محمد الباز / Dec 19, 2001

من جريدة صوت الأمة (19 / 12/2001)

إذا نزلت إلى الشارع المصري ـ حيث يعيش الناس حياتهم اليومية ـ رغم ما فيها زهق وقرف ـ بلا كلل ولا ملل وبدأت على انفراد تستضيف بعضهم وتسأل كل واحد منهم عن مفهوم الجنة عنده. لن نطالبك أن تسجل الإجابات بدقة.. ولكن أطلق لنفسك العنان وحلق في فضاءات الله الواسعة واستمع وأنت على راحتك تماما.. وسوف نساعدك قليلاً في رصد هذه الإجابات التي لن تخرج عن الآتي:

مواطن مصري محشور حشراً في زحام أتوبيس نقل عام.. تزكمه رائحة العرق.. وتتكسر ضلوعه مع كل حركة للأتوبيس.. وما أكثر حركاته.. أقصى ما يتمناه أن يعود إلى بيته وأولاده بأقصى سرعة مع علمه الشديد بأنه لن يجد في بيته سوى تعب القلب والإحباط من طلبات يعرف تماما أنه لن يلبيها.. عندما تسأل المواطن البسيط للغاية عن الجنة بالنسبة له سيقول لك: خلاصه من الزحام الرهيب.. وأن يجد كرسياً في أتوبيس.. فهو لا يطمع في أن  يمتلك سيارة مكيفة توصله لبيته.. كرسي خال في أتوبيس ـ فقط ـ عنده بالدنيا وما فيها.

أم مصرية تعاني أشد المعاناة من بوار ابنتها الكبرى.. فهي لا تجد لها عريساً لسبب بسيط أن البنت فقيرة وقد تكون بالإضافة إلى ذلك قبيحة.. وجمعها الفقر والقبح يصد عنها الجميع.. ولأن هذه الأم تضع ضعفها على قلة حيلتها فهي لا تتمنى من الدنيا سوى أن يطرق ابن الحلال ـ أو ابن الحرام لا فرق ـ باب بيتهم ويطلب يد ابنتها ويأخذها لبيتها حتى لو لم يكن يملك شيئاً.. المهم أن تتزوج وتتستر.. لو خيرت هذه السيدة بين دخولها الجنة ودخول ابنتها إلى بيت الزوجية ستختار بين ابنتها وهي مطمئنة وضميرها في غاية الراحة.

شاب مصري في مقتبل حياته.. أحلامه بدأت لتوها في التكوين.. وفي لحظة غادرة يكتشف أنه مصاب بالتهاب كبدئي وبائي.. فتتحول هذه الدنيا الواسعة إلى مساحة ضيقة جداً لا تسع أنفاسه.. يجد نفسه بعد الحيوية والقوة والحماس والشباب والإقدام على الدنيا بكل ما فيها.. قد تحول إلى مجرد جسد واهٍ غير قادر على الحركة.. يأتيه العلاج على مهل فيتعذب ذلاً بعد أن تعذب مرضاً. جنة هذا الشاب لن تتعدى رغبته في أن يعود سليماً كما كان.. لن ينظر إلى فواكه كثيرة أو أنهار الخمور.. أو النساء اللواتي هن على حد وصف رواه الحديث ـ للرُكب ـ لأنه في الأساس سيكون غير قادر على تحريك يد أو رجل.. فما بالك بالقوة التي يحتاجها رجل كي يمارس حياته كاملة بين نساء الجنة.

شاب آخر لن يختلف في أي شيء عن الشاب الأول.. لكنه هذه المرة صحيح تماماً ويستعد للزواج.. هذا على سبيل الإجمال.. لكن تفاصيل هذا الزواج ستضع يدك على كم المأساة والمهزلة التي يعيشها هذا الشاب حتى يتمم زواجه.. فهو يعاني الأمرين ويشهد تعباً وإزهاقاً حتى يفوز بزوجة وبيت. رغم أن هذا ليس كثيراً على شاب تعلم

وتخرج واجتهد وإذا كان هذا الشاب قد وجد وسيلة للزواج.. فإن غيره كثيرون لا يملكون حتى الحق في أن يفكروا في الزواج.. هؤلاء جميعاً لو وعدتهم بكل نساء الجنة لن يستمعوا لك.. فهم يريدون زوجة في الدنيا يعيشون معها حياتهم الطبيعية.. حتى ولو كانت قبيحة وليس فيها من جمال النساء الآخرة شيئاً.. وإذا لفت انتباههم إلى الحقيقة أن ما عند الله باق يضيع أبداً قالوا لك إن ما عند الله عند الله.. لكن حدثنا عن الدنيا وما فيها.. فهذا أجدى وأفضل من الحديث عن غيبيات خاصة أن معظم هؤلاء الشباب غير ملتزمين بالمعنى الديني وعليه فمصيرهم لن يكون الجنة بالتأكيد.

هذه نماذج فقط ولو تعمقت أكثر في ثنايا هذا المجتمع البائس لوجدت أن لكل واحد جنته، الرجل الذي يعيش في منطقة عشوائية ليس فيها صرف صحي جنته أن يدخل صرف صحي إلى منطقته. فتاة ضحك عليها شاب بعد أن عاش معها حياته جنتها أن تعود بكراً كما كانت، فهذه قمة السعادة بالنسبة لها، وعن مثل هذا قل ولا تتردد.

دنيا الناس معقدة ولو حاولنا أن نسرد تفاصيل جنة كل فرد فيها لدخلنا في غيبوبة شديدة، وهو نفس ما سيحدث لنا عندما نتصفح كتب التراث التي تحدثت عن نساء الجنة والنعيم المقيم معهن، أو عندما نجلس أمام أحد الوعاظ الذين يحلو لهم أن يصوروا الجنة وكأنها سوق كبير للنساء لا ينفض إلا ليبدأ، ولا يبدأ إلا لينفض. فالأحاديث التي وردت عن نساء الجنة تجعل منها سوقاً بالفعل، وإن استنكرت تلك التسمية فيمكن أن تدخل هذه السوق بنفسك.

عن علي رضي الله عنه قال، قال رسول الله: " إن في الجنة لمُجتمعاً للحور عين يتحدثن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قال يقلن: نحن الخالدات، فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات، فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له. 

قالت عائشة رضي الله عنها: "إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا: نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات، وما توضأتن، ونحن المتصدقات، وما تصدقتن.. فغلبهن"

ذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر."

قال ابن عباس: "إن في الجنة حوراء يقال لها لعبة لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر كله مكتوب على نحرها من أحب أن يكون له مثلي فليعمل بطاعة ربي عز وجل روي الغزالي في إحياء علوم الدين: "إن أية امرأة من نساء أهل الجنة لو أطلعت على الأرض لأضاءت ما بين الشرق والمغرب، ولملأت ما بينهما وبين الجنة رائحة طيبة ، وأن على الواحدة من الحور العين ثوب إذا نفذها بصر ، رأى صاحب البصر مخ ساقها من وراء ذلك".

وروي أيضاً أن نساء الجنة خالدات البكارة، وأن شغل أهل الجنة هو افتضاض الأبكار وأن أدنى أهل الجنة منزلة يتزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر وثمانية ألف ثيب، يعانق كل واحد منهن مقدار عمره في الدنيا، وأن في الجنة سوقاً ما فيها بيع ولا شراء إلا صور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها، وما من عبد يدخل الجنة إلا وتحت رجليه اثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه لأنس والجن وليس بمزمار الشيطان، ولكن بتحميد الله وتقديسه. روي الترمذي أن رسول الله سئل عن الحور العين من أي شيء خلقن فقال: "من ثلاثة أشياء، أسفلهن من المسك وأوسطهن من العنبر، وأعلاهن من الكافور وشعورهن وحواجبهن سواد خط من النور" ذكر الدارمي في مسنده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله: "أن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة عن ابن عباس قال.. قلنا يا رسول الله أنفضي لنسائنا في الجنة كما نفضي إليهن في الدنيا قال: "أي والذي نفسي في بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء". عن أبي محمد الدارمي عن أبي أمامة قال رسول الله: "ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار، ما منهن واحدة إلا ولها قبل، قبل شهي، وله ذكر لا ينثني. وروي من حديث أبي هريرة عن رسول الله هل تمس أهل الجنة أزواجهم فقال نعم، "بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع".

قال الرومان قديماً: من حق كل إنسان أن يجن مرة.. وإذا كان من حقي أن أستخدم هذا الحق فإني استخدمه الآن.. فقراءة هذه الأحاديث والتي ورد بعضها من كتب التراث غير منسوب للنبي ولكن فقط قال ابن عباس كذا، أو قالت عائشة كذا، أو ذكر ابن وهب عن مجمد بن كعب القرظي وعندما تسأل عن ابن وهب أو كعب القرظي فستعدم كل جواب، لكن في النهاية هو كلام منسوب للرسول.. ولو جرؤ أحد وأنكر هذه الأحاديث لقامت على رأسه الدنيا ولن تقعد إلا بتكفيره أو تفريقه عن زوجته.. ولا يرحم من ذلك مهما بلغت مكانته الجنون وحده هو القادر على التعامل مع هذه الأحاديث والدخول إلى منطقتها.. لأنني كمسلم أرفض أن تتحول الجنة إلى معمعة، فإنما يولي أهل الجنة وجوههم فثم الجنس ضخم الذي لا يجاري فالنساء على كل شكل وعلى كل لون.. ولو ألقينا

الضوء على مشاهد بعينها وردت في هذه الأحاديث لوجدنا الآتي:

تجتمع نساء الجنة في حلقة مناظرة.. فحديث السيدة عائشة يصور ذلك، حيث تقف نساء الدنيا وقد دخلن الجنة في مواجهة الحور العين ويقلن لهن نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات ما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن.. وتكون الغلبة بالطبع لنساء الدنيا.. والحمد لله أن الحديث لم يتمادى كثيراً في تصوير الشكل الذي تمت به هذه الوقعة.

المبالغة في تصوير جمال نساء الجنة.. فلو أن واحدة أطلعت لأضاءت ما بين المشرق والمغرب.. ولا نعرف بالتحديد ما هو الغرض من هذا التوصيف المبالغ فيه، هل إذا قيل لأهل الجنة أن الحور العين أقل جمالاً يرفضون هذا العطاء، أم أن المسألة ما هي إلا تجارة ومن المعتاد أن يقوم التاجر بعرض بضاعته بصورة جيدة.

ما هذا الإصرار على الرغبة الجنسية الحارقة التي تحطم كل ما تواجهه، وما هذا الإلحاح على ضخامة الجنس في الجنة، فالنساء خالدات البكارة.. فكلما عاشر الرجل زوجته أو الحور العين على اختلاف درجاتهن عادت البكارة مرة أخرى. الرجل سعادة مستمرة ومتجددة بهذا النصر العظيم والغزو الساحق لغشاء البكارة هذه الفكرة ليست جديدة، حيث يحرص الآن بعض الأزواج على مصاحبة زوجاتهن لطبيب أمراض نساء ويطلبون منه وهم في غاية العقل أن يقوم بترقيعهن ـ كزوجات طبعاً ـ ليعود غشاء البكارة من جديد أي أنها راحت على الجنة إذن. ثم آه من هذا العدد الضخم فأقل أهل الجنة منزلة ولو كان هذا الكلام حقيقياً فندعو الله أن نكون من هؤلاء يتزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب.. أي أن مجموع زوجاته أو منهن على ذمته 12500 "اثنا عشر ألفاً وخمسمائة امرأة ". الأدهى من ذلك أن الرجل يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدنيا أما حكاية سوق الجنة فحكاية أخرى.. هذه السوق لا بيع فيها ولا شراء، ولكن فقط صور.. صور لرجال  ونساء فإذا اشتهى الرجل الصورة منهن دخل فيها والباقي أنتم تعرفونه.. ولم يقل لنا الحديث هل تدخل النساء هذه السوق أم لا..؟ وإذا دخلت امرأة هذه السوق.. وحدثت أن اشتهت صورة رجل من الصور المعلقة هل تدخل فيها أم يمتنع عليها ذلك، فكل مهمتها أنها تنتظر فحلها الجنسي يطيح في الجنة جماعاً وتقبيلاً وعناقاً حتى يأتي دورها. وما نختم هذه الصورة هو هذه الصورة  الطريفة للغاية وتخيل نفسك فيها، حيث يكون الرجل في الجنة دائم الانتصاب.. فيكون له ذكر لا ينثني.. وسحقاً للفياجرا وأخواتها.. فليصبر إذن الضعاف جنسياً وليعملوا بعمل أهل الجنة.. فهؤلاء الذين لا يقدرون سيضاجعون في الغداة الواحدة مائة عذراء.. ذكره لن يمل وسيعطى قوة مائة رجل في الجماع.

لو كانت هذه الجنة فعلاً.. فيرحمنا الله منها.. وليعوضنا عنها خيراً.. فنحن  بهذه الصورة نصبح قوماً من الحيوانات الجنسية التي لا هم لها سوى الطعام والشراب وطبعاً الجنس.. الآن أخلع نفسي من موجة الجنون.. ولا تعليق لأن مثل هذه الأحاديث لا تحتاج لأي تعليق.. وإذا كان لنا أن نورد شيئاً آخر.. فليس أكثر من سطور نشرتها مجلة سطور في عدد نوفمبر 98 .. نزلت المجلة إلى الشارع لتسأل الناس عن الجنة التي يريدون.. وجاءت الإجابات:

أسراء محمد، عمر 4 سنوات: أنا بحب أروح الجنة علشان فيها حلاوة وشيبسي وجاتوه وفراولة ولبان. والملاهي وفستان وعرايس كثير وأتاري وفيديو جيم.

رضا حسين، 39 سنة: أكيد في الجنة نعيم وراحة وفواكه ولبن وعسل وأكل كتير وشرب كمان، يعني بالبلدي نسوان حلوة مش زي الغفر اللي ماليين الشوارع.

أما أوجع التعليقات التي وردت على لسان مواطن مصري يعمل استورجي وعمره 45 سنة، قال: بصراحة كده إحنا كل همنا نجيب قرشين نربي بيهم العيال وخلاص، حتى يوم الإجازة بنقضيه كله نوم زي الأشولة، يعني لا بنهش ولا بنش، وأكيد ربنا عارف قد إيه إحنا بنتعب ونشقى عشان كده بيسترها معانا قوي!!

سؤال أخير.. هل هذه فعلا جنة ربنا التي وعد بها عبادة المتقين؟! جواب ليس أخيراً .. أشك!

**************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط