دانييل بايبس / ترجمة بسام درويش / Aug 24, 2004

"ماذا يفعل المسلمون؟" هكذا تساءل الأخ لويس شماس كنيسة "سيدة الخلاص" الكاثوليكية الآشورية في بغداد بعد دقائق من تفجيرها. وتابع قائلاً، "هل يعني ذلك أنهم يريدوننا (نحن المسيحيون) أن نرحل؟"

 

حقاً نعم، هذا ما يعنيه ذلك بالضبط. "كنيسة سيدة الخلاص" كانت فقط واحدة من خمس كنائس تعرضت للاعتداء في سلسلة من التفجيرات المتزامنة في بغداد والموصل بين السادسة والسابعة من مساء يوم الأحد الأول من أغسطس. وقد أدّت هذه التفجيرات إلى قتل أحد عشر شخصاً وجرح خمسة وخمسين. إضافة إلى ذلك، نزع رجال البوليس قنبلتين أخرتين قبل انفجارهما.

 

الغاية من توقيت الاعتداء كانت في الحقيقة ضمان سقوط أكبر عدد من الضحايا. فالأول من أغسطس هو يوم مقدس بالنسبة لبعض الطوائف المسيحية العراقية، وكذلك، لأن يوم الأحد هو يومُ عملٍ عادي في العراق ذي الأغلبية المسلمة فإن الخدمات الدينية تجري عادة في المساء.

 

هذه التفجيرات الخمس، لم تكن الأولى من نوعها من حيث استهدافها للأقلية المسيحية في العراق منذ الإطاحة بصدام حسين. اعتداءات أخرى جرت دفعة واحدة في نهاية عام 2003 من بينها ضربُ ديرٍ في موصل بصاروخ؛ وضع قنابل في مدرستين مسيحيتيتن في بغداد والموصل تم اكتشافها ونزعها قبل أن تنفجر؛ انفجار قنبلة في كنيسة في بغداد عشية عيد الميلاد؛ واكتشاف قنبلة وتفكيكها في دير آخر للرهبان في الموصل. (وذلك بناء على ما ذكرته مؤسسة برناباس، والتي تعمل لمساعدة الأقليات المسيحية المضطهدة)

 

إضافة إلى الاعتداءات التي جرت على الكنائس، هاجم الإسلاميون محلات بيع المشروبات الكحولية والموسيقى والأزياء وحتى صالونات التجميل التي يملكها بشكل عام مسيحيون، وذلك لغاية إجبارهم على إغلاق أماكن عملهم هذه. كذلك تعرضت النساء المسيحيات إلى التهديد إذا لم يقمن بتغطية رؤوسهن على الطريقة الإسلامية. كما كان هناك عمليات اغتيالٍ لعدد من المسيحيين بشكل عشوائي.

 

هذه الاعتداءات، دفعت المسيحيين العراقيين، وهم أقدم جماعة مسيحية في العالم، على مغادرة بلادهم بأعداد قياسية. عن هذا، قال أحد رجال الدين المسيحيين قبل بضعة أشهر أنه "في ذات ليلة أمضت الكنيسة وقتاً على إصدار شهادات المعمودية للراغبين في مغادرة البلاد أكثر من الوقت الذي أمضته على الخدمة الروحية." وتابع يقول، "إن جاليتنا تواجه الهلاك." ولقد قدّر وزير المغتربين والمهاجرين العراقي عدد الذين تركوا العراق خلال أسبوعين بعد تفجيرات الأول من أغسطس بأربعين ألف مسيحياً.

 

في هذا البلد، حيث يمثّل المسيحيون ثلاثة بالمئة من عدد السكان، فإن نسبة اللاجئين منهم هي الأعظم حيث تتراوح بين عشرين وخمسة وتسعين بالمئة من عموم اللاجئين؛ ومن خلال نظرة شاملة على الوضع، يتبين لنا أن حوالي أربعين بالمئة من أبناء هذه الجالية، حسب تقدير البعض، قد رحلوا عن العراق منذ عام 1987 حيث كان عددهم آنذاك بناء على الإحصائيات بحدود مليون وربع المليون مسيحي.

 

ورغم التصريحات المنددة بالاعتداءات التي صدرت بشكل متماثل عن الزعماء الإسلاميين، كوصف المرجع الروحي الكبير آية الله سيستاني لها بأنها "أعمال إجرامية"، أو كتصريح الحكومة العراقية المؤقتة بالقول أنّ "هذه الكارثة ستوحد العراقيين"، فإن هذه الاعتداءات ستكون مَعْلَماً تاريخياً يشير إلى بداية تلاشي وجود المسيحيين في العراق، أو ربما انتهاء وجودهم تماماً.       

 

إن هذا الأمر لَيبدو متوقعاً حيث يتضح بأن تواجد المسيحيين في الشرق الأوسط بشكل عام هو على طريق الزوال، والسبب الرئيس هو الاضطهاد الإسلامي لهم إضافةً إلى انخفاض معدّل الولادات بينهم.

  • تمتعت بيت لحم والناصرة، وهما أكثر المدن ارتباطاً بالمسيحية على الأرض، بأغلبية سكانية مسيحية على مدى ألفين من السنين تقريباً، ولكن الأمر لم يعد كذلك الآن. في القدس، انخفض عدد المسيحيين بشكل حاد: ففي عام 1922 كان عددهم يزيد عن عدد المسلمين بقليل أما اليوم فهم يشكلون نسبة تقل عن الاثنين بالمئة من سكان المدينة.
  • في تركيا، كان عدد المسيحيين بحدود مليونين في عام 1920 بينما الآن لم يبقَ منهم إلا بضعة آلاف قليلة.
  • في سوريا، كانت نسبتهم تقارب ثلث عدد السكان في مطلع القرن الماضي، أما الآن فنسبتهم هي أقل من عشرة بالمئة.
  • في لبنان، كانوا يشكلون في عام 1932 نسبة خمسة وخمسين بالمئة أما الآن فهم أقل من ثلاثين بالمئة.
  • في مصر، ولأول مرة منذ الخمسينات، يغادر المسيحيون الأقباط بلدهم بأعداد كبيرة.

بناء على هذا المعدّل، ليس هناك من شك في أنه خلال عقد أو عقدين من الزمن، سيفقد الأحد عشر مليوناً من المسيحيين المتواجدين في الشرق الأوسط الآن، أي أهمية حيوية أو تأثير سياسي. 

 

إنّ ذلك إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّ المسيحيين يمرون الآن بما مرّ به اليهود خلال العقود القليلة الماضية. يهود الشرق الأوسط كانوا بحدود المليون نسمة في عام 1948 بينما هم الآن (خارج حدود إسرائيل) بحدود ستين ألف.

 

وهكذا، تضع أعمال التصفية الإثنيّة لهاتين الأقليتين الدينيتين القديمتين نهايةً لحقبة تاريخية طويلة. هكذا أيضاً، تتقلص التعددية التي كانت تميز الحياة الشرق أوسطية، والتي احتفت بها رواية لورنس دوريل "رباعية الإسكندرية"، لتصبح نغمة انفرادية رتيبة تتمثل في دين واحد وبضع لغات مصدّق عليها. هذا التقليص لن ينعكس فقراً على الأقليات المتأثرة به فقط، إنما على المنطقة كلّها.     

=========

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط