بسام درويش / Jul 25, 2006

المأساة في الحروب هي في كونها أحياناً مأساة لا مفرّ منها. لكنّ أعظم ما فيها من أسى هو سقوط المدنيين ضحايا لها. إنه أمر لا يُقارنُ بأيّ خسارة مادية، لأن حياة الإنسان هي وحدها التي لا تُعَوَّض على الإطلاق.

أمّا ما هو أعظم أسىً من هذا وذاك فهو أن يتعمّد طرفٌ من الأطراف المتنازعة قتل المدنيين للوصول إلى مآربه، وهذه وحشيّةٌ ما بعدها وحشيّة. وحشيّةٌ تميّزت ولا زالت تتميز بها أمة واحدةٌ دون غيرها من الأمم، وهي أمة المسلمين. أمة لا تعرف الرحمة لا في المدنيين من أعدائها ولا حتّى في المدنيين من أبنائها. أمة تجيز حتى قتل أسرى الحرب بموافقة إلهية.

 

المعارك التي تدور رحاها الآن بين إسرائيل وعصابة حزب الله المسيطرة على جنوب لبنان، ليست إلا مثالاً بسيطاً على ذلك:

صواريخ هذه العصابة التي سقطت ولا زالت تتساقط على المدن الإسرائيلية، لا يجري إطلاقها على هدفٍ معيّن داخل هذه المدن، إنما على مبدأ "فلتسقط حيث تسقط!.."، وحتى الآن لم تخيّب أملهم إذ لم تصِبْ إلا المنازل والمتاجر.

أما صواريخ وقنابل إسرائيل التي تقتل المدنيين في لبنان فليست إسرائيل التي توجهها إلى هدفها إنما هو حزب الله الذي تكفّل ذلك. حزب الله هو الذي خطط لسقوطها على المدنيين.

نصر الله يعرف تماماً أن اختباءه وتخزين أسلحته في أقبية العمارات السكنية والمساجد والمستشفيات سيعرض المدنيين للخطر. لكنه يفعل ذلك على أية حال، وبذلك يكون هو الذي يوجه القنابل الإسرائيلية لتقتل المدنيين.

من ناحية اخرى، عندما يسيّر نصرالله في استعراضات عسكرية الأطفال والنساء يحملون الأسلحة عاصبين رؤوسهم بمناديل تزينها عبارات الجهاد، فأيّ خطابٍ هو ذاك الذي يوجههُ للعالم؟  أليس هو الذي يعلن للعالم وعلى الملأ، بأنّ محاربيه ليسوا فقط من الرجال إنما كل أطفال ونساء وعجائز الشيعة؟..

كيف يعرضهم للعالم كمقاتلين راغبين في الاستشهاد من أجله ثم يتوقّع من العالم أن يشعر بالأسى على مقتلهم؟

***********

قبل أن تقوم إسرائيل بدكّ معاقل حزب الله، أسقطت طائراتها المناشير تُعلِمُ الناس وتحذّرهم بأن القصفَ قادم. هذا التصرف ليس جديداً على إسرائيل. أذكرُ كيف كانت الطائرات الإسرائيلية تسقط المناشير في حرب 1956، وأذكر كيف كانت الإذاعة الإسرائيلية تحذر السوريين وتطلب منهم الابتعاد عن الأماكن العسكرية في كل الحروب التي تلت. لقد كانت إسرائيل أرحم بالإنسان العربي من حكام العرب أنفسهم.

 

قادة العرب معروفون بأنهم لا يقيمون لمواطنيهم قيمةً فكيف لمواطني غيرهم من الأمم!.. إنهم يحاربون حتى آخر جندي ومدني وطفل من أجل الحفاظ على كراسيهم، وليس على الوطن.

حافظ الأسد وأخوه رفعت قاما بتدمير مدينة حماة على رؤوس أهلها. ولم يترددا حين لجأ أهلها إلى الأقبية، عن ضخها بالغازات السامة.

صدام حسين أقام سدّاً بشرياً هائلاً حوله ليحتمي به في حرب الخليج وفي الحرب الأخيرة.

عمليات الإبادة في دارفور التي يقوم بها نظام الحكم في السودان لا زالت تجري على قدم وساق.

حتى أولئك الذين يسمون أنفسهم بـ "المقاومة". ليسوا بأفضل من حكامهم. إنهم لا يرون في خصمهم إنساناً، سواء كان هذا الخصم من أبناء جلدتهم أو من أبناء أمة أخرى. ولأنّ الإنسان العربي هو نتاج لهذا التراث، فلا غرابة أبداً أيضاً أن لا يعرف الفرد في هذا المجتمع قيمةً لفردٍ آخر، وما عادة الثأر في شرقنا العربي إلا دليلاً على ذلك. إذا أخطأ الأب فلا بأس في أن يؤخذَ الابن أو الأخ أو ابن العم أو الخال بجريرته. لا بل لا بأس في أن تؤخذَ قريةٌ بجريرته!   

************

ما يُميّز الإنسانَ عن بقية حيوانات الأرض هو تمتّعه بأعظم مَلَكَتيْنِ يُفترض بأنهما كافيتان لحل أي نزاع بينه وبين إنسان آخر. إنهما ملكتا العقل واللسان: اللسان للحوار والعقل لتوجيه اللسان!

لكنّ المشكلة هي في أن هناك من الأمم من لا تُحَكّم العقل بل ايديولوجياتٍ دينية عتيقة مهترئة تحوّل هذا العقل إلى غريزة شبيهة بغرائز الحيوانات غير الناطقة. لذلك لا غرابة إذا كان الحوار مع هذه الشعوب ضرباً من المحال.

العقل لا حدود له، يحاور، ويساوم، ويتحرّى كل الحلول، ويقبل بتنازلات. أما الأيديولوجيات الدينية فجامدة عنيدة لا ترى الحلول إلا من منظار واحد، وهذه هي مشكلة العالم كله في الصراعِ الدائرِ اليومَ مع العالم الإسلامي. لذلك، طالما بقي العرب والمسلمون يتعاملون مع غيرهم من أمم العالم متكئين على أيديولوجيتهم الدينية، فإن كلّ من يأمل بسلام معهم سيكون أمله شبيهاً بأمل المسلمين أنفسهم بحوريات الجنة!  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط