بسام درويش / Feb 15, 2008

شُغلت وسائل الإعلام البريطانية بتصريحات أسقف كانتربري روان ويليامز الذي اقترح فيها أن يُسمَحَ للمسلمين بتطبيق شريعتهم الإسلامية فيما يتعلق بشؤونهم الخاصة.

واجه الأسقف انتقادات حادة من سياسيين ومسؤولين حكوميين وجمعيات مدنية ومن داخل الكنيسة نفسها، ولا زالت الضجّة لمّا تهدأ بعد. ووصلت الانتقادات حدّ مطالبته بالاستقالة من منصبه إذ قال أحد أعضاء المجمع الكنسي في لندن: سيشعر العديد من الناس، أعداد هائلة منهم، بالارتياح لو أنه استقال..." وقال عضو آخر سابق في المجمع إن الأسقف يمثل "كارثةً وخطأ تراجيديا". وانضم إلى حملة الانتقادات وزير الثقافة البريطاني أندي بورنهام وزعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون. كذلك انتقد الأسقفَ وزيرُ الداخلية البريطاني السابق وأحد القياديين في حزب العمال الحاكم ديفيد بلانكيت الذي قال إنّ تطبيق بعض قوانين الشريعة في بريطانيا يمثل "كارثة على سياسة الاندماج الاجتماعي". لا بل كان هناك أيضاً انتقادات من بعض المسلمين البريطانيين، مثل النائب العمالي المسلم في مجلس العموم خالد محمود الذي قال إنّ أغلبية المسلمين في بريطانيا تعارض تطبيق القوانين الإسلامية في بريطانيا وأضاف: "إنّ العالم يحسدنا على القانون البريطاني".

وقال مدرّسٌ مسلمٌ في جامعة اوكسفورد إنّ مثل هذه التصريحات تثير مخاوف المواطنين البريطانيين العاديين وإنّ على المسلمين هنا أن يعلنوا "أننا ملتزمون بالقانون البريطاني وأنّ هذا القانون يتيح لنا إمكانية الحفاظ على مبادئنا الاسلامية".

 

وقد أعرب الأسقف عن صدمته الشديدة قائلاً إنه لم يطالب بالسماح للمسلمين بتطبيق كل ما تنص عليه شريعتهم إنما بشكل جزئي في بعض المجالات فقط. وقال إن "على بريطانيا أن تواجه حقيقة أن عددا من المواطنين لا يعتمدون كثيرا على النظام القانوني البريطاني." وإن المسلمين على أي حالٍ يقومون "بفض نزاعاتهم العائلية والمالية بواسطة أشخاص يعتمدون على الشريعة الإسلامية في أحكامهم" ولذلك، "فإنّ تطبيقاً جزئياً لبعض قواعد الشريعة الإسلامية قد يساعد على بلوغ انسجامٍ اجتماعي"  

أضاف إلى ذلك قوله: "لا أحد يمتلك عقلا سويا يريد أن يرى الشريعة تطبق في هذا البلد، بالطريقة اللا إنسانية التي ترتبط بتطبيقها أحيانا في بعض البلدان الإسلامية".

 

*************

في الحقيقة، إن أمّةً كهذه، فيها مِنَ الجهلةِ ما فيها، لا تحتاج إلى أعداء من الخارج لتدميرها وتدمير حضارتها، إذْ أنّ من الجهل بكل تأكيدٍ ما يقتل!  أسقف كانتربري، ليس إلا واحداً من الجهلة الذين يساهمون من حيث لا يدرون ـ مع التشديد على عبارة "من حيث لا يدرون" ـ بتدمير أمتهم... والأمير تشارلز نموذج من هذه النماذج!

 

 

ربما يقول قائلٌ، هل يعقل أن نصفَ أسقفاً كهذا، يحمل من الشهادات ما يحمل، بالجهل؟

مهما كان عدد الشهادات التي يحملها الأسقف بالإضافة إلى شهاداته العالية في اللاهوت المسيحي، فإن ذلك لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال أنه أصبح عارفاً بكل شيء في هذه الحياة، والقول عنه بأنه جاهل في بعض الأمور لا يجب أن يُفسَّر بأنه شتيمة له.

ربما لا يجهل الأسقف شيئاً على الإطلاق في تعاليم الإسلام. ولا شكّ في أنّه يعرف تماماً ماذا تعنيه الشريعة الإسلامية. ولولا ذلك، لما قال إنه "لا أحد يمتلك عقلا سويا يريد أن يرى الشريعة تطبق في هذا البلد، بالطريقة اللا إنسانية التي ترتبط بتطبيقها أحيانا في بعض البلدان الإسلامية". لكنّ اقتراحاً كهذا الاقتراح الذي طلع به، يُظهر جهله بأهداف الإسلام والمسلمين وبالخطر الذي يمثله فتح أية نافذة لهم لتطبيق أي جزءٍ منها. ترى ماذا بعد النافذة الأولى مهما كانت صغيرة، وعند أيّ حدّ سيقف المسلمون في مطالبتهم بنوافذ أخرى؟ لا بل من هو الذي سوف يقرر ما يصلح من هذه الشريعة الهمجية لتطبيقه في بلاد المتحضرين وما لا يصلح منها؟

 

يقول الأسقف: إن "على بريطانيا أن تواجه حقيقة أن عددا من المواطنين لا يعتمدون كثيرا على النظام القانوني البريطاني." وإن المسلمين على أي حالٍ يقومون "بفض نزاعاتهم العائلية والمالية بواسطة أشخاص يعتمدون على الشريعة الإسلامية في أحكامهم" ولذلك، "فإنّ تطبيقاً جزئياً لبعض قواعد الشريعة الإسلامية قد يساعد على بلوغ انسجامٍ اجتماعي".

إذاً، نفهم من ذلك أنّ الأسقف يطالب بتطبيق الشريعة أو جزءاً منها على أرضية "الأمر الراهن،" أي status quo وهذا يعني بدوره أن الأسقف قد لا يمانع أيضاً في تطبيق عبدة الشيطان لما يؤمنون به كشريعة لهم، أو ببعضها، طالما أنهم يطبقونها على أيّ حال فيما بينهم...!

 

 

في الواقع، إن أفضل اقتراح للرد على اقتراح الأسقف، هو أن يجمع المعترضون على تصريحاته ثمن بطاقة طائرة ويبعثوا به لقضاء يوم أو يومين في إحدى مدن السعودية، شريطة أن يحمل صليبه على صدره وإنجيله في يده. لا شكّ في أنه سيعود بوجهة نظر جديدة ومختلفة كلياً يعاني من آلام تطبيق جزءٍ ـ جزء فقط  ـ من هذا الشريعة الإسلامية على قفاه الحترمة. وإذا تامّل بالأمر ملياً، ربما سيكون سعيداً جداً لنجاته من الأعظم!  

************

ردود الفعل على تصريحات الأسقف لم تكن اعتراضاً أو اشمئزازاً من كل جانب، فقد كان هناك بالطبع من رحب بها، وعلى القارئ أن لا يذهب بعيداً في تخميناته ليعرف من هو الجانب المرحِّب! 

المجلس الإسلامي في بريطانيا أعلن عن ترحيبه بهذه اللفتة الكريمة كما أعرب عن استيائه مما وصفه بـ "التفاسير الهستيرية" لدعوة وليامس، والتي لن تؤدي سوى إلى "تعميق الهوة بين المواطنين البريطانيين". وقالت كاثرين هزلتاين من لجنة الشؤون العامة الإسلامية معقبة على الموضوع:

"أنا قلقة من أن يخرج هذا الجدل عن السيطرة لأن الناس عندما يسمعون كلمة شريعة تقفز إلى مخيلتهم مشاهد قطع الرؤوس". لكنّ هزلتاين لم تقدّم أي تفسير يساعد الناس على فهم أفضل للنصوص القرآنية وبعيداً عن الهستيرية، كتلك النصوص التي تأمر بقطع رقاب الذين يحاربون الله ورسوله، وعما إذا كانت "محاربة" الرسول تتم فقط باستخدام السلاح أم ايضاً برسوم كاريكاتورية أو بضعة أبيات شعر، أو بكتابٍ روائي مثل كتاب سلمان رشدي. أو كتلك النصوص التي تأمر بقطع أيدي السارقين؛ أو تلك التي تأمر بضرب المرأة التي لا تهرع لتلبية طلب زوجها حين يدعوها إلى الفراش؛ أو غيرها من النصوص المشابهة التي تشكّل أسس الشريعة الإسلامية الهمجية...؟(1)

لنتصوّر امرأة مسلمة في بريطانيا تتصل بالبوليس تطلب إنقاذها من زوجها الذي يقوم بضربها لرفضها تلبية دعوته إلى الفراش، ولنتصوّر ردّ إدارة البوليس عليها: سيدتي... نعتذر لعدم تمكننا من مساعدتك، فنحن لا يمكننا التدخل في قرارات المحكمة الإسلامية التي أجازت ضربك!

ولنتصوّر في المستقبل أن نرى عملية قطع رأس لمرتد في زاوية من زوايا الهايد بارك في لندن بينما يقف عدد كبير من البوليس البريطاني ليشكل حاجزاً بين المقصلة والمتظاهرين المحتجين!

لا بل لنتصوّر في المستقبل بوليس سكوتلانديارد يتجاهل التحقيق في ذراعٍ مقطوعة ومرمية في برميل قمامة في بريطانيا بعد أن يرى عليها وشم محكمة الشريعة الإسلامية!

*************

ختاماً، لا بدّ لنا من القول إنه لأمرٌ يبعث على الراحة أن نعرف بأن المَلِكَ في بريطانيا لا يتمتع بسلطات كبيرة، وإلا فلنتصوّر ماذا يكون عليه حال البلد لو ملك عليها الأمير الحكيم تشالز واتخذ له مستشاراً روحياً حصيفاً مثل الأسقف وليامز!

*************

1 ـ "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُـقطعَ أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرضِ ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخـرة عذاب عظيم." (المائدة 5 : 33)

"السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم" (المائدة 5 : 38)

"...واللاتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجع واضربوهنَّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً إنَّ الله كان علياً كبيراً."  (النساء 4 : 34)

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط