بسام درويش / Apr 13, 2002

الفلسطينيون شعب من أكثر شعوب الشرق الأوسط ثقافة. هذا أمر ثابت لا شكّ فيه أبداً. تشرّدُهُم في أرجاءِ العالمِ كلِّه وخاصة العربيّ، لم يقف حائلاً بينهم وبين سعيهم وراء التحصيلِ الأدبي والعلمي. إنها شهادة حقّ لا ينكرها أحد لأنها حقيقة واقعة رغم صعوبة الاستناد على أية إحصائيات في العالم العربي يمكن أن يستعين الباحثُ بها في بحثه. لا بل يمكن القـول ايضاً أنه لربما كــان التشرّدُ هو بالذات، الدافعَ المشجّع للفلسطينيين على التحصيل العلمي يعبرون من خلاله عن تصميميهم على تأكيد وجودهم أو عن خشيتهم على هذا الوجود من الضياع. قد يكون هناك أيضاً دوافع أخرى، ولكن ما لا بدّ من الاعتراف به، هو أن الفلسطينيين في الحقيقة شعب يُشهدُ لهم بالذكاء.

هذا بالضبط ما يدفعنا إلى التساؤل: كيف يتأتّى لشعب يُنظَرُ إليه بحق كشعب ذكي، أن يقبل بأن يكون رمزاً لوجوده رجلٌ، لو بحث الغباءُ عن رأسٍ يستريح فيه، لما وجد أفضل من رأسه فندقاً له؟

 

لم يُسمَع حتى الآن عن أحدٍ عرفَ ياسر عرفات عن كثب ثم وقف ليشهد له بعد ذلك بدرهمٍ من ذكاء.

الفلسطينيون أصحاب قضية. لا أحد ينكر ذلك حتى الإسرائيليون!.. ولكن، أن لا يجد الفلسطينيون رجلاً آخر غير عرفات ليتحدّث بالنيابة عنهم، فهو أمر ربما لا يشكك بذكائهم، بل يؤكّد نزعة عربية سيئة وهي نزعة الانقياد وراء العاطفة التي لا يختلفون فيها عن أي من "أخوانهم" شعوب المنطقة. هذه العاطفة التي استغلها ولا زال يستغلها الحكام العرب للبقاء في عروشهم ولضمان توريث هذه العروش لأولادهم من بعدهم. 

كيف لغبي أن يصبح رمزاً لشعب ذكي؟..

ربما كان عرفات ذكياً في صراعه مع البقاء. ربما تمتع بمواهب أخرى. لكنه بالتأكيد ليس الرجل المناسب لتمثيل الفلسطينيين في مفاوضات تتعلق بمصير دولتهم التي يحلمون بها. إننا نفهم تقدير الفلسطينيين لدور عرفات في تأسيسه  لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن كان بإمكان الفلسطينيين أن يقدّروا عرفات بوسائل شتّى، أما أن يصمموا على أن يكون هو المفاوض على مستقبلهم لا لشيء إلا لأنه بنظرهم رمز الثورة الفلسطينية، فإنهم لا شك خاسرون.

 

قد يعود الفضل للجنرالات العسكريين في إنهاء الصراع بين أمتهم وأمة أخرى، ولكنهم غالباً ما يتركون المفاوضات لمن هم أخبر منهم في وضع تفاصيل الاتفاقات التي تقود إلى المستقبل. هذا إذا افترضنا ولو جدلاً أن لعرفات أية حنكة عسكرية تضعه في مصاف القادة العسكريين الحقيقيين. 

 

بين الفلسطينيين البارزين كثيرون ممن يُشهد لهم بالذكاء والدبلوماسية. أي شخص بين هؤلاء سيكون بالتأكيد أفضل من عرفات على طاولة المفاوضات.  

 

تريدون عرفات رمزاً لثورتكم؟.. فليكن لكم ذلك. اجعلوه رمزاً في بيوتكم وشوارعكم وحتى في قلوبكم. أما أن تجعلوه رمزاً لكم يمثلكم أمام العالم متحدثاً باسمكم.. فليكن الله، ليس بعونكم فقط، بل بعون العالم وهو يحاول أن يفهم من فم عرفات ما تريدون!.. 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط