بسام درويش
/
Dec 31, 2003
بعد إعلانه عن قراره الأخير بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل، أكّد معمر القذافي أنّ "الجماهيرية العظمى قررت بإرادتها الحرة التخلص من هذه المواد والمعدات والبرامج وأن تكون خالية تماما من الأسلحة المحظورة دولياً".
**********
خطوة عظيمة تستحق الثناء رغم حكاية "الإرادة الحرة" هذه التي لا يصدّق بها حتى القذافي نفسه!.. لا بأس في أن نترك للرجل شيئاً يتبجح به. ليقل ما يريد أن يقول، وليضحك على نفسه وعلى شعبه ما شاء له أن يضحك. وليرفع ما أراد أن يرفع من شعاراتٍ مثل "لا لأسلحة التدمير الشامل.. نعم لأسلحة التعمير الشامل" وغيرها. المهمّ هو أن لا تبقى هناك أسلحة على ذلك المقدار من الخطورة بين يدي "مجنونِ عَظَمَة" لا أحد على وجه هذه الأرض يستطيع أن يتكهّن بتصرّفاته. إضافة إلى ذلك، لا بدّ من الاعتراف بأن قرار القذافي هذا قد أحرج زعماء دول أخرى اضطرّوا إلى تهنئته على الخطوة التي أقدم عليها رغم عدم رضائهم الضمني عنها.
هناك دول أخرى في العالم تملك أسلحة دمار شامل أو مواد لتصنيع هذا النوع من الأسلحة. لكن، نظراً لما تشكله منطقة الشرق الأوسط من تهديد كبير لأمن وسلام العالم بأسره، فإنه يمكن القول بأن خطر تواجد هذه الأسلحة في هذه المنطقة بالذات، هو أعظم من خطر تواجده في أية منطقة أخرى من العالم.
بين حكومات الدول الشرق أوسطية، لا شكّ في أنَّ سوريا كانت الأكثر تأثراً بقرار القذافي، حيث أنها الدولة الوحيدة بين الدول العربية التي يُشكّ بحيازتها لأسلحة دمار شامل ـ أو على الأقل ـ لمواد قادرة على تصنيع هذه الأسلحة. لقد شعر الحكم السوري بالمغص ووجع الرأس من جراء القرار الليبي، وإذ وجد نفسه في حيرة من أمره، فقد سارع إلى خزانة الأدوية التي خلفها الراحل حافظ الأسد، واستخرج منها وصفة طبية خاصة بحالة كهذه: "نحن مع كل خطوة تؤدي إلى السلام في هذه المنطقة والعالم بأسره، لكن وماذا عن أسلحة إسرائيل المدمرة؟.."
*******
حقاً نعم.. ماذا عن أسلحة إسرائيل المدمرة؟!
حقاً!.. إنّ ما يتوجّب على الدول العربية يتوجّب كذلك على إسرائيل، وما يتوجب على إسرائيل يتوجب على كل دول العالم. العالم كله يجب أن يخلو من أسلحة الدمار الشامل، لأن آثار هذه الأسلحة لا تقتصر على المناطق التي تُستخدم فيها إنما على البشرية كلها.
لكن، دعونا ننظر إلى الأمر بعين الواقع والموضوعية:
يُقَدَّر عدد سكان البلاد العربية بحوالي 279 مليون نسمة (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، عدد سبتمبر، أيلول 2001) يُضاف إليهم ما يقارب البليون نسمة من المسلمين غير العرب يجمع بينهم كلهم قاسم مشترك واحد وهو عداء إسرائيل كدولة وكراهية اليهود كأتباع دين. بالمقابل، يُقدّر عدد سكان إسرائيل بحدود ستة ملايين نسمة محصورين ضمن مساحة تزيد قليلاً عن العشرين ألف كيلو متر مربع.
تُرى أي توازنٍ يمكن أن يكون هناك بين إسرائيل ذات الستة ملايين نسمة، وبليون وربع أو أكثر من العرب والمسلمين، يحيطون بها من كل جانب، ليس هناك ما يتمنونه أكثر من القضاء عليها؟ إن هذا العدد الهائل للعرب والمسلمين المشحون بالعداء والكراهية شحناً، بالمقارنة مع عدد الإسرائيليين، هو بحد ذاته سلاح تدمير شامل، فكيف إذا تسلّح هذا العدد الهائل بالقنابل الذرية أو النووية؟..
إن سلاحاً قوياً دفاعياً رادعاً في يد إسرائيل، حتى ولو كان سلاح تدمير شامل، لا يشكل خطراً على أحد كما يشكله تواجده في البلدان ذات الأنظمة غير الديموقراطية. في الواقع، إنه ضرورة لإسرائيل لا بدّ منها للوقوف في وجه الأنظمة المحيطة بها والتي تخضع جميعها لمزاجيات حكام فرديين.
من أجل فهمٍ أفضل لهذا الواقع، لننظر مثلاً إلى الفلسطينيين الذين يقفون في وجه الدبابات الإسرائيلية يرمونها بالحجارة أو بالقنابل اليدوية: وقوفهم أمام هذه الدبابات ليس في الحقيقة شجاعةً إنما ثقة بأنهم يتعاملون مع نظام متحضر، رغم ما قد يصدر عن أي نظام متحضر من أخطاء. لكن، وبالمقابل، لنتصوّر قيام مواطني أية دولة عربية بالتظاهر أمام دبابات نظامهم الحاكم ورشق جنوده بالحجارة أو بالقنابل اليدوية!.. لا حاجة لنا إلى التحليق بعيداً في تصوراتنا، إذ يكفي أن نتصفح بعض جرائد الماضي القريب ونرى ما فعله الأسد في مدينة حماه، أو ما فعله صدام حسين في الأكراد، لنتأكّد بأنَّ أنظمة تتعامل بهذه الوحشية مع مواطنيها، لا يمكن أن تؤتمن حتى على أسلحة تقليدية فكيف الأمر بأسلحة مدمرة!..
*************
إنَّ عالماً بلا أسلحةٍ خطرة هو حلمُ كل إنسانٍ على هذه الأرض، والسلام في الشرق الأوسط ـ قبل أية منطقة أخرى من العالم ـ هو بكل تأكيد الطريق إلى تحقيق هذا الحلم، لكنّ هذا السلام ليس بالتأكيد مرهوناً بتجريد إسرائيل من سلاحها الرادع، ولا بخلو البلاد ذات الأنظمة غير الديموقراطية منه، رغم ضرورة ذلك. هناك سلاحٌ أعظم خطراً من القنابل النووية والأسلحة الكيماوية، وهو سلاح الكراهية العنصرية والدينية. هذا هو السلاح الذي يجب على حكومات العالم أن تتعاون على التخلص منه من أجل بناء مستقبل آمن للبشرية كلها. مستقبلٌ كهذا لن يتحقق إلا بعلمنة الدول الإسلامية وتحقيق الديموقراطية فيها. آنذاك فقط، لن تعود إسرائيل بحاجة إلى أي سلاح مدمر رادع، لأنّ أمنها ـ لا بل وأمن العالم بأسره ـ لن يكون تحت رحمةِ مزاجِ حاكم فرد، ولا تحت رحمةِ فتوى شيخٍ أو خطبةٍ لإمامِ مسجد.
*************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط