منقول / May 01, 2007

عن موقع الخلافة نت

الجيش قسمان: قسم احتياطي، وهم جميع القادرين على حمل السلاح من المسلمين، وقسم دائم في الجندية تخصص لهم رواتب في ميزانية الدولة كالموظفين.

وهذا آتٍ من فرضية الجهاد، فإن كل مسلم فرض عليه الجهاد، وفرض عليه أن يتدرب له، ولذلك يكون جميع المسلمين جيشاً احتياطياً، لأن الجهاد فرض عليهم، وأما جعل قسم منهم دائماً في الجندية، فإن دليله هو قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) لأنه لا يتم القيام بفرض الجهاد دائماً، وبحماية بيضة الإسلام، وذمار المسلمين من الكفار إلا بوجود جيش دائم. ومن هنا كان فرضاً على الإمام أن يوجد جيشاً دائماً.

وأما أن تُخَّصص لهؤلاء الجنود رواتب كالموظفين، فهو بالنسبة لغير المسلمين منهم أمر ظاهر، لأن الكافر لا يطالب بالجهاد، ولكن إن قام به يُقبل منه، وحينئذٍ يجوز أن يعطى مالاً لما روى الترمذي عن الزهري: «أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه»، ولما روى ابن هشام: «أنّ صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين وهو على شركه، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين». وما جاء في سيرة ابن هشام: «كان فينا رجلٌ أَتِيٌّ (أي غريب) لا يُدرى ممن هو، يُقال له قُزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: إنه لَمِنْ أهل النار، قال: فلما كان يوم أحد قاتل قتالاً شديداً فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين...». فهذه الأدلة تدل على جواز أن يكون الكافر مع الجيش الاسلامي، وأن يُعطى له مال، لوجوده في الجيش، وأيضاً فإن تعريف الإجارة بأنها عقد على المنفعة بعوض يدل على أن الإجارة جائزة عل كل منفعة يمكن للمستَأجر استيفاؤها من الأجير، فيدخل فيها استئجار الشخص للجندية، وللقتال، لأنها منفعة. فيكون عموم دليل الإجارة على أي منفعة من المنافع دليلاً على جواز استئجار الكافر للجندية وللقتال. هذا بالنسبة لغير المسلم. وأما بالنسبة للمسلم فلأنه وإن كان الجهاد عبادة، فإنه يجوز استئجار المسلم للجـندية والقـتـال، لدليل الإجارة العام، ولأن الإجارة على القيام بالعبادة ــ إن كانت مما يتعدى نَفعُه فَاعِلَه ــ جائز، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» رواه البخاري من طريق ابن عباس. وتعليم كتاب الله عبادة، فكما يجوز استئجار المسلمين لتعليم القرآن، وللإمامة، والأذان، وهي عبادات، كذلك يجوز استئجاره للجهاد، وللجندية. على أن جواز استئجار المسلمين للجهاد حتى لمن يتعين عليه قد ورد دليله في الحديث صراحة، فقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي»، والغازي هو الذي يغزو بنفسه، والجاعل هو الذي يغزو عنه غَيْرُهُ بأجر، قال في القاموس المحيط: (والجعالة مثلثة ما جعله له على عمله، وتجاعلوا الشيء جعلوه بينهم، وما تجعل للغازي إذا غزا عنك بِجُعْل) والأجر يطلق على الأُجرَة وعلى الثواب، أما ما هو معروف من أن الأجر هو الثواب الذي يكون من الله عز وجل للعبد على العمل الصالح، والإجارة هي جزاء عمل الإنسان لصاحبه، ومنه الأجير، فإن هذا الشيء المعروف لا سند له. بل الذي نصت عليه اللغة أن الأجر هو الجزاء على العمل، قال في القاموس المحيط: (الأجر الجزاء على العمل كالإجارة مثلثة جمعه أُجور وآجار). ومعنى الحديث للغازي ثوابه، وللجـاعل ثوابه وثواب من اسـتأجـره ليغـزو عنه. وهنا كلمة غازي تُعيّن أن المراد بالأجـر الـثـواب، وكلمة الجـاعل تُعيّن أن المراد بالأجر الثواب أيضـاً لأن كُلاً منهما قرينة عَـيَّـنت المعـنى المراد. وروى البيهقي عن جُبير بن نُفير قـال: قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذين يغـزون مِـن أُمتي ويأخذون الـجُعل، ويتقوون على عدوهم مثل أُم موسى ترضع ولدها، وتأخـذ أجـرها» والأجر هنا معناه الأجرة. وأيضاً فإن الجهاد لا يختص فاعلُه أن يكون مِـن أهل القُرَبة فصح الاستئجار عليه، ومن هنا يُجعَلُ للجنود رواتب كالموظفين.

والقوى المسلحة قوة واحدة، هي الجيش، وتُختار منها فِرَقٌ خاصة تُنظَّم تنظيماً خاصاً، وتُعطى ثقافة مُعيَّنة هي الشرطة.

فالثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت القوى المسلحة عنده هي الجيش، وأنه اختار منها قسماً يقوم بأعمال الشرطة فَجهَّز الجيش، وقاد الجيش، وعَيَّن أُمراء لقيادة الجيش. روى البخاري عن أنس: «أن قيس بن سعد كان يكون بين يَدَي النبي صلى الله عليه وسلم بمنـزله صاحب الشُرَطِ مِن الأمير»، والمراد هنا قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاري الخزرجي، وقد رواه الترمذي: «كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنـزلة صاحب الشرطة من الأمير. قال الأنصاري: يعني مما يلي من أموره». وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث فقال: «احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا». وأيضاً الشرطة طائفة تتقدم الجيش. قال الأزهري: «شرطة كل شيء خِياره، ومنه الشُرَط لأنهم نُخبة الجند، وقيل هم أول طائفة تتقدم الجيش، وقيل سُموا شُرَطاً لأن لهم علامات يعرفون بها في اللباس والهيئة» وهو اختيار الأصمعي. وهذا كله دليل على أن الشُرطَة من القوى المسلحة، وأنّ الخليفة هو الذي يُعيِّن صاحب الشُرْطَة، كما يُعيِّن أمير الجيش، وأنّ الشُرطَة قسم مِن الجيش. إلا أن كون الشُرطَة قسماً مِن الجيش، أو مستقلة عنه هو من الأمور المتروكة للخليفة، ولكن يُفهم من الحديث أن صاحب الشرطة يُعيّن لدفع ما يَرِد على الإمام، ومثله ما يرد على الحاكم، أي يكوّن قوى مسلحة، مستعدة لتنفيذ أمر الإمام أو الحاكم فيما يحتاجه من تنفيذ، ولدفع ما يُخشى أن يَرِدَ إليه من سوء، ويُفهَم من اللغة أن الشُرطَة كذلك فِرقة مِن الجيش لها علامة تتقدم الجيش. أمّا الشُرطَة التي تتقدم الجيش، ولعلها شُرطَة الجيش فلا شك أنها جزء من الجيش. ولكن الشُرطَة التي تكون بين يَدَي الحكام ليس هناك ما يدل على أنها جزء من الجيش، فإن عملها أن تكون بين يَدَيِ الحاكم، ولكن هناك ما يدل على أنها من القوى المسلحة التي للدولة، فيجوز للخليفة أن يجعلها جزءاً من الجيش، ويجوز أن يجعلها منفصلة عنه. غير أنه لما كانت القوى المسلحة واحدة من حيث تعيين الخليفة لها، وارتباطها به، وتلقيها الأمر منه، فإن تقسيمها إلى أقسام جيش وشرطة يؤدي إلى إضعاف وحدة التسلح فيها، بانشغال الشرطة دائماً في الأعمال العادية بين يدي الحكام، لذلك كان الأفضل أن تكون واحدة، حتى تظل وحدة التسلح قوية فيها كلها، باتباعها أنظمة واحدة فيما يتعلق بالإعداد للجهاد. لهذا كانت القوى المسلحة هي الجيش تُختَار منها فِرَقٌ لتقوم بأعمال الشُرطَة، وتظل جزءاً مِن الجيش، ثم بعد مدة تُغيَّر هذه الفِرَق فَـتُعاد للجيش، وتُختَار فِرقٌ غيرها حتى تظلَّ قُدَرة الجيش كله على خوض معارك الجهاد واحدة، ومستعدة كل وقت.

ويعهد إلى الشرطة بحفظ النظام، والإشراف على الأمن الداخلي، والقيام بجميع النواحي التنفيذية، لحديث أنس المار في جعل النبي قيسَ بن سعد بين يديه بمنزلة صاحب الشُرطَة، فإنه يدل على أن الشُرطَة يكونون بين يَدَيِ الحكام، ومعنى كونهم بين يديهم هو قيامهم بما يحتاجه الحكام من قوة التنفيذ، لتنفيذ الشرع، وحفظ النظام، وصيانة الأمن، وتقوم كذلك بالعسس، وهو الطواف بالليل، لتتبع اللصوص، وطلب أهل الفساد، ومن يُخشى شرهُم. وقد كان عبد الله بن مسعود أميراً على العسس في عهد أبي بكر، وكان عمر بن الخطاب يتولى بنفسه العسس، وكان يصطحب معه مولاه، وربما استصحب عبد الرحمن بن عوف. ولذلك كان من الخطأ ما يُفعَل في بعض البلدان الإسلامية من إقامة أصحاب الحوانيت حراساً في الليل، يحرسون بيوتهم، أو إقامة الدولة حراساً على حساب أصحاب الحوانيت، لأن هذا من العسس، وهو على الدولة، وهو من وظائف الشُرطَة، فلا يُكلَّف به الناس، ولا يُكلَّفون بنفقاته.

ويُجعَل الجيش الاسلاميّ جيشاً واحداً مؤلفاً مِن عِدّة جيوش، ويوضع لكل جيش من هذه الجيوش رقم، فيقال: الجيش الأول، الجيش الثالث مثلاً، أو يُسمى باسم ولاية من الولايات، أو عِمالة من العمالات، فيقال، جيش الشام، جيش مصر، جيش صنعاء مثلاً.

ويوضع الجيش الاسلامي في معسكرات خاصة، فتوضع في كل معسكر منها مجموعة من الجند، إمّا جيشاً واحداً، أو قسماً من جيش، أو عدة جيوش. إلا أنه يجب أن توضع هذه المعسكرات في مُختلف الولايات، وبعضها في قواعد عسكرية، ويُجعل بعضها مُعسكرات مُتنقلة تنقلاً دائمياً، تكون قوات ضاربة، ويطلق على كل معسكر منها اسم خاص، كمعسكر الحبانية مثلاً، وتكون لكل معسكر راية خاصة.

هذه الترتيبات إمّا أن تكون من المباحات كتسمية الجيوش بأسماء الولايات أو بأرقام معينة فتترك لرأي الخليفة واجتهاده، وإما أن تكون لا بد منها لحماية البلاد، ولتقوية الجيش، مثل وضع الجيش في معسكرات ووضع بعض هذه المعسكرات في مختلف الولايات، ومثل وضعها في الأمكنة الاستراتيجية لحماية البلاد.

وقسم عمر بن الخطاب معسكرات الجيش على الولايات، فصيّر فلسطين جنداً (فيلقاً) والموصل جنداً، وكان يجعل في مركز الدولة جنداً، ويجعل لديه جيشاً واحداً يكون على استعداد للقتال عند أول إشارة.

http://www.khilafah.net/subarmy.php?topicID=37

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط