بسام درويش / Jun 15, 2007

 

 

أجرت بي بي سي أونلاين حواراً مع بعض العرب الأميركيين أو المقيمين في أميركا الذين عملوا مع القوات الأميركية كعسكريين أو مترجمين. بين هؤلاء امرأة اسمها فدوى حمدان، وهذا هو نص الحوار:

 

«فدوى حمدان: زواج إجباري وتجنيد اضطراري

عندما قررت فدوى حمدان العمل كمترجمة للجيش الأمريكي لم يكن ذلك حبا بالجيش أو إيمانا بما يقوم به الأمريكيون في العراق أو أفغانستان، بل لأن الجيش كان السبيل الوحيد للحصول على رزق وتأمين حياة كريمة، بعد أن اضطرت للتخلي عن أبنائها ووصلت بها الأمور للنوم في شوارع نيويورك.

فدوى أردنية من أصل فلسطيني. أجبرها والدها على الزواج عندما كان عمرها ثمانية عشر عاما، وانتقلت للعيش مع زوجها في نيويورك:

حياتي الزوجية كانت كلها حزن وهموم. لم أكد أجرؤ على النقاش مع زوجي وإلا غضب، كنت أنفذ كل ما كان يأمرني به.

ولكن بعد أن أنجبت منه طفلي الخامس قرر أن يتخذ زوجة ثانية دون رضاي وانتقل إلى السعودية، وأمرني أن اختار: إما أن يبقى أطفالي معي واتخلى عن النفقة، أو أن اتخلى عنهم لينتقلوا للعيش معه.

لو بقي أطفالي معي لما تعلموا لأنني لم أكن أستطيع الإنفاق عليهم ، فاضطررت لإرسالهم إلى والدهم.

كان ذلك قبل حوالي ستة أعوام، وكان أصغر أبنائي عمره عام ونصف، ولم اره منذ ذلك الحين.

بعد الطلاق انتقلت للعيش مع أخي وزوجته في بروكلين و نيويورك، ولكنا تشاجرنا في إحدى الليالي وطردني من منزله. ولعدة أيام اضطرت للنوم في محطات المترو وعلى المقاعد في الحدائق العامة كالمشردين.

حاولت الحصول على العمل من خلال الجاليتين العربية والمسلمة في نيويورك، ولكن لم ألق احتراما أو معاملة منصفة. وفي إحد الأيام قرأت إعلانا مكتوبا باللغة العربية يعرض وظيفة على من يتحدثون العربية، فاتصلت بواضعي الإعلان وأدركت أن الجيش الأمريكي يبحث عن مترجمين.

لم يكن القرار سهلا بالنسبة لي، خاصة لأن المسؤولين طلبوا مني أن اخلع الحجاب بحجة أنه غير مناسب لأداء التمارين الرياضية. ولكني قررت في نهاية المطاف أن اسلك هذا الطريق. أديت صلاة الاستخارة ورأيت شيئا في المنام ينبئني باتخاذ هذا الطريق. والله يعرف أنني مسلمة مؤمنة ولأنني لم أكن لأخلع الحجاب لو لم أكن مضطرة.

وانتقلت للتمرين في قاعدة عسكرية في ولاية تكساس. ولم يكن من الصعب علي أن أتأقلم مع الحياة العسكرية لأن قواعد الانضباط و الصرامة في المعسكر شبيهة بالقواعد التي كانت سائدة في حياتي الزوجية. ومع الوقت بدأت استعيد ثقتي بنفسي وأصبحت محبوبة بين زملائي.

ولكن لم يكتب لي أن استمر في هذا الطريق، لأني فشلت في امتحان اللغة الإنجليزية ثلاث مرات، مما أضطرني إلى مغادرة المعسكر.

اخيرا حالفني الحظ في العثور على عمل، وتحلم بأن تكمل دراستها في مجال الطب الصيني. أبنائي لا يزالون مع اتصال بي، وأمل أن اتمكن من الالتقاء بهم في المستقبل القريب.

ما أندم عليه هو شبابي الذي ضاع، يا ليتني أعود لأكون في الثامنة عشر في العمر وأقول لوالدي إنني لا أريد الزواج

(بي بي سي أونلاين: 9 يونيو 2007)

http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/arabic/talking_point/newsid_6737000/6737135.stm
=================

ـ والد فدوى فرض عليها الزواج فرضاً حين كانت في الثامنة عشر.

ـ حياتها مع زوجها المسلم كانت مليئة بالحزن والهموم والمعاملة السيئة. كانت تنفذ بذلٍّ كل ما يأمرها به زوجها، تماماً، بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية!

ـ أنجبت لزوجها خمسة أولاد فقرر أن يكافئ أمومتها بالزواج من امرأة أخرى، تماماً، كما يحق له في الشريعة الإسلامية، وطبعاً مخالفاً بذلك قوانين الولايات المتحدة حيث يقيم معها.

ـ تركها زوجها ورحل إلى السعودية وأمرها (أمرها: حسب تعبيرها) أن تختار بين أن تحتفظ بأطفالها معها وتتخلّى عن النفقة، أو أن تترك له الأولاد يأخذهم للعيش معه في السعودية، فتركتهم له لعجزها عن الإنفاق عليهم.

ـ بعد الطلاق، انتقلت فدوى للعيش مع أخيها المسلم الذي كان يُتَوَقَّعُ منه أن "يستر عليها" حسب التعاليم والتقاليد الإسلامية. لكنه تشاجر معها وطردها من بيته فاضطرّت للنوم في محطات المترو وعلى المقاعد في الحدائق كالمشردين!

ـ لجأت إلى الجالية العربية والمسلمة في نيويورك تطلب العون، ولكنها لم تلْقَ احتراماً ولا إنصافاً.

ـ وأخيراً، قرأت إعلاناً مكتوباً بالعربية عن حاجة الجيش الأميركي لمترجمين من بين الناطقين بالعربية فرأت في الجيش "السبيل الوحيد للحصول على رزقٍ وتأمين حياة كريمة!"

لكن، على الرغم من أنها وجدت في العمل مع الجيش "السبيل الوحيد للحصول على رزقٍ وتأمين حياة كريمة"، فقد وقف الحجاب الذي تلبسه، بكل ما يحمله من رموز الذل والقهر، بينها وبين هذا السبيل "الوحيد" لتأمين الرزق و"الحياة الكريمة!"

هذا الحجاب الذي ليس إلا رمزاً للدين الذي علّم أباها وزوجها وأخاها أن ينظروا إليها كإنسان من درجة ثانية وكمتاعٍ من الأمتعة التي يملكها الرجل، لا فرق بينها وبين جماله وحميره وأمواله.. وهذا الدين الذي جعل من مجرد ملامستها أمراً نجساً يبطل صلاة الرجل، ويقول عنها إنها شؤمٌ على الرجل، وإنّ عقلها أنقص من عقله ولذلك فإنّ شهادتها في المحكمة تعادل نصف شهادة رجل!

احتارت فدوى ماذا تفعل. أخيراً أدّت صلاة الاستخارة فظهر لها من يقول لها في المنام "إنّ للضرورات أحكاماً"، وتذكّرت قوله تعالى: "قد فصل الله ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه.." (الأنعام 6: 119)

وبعد نزول الوحي عليها، قررت القبول بشروط الالتحاق بالجيش، متظاهرة بالولاء، كما تنص عليه تعاليم الدين الحنيف، ودفنتْ في قلبها بُغضها للجيش وعدم رضاها عما يقوم به في العراق وأفغانستان، إلى درجة حازت معها على حب زملائها الذين ـ ولطيبة قلوبهم: أو لجهلهم! ـ لم يشكّوا أبدا بما تكنه لهم من بغض أو بالأحرى ما تشكّله عليهم من خطر!

وتعترف فدوى أنّه لم يكن من الصعب عليها أن تتأقلم مع الحياة العسكرية، لأن قواعد الانضباط والصرامة في المعسكر شبيهة بالقواعد التي كانت سائدة في حياتها الزوجية. لكن شتّان ما بين الغاية من قواعد الجيش وتلك التي كان زوجها وأبوها وأخوها يطبقونها عليها. قواعد أهلها مستمدة من القرآن وسنّة نبيّها وقد جُعلت لإذلالها، أما قواعد الجيش فقد أعادت لها ثقتها بنفسها التي سلبها منها زوجها وأبوها وأخوها وحتّى مجتمعها العربي الإسلامي الذي لجأت إليه فلم تلقَ منه احتراماً ولا إنصافاً!

أخيراً، "اضطرت" إلى "مغادرة" المعسكر، ـ ولا تقول إنّ الجيش قد استغنى عن خدماتها ـ لأنها فشلت في امتحان اللغة الإنكليزية ثلاث مرات؛ لكنّ إيمانها بهذا الله مصدر كل عذابها لا زال عظيماً!.. لا زالت تعتقد أنّه لا يصيبها إلا ما كتب الله لها ولذلك ربما كانت إرادة الله وراء فشلها إذْ "لم يُكتَب لي أن أستمرّ في هذا الطريق!"، ولا شكّ في أنّها تعني، طريق معصية الخالق بخدمة الكفار وخلع الحجاب!

**********

تقول فدوى إنّ ما تندم عليه الآن هو شبابها الذي ضاع، وتتمنى لو تعود لتكون في الثامنة عشر من العمر فتقول لوالدها إنها لا تريد الزواج، لكن، لو كان في راسها ذرة عقل لكانت قد تمنت لو استطاعت العودة إلى سن الثامنة عشر لتقول لوالدها الذي فرض عليها الزواج، ولزوجها الذي بيعت له: تبّاً لكما ولهذا الدين الذي أباح لكما سلب حريتي وإذلالي.. إنّي هنا في بلدٍ يقدّر قيمتي كامرأة وكإنسان ويحميني بقوانينه، ولذلك لن أسمح لكما أن تفرضا عليّ قوانين القرن السابع..!   

********

فدوى حمدان لم يظلمها زوجها أو أخوها. الإسلام هو الذي ظلمها كما ظلم أباها وأخاها فتحولا إلى ظلمها. مع ذلك، لازالت خانعة للإسلام ولا زال ولاؤها له.  

ترى كم من أمثال فدوى يضمّ هذا الجيش...؟

لا بل ترى كم من هؤلاء يلتحقون بالجيش وربما لا يكنّون له إلا النوايا السيئة؟!

*************** 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط