بسام درويش / Nov 16, 2002

أعلنت الحكومة الأمريكية يوم أمس عن توافر معلومات  لديها تفيد بأن لدى منظمة القاعدة مخططات للهجوم على منشآت أمريكية اقتصادية وسياحية وعامة، وعلى وجه الخصوص المستشفيات. ومن جهة أخرى، تناقلت وسائل الإعلام خبر تهديد بن لادن بالقيام بهجمات على أمريكا وعلى دول غربية أخرى وقوله بأن الحادي عشر سيبدو وكأنه حدث قزمٌ وتافه بالمقارنة مع الهجمات المقبلة.

***********

نحن نعرف أن الإرهاب الإسلامي، لأمريكا بالذات وللعالم كله بشكل عام، لن يتوقف، لأنه في الحقيقة لم يتوقف منذ أن ابتلي العالم بظهور الإسلام. فالإرهاب هو دستور الإسلام، قام ولا زال عليه قائماً. 

 

الحكومة الأمريكية تعرف بأن هجماتٍ إرهابية أخرى ستحدث، وبن لادن وأئمة المسلمين معه يؤكدون ذلك. ورغم تحديد السلطات الأمريكية بشكل عام لبعض الأهداف التي يخطط لضربها الإرهابيون، فإن هذه السلطات لا تعرف أية منشآت بالذات ستكون عرضة لهجماتهم أو متى سيتم تنفيذ هذه الهجمات. ولكنّ أمراً واحداً تعرفه الحكومة، ومعرفتها به يجب أن تكون كافية لمنع الإرهابيين من تنفيذ مآربهم على الأقل داخل حدود الأمة.

هذا الأمر الذي تعرفه الحكومة ولم يعد يخفى على الشعب، هو أن الإرهابيين لن يكونوا من الهندوس، ولن يكونوا من اليهود أو المسيحيين أو البوذيين. إنهم سيكونون من عبدة الحجر الأسود أتباع الملة نفسها الذين قتلوا ما يزيد عن ثلاثة آلاف إنسان بريء يوم الحادي عشر من أيلول. إنهم أتباع الملة نفسها الذين يخطفون الأبرياء ويقطعون رؤوس الصحافيين والمبشرين والسياح ويفجرون المطاعم والباصات ودور السينما والمسارح والطائرات.  

الإرهابيون الذين تتحدث عنهم السلطات الأمريكية في تحذيرها، سيكونون من أتباع هذه الملة نفسها، سواء وُلدوا عليها، أو أنهم اعتنقوها في وقت لاحق من حياتهم، فأصبحوا بالتالي جنوداً في صفوفها لتنفيذ مآربها الشريرة ضد الإنسانية جمعاء.

 

إننا إذ نعلم علم اليقين، بأن الذين سينفذون مخططات بن لادن وغيره من شيوخ الإرهاب هم من المسلمين دون غيرهم، فإن أخذ الحيطة من كل مسلم في أي بلد من بلدان العالم، لا يجب أن يُعتبرَ ردة فعل طبيعية فقط بل يجب أن يكون قراراً سليماً وضرورياً للوقوف بوجه هذه المخططات.

المسلمون الذين سينفذون الأعمال الإرهابية في أمريكا، سيكونون إما من الوافدين الجدد تحت ستارٍ ما، كالدراسة أو المعالجة أو الزيارة أو غيرها.. أو مقيمين، من الذين أحسنتْ إليهم هذه الأمة وفتحت لهم قلبها وأبوابها.

 

انطلاقاً من ذلك، وإذ نعلمُ علمَ اليقين، بأن الخطر لا بدّ قادمٌ، كما نعلم من أين سيأتي، ومن هم الذين سيحملون لواءه، فإنه لمن العدل أن نتوقّع من حكومة هذا البلد، حرصاً على سلامة أبنائها، أن تسدّ الباب في وجه كل مسلمٍ حتى ولو كان قادماً للمعالجة في إحدى المستشفيات، ومن يعلم، فلربما يكون قد حشا أمعاءه بقنبلة جرثومية مؤقتة ما أن تنفجر حتى تقضي على كل من في المستشفى ومن حولها. إنه لمن العدل كذلك أن تعيد الحكومة النظر في إقامة كل مسلمٍ في هذا البلد وترحّل كل من يُشَكُّ بأمره، وإن فعلت ذلك فإنها ستكون دون  شكّ أرحم بالعرب المسلمين من المسلمين أنفسهم، وفي تاريخ المسلمين وحاضرهم ما يشهد بذلك. (حين بعث إبراهيم بن محمد الإمام بأبي مسلّم الخراساني والياً على خراسان أمره قائلاً: "إن استطعتَ أن لا تدعَ بخراسان لساناً عربياً فافعلْ، ومن شككتّ في أمره فاقتله!" ـ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ـ  وفي نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري: "واقتل من شككتَ فيه وإن استطعتَ أن لا تدع بخراسان من يتكلم العربية فافعل وأيّما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله!..")  

 

الخطر قادمٌ.. لا شكّ في هذا أبداً. وقدومه على أيدي مسلمين، هو أيضاُ أمرٌ ثابتٌ لا شكّ فيه أبداً!.. وعدد المسلمين داخل البلد يكبر يوماً بعد يوم، لا لأن الناس يُقبلون على هذا الدين أفواجاً كما يدّعي أصحاب الدعاية الإسلامية، بل لأن الأبواب لا تزال مفتوحة لاستقبالهم رغم ما يحملونه معهم من خطر ورغم كل ما قيل عن الإجراءات الجديدة المتشددة في منح تأشيرات الدخول لهم. بعبارة أخرى، جيش الإرهاب يكبر ويكبر في الداخل، وحين يعلن بن لادن أو غيره من قادة الإرهاب عن ساعة بدء الجهاد، سيخرج عشرات الألوف من أوكارهم، وسيعرف آنذاك الداعون للحفاظ على وجه أمريكا الحضاري في التعامل مع الإرهاب ما جلبوه على أمتهم في دعوتهم هذه. إننا إذا تأمّلنا في عدد الضحايا ومقدار الخسائر التي سببها تسعة عشر جرذاً يوم الحادي عشر من أيلول، فإنه سيسهل علينا أن نتصوّر مقدار الأذى الذي سوف يلحقه بضعة آلاف منهم. وللذين يرون في قولنا "بضعة آلاف منهم" مبالغةً كبيرة، يمكنهم العودة إلى مقالة بعنوان "بن لادن الحقيقي" لجوزف فرح في  World Net Daily.com  سبق وأن قمنا بترجمتها على صفحات "الناقد". جاء في تلك المقالة:   

"لنفترض أن هناك، حسب ادّعاء المسلمين، سبعة ملايين مسلم في الولايات المتحدة. هل هو أمرٌ لا يُصدق إذا قلنا أن هناك عشرة بالمئة منهم ممن يتعاطفون مع الأهداف التي يسعى إليها أسامة بن لادن؟ هذه النسبة بحد ذاتها تشكل جيشاً قوامه سبع مئة ألف! وإذا اعتبرنا أن هذه النسبة أمراً مبالغاً فيه، فلنفترض أنهم يشكلون فقط واحداً بالمئة. هذا يعني أنهم يشكلون طابوراً خامساً قوامه سبعون ألفاً!.. ولكن، إذا شئنا أن نكون متحفظين جداً جداً، لنقل بأن هذه النسبة هي فقط صفر فاصلة واحد بالمئة، فهذا يعني أن هناك إمكانية لوجود سبعة آلاف عميل يعيشون هنا بيننا في الولايات المتحدة الأميركية."

إنَّ سبعة آلاف عميل إرهابي جاهزين لإلحاق الأذى بأمريكا، هو عددٌ لا يمكن الاستهانة به نظراً لكونهم لا يمثلون وجهاً حضارياً على الإطلاق. بشاعة هذا الوجه ظهرت واضحة يوم الحادي عشر من أيلول، وإذا كانت هذه النسبة تحمل ما تحمل من الخطر على هذه الأمة، فكيف لو كانت النسبة حقاً واحداً بالمئة أو أكثر، وهي بالتأكيد أكثر! 

 

إننا لم نسمع حتى اليوم عن إمام مسجد في أمريكا وقف يخطب بالمصلين ليحضّهم بلسان صريح لا نفاق فيه على حب هذا البلد وعلى بذل النفس من أجله. لم نسمع عن إمام مسجد وقف يخطب بالمسلمين قائلاً لهم: أيها المسلمون.. بلدكم هو هذا البلد الذي وجدكم يتامى فآوى، وعائلين فأغنى، ومظلومين فأعزَّ وأكرم.. لذلك، فإن لهذا البلد ولهذه الأمة عليكم حقاً إن أوفيتم به آمنتم، وإن أنكرتموه كفرتم!..

هذا أمرٌ لن يحدث! ففي البلاد الإسلامية، يحض أئمة المساجد المصلين على الجهاد من أجل بلادهم لأن حاكمها مسلم، أما هنا، فهم لا ينظرون إلى هذا البلد على أنه وطنٌ لهم يتوجب عليهم الجهاد من أجله، لأن حكامه ليسوا مسلمين. دعوة كهذه تتعارض مع صلب تعاليم الإسلام الذي لا يجيز لمسلمٍ أن يحارب في صفوف دولة غير مسلمة في حربها ضد دولة مسلمة.   

************* 

لا شك بأن السلطات الأمريكية لا تكتفي فقط بالإعلان للمواطنين عن إمكانية وقوع أعمال إرهابية ولكن يبدو واضحاً أنها ـ من خلال تمسكها بالتعامل مع الإرهابيين بهذا الأسلوب الحضاري ـ تعرّض حضارتها وحضارة العالم كله للخطر. هذا الوجه الحضاري الذي يميّز أمريكا عن كل العالم، هو بالضبط الذي يشجّع الوطاويط على الخروج من أوكارها غير عابئة بنور الشمس. بعض هذه الوطاويط يقفز من ضحية إلى أخرى، وبعضهم الآخر نراهم على عواميدهم الثابتة في صحفهم الناطقة باسمهم ينشرون سمومهم الحاقدة وروائحهم الكريهة.

 

لقد اصبح لزاماً على أمريكا، أن تضع هذا الوجه الحضاري جانباً لفترة من الزمن، ليس من أجل سلامة أبنائها فقط، بل من أجل مستقبل الإنسانية جمعاء. فصراعها ليس مع دولة أو  شعب إنما هو صراع مع قوى شريرة تكره كل الدول وكل الشعوب. وما على المغفلين من الأمريكيين الذين ينادون بأن على أمريكا أن تتعامل بوجه حضاري مع الإرهاب إلا أن يجربوا أن يقوموا بإبادة الحشرات من بيوتهم بعبارات حضارية لطيفة معسولة.

ما يشهده العالم اليوم ليس صراع حضارات. إنه في الحقيقة صراع الحضارة مع أعداء الحضارة.   

*************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط