بسام درويش / May 12, 2001

عاد غسان الإمام إلى موضوع زيارة البابا بأطروحة جديدة يؤكد فيها نزعته المتعصبة الكريهة، وها نحن نعود للتعليق على بعض ما جاء فيها حيث أن الإجابة على كل كلمة من كلماته ستكون مضيعة للوقت بسبب ما يزخر به حديثه من أفكار صبيانية. مقالته الثانية هذه نشرت بتاريخ الثامن من مايو أيار 2001 وفي جريدة الشرق الأوسط نفسها.

 

تحت عنوان " البابا يعتذر لليهود والأرثوذكس ولا اعتذار للعرب" كتب "الإمام" يقول:

 

"كنت عند الإعلان عن زيارة بابا الفاتيكان إلى سورية، قد سجلت هنا في «الشرق الأوسط» اعتراضي على «الصلاة المشتركة» التي كان يزمع إقامتها في المسجد الأموي الكبير أمام ضريح النبي يحيى (يوحنا المعمدان) هو والشيخ احمد كفتارو مفتي الجمهورية. وكان اعتراضي قائما على أساس أن المسيحية لا تعترف بالإسلام دينا سماويا، في حين يعترف هو بها."

 

تعليق:

سوف يبقى هذا "الإمام" ومن بعده كل الأئمة يعترضون على ذلك إلى يوم القيامة لأننا نؤكّد له بأنّ المسيحية لن تعترف بالإسلام ديناً.

هذا الرجل يتحدث عن الأديان وكأنها دول أو حكومات، فإذا نشأت دولة جديدة أو إذا تأسست حكومة جديدة نتيجة انقلاب عسكري، فإنها تتوقع من دول العالم الاعتراف بها وبشرعيتها بحكم الزمن.

صاحبنا "الإمام" هذا، معذورٌ في اعتراضه المضحك، لأنه في الحقيقة ينتمي إلى دولة وحكومة وليس إلى دين، ولذلك فإنه يعتقد أن الدين المسيحي هو كذلك!

لو اعترفت اليهودية بالمسيحية كدين لما كان هناك اليوم لا يهودية ولا يهود. ولو اعترفت المسيحية بالإسلام كدين، لما بقي اليوم سوى الإسلام يطالب البوذية والهندوسية وغيرها من الديانات الاعتراف به. فلو اعترف كل دين بالدين الذي يأتي بعده على أنه هو الدين الصحيح لما بقي سوى ذلك الدين الأخير.

ترى هل كان هذا "الإمام" يستخدم كامل عقله حين أخذ يخط كلمات اعتراضه؟.. كيف يتوقع من المسيحية أن تعترف بـ "دين" جاء بعدها، لا بل جاء يقول بأنه هو الدين الحق وأن كل ما أتى قبله من أديان أصبح بمجيئه باطلاًَ منسوخاً؟؟!

البوذية والهندوسية واليهودية كلها جاءت قبل المسيحية ولا شيء يمنعني من أن أمدّ يدي وأصافح أيدي الذين يؤمنون بها. لا شيء يمنعني أن أركع أو أقف وأصلي معهم. لا شيء يمنعني أن أتعايش مهم. ولن يخطر بفكري أن أحرمهم حقهم في العبادة على طريقتهم أو في التبشير بمبادئهم لأن إيماني إذا كان عظيماً فلن يكون هناك شيء يقدر على زعزعته، أما إذا كان هشاً فإن نسمة ريح ستقتلعه. لا أمانع أن أصلي جنباً إلى جنب مع "الإمام" رغم أنني أعرف أنه ربما يردد في ذلك الوقت بعضاً من قرآنه الذي يدعو إلى قتلي وإذلالي. لا أمانع أن أصلي إلى جانبه، لأنني سأقف آنذاك أدعو إلى "الله" كي يفتح عينيه لعلّه يتعلّم معنى محبة الناس، بمن فيهم أولئك الذين نشأ على الاعتقاد بأنهم أعداء له.   

 

يتابع "الإمام" مستفيضاً في شرح أسباب اعتراضه قائلاً:

"ثم لأن صلاة البابا في أول مسجد أقامه العرب المسلمون خارج الجزيرة العربية تنطوي على إشارة ضمنية إلي «مسيحية» المسجد"

 

تعليق:

كما سبق وقلنا، إن البابا لم يفتح فمه بكلمة لا من قريب ولا من بعيد توحي بمطالبته بإعادة الحق إلى أصحابه ولكن يبدو هنا واضحاً ما يقوله المثل العامي: "كل مين تحت باطه مسلّة بتنخزه". أما عن قول "الإمام" بأن المسجد كان أول مسجد أقامه العرب خارج الجزيرة العربية، فإنه لمن الواضح بأنه لا يخدع في كلامه إلا نفسه. هذا المسجد لم يُقمه العرب المسلمون إنما سرقوه من اصحابه. وهو يناقض نفسه بنفسه في ما يقوله بعد ذلك:

 

انتزعوه من غيرهم ونحن انتزعناه منهم!

"{هذا المسجد} الذي كان كنيسة قبل الفتح العربي. وإذا كان المسيحيون يتهمون المسلمين بـ«انتزاعه» منهم، فهم أيضا سبق لهم أن «انتزعوه» بعدما كان معبدا آراميا ثم رومانيا قبل المسيحية."

 

تعليق:

كنيسة القديس يوحنا بنيت على أنقاض معبد لم يقوموا هم بهدمه ولم ينتزعوه انتزاعاً. وحتى لو أخذنا بمقولة "الإمام" وبرواية الانتزاع هذه فإننا لا نستطيع أن نفهم منطقه الأعوج. فإذا انتزع المسيحيون بناء من عبدة الأصنام وحولوه إلى كنيسة لعبادة الله فإنه لأمرٌ كان على "الإمام" أن يهلل له، أما أن ينتزع المسلمون بناء كان يعبد المسيحيون الله فيه فهذا يعني بأن المسلمين أعداء الله!!..) راجعوا مقالتنا "تزوير التاريخ"


حديث زقاقي:

"وقد تسبب الاعتراض بإحراج كبير. فقد اضطرت السلطة إلى إجبار الأسقف ايزيدور بطيخة وكيل البطريركية الكاثوليكية على «لحس» تصريحه عن إقامة الصلاة والقداس في المسجد."

 

تعليق:

هذا الإمام الذي يقول في نهاية المقال مخاطباً المرجعيات الدينية المسلمة والمسيحية في سورية بقوله: "إني أسأل بكل احترام وأدب.." هذا الرجل قد أثبت هنا أنه زقاقيّ لا يعرف الأدب ولا يعرف معنى كلمة احترام. ونكتفي بقولنا هذا تعقيباً على أسلوبه البذيء. لسانه ليس بأنظف من لسان نبيّه. راجعوا مقالة "للبالغين فقط".
 

 

للرجل خيال واسع:

"ومن حسن الحظ أن السلطة تنبهت سريعا إلى المحذور الديني للقداس بعدما وزعت وكالة الأنباء السورية تصريح بطيخة. وبالطبع سارع المفتي أيضا إلي العدول عن الصلاة مع البابا مع تعديل الموقف الرسمي، واكتفى بالالتقاء به في صحن المسجد."

 

تعليق:

يبدو أن لهذا "الإمام" خيالاً واسعاً يدفعه إلى الاعتقاد بأهميته وأهمية كلامه وأن الحكومة السورية والمسؤولين في الطائفة الكاثوليكية قد أصابتهم الرعدة بعد أن سـجّل "الإمام" اعتراضه فأسرعوا للعمل به!


يعرف ولكن لا يفهم:

"وكانت زيارة سورية مناسبة نبيلة لتقديم هذا الاعتذار انسجاما مع ما تنطوي عليه المسيحية من مبادئ التسامح.."

 

تعليق:

غريب أن يعترف هذا الرجل بما تعلمه المسيحية من مبادئ التسامح ومع ذلك لا يستطيع حتى الآن أن يفهم أن المسيحية لا علاقة لها بالصراعات الأرضية على عكس الإسلام الذي تأسس على حد السيف، وعليه، فإن المطلوب هو أن يعتذر الإسلام والمسلمون عن احتلال أراض كان يملكها المسيحيون لا أن يعتذر المسيحيون عن محاولتهم استرجاع ما كان لهم.

 

كل الحق "عالطليان":

"الغزو الصليبي الذي تسبب مع الغزوات الأجنبية التي تلته في تخلف العرب وتأجيل صحوتهم قرونا طويلة."

 

تعليق:

يجدر بهذا الكاتب أن يعترف بأن الفضل في نوم العرب يعود إلى المسلمين أنفسهم والفضل الأخير إلى إخوانهم المسلمين الأتراك الذين أبقوهم في الظلمات مدة خمسة قرون.  ثم هل صحا العرب حقاً؟.. أيتحدث هذا "الإمام" عن صحوة العرب وأسياده السعوديون الذين يقبض منهم ثمن مقالاته قد منعوا شعبهم من الإطلاع على أخبار هبوط الأميركيين على سطح القمر كيلا يتناقض ذلك مع تعاليم الدين؟.. أيتحدّث عن صحوة العرب ولا زال هو وعلماؤه الأكارم يسهرون الليل والنهار يبحثون  في جواز صلاة المسلم إلى جانب المسيحي أو عدم جوازها. وفي جواز إلقاء السلام على المسيحي أو تهنئته بعيده أو عدم جوازه؟.. هل صحا العرب المسلمون حقاً من نومهم بينما لا زالوا يرون في يدي المرأة أو وجهها عورة وخطيئة تستوجب عقاب الله إن أظهرتهما لغريب؟

 

سجلات الماضي:

"وصرح شيخ آخر اسمه داود عجك متضامنا مع الأسقف بطيخة بأنه ليست هناك «رغبة في فتح سجلات الماضي»!"

 

تعليق:

يبدو أن "الإمام" لم يفهم أن إعلان الأسقف بطيخة بعدم الرغبة في فتح سجلات الماضي هو لصالح المسلمين أم لعلّ هذا الرجل لا يدري حقاً عما يحفل به تاريخ أمته من أعمال تقشعر لها النفوس ومن جرائم لا تغتفر؟


"نحن نطوي سجلات الماضي أدبا وتأدبا.."

 

تعليق:

لا بل أنت تطوي سجلات ماضيك خجلاً منه. والحقيقة أن ما يجري اليوم من أعمال اضطهاد وإبادة بطيئة للمسيحيين في عدة دول إسلامية ليس إلا امتداداً لذلك التاريخ ولتلك السجلات. 


"على أية حال، لقد تم «تجميل» زيارة البابا لسورية بإدراج صلاة في كنيسة في القنيطرة عاصمة الجولان.."

 

تعليق:

زيارة البابا إذن كانت حسب مفهوم هذا المتعصب بذيء اللسان زيارة بشعة ولم تجمّلها إلا زيارته إلى مدينة القنيطرة!

 

"مع ذلك، فالأسلوب «الفخم» الذي يحرص البابا على إحاطة زياراته وجولاته في العالم به قد يضفي بعض التوتر الطائفي على علاقة التعايش السلمي المثالي بين المسيحيين والمسلمين في سورية."

 

تعليق:

(الأسلوب الفخم؟.. هل يعني هذا المتعصب الكريه بكلمة "الفخم" الحراسة المشددة أو السيارة التي لا يخترقها الرصاص؟.. ولم لا؟ ألم يتحدث هو نفسه في نهاية هذره عن محاولة الاغتيال التي كادت تودي بحياة البابا؟.. لقد كان ذلك المجرم مسلماً متعصباً شجعته على القيام بفعلته الشنيعة كلمات كان يسمعها كل يوم من متعصبين حاقدين أمثال غسان الإمام وغيره. لماذا لم يتطرّق الإمام إلى مسامحة البابا لذلك المجرم وإلى زيارته له في السجن والصلاة من أجله؟.. أم هل ترى يعني هذا "الإمام" بعبارة "الأسلوب الفخم" الأضواء المسلطة على زيارة البابا وكل ما يرافقها من المظاهر الرسمية؟.. ألا تسلّط الأضواء على زيارة بدوي يجهل القراءة والكتابة فتُضرب له المدافع ويُحاط بحرس الشرف لا لشيء إلا لأن اسمه الأمير بصبوص أو السلطان فانوس ولأنه يملك بضعة آبار من النفط لن تدوم شعلتها؟.. لقد نسي "الإمام" أن البابا زعيم طائفة من الناس تعدادها يقارب البليون من البشر إضافة إلى ما له من احترام في كل أنحاء العالم!.. وليتأمّل القارئ بسوء نيّة هذا الكاتب في تحريضه المبطّن على توتير ما يدعوه بالتعايش السلمي المثالي بين المسيحيين والمسلمين في سورية. وفي الحقيقة، فإن قوله هذا ليس إلا انعكاساً لنفسه المتوترة الممتلئة بالحقد والكراهية. 

 

"فالبطريرك صفير.. هو الذي يجعل مقامه الروحي رأس حربة سياسية للأحزاب والمنظمات المارونية في عدائها غير المبرر لسورية."

 

تعليق:

"الإمام" يرمي الكلام على عواهنه عنى أو لم يُعنِ له شيئا. إذن ماذا يعني بقوله: "عداء الأحزاب والمنظمات المارونية غير المبرر لسورية" ؟.. هل حقاً يعتقد أنه عداء غير مبرر؟ أليس هو نفسه الذي يقول في الفقرة التالية من أطروحته الجديدة هذه: "على الرغم من قناعتي بأن من الواجب التخفيف من وطأة اليد السورية الثقيلة في لبنان."؟  كيف يستعمل "الإمام" عبارة "عداء غير مبرر" وهو يعترف بعد لحظات بوطأة اليد السورية الثقيلة في لبنان."؟  ألا تكفي هذه الوطأة الثقيلة أن تكون مبرراً لهذا العداء؟ زيارة البابا كانت شرفاً لسورية وتشريفاً للمسلمين لا يستحقونه، وكانت مدتها لفترة أربعة أيام فقط، ومع ذلك اعتبرها الإمام ثقيلة فأظهر لها عداءه وكل ما استطاع من نفس قبيح.. أما أن تبقى الوطأة السورية الثقيلة على صدر الشعب اللبناني أكثر من عقدين من الزمن فذاك أمر لا يستوجب في رأيه العداء من أحد!)

 

أخيراً، وبما أن عنوان رد "الإمام" كان تساؤلاً عن السبب الذي جعل البابا يعتذر لليهود والأرثوذكس وليس للعرب، فإننا نجيبه بما يلي:

الديانة المسيحية كما يعرف "الإمام" مؤسسة على التسامح والمحبة واللاعنف وقد غفر المسيح لليهود صلبه وتعذيبه قبل أن يسلم الروح على خشبة الصليب. وبعد انتشار المسيحية في العالم وخاصة في دول أوروبا ظهرت للأسف اتجاهات معادية لليهود تمثلت بالمضايقات وسوء المعاملة والاضطهاد رغم عدم وجود أية تعاليم في الإنجيل تشجّع على عداء اليهود بأي شكل من الأشكال. تلك النزعة المعادية لليهود لم تكن على أسس دينية وهمية فقط لكنها كانت أيضاً لأسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية يصعب شرحها في سطور قليلة، ولكن، فإنّ أمراً واحداً يمكن تأكيده هو أن الدعوة لعداء اليهود لم يكن لها من أساس في تعاليم المسيحية على عكس وضع اليهود مع المسلمين إذ كان اضطهادهم مبنياً على أمر إلهي واضح أكّدته ولا تزال تؤكده آيات القرآن وكتب الحديث.

كان لا بد لتلك الاتجاهات العدائية لليهود أن تتمخض لتلد إشاعات واتهامات كان بعض الناس، علمانيين كانوا أو إكليريكيين، يؤججون نارها ويستغلونها لمصالحهم الشخصية. وأدّى ذلك إلى ابتعاد كثيرين من المسيحيين عن تعاليم المسيحية الحقة التي تنهى عن هذه الأمور. ومؤخراً، أصدرت السلطة الروحية للكنيسة الكاثوليكية إعلانها المشهور بتبرئة اليهود من دم المسيح وهو إعلان لم يكن له في الواقع ضرورة لأنه إعلان قد سبق للمسيح نفسه أن أعلنه وهو على خشبة الصليب كما سبق وذكرنا. إذن، فإعلان الكنيسة الكاثوليكية ذاك لم يكن أمراً جديداً إنما كان مجرد تأكيد لإعلان المسيح وتذكيراً للمسيحيين بضرورة الابتعاد عن الحقد وإلا لكانوا في ذلك مخالفين لتعاليم المسيحية. وبالطبع، فقد توجب بالتالي الاعتذار عما لحق اليهود من ضيم من المسيحيين.

الأمر نفسه يمكن أن يقال إلى حد ما عن الأرثوذكسيين، واعتذار البابا يوحنا لم يكن جبرياً كما وصفه "الإمام" المتعصب الحاقد بل كان مقرراً ونابعاً من رغبة صادقة وخطوة من خطوات عديدة سابقة على طريق إعادة علاقات الأخوّة بين المسيحيين ولتصفية الخلافات التي تنشأ في كل عائلة كبيرة كانت أو صغيرة. ومحاولة هذا "الإمام" المتعصب إثارة الفتنة بين أبناء الطائفة الأرثوذكسية في الدول العربية وإخوانهم من الكاثوليك ليست إلا دليلاً آخر على ما في قلبه من حقده بغيض وتعبيراً عن خشيته من أن تؤدي تلك الخطوات إلى توحيد الكنائس المسيحية وما ينتج عن ذلك من تضامن بين المسيحيين في عالم أصبح يسيطر عليه الفسق والشر والإرهاب.

أما الاعتذار للعرب فهذا ما لم يقم به البابا ولن يقوم به، لا الآن ولا في "سنوات عمره الثمانين التالية" حسب قول الزقاقي قليل الحياء غسان الإمام. والسبب في ذلك هو وبعبارة مختصرة: العرب المسلمون كانوا المعتدين، والبادئ أظلم، والضحية لا تعتذر من الظالم. 

كلمة أخرى صغيرة أهمس بها في أذن "الإمام": ذكرتَ أن تحية البابا للعرب بقوله "السلام عليكم" لم تكن كافية، وإني لأذكّرك هنا بأنه على الأقل قد قال "السلام عليكم" ولم يقل "الســـّــام عليكم" كما تقول أنت وأخوانك لغير المسلمين. لقد كان البابا يعني ما يقول!

والسلام عليكم!

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط