإسلام لأنه هو إله «جهاد»، يَطلبُ منّي أن أجاهد من أجله، وأقاتل في سبيله، أن أدافع عنه، وأحمي جلالَه، وأناضل من أجل أن يبقى واحداً وحيداً، منفرداً بوحدانيّته وألوهيّته. يريدني أن أخاف عليه من أن لا يكون «أكبر»، وأن أخاف منه لتجبّره وهيمنته. إنّه، على ما يبدو، يحتاج إليَّ لكي أرفعَه، و«أكبّره»، و«أشهد» له بإنّه هو «اللّه» وليس سواه.
إنّه إله يطلب منّي أن أُبغضَ الآخرين من أجله أكثر ممّا يطلب منّي أن أحبَّهم كوسيلةٍ إليه. فهو إلهٌ يزرع العداوةَ بين الناس ليرتاح هو، يفرِّق بينهم ليسودَ عليهم جميعهم. إنّه إلهٌ قليل الصبر، يضرب بسرعة. ينتقم. يثأر لنفسه. يَغار. لا يُطيق أحداً بمستواه. إنّه ناطور يتجسّس علينا. همّه المطالبة بحقّه. ولا حقّ عنده لأحد غيره. كل ما يهمه هو أن تحفظ له تعاليّته لا أن ينزل للبشر في تجسد المسيح. تعالي الله في الإسلام يعني أنه بعيداً عن واقعنا، ومعتزلاً عنّا اعتزالاً كاملاً. وعليه فإله الإسلام مغلَقٌ علينا في ـ ذاتِه وبعيدٌ عنّا جداً؛ ولسبب أنّ معرفتنا له، إنْ عرفناه، لا تزال مرتَهنةً بالعالم المحسوس، وهو عالم مادّيّ، ناقص، خاضع للزمان والمكان والحركة؛ فيما اللّه بعيدٌ كلّ البعد عن المادّة والنقص والزمان والمكان والحركة...لذته في تعجيزنا وهو يقول لنا ساخراً في القرآن:"ألم أقل لكم إني أعلم ما لا تعلمون" وكأني بحديث صبيان المكاتب!
منذ ولادتنا كمسلمين يحدثونا عن كائن اسمه الله، ويخوفونا به، ودائماً اسمه مرتبط بعذاب النار. فمن هو هذا "الله"؟
باديء ذي بدء؛ اللّهُ الذي أعبد لا اسم له لكي أَعرفَه به. لفظُ «اللّه» لا يعني لي شيئاً. إنّه اسم جنْس، يُطلَق على كلّ كائنٍ مطلق كامل أزليّ... مثل هذه الكمالات تضفيها عليه الأديانُ والفلسفاتُ جميعُها، وثنيّةً كانتْ أم توحيديّة؛ يهوديّة أم إسلاميّة أم مسيحيّة. واللّهُ، بهذه التسمية، هو نفسه في كلّ الأديان، وعند كلّ الفلسفات. هو، بهذا الاسم، لا يتميّز في دينٍ عن أيِّ دينٍ آخر، أو في شعبٍ عن أيِّ شعبٍ آخر.
أمّا الإسم الحقيقي للّه، الذي يبيّن هويَّتَه وعملَه، فهو الاسم الذي يشير على علاقةٍ بينه وبيننا. فالوالد، مثلاً، إنسان. ونسمّيه «أباً»، أي باسم العلاقة بينه وبين أبنائه؛ ولا يحسن أن نسمّيه إنساناً؛ لأنّه لا يختصّ، وحدَه، بهذا الاسم. هكذا، فاللّه الذي نريده إلهاً لا يختصّ، وحدَه، بهذا الاسم. لذا علينا أن نسمّيه، كما سمّاه يسوع، «أباً». وطلب منّا أن ندعوه أباً، وأن نصلّي له «أبانا».
بمعرفة شخصية أو طبيعة الإله في الإسلام نقدر بسهولة أن نتعرف على "الروح الإسلامية" لأن الناس على صورة الإله الذي يعبدون. قل من تعبد أقول لك في الحال من أنت! وبمعرفة مَن هو الإله في المسيحية وقوام رسالته بأن الله ليس إلا حب (ولا شيء يمكن أن يُضاف إلى هذا الحب) نقدر كذلك أن نتعرف على "الروح المسيحية". في المسيحية، نرى الروح المسيحية تنبثق عن مسيح مصلوب لا قاهر أو غازي للبلاد بالسيف بينما هناك بلاد إسلامية تضع في علمها الشهادة الإسلامية والسيف؛ وبالسيف أخذوا واليوم هم بالسيف يُؤخَذون كما قال المسيح. المسيحية لا تحمل السيف شعارًا لها بل الصليب، والصليب هو إشارة فعلية لمسيح يبذل نفسه بتضحية دون حساب عن الأشرار قبل الأبرار بدافع الحب. الروح المسيحية هي روح بذل الإنسان لذاته في تواضع مطلق على مثال المسيح لا روح التسلط أو السلوك بعقلية "وأنتم الأعلون" كما هو الحال في الروح الإسلامية.
تسرني مراسلتكم على بريدي الآتي:
timothyinchrist@gmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط