بسام درويش / Dec 15, 2001

عمليات استشهادية. عمليات انتحارية. إسلاميون، متطرفون، متعصبون، أصوليون..

تعددت الأسماء والمسمى واحد!

هي عمليات إرهابية، سواء دعاها البعض استشهادية أو انتحارية.

وهم مسلمون، سواء دُعـوا إسلاميين أو متعصبين أو أصوليين أو متطرفين أو أي اسم آخر في قواميس الاعتذاريين. ولوجه الحق، إنهم هم المسلمون الحقيقيون، إذ أن ما يقومون به ليس إلا تطبيقاً أميناً لتعاليم الإسلام.

استهداف المدنيين بشكل متعمد هو إرهاب سواء كان مرتكبوه مسلمين أو يهود أو مسيحيين، ولكن أسوأ أنواع الإرهاب هو ذاك الذي يبرره بعض الإرهابيين بأنه أمر من الله لأنهم بذلك يضفون عليه صفة الشرعية الإنسانية والإلهية معاً.  "كُتب عليكم القتال وهو كره لكمْ وعسى أَن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أَن تحِبُّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأَنتم لا تعلمون" ( 2 : 216 ) 

 

الإرهاب لا يتجلّى فقط في الاعتداء على المدنيين في صفوف "الأعداء" بل يشمل أيضاً تعريض المدنيين في صفوف المعتدين أنفسهم، وهو جريمة أكبر وأشنع. هذا هو بالضبط ما يقوم به مثلاً المجرمون من جماعة طالبان وبن لادن الذين لا يستهدفون إلا المدنيين في العالم، ولكن حين تأتي ساعة الحساب يهربون ليحتموا بين الأطفال والنساء والشيوخ وطلبة المدارس والمصلين في المساجد، ثم ليتباكوا بعد ذلك أمام العالم مدّعين أن قوات الثأر تقصف العزّل الأبرياء من المدنيين. هذا ما يقوم به الفلسطينيون أيضاً. يفجرون دور السينما وسيارات الركاب والمطاعم والمقاهي وأماكن تجمع الشباب ثم يهربون إلى المنازل ويدفعون الأطفال إلى التجمهر والتظاهر حيث يختبئون، حتى إذا قام "العدو" بالانتقام، كان أكثر الضحايا من الأطفال الأبرياء.     

*********

تناقلت وكالات الأنباء والصحف والإذاعات العربية خبر العمليات الإرهابية البشعة الأخيرة في القدس وحيفا واصفة إياها بأنها عمليات استشهادية قام بها استشهاديون، ولكن الأبرياء من المدنيين الذين سقطوا ضحايا هذا العمل الإرهابي، كانوا حسب تعبير وسائل الإعلام هذه، مجرد "قتلى في صفوف الإسرائيليين"! 

 

نقلت جريدة "الراية" القطرية الخبر فقالت: "صعدت حركة حماس من عملياتها الثأرية ضد إسرائيل ردا علي اغتيال أحد قادتها من قبل قوات الاحتلال مؤخرا، فبعد أقل من اثنتي عشرة ساعة على عمليات القدس، التي أسفرت عن مصرع عشرة إسرائيليين وإصابة 40 آخرين نفذت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس أمس عملية استشهادية وسط مدينة حيفا أسفرت عن مقتل 14 إسرائيليا وإصابة أربعين آخرين جراح عشرة منهم خطرة، فيما استشهد منفذ العملية ماهر خريشة، 21 عاما من مدينة نابلس."

ولم تتأخر هذه الجريدة عن نقل وصف مروع لدقائق الحادث دون أي شعور بالأسى فقالت: "وقد مزق الانفجار الباص ودفع بالعديد من ركابه خارج النوافذ بحسب شهادات نقلتها الإذاعة، وقال شهود عيان أن بعض الركاب طاروا في الهواء لارتفاعات عالية من شدة الانفجار."

**********

ماذا يتوقع حقاً أن يجني الفلسطينيون من هذه العمليات الإرهابية؟.. هل يتوقعون تعاطفاً من الرأي العام العالمي مع قضيتهم. أو هل يتوقعون ازدياد تعاطف الفئات الإسرائيلية التي تميل إلى السلام؟.. وهل يتوقعون أن تؤدي هذه العمليات إلا إلى تأصيل مشاعر الكراهية لكل ما يمت للإسلام بصلة، وبالتالي تجعل المسلم، أينما رحل وحل، فرداً مثيراً للريبة والخوف؟

للعرب والمسلمين أن يلوموا الأميركيين على تعاطفهم مع اليهود ما شاء لهم أن يلوموا، لكن أن يعتقدوا أن بإمكانهم التأثير على هذا التعاطف من خلال عملياتهم الإرهابية فإن اعتقادهم لا شك خائب. اليهود كسبوا تعاطف الأميركيين لأنهم عرفوا كيف يبيعوا قضيتهم أما المسلمون وخاصة العرب منهم، فلا زالوا يعتقدون أن بإمكانهم التعامل مع العالم بنفس الطريقة التي تعامل بها محمد والمسلمون الأوائل مع الأمم الأخرى.

 

أمر لا بدّ من الاعتراف به وهو أن العربي إنسانٌ  من بين أكثر بني البشر طيبة وكرماً ونخوة، وهذه الصفات هي صفات عظيمة يمكن لها بحد ذاتها أن تكسبه تعاطف الشعوب المتحضرة. والشعوب، في الدول المتحضرة، لها الكلمة الفصل في سياسة حكوماتها. الإنسان العربي لا يقل في مقدرته على الإبداع والمشاركة في خدمة البشرية عن أي إنسان آخر على وجه الأرض، لو توفرت له ظروف الإبداع. والشعوب العربية تملك من القدرات المالية والاستراتيجية والطاقات البشرية ما لا تملكه شعوب أخرى بما في ذلك اليهود. ولكن، ما يحتاج العرب إليه لإثبات وجودهم الإنساني بين أمم وشعوب العالم هو أمر واحد لا أقل ولا أكثر. ما يحتاجه العرب هو أن يضعوا الدين جانباً في تعاملهم مع شعوب العالم وأن يتخلوا عن تنشئة أجيالهم على التقوقع وعلى تخويفهم من كل ما هو مخالف لدين الإسلام. وبعبارة أخرى، على العرب أن يتخلوا عن إرهاب أنفسهم وإرهاب أجيالهم قبل أن يتخلوا عن سياسة إرهاب العالم. آنذاك يأمن لهم العالم لأنه سينظر إليهم بعين الاحترام وليس بعين العطف. بعين الثقة وليس بعين الخوف.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط